لم يكن محمود محمد طه أصيلا في فكرة الأصالة! أي في ادعائه لفكرة الأصالة! وهي فكرة عتيقة سرقها محمود من ضلالات الصوفية الباطنيين المتطرفين المنحرفين! أولئك الذين قالوا بإمكان الوصول إلى الله تعالى، والاتحاد به، والفناء فيه، والامتزاج به؛ جل وعلا عن ذلك علوا مبينا. والذين قالوا إن الوصول إلى تلك الدرجة يستتبع سقوط التكاليف الشرعية عنهم وعلى رأسها فرض الصلاة. وأول من جاء بدعوى رفع التكاليف الشرعية، ومنها الصلاة، إلى أفق الفكر الإسلامي هم الشيعة الروافض. وقد استعاروها من كتب الفكر الديني اليهودي. ولذلك ترى كثيرا من أتباع الفرق الرافضية ومن ينتسبون إليها كالنصيرية والدروز لا يصلون. ومن المعروف أنه ليس لديهم في مدنهم وقراهم في سورية ولبنان وتركيا مساجد على الإطلاق؛ فكيف يبتنون المساجد بينا هم لا يصلون؟! ويستعير الروافض أفكارهم من اليهود وينسبونها زورا إلى الإمام جعفر الصادق، رضي الله عنه، حتى يتقبلها منهم الناس. والإمام جعفر الصادق إمام جليل من أئمة أهل السنة والجماعة، وهو تلميذ الإمام أبي حنيفة النعمان، فكيف له وأنَّى له أن يكون إماما للبطلان؟! وما ينسبه إليه أهل الباطل لم يصح عنه في شيء. ومنه قولهم المنسوب إليه:" من عرف الباطن فقد سقط عنه عمل الظاهر، ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر". ومما نسبه الباطنية إلى أبي يعقوب السجستاني أنه قال:" أما القائم عليه السلام فإنه يرفع الشرائع". فهم يكلون أمر رفع الشرائع الإسلامية إلى المهدي المنتظر، ويزعمون أنه يبطل مقام النبوة الخاتمة، وينسخ شرائعها! وينسب الغلاة الباطنيون إلى الكمشخانوي قوله:" الذين اقتصروا على الشريعة فهم العامة". فهم يتعالون بقوله هذا على عامة المسلمين ويزعمون أنهم وحدهم هم الخواص وخواص الخواص! وينسب المعطِّلة الباطنية الغلاة إلى الداعي الإسماعيلي طاهر بن إبراهيم الحارثي اليماني قوله الذي ربما صحت نسبته إليه:" حجج الليل هم أهل الباطن المحض، المرفوع عنهم في أدوار الستر التكاليف الظاهرة، لعلو درجاتهم، ولولا خوف الهتك لأستار الكُمَّل لأظهرنا لك من هذه الآية عجبا". وهي حجة ما فيها من حجة سوى الدعوى بأنهم أهل الليل كما يدعي الجمهوريون أنهم أهل الليل! وكما خطبوا في أهل طابت عن قيام الليل، ثم غطَّوا في عميق النوم حتى ارتفعت الشمس! وقد كان الشيخ عبد الجبار المبارك، رحمه الله، ممن شهدوا ذلك وشهدوا عليه! وقد نهضت حجة دعاوى هؤلاء الباطنية الغلاة القائلين برفع التكاليف، وعلى رأسها أجلُّ فروضها وهو فرض الصلاة، على أن لكل شيء ظاهر وباطن؛ وأن الباطن هو المقصود من حيث الأصل، فمن أدركه لا جناح عليه عندئذ أن يهمل الظاهر وألا يقيمه. وينعَى أهل الباطن بزعمهم على أهل الظاهر، أي الفقهاء، ويشنعون عليهم، وينعتونهم بأنهم عوامٌ وأهلُ طقوس ورسوم. وقد كان ابن عربي الأندلسي يبسط لسانه في السادة الفقهاء الأجلاء بسطا ذريعا ويسخر منهم قائلا:" ما خلق الله أشقَّ ولا أشدَّ من علماء الرسوم على أهل الله المختصين بخدمته، العارفين به من طريق الوهْبِ الإلهي، الذين منحهم أسراره في خلقه، وفهم معاني كتابه وإشارات خطابه، فهم لهذه الطائفة مثل الفراعنة للرسل عليهم السلام". ولا ندري ما وجه الشبه بين الفراعنة والفقهاء في قول ابن عربي هذا؟! وإلا فإن الفراعنة الماجنين، ومنهم من أعلن ألوهيته ظاهرا وجادل عنها، ومنهم من استبطنها وعمل بمقتضاها؛ هم أشبه ما يكونون بالباطنيين الذين تشبثوا بمقام الألوهية وادعوه لأنفسهم! ولا ندري ما وجه الشبه بين الباطنية الغلاة من مبطلي الصلاة وبين الرسل الكرام، وما من أحد من الرسل الكرام، وحاشاهم، من جحد فريضة الصلاة أو عطلها؟! وقد كان شاعر العربية العبقري العظيم لسان الدين بن الخطيب قد انخرط في فترة من عمره في موجة غلو صوفي باطني تساوق مع شاعريته البديعة المترعة فاندفع يقول:" إن كل الخلق قعدوا على الرسوم وقعدت الصوفية على الحقائق". ومعنى قوله إن الباطنية من الصوفية المنحرفين هم وحدهم من انتهوا إلى جلية الأمر، وكشفوا عن جوهر الحق، وتخلوا من ثم عن اتباع رسوم الظاهر وأداء حركاته، ومنها الصلاة ذات الحركات، كما كان ينعتها الهالك الضال محمود محمد طه!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة