قرأت مقال دكتور شحرور ممتاز ودقيق إلا في القليل من عدم الدقة في قوله عن سبب انتهاج العلمانية بعد سطوة اللاهوتية هو من أجل الدعوة للاهتمام بالحياة الحالية عوضاً عن الاهتمام بالحياة الآخرة"" أما فصل الدين والدولة، فيبدو من حديثك أنك لا تعرف ما هو الدين وماهي الدولة. مثلاً في قولك "فالرسول حين يصدر قرارات لا يمكن فصلها عن الأوامر الإلهية المباشرة" كلمة عدم إمكانية فصلها لا تعني مساواتها وجمعها معها كمصدرية. فالدين هو التسليم لله تعالى وحفظ الأمانة في المبادئ الرفيعة التي ألزم بها عباده، والدولة هي النظام الذي ينتظمه الأفراد لإدارة علاقاتهم سوياً والتي تفرضها الجغرافيا أو التأريخ أو أي أمرٍ يجمعهم سوياً متفقٌ عليه. فقرارات الرسول السياسية كقائد يحب فصلها عن الأوامر الإلهية، فهو مبلغٌ بها وليس شريكٌ فيها "وما عليك إلا البلاغ"، "فذكر إنما انت مذكر* لست عليهم بمسيطر" الآيات. حينها لا يحق لك فرض التزامك الفردي فيها مع ربك أو مع جهة أخرى. والأمثلة في واقعنا الآن، الوحدة الأفريقية لا تلزمك أن تفرض على أعضائها انتهاج الإسلام أو منع ما لا يقبله الإسلام من خمور وربا وزنا إلخ، والأمم المتحدة لا يمكنك أن تلزمها بمناصرة الإسلام مثلاً كقضية جماعية أو عدم مساندة اليهود في حقوقٍ سلبت منهم إلخ، ولا أن يزج الشيعة بخلافهم مع السنيين ولا السنيون بخلافهم مع الشيعة في مهام المنظمة.إن حكمة الإيمان بالحق هي أن الحق أكبر من أن تدركه عقولنا، وواجبنا هو فقط تحكيم ضميرنا لإدراك ما أمكن منه، قوله تعالى "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، أي أن حسابه لنا هو فيما اكتسبناه باجتهادنا في الوصول للحق، وبما أن العقل ليس مؤهلاً للبت فيه، لقصره وجهله، فالنية وصدقها هي الفيصل "إنا عرضنا الأمانة للسموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً"إن خلط المصدرية الإلهية للرسالة بالمصدرية البشرية، والخلط بين الأمانة والعقد الاجتماعي هما أسباب فتنة المسلمين، الذين زجوا بها عميقاً في معتقدهم بسبب تنافسهم القبلي والعرقي، ليس تمسكاً بالعروة الوثقى، ولكنهم لأنه انطبق عليهم قوله تعالى "إنه كان ظلوماً جهولاً"سأفرد مساحةً لهذا الموضوع الخطير في مقالاتٍ قريباً إن شاء الله
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة