طوى أحمد سليمان المحامي الصحيفة ثم قذف بها بعيداً.. ثم صرخ الراجل دا خطيرا جداً" ثم رمى بكلمة في العامية السودانية تفيد الفهلوة" .. كان ذلك بعيد انقلاب الإنقاذ مباشرة..أرسلت مصر وقتها الأستاذ مكرم محمد أحمد ليقرأ أفكار قائد الانقلاب الجديد الفريق عمر البشير..في ذلك الحوار الصحفي أرسل البشير بمهارة إشارات إعجاب بجمال عبدالناصر .. وتحدث عن دور مصر الإستراتيجي والمحوري..أهم ما في الأمر أن البشير تمكن من إخفاء الحبل السري الذي يربطه بالجبهة الإسلامية كاتبة سيناريو الانقلاب. في مثل هذا اليوم قبل ثمانية عشر عاماً هجرياً وقعت المفاصلة بين الإسلاميين في السودان.. لم يكن أحد يتصور استمرار الرئيس البشير في السلطة طويلاً عقب اختلافه مع عراب الحركة الإسلامية الشيخ حسن الترابي..لكن الحقيقة أن الرجل فعلها دون أن يضطر إلى تغيير القاعدة الحزبية التي أوصلته للسلطة..بل إنه تمكن أيضاً بمهارة من إعادة الذين شقوا عصا الطاعة عليه إلى صفوف الحكومة مجدداً عبر آلية الحوار الوطني..لكن يظل السؤال كيف حدث ؟ في تقديري أن الرئيس البشير كان دائماً قادراً على جعل الخصم يطمئن إليه، وفي أحوال كثيرة يفشل خصومه في معرفة قدراته الحقيقية ..حينما كان في الجيش نشر أحد أقاربه تقريراً في صحيفة الدستور العراقية يفيد فيه أن العقيد عمر حسن أحمد يخطط لانقلاب لصالح الجبهة الإسلامية..كانت تلك الشكوك كافية لإرساله للمعاش المبكر، لكن قادته ظنوا أن ذاك الضابط صاحب الابتسامة الدائمة لا يمكن أن تصدر منه تلك البلاوي..حتى حينما أرادوا إخراس الألسنة التي تتربص بالمحارب في الخطوط الأمامية، فكروا في إرساله الى دورة تدريبية في مصر.. العميد استغل تلك السانحة ليحضر للخرطوم ومن ثمة ينفذ انقلابه في فجر الجمعة المشهودة من قبل ثمانية وعشرين عاماً. داخل أروقة الحركة الإسلامية، وبعيد نجاح الانقلاب كان البشير أكثر الضباط طاعة للزعيم حسن الترابي المعروف بالقسوة التنظيمية..بعض أترابه في مجلس قيادة الثورة لم يصبروا على الرجل الصالح فخرجوا طوعاً أو أخرجوا كرها..بعيد استشهاد الزبير محمد صالح في طائرة الناصر تحركت الحركة الإسلامية لإطباق الحصار عليه عبر إدخال كادر بمقدرات علي عثمان محمد طه إلى القصر الجمهوري ..بعد عامين كان مراقب الجبهة هو رأس الرمح في التمرد على الجناح المدني أو ما عرف لاحقاً بمعسكر المنشية. فضل البشير أن يقود المفاصلة بتلاميذ الشيخ المقربين ..لم يوقع على مذكرة العشرة التي خلعت الترابي سوى جنرال واحد هو العميد بكري حسن صالح..قائمة التلاميذ الغاضبين شملت إبراهيم أحمد عمر وعلي كرتي ونافع علي نافع وغازي صلاح الدين وأحمد علي الامام وسيد الخطيب وعثمان خالد مضوي بجانب بهاء الدين حَنفي..كل العناصر المدنية المذكورة هم أبناء خلص للشيخ حسن الترابي..لكن بعد سنوات طويلة تمكن البشير من إرسال جميع الموقعين على المذكرة للمعاش الاختياري أو الجلوس في مواقع غير مؤثرة في صناعة الأحداث . بصراحة وبعد نحو ثلاثة عقود نستطيع التأكيد على أن البشير تمكن بهدوء من تحقيق كل أحلامه..بدلاً من أن تستغله الحركة الإسلامية استطاع ترويضها ومن ثم تسخيرها في الحفاظ على حكمه..هذا رجل خطير كما وصفه أحمد سليمان المحامي ..مصدر الخطورة أنه يبدو دائماً كرجل عادي جداً. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة