منذ فترة طويلة ظللنا ننام ونستيقظ ولا شيء إلا الحديث عن الأزمة السياسية ، ولهاث الجميع لإيجاد مخرج لها يكون مرضيا ومنصفا لكل الأطراف . فمنذ أن استفحلت هذه الأزمة و ألقت بظلالها على الوطن أصبح كل الحديث والإهتمام في الساحة بالعملية السياسية والكل خائف ومشفق ، والكل يتحدث عن حتمية إنقاذ الوطن من أزمته السياسية بداية من المواطن البسيط ومرورا بمنظمات المجتمع المدني ، والناشطين في المجتمع ، والأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة ومنسوبيها والحكومة ومناصروها والكتاب في الصحف والمدونون والنشطاء في مواقع ومنظومات التواصل الاجتماعي وغيرها من أدوات التعبير ، الكل يركز على العملية السياسية وتقاطعاتها ( الأزمة والحل السياسي ) ولكن لا شيء حتى الآن ! ! من الطبيعي أن تحظى العملية السياسية بهذا الإهتمام ، وأن تحظى بالأولوية لأن كل مستقبل الوطن يتوقف عليها ، وذلك لأن الناس يعولون على الإنفراج الذي يمكن أن تحدثه ، والكل متلهف لآن تنتهي هذه الأزمة وأن يفضي مشروع الحل لإتفاق سياسي شامل يقود إلي مرحلة جديدة يتعافى فيها الوطن من علله وأسقامه ، وبالضرورة لابد أن يتبع ذلك إصلاح لكل ما وصلته يد الخراب والتدمير في الفترة الماضية . الحل السياسي أطرافة الحكومة وأحزابها ، والقوى السياسية المعارضة وأحزابها والحركات المسلحة أما الطرف الثالث فهو الأغلبية الصامتة ، ...المجتمع ، ورغم أنه أضعف الأطراف في هذه المعادلة ، إلا أنه يمكن القول أن قوته أكبر من قوة الأطراف الأخرى مجتمعة ، لكنها محيدة في الوقت الحالي أو لنقل معطلة . وبعيداً عن ألاعيب السياسة كيف نجعل هذا المجتمع حاضراً في تشكيل المستقبل برؤية جديدة ؟ ، وما هو الدور الذي على المجتمع أن يلعبه في المرحلة القادمة ؟ الدور الذي نريد للمجتمع أن يلعبه ليس بالضرورة أن يكون أحد الأطراف في العملية السياسية الجارية وإن كان هناك تمثيل له تحت مسميات القوى المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها ، نريد للمجتمع أن يلعب دوراً جديداً بعيدا عن السياسة ، بأن يكون له دور في معالجة الظواهر السالبة التي شوهت صورته ونزعت عنه كثير من الصفات والخصائص المتميزة التي كان يتحلى بها ، وذلك من خلال مبادرات ذاتية من أفراد في المجتمع يتمتعون بقدرات إستثنائية يستنفروا فيها مكوناته من الشباب والكهول ، الرجال و النساء ، لإزالة تلك التشوهات . فالمجتمع يحتاج إلي تأهيل إجتماعي ونفسي بعد ما تعرض له من تغيرات في قيمه وأخلاقياته نتيجة ضغوط كثيرة في مختلف جوانب حياته أدت إلي تغيرات عميقة في قيمه وأخلاقياته وسلوكه ، وفي أسلوب حياته وتعامل أفراده مع بعضهم البعض . أما المشكلات والأدواء والعاهات التي أقعدت الوطن وجعلته يحتل مكانا متأخراً بين دول كان فيما مضى الفرق بينهما شاسع ، مشكلات مثل الفساد والتدهور الاقتصادي وتدني الخدمات و إنهيار الخدمة المدنية وقضية الحريات و حقوق الإنسان وغيرها ، هذه ستكون مهام تنتظرالحكومة التي يتمخض عنها الحل السياسي ، لكن تبقى هناك مشكلات مجتمعية تتطلب أن يتصدى لها المجتمع بنفسه ، أو على الأقل يكون له نصيب في التصدي لها . نحتاج إلي ثقافة جديدة للإرتقاء بالسلوك العام في الشارع ، نحتاج أن ننشر قيم التسامح المبني على العدل والإحسان في تعامل الأفراد مع بعضهم البعض ، تذكروا الحوادث في الحافلات ، بين الركاب والكماسرة ، حوادث المستشفيات بين طاقم الخدمة والمراجعين ، عدم تحملنا لبعضنا البعض في أمور بسيطة تتطور لإزهاق الأرواح ، نحتاج إلي ثقافة جديدة لأخلاقيات المهنة بداية من بائع الخضار والتاجر والميكانيكي والسباك وسائق الحافلة وشرطي المرور ، وجماعة النظام العام ، وصولا للمهن التي تتصل بالجمهور مباشرة العاملون بالمستشفيات ، الشرطة ، عمال المحليات إلخ ....إلخ ..نحتاج إلي ثقافة جديدة تخاطب الشباب وكيف تُوظف طاقاتهم في خدمة مجتمعهم ، ويلاحظ هنا الغياب التام للحراك الاجتماعي تجاه هذه القضايا عدا ومضات قليلة تظهر بين حين وآخر ، وظلت حركة المجتمع تتحدث عن المشكلات دون تجاوز هذه المرحلة إلي تبني مبادرات مجتمعية تتعاطى مع مع هذه المشكلات في محاولة لتأكيد دور المجتمع وأهميته في كل الأحوال سواء تم التوصل لحل سياسي أو لم يتم ، لأنه إذا حدث الإنفراج في العملية السياسية وهذه العاهات موجودة فلن تحقق أي حكومة أياً كان شكلها وكفاءتها والإجماع الذي تحظى به أيا من التطلعات التي ننتظرها ، وفي حالة لم يحدث ما يتأمله الناس من العملية السياسية الجارية ، فإن ظواهر جديدة ستظهر وسيزداد تفاقم المشكلات القديمة ، وفي كلتا الحالتين يجب على المجتمع أن يتحرك ولابد أن يقوم بدوره وإلا فقريباً سيأتي يوم نصحو فيه ولن نجد هذا الوطن . وأقترح شخصيات تتمتع بالقبول ومعروف عنها النزاهة ، أن تقود هذه المبادرات وتضع لها البرامج ، مثل البروفسير يوسف فضل حسن ، والبروفسير قاسم بدري ، البروفسير علي شمو ، البروفسير عبد الغفار محمد أحمد ، البروفسير سيد حامد حريز ، الأستاذ محجوب محمد صالح وأخرون . هذه المبادارت ليست من أجل الحكومة التي راكمت الغضب في النفوس برفعها عصا غليظة على المواطن منذ مجييئها وأستمرت عصاها مرفوعة حتى اليوم ، الأمر الذي أدى سيادة الفردية في مقابل الجماعية ، والمصلحة الخاصة بدلا من العامة ، وإلى قتل الهمم وتفشي الروح السلبية ، وتراجع السلوك الإيجابي في نفوس الناس وتحوله إلي سلوك عدواني تجاه الآخر جراء هذه المعاملة ، هذه المبادرات للمجتمع ومن أجل المجتمع .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة