القصة كالآتي: في البوابات الجنوبية تحرك طلاب دارفور عبر الباصات للعودة الى الخرطوم ؛ اوقفت الاجهزة الأمنية هذه البصات ودخل افراد من الامن يرتدون زيا مدنيا الى الباصات وبدأوا تفتيشها ؛ التفتيش لم يتم بحثا عن أسلحة أو مخدرات انما كان تفتيشا في الوجوه ؛ نعم يا سادة ؛ تفتيشا في الوجوه حيث ينظر رجل الأمن الى وجوه الركاب ، فإذا رأى انفا معقوفا وشعرا مجعدا ولون جلد أسود وغيره بحيث تشير الملامح إلى انتمائه لدارفور قام بانزال الراكب ومنعه من السفر. هكذا وصلتني القصة والعهدة على الراوي . لكن في هذه القصة وان سلمنا بصحتها فإن هناك تساؤلا جوهريا ينبثق الى الذهن: هل كل ملامح سكان دارفور واحدة؟؟؟ ما المقصود بسكان دارفور ، هل يقصد بهم قبيلة الفور فقط ام غيرهم من القبائل ، هل تكتل طلاب دارفور تكتل لقبيلة واحدة. لا أعرف الاجابة . على اية حال فلنسلم بهذه القصة على عواهنها ، وللنظر في جانب مشروعية انزال ركاب بناء على سحنتهم ، هل هذه عنصرية ، وفقا للقصة فهي عنصرية لا مجال للجدال حولها ، ولكن ان نظرنا اليها من حيث الجانب الأمني فهي ليست كذلك. فالواضح بأن أجهزة الأمن قدرت أن عودة تكتل طلاب دارفور قد يشكل خطورة أمنية داخل العاصمة ، فالتوقعات التي رسمها الامن هي كما أتصور كالآتي: دخول قرابة 1200 طالب في مجموعة واحدة داخل العاصمة ، هذه المجموعة والتي يمكن ان نسميها كتيبة كاملة ستدخل الى العاصمة ويمكن أن تبدأ تظاهرة كبيرة جدا ضد النظام ؛ لو احتسبنا عدد الطلاب الآخرين من دارفور والمتواجدين في العاصمة قد لا يقل عن 5000 طالب ، قد ينضموا الى تظاهرة الكتيبة فنصل الى مرحلة لواء ، ولو انضم غير الطلاب من المنتمين لاقليم دارفور القاطنين العاصمة فقد يؤدي ذلك الى تظاهرة عارمة تجتاح كل الازقة والطرق الرئيسية والشوارع والميادين بحيث لا يمكن السيطرة عليها أمنيا ... واذا انضم اليها الشعب السوداني من باقي اقاليم السودان فقد انتهى عهد الانقاذ والكيزان تماما. إذن فالتصورات الأمنية كما اتوقعها تصورات منطقية لحماية النظام وليست بدافع عنصري صرف .. المادة 42 من الدستور تنص على الآتي:
42ـ (1) لكل مواطن الحق في حرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته إلاّ لأسباب تقتضيها الصحة العامة أو السلامة وفقاً لما ينظمه القانون.
أي أن الانتقال الى العاصمة حق دستوري . ولا يقيد الا بدواعي السلامة . فهل تصرف الأمن أتى بدافع السلامة؟ إن ما صدر من الأمن جاء لغاية لا تتعلق بالسلامة بشكل مباشر فالغاية الحقيقية من القرار الأمني هو حماية النظام من التظاهر المتوقع ، وليس لتحقيق السلامة . اما القانون فلم يرد في القانون أي قاعدة قانونية تمنع أي مواطن من التنقل بحرية من العاصمة والى الأقاليم وبالعكس. منع الطلاب من العودة في شكل جماعي الى العاصمة هو قرار اداري اتخذته أجهزة الأمن ، والقرار الإداري هنا قرار يتكون من شقين ، الشق الاول قرار مقيد بمبدأ المشروعية والشق الثاني قرار نسبي بالملاءمة .. فهو مقيد بمبدأ المشروعية بحيث يجب ان يستند هذا القرار الى قانون وألا يخالف القانون. ويلاحظ في هذا الشق أن القرار لم يستند الى أي قانون كما انه خالف فوق ذلك الدستور نفسه . من ناحية ثانية فإن قرار توجيه حركة الجماهير خاضع للملاءمة أي الغاية من القرار ، والقانون قد يمنح الأجهزة الامنية سلطات تقديرية واسعة في تقدير الملاءمة اي الغاية من القرار وهي تحقيق المصلحة العامة ، ورغم هذه السلطة التقديرية الواسعة إلا أنها ليست مطلقة فهي خاضعة لرقابة القضاء الاداري بحيث يجب أن تكون الغاية من القرار تحقيق المصلحة العامة. فهل كانت الغاية من القرار فعلا تحقيق المصلحة العامة؟ قد تتحجج الاجهزة الامنية بأن انتقال فوج مؤلف من 1200 فرد قد يؤدي الى تفلتات لا يمكن السيطرة عليها أمنيا . ومن ثم يكون اتخاذ القرار بهذه الحجة ملائما وغير قابل للإلغاء . وتستطيع الأجهزة الامنية أيضا ان تدفع بعدم مخالفتها للدستور باعتبار انها لم تحرم هولاء من حقهم الدستوري في العودة الى العاصمة ولكن من جهات متعددة أخرى بحيث يجوز للطالب بعد العودة الى مقره في دارفور العودة الى العاصمة. ومع ذلك فكل هذه حجج واهية ؛ وانتهاك الحق الدستوري لا مراء فيه. فأولا ، من قال بأن كل طلاب دارفور لديهم مقار ثابتة في دارفور ، فبعضهم استقر به المقام في العاصمة بعد الحرب ؛ كما ان عملية انزال الاشخاص بناء على ملامح الوجه عملية تنتهك مبدأ المساواة والذي اقره دستور 2005م . فانزال الشخص من مركبة عامة حتى لو كان لدواع امنية يجب ان يتم بناء على معلومات مستمدة من وثيقة قانونية كالبطاقة الشخصية أو الرقم الوطني ..منعا للشعور بالتمييز العنصري ، وعدم المساواة امام القانون... كما ان الملامح ليست معيارا منضبطا للتمييز بين من يقطن دارفور او غيرها من الأقاليم وبالتالي قد يؤخذ البعض بجريرة الآخرين أخيرا هذا كله لا يعني انني اتراجع عن رفضي التام للتحيز العنصري لتكتل طلاب دارفور وفرزهم عيشتهم من مجموع الشعب السوداني ، فقضيتهم اساسا واهنة لأنه وحسب اقوال ادارة الجامعة كان فصل الطلاب بعد تحقيق تم حول حرق بعض مباني الجامعة وقتل شرطيين ، كما ان إدارة الجامعة فيها ممن ينتسبون الى دارفور ، ولا انسى ان اذكر أن طلبة من باقي ولايات السودان تم فصلهم من الجامعات ومنها جامعة بحري وجامعة الخرطوم فصلا تعسفيا في اقل من ذلك ومع ذلك لم يستحضروا قبائلهم للدفاع عنهم وتحويل القضية الى قضية عنصرية ، بل ان بعضهم لجأ الى الأستاذ المحامي نبيل أديب فاقتحم افراد الامن مكتب الأستاذ نبيل واعتدى على من فيه وسرق ملفاته واعتقل هؤلاء الطلاب ومع ذلك لم يتم تصغير وتسفيه قضيتهم بتقزيمها في اقليم واحد او قبيلة واحدة . وبالنسبة للطلاب المفصولين فإن امامهم القانون ليلجأوا اليه ان كانوا أبرياء حقا مما نسب اليهم اما اسلوب فزعة القبيلة هذا فهو اسلوب بدائي ولا يتفق مع احترام القانون . إن القانون كما قال مونتسيكيو يا سادة يجب ان يكون كالموت لا يستثني أحدا ..واحترامنا نحن كمناهضين للدكتاتورية يجب ان يبدأ بما نؤمن به وليس هدم ما نؤمن به .
العنوان
الكاتب
Date
ملاءمة قرار الاجهزة الامنية بمنع طلاب دارفور من العودة الى الخرطوم (عاصمتهم) بقلم د.آمل الكردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست