في 1958 تفجرت في السماء طائرة حملت الرفاق محمد عثمان خلف الله عمر (كرن) سكرتير فرعية المخازن بنقابة السكة حديد، ومحمد مصطفى شناوي القبطان بالميناء وعضو فرعية نقابتها التابعة للسكة حديد، ومحمد عبد الله في طريق العودة من احتفال بالصين الشعبية ممثلين لاتحاد نقابات عمال السودان. وعرفت عن كرن أكثر مما عرفت الرفيقين الآخرين. فكتبت خلال محنة الأستاذ عبد العزيز خالد بين إرتريا والأمارات تعريفاً ببعض أهله أصهاره آل خلف الله عمر من أهلي وجيرتي في حي الداخل بعطبرة والغريبة والعالياب بمركز مروي. قلت: أما الذي يعلق بقلب بشيخ يساري مثلي من آل عمر فهو رفيقنا الشهيد محمد عثمان خلف الله الشهير ب"كرن" عليه رضوان الله ورحمته. ولست اذكر من الرجل في حياته سوي انه طردني من نادي الوادي، الذي كان هو من سادة إدارية، وأنا طفل لتقحمي النادي لأشتري قطعة باسطة من بوفيه النادي. وكانت باسطة نادي الوادي، مثلها مثل باسطة سوق حي القيقر التريانة بماء السكر، مما يسيل لها اللعاب وتغري بخرق بروتكولات كرن وصحبه والدنيا بما فيها. وقد ساءني ذلك وشكوته الي زميله أخي محمد علي إبراهيم. وقد عاد إلي أخي منه بما يشبه الاعتذار لأنه لم يكن يعرف أنني ليس من اولاد الداخلة أصلاً واسكن حلة المحطة. ولم اعرف عن نفسي أن عهدي قديم بالضيق بالقيود المرتجلة والشكوى لطوب الأرض منها. وعلمت عن كرن مؤخراً ما حببه الي نفسي. فقد كان شيوعياً مقداماً من مفصولي مدرسة وادي سيدنا في الخمسينات الأولي. وكان منهم جماعة من مدينة عطبرة وبعضهم من حي الداخلة. وقد قال لي الدكتور محجوب عبد المالك إن هذه الجماعة المطرودة من الوادي هي من الحصاد الأحمر للمرحوم محمد سعيد معروف خلال تدريسه بمدرسة عطبرة الأميرية في آخر الأربعينات. وعمل كرن موظفاً بمخازن السكة الحديد. وأصبح عضواً بنقابتها. ولا أدري كيف أصبح هذا الأفندي عضواً بنقابة لعمال المصلحة. وربما كان ممن يسمون "خارج الهيئة" اي غير الموظفين. ولكنه كان نقابياً بارزاً محبوباً. واختارته النقابة ليمثل عمال السودان في احتفالات الصين بعيد من أعيادها في 1958. وكان معه الرفيقان محمد عبد الله على والشناوي، عليهم سحائب الرضي وغطاء الخالق. وانفجرت الطائرة به وبصحبه في الوفد في سماوات العودة الي الوطن. ونعاه الرفيق هاشم السعيد في جريدة "الميدان" بشاعريته العذبة قائلاً "يا ضيف الشهداء في أرض الاشتراكية." فأنظر طلاوة هذه العبارة وبعد مأتاها. وكان كرن فقداً خاصاً لنا في الداخلة وظلت ذكراه عابقة بنادي الوادي. وكان سادنها رفيقنا المرحوم عبد الله محي الدين يجددها ويطبعها بين الشباب بروحه الهامسة وبخياله الخصيب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة