زمان في طُفولتنا الوريفة.. كان التحدي يبلغ ذروته عندما ينطق أحد الطرفين المتواجهين بكلمة (طالعني)! بنبرة قوية متحدية. و(طالعني) في بروتوكولات الطفولة تعني أن يخرج (يطلع) الطرفان المتواجهان إلى مكان بعيد عن الأنظار.. لتخلو حلبة (الشكلة) من أي (حجَّاز) أو وسطاء للتهدئة.. فلا تحتمل النتيجة غير منتصر مقابل مهزوم. يبدو أن المهندس إبراهيم محمود حامد نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني يستبطن شيئاً من تلك البروتوكولات.. ففي سياق حديثه أمس الأول مع عُضوية حزبه المؤتمر الوطني، طالب الداعين للعصيان المدني بـ(المطالعة!).. كأني به يقول لهم (طالعونا) بدلاً عن الاختباء خلف (الكيبوردات) وإطلاق دعوات إسفيرية.. فقد طلب إبراهيم منهم النزول للشارع إن كانوا فعلاً (رجال)!! لتكون المواجهة حقيقية وجهاً لوجهاً بدلاً عن كيبورد لكيبورد.. لكمة بلكمة، بدلاً عن كلمة بكلمة. تصريحات إبراهيم محمود هذه تمثل خرقاً سافراً للدستور والقانون بل (جريمة أمن دولة)، فهي دعوة للحرب الأهلية وتهديد لوحدة الشعب والوطن، وإشهار (رسمي) بتقسيم الشعب إلى شَعبين مُتقاتلين.. شعب الشعب ضد شعب الحكومة.. فإذا كانت الحكومة لا تنفك تحذر من سيناريو سوريا.. فإن خطابها الإعلامي هو عين هذا السيناريو.. والمؤتمر الوطني الآن هو الذي يقسم الشعب السوداني إلى شرفاء ضد خونة. الحكمة تقتضي لمن هو في موقع الحكومة أن ينصت ويجتهد في (فهم) ما يريده الشعب.. بدلاً عن تخوينه.. والتعامل مع أيّة دعوة – طالما هي سلمية نظيفة - بمُنتهى التفهم واستيعاب الآخر.. بل وبث رسالة إعلامية في الاتجاه المُقابل فحواها.. كُلنا شُركاء في وطن واحد.. مهما اختلفنا وعلت أصواتنا وأنفاسنا.. لكن، صدقوني، أصعب ما يجب أن يفعله الكبير.. هو إثبات أنّه كبيرٌ بحكمته ونجابة رأيه وقُدرته على الفهم والتفاهم.. على نقيض ما يفعله حزب المؤتمر الوطني الذين (يحسبون كل صيحة عليهم..).. فتبدو أحياناً كثيرة ردود فعل حزب المؤتمر الوطني معلبة جاهزة قابلة للاستفزاز ولو بشطر كلمة.. وبصراحة مثل هذا المسلك لا يتسق مع مقام (حزب حاكم).. بيده السلطة والقرار والمصير الوطني..!! ويبدو أن هذا هو سبب مآسينا طوال السنين الماضية.. عندما يرتهن مُستقبل البلاد ومصيرها بيد حزب عقله في عضله.. غير قَادرٍ على مُكابدة رهق توخي المسلك الحكيم..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة