الأزمات السودانية المتراكمة - يمكن حلها عبر المناهج الدراسية (التربية والتعليم ) بقلم إسماعيل ابوه

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 10:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-17-2016, 04:08 PM

إسماعيل ابوه
<aإسماعيل ابوه
تاريخ التسجيل: 11-03-2015
مجموع المشاركات: 26

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأزمات السودانية المتراكمة - يمكن حلها عبر المناهج الدراسية (التربية والتعليم ) بقلم إسماعيل ابوه

    04:08 PM September, 17 2016

    سودانيز اون لاين
    إسماعيل ابوه-الخرطوم-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر



    المناهج التعليمية السودانية ، لم تكن يوما شاملا، متكاملا ؛منذ الإحتلال الأجنبي المتمثل، في التركي المصري؛ والانجليزي اي بمعنى لا يوجد منهجا سودانيا خالص تكرس للسودنة.

    المحتلين القدامي بما انهم مستعمرين اي بمعنى علاقتهم بالسودان علاقة استعبد ،انهب ، اسرق بشر وثروات، إلا انهم كانو الاكثر خدمة، والأفضل تأهيلا للسودانين من المحتلين المحليين وهذا ليست بمثابة دعوة للإستعمار ،الا انهم ايجابيات وحسنات يجب عن يذكر كما انها واضحة وكلنا نعلم وفي ابسط الأشياء المدارس والمؤسسات التي شيدت في عهدهم.
    المناهج في عهد الاستعمار الأجنبي كان الأجود والمنهج كان الافيد في عملية التعليم والتعلم رغم الأدلجة المصاحبة لها والاستلاب الخفي لذاك الجيل محبي قصائد الشاعر و الأديب الإنجليزي S.T.Eliot ( Thomas Stearns Eliot) وأشياء اخري إلا انها انتجت كادرا بشريا مؤهل علميا وعمليا.

    بعد الاستقلال، اي منذ عن بدء السودانيين إدارة البلد بأنفسهم، بدء المثقفين في تغيير وإعداد مناهج و توجيهها بفكرة معينة (تكريس) لثقافة احادية في المناهج الدراسية تدعو و ترسخ للطبقية؛ وتقسيم المتعلمين الي فئات، وهذا بدوره أدى إلى ظهور النعرات العنصرية والجهوية وأيضا بفضلة الأوضاع السيئة التي نعيشها الآن وصناعة حكومات وطنية اكثر استبدادا من المستعمرين الأجانب.

    هذه المناهج ستقودنا الي الأسوأ إن لم نقوم بإلغائها، و وضع مناهج علمية جديدة مواكبة للعصر الذي نعيشه و وطنية خالصة يرسخ للأطفال حب بعضهم لبعض ومن ثم الوطن علي أساس انهم سودانيين ومتساون في كل شي.

    منهج بعيد من تكريس ثقافة البعض، علي حساب الآخرين (ثقافة القولد،مروي والقراصة دون ذكر قرية ابسنقور ،تقي وام كدادة و ملاح الامبكبك والكول).
    انا من جيل دارسي الأساس، وجيل تلك المناهج التي دعتنا، الي ترك ذواتنا ونكر ثقافاتنا و عاداتنا ولغاتنا ، حتي وصل البعض منا لمرحلة عن ينكر نفسه لكونه يتكلم بلغة غير العربية وينعت ب (رطاني) ولونه ليس كلون العرب ، والانجراف نحو العروبة لكي يدخل الجنة، (ما هذا بربكم لنكن صادقين انا لا احكي عن تجارب سمعتها هذه واقع عايشتة و عايشو كل أبناء جيلي هل يصلح عن يدرس أطفالنا تلك المناهج السخيفة لا فائدة للمناهج السودانية غير تعلم الكتابة والقراءة بشكل جزئي ).

    إن يوجد نوايا صادقة، لتغيير مستقبل السودان وتأسيس دولة المواطنه؛ دولة القانون، بلد يحس فيه الجميع انهم متساوون لا لون احسن من لون، ولا دين احسن من دين، ولا لغة احسن من لغة؛
    هنا يجب علينا العمل جميعا من اجل صناعة منهج قويم، ولا شيء غيره يجلب؛ لنا المفقود.

    التغيير عبر المناهج تأخذ زمن أطول؛ ولكنه ياتي بنتائج أفضل ويجب، ان لا نفكر بعقلية السياسي والمثقف السوداني، الذي يتبنى التغيير و التحرير؛ و يريد عن ينعم هو شخصيا بنتائج التغيير والتحرير ناسيآ ، أن المناضل الحقيقي لا يريد شئ لنفسه، فقد يؤسس للأجيال القادمة وهذا أيضا عائق ذاتي من عوائق محبي التغيير والتحرير.

    المناهج التربوية ،والتعليمية القويمة هي التي تخرس أحلامنا، التي نتحدث عنها كثيرا ولا نستطيع عن، نتعامل بها علي أرض الواقع ك (الديمقراطية، الحرية و التغيير و...وو الخ).

    نجي ندخل في علاقة المفاهيم السالفة الذكر مع بعضها و دور المناهج في ترسيخها لان قبل الدعوة اليها يجب تعلمها والتعامل به في الإطار الذاتي ومحيط الاسرة و الجيران ووو بالتدريج من ثم الي جميع أفراد المجتمع لانو فاقد الشيء لا يعطيه.

    التربية والديمقراطية

    إن علاقة التربية بالديمقراطية علاقة جدلية ووثيقة، إذ لايمكن الحديث عن التربية والتعليم في غياب الحريات الخاصة والعامة وانعدام الديمقراطية الحقيقية القائمة على المساواة وتكافؤ الفرص والمبنية أيضا على العدالة الاجتماعية و الإيمان بالاختلاف وشرعية التعدد.

    ولايمكن الحديث كذلك عن الديمقراطية في غياب تربية حقيقية وتعليم بناء وهادف يتسم بالجودة والإبداع والابتكار وتكوين الكفاءات المنتجة، ويحترم المواهب ويقدر الفاعلين التربويين والمتعلمين المتفانين في البحث والاستكشاف والتنقيب العلمي والمعرفي.

    ومن هنا، فالتربية والديمقراطية متلازمان كالعملة النقدية فلا تربية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا تربية.
    وما أحوجنا اليوم إلى تربية ديمقراطية- في وطننا الذي انعدمت فيه المواطنة الحقيقية وتقلصت فيه حقوق الإنسان وتضاءلت فيه العدالة حتى كادت أن تنعدم- من أجل تأهيل ناشئتنا تأهيلا أخلاقيا وديمقراطيا لإدارة دفة البلاد وقيادة دواليبها على ضوء رؤية إبداعية ديمقراطية قائمة على أسس النظام والمسؤولية والانضباط والمواطنة الحقة، والتوق إلى الحرية والتغيير وبناء الدولة والأمة على معايير الإبداع والإنتاج والابتكار قصد الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة والأمم المزدهرة حضاريا وعلميا وتكنولوجيا!

    إذا، ماهي التربية؟ وما مفهوم الديمقراطية؟ وماهي علاقة التربية بالديمقراطية؟ وماهي آليات تفعيل الديمقراطية في نظامنا التربوي؟ وماهي الصعوبات التي تواجه تطبيق الديمقراطية وتفعيلها في الواقع التربوي؟ وما هي الحلول المقترحة لتثبيت الديمقراطية التربوية؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في هذه الدراسة المتواضعة.

    مفهوم التربيـــة:

    التربية فعل تربوي وتهذيبي وأخلاقي يهدف إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية صحيحة وسليمة. و تساهم التربية أيضا في الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، وتسعى جادة لتكوين المواطن الصالح، و تهدف كذلك إلى تغيير المجتمع والدفع به نحو طريق التقدم والازدهار عبر تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة المثلى.
    زد على ذلك، فالتربية هي التي تصيغ المجتمع صياغة أخلاقية وترفع من مكانته وتوصله إلى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة.

    وتسعى التربية جادة إلى إدماج الفرد في المجتمع تكيفا وتأقلما وتصالحا وتغييرا، كما تسعى إلى:" الإنماء الكامل لشخصية الإنسان وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية. يعني تكوين أفراد قادرين على الاستقلال الفكري والأخلاقي ويحترمون هذا الاستقلال لدى الآخرين، وذلك طبقا لقاعدة التعامل بالمثل التي تجعل هذا الاستقلال مشروعا بالنسبة إليهم."
    وعلى العموم، فالتربية هي وسيلة لتحقيق الإبداع والابتكار و طريقة في الاستكشاف والتأويل والبحث ودمقرطة المجتمع، وترتكز على الحرية والمبادرة الفردية وسيادة النقاش الهادف والنقد البناء والحوار السليم من أجل بناء مجتمع متقدم واع يساهم في الحداثة ويثري العولمة بما لديه من طاقات منتجة واختراعات ومكتشفات ومستجدات نظرية وتقنية وعلمية ومعلوماتية.

    ويقول الدكتور محمد لبيب النجيحي:" ولما كان هدف التربية الأساسي هو تنمية التفكير واستغلال الذكاء، فمعنى هذا أن التربية تعمل من أجل الحرية الإنسانية. فالتأكيد على نمو الطفل إنما هو تأكيد على تحرير قدراته العقلية من قيودها، وإتاحة الفرصة لها للانطلاق حتى تستطيع أن تستخدم بطريقة فعالة إمكانيات البيئة التي يعيش فيها. ويصبح المجتمع الحر هو المجتمع الذي يشترك أفراده أيضا في تطويره وتوجيه التغيير الاجتماعي الحادث له.

    وعندما يتمتع أفراد المجتمع بالحرية فإن التربية تكون بذلك قد أسهمت في بناء مجتمع مفتوح. ونعني بالمجتمع المفتوح المجتمع الذي يسعى عن قصد وتصميم في سبيل تطوره، ولا يعمل فقط على المحافظة على الوضع الراهن. وهذا المجتمع هو مجتمع قد نظم تنظيما يدخل في اعتباره حقيقة التغيير في الأمور الإنسانية. وهو مجتمع يقبل التغير على أنه وسيلة للقضاء على الفساد والانحلال، وأن الذكاء الإنساني والمجهود التعاوني من جميع أفراد المجتمع تؤدي جميعا إلى نمو الإنسانية وتقدمها."

    زيادة على ذلك أن التربية تحقق مجموعة من الوظائف الجوهرية كالتعليم والتثقيف والتطهير والتهذيب والتنوير وتحرير الفكر من قيود الأسطورة والخرافة والشعوذة والسمو بالإنسان نحو آفاق إيجابية ومثالية.

    مفهوم الديمقراطية:

    من المعروف أن الديمقراطية في دلالاتها الاشتقاقية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء.
    وتقابل كلمة الديمقراطية الديكتاتورية والأوتوقراطية اللتين تحيلان على الحكم الفردي وهيمنة الاستبداد المطلق. كما تقترب الديمقراطية من كلمة الشورى الإسلامية وإن كانت الشورى أكثر عدالة واتساعا وانفتاحا من الديمقراطية.
    وترتكز الديمقراطية على القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات.
    ومن أهم أسس الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف.

    وتتأسس الديمقراطية الفعالة والحقيقية:" من بين ما تتأسس عليه احترام الحقوق وأداء الواجبات التي يحميها ويضبطها القانون والمؤسسات في إطار دولة الحق والقانون. ومن المؤكد أن احترام الحقوق وأداء الواجبات لايتأتيان إلا بنسبة إلى شخص حر. الديمقراطية لم تعد أمورا شكلية أو قطاعية، بل أصبحت ثقافة ومعاملات تتجذر بمفاهيم النسبية والاختلاف وقبول الرأي الآخر والمساواة والعدالة والإنصاف والمشاركة السياسية وتقرير الفرد لمصيره واختياراته، ورفض أي نزوع سلطوي في جميع مجالات الحياة. ديمقراطية اليوم والغد تتمثل أكثر فأكثر في احترام الشخص وقدرته على تكوين نفسه بوصفه إنسانا... إنها سياسة الشخص كإنسان حر ومبدع.

    من المتعذر الحديث عن الديمقراطية والسلوك الديمقراطي باعتبارهما حالة تكون عليها المؤسسات أو باعتبارهما ثوابت سياسية، بل يجب أن ينظر إليهما كمقتضى أخلاقي تكون مبادئه مشتركة ينبني البشر وماهم مختلفون فيه على أساس الإقرار بالاختلاف مما يمكن الشخص من السيطرة على الانفعالات وتجنب الأحكام المسبقة."

    الديمقراطية الحقيقية هي التي تحقق سعادة الإنسان، وتؤمن عيشه الكريم، وتوفر له فرص الشغل، وتشبع رغباته الغريزية من مأكل وشرب، وتروي غليله المعرفي والفني والثقافي، وتخرجه من براثن الفقر والفاقة والتخلف إلى عالم أكثر استقرارا وأمنا يسمح بالعيش الكريم والمساهمة في الإبداع والابتكار والعطاء.

    دراسات حول التربية والديمقراطية:

    ثمة دراسات عديدة تناولت علاقة التربية بالديمقراطية، ومن أهم هذه الدراسات كتاب الأمريكي جون ديوي بعنوان:" الديمقراطية والتربية " ، وقد نشره سنة 1916م، ويتناول الكتاب في مجمله فلسفة التربية وتطبيقاتها.
    كما صدر كتاب آخر تحت عنوان:" الدين والتربية والديمقراطية " سنة 1997م، وقد أشرف عليه كل من ميشلين ميلو وفرناند ويلي .

    وتوجد كتب ومؤلفات عديدة خصصت للتربية والديمقراطية بعض الفصول كالباحث غي آفانزيني في كتابه الذي نشره سنة 1975م بعنوان:" الجمود والتجديد في التربية المدرسية" حيث أثبت في القسم الثالث فصلا سماه:" التربية الحديثة والديمقراطية الحرة".

    واقع الديمقراطية في المؤسسات التربوية:

    من ينظر الي مؤسساتنا التعليمية والتربوية و مقارنة مع المؤسسات التعليمية في العالم المتقدم يسغرب ويندهش ؛ لأن هذه المؤسسات تحولت إلى ثكنات عسكرية لاتؤمن إلا بالانضباط واحترام القانون ونظام المؤسسة، حتى الأبواب تشبه اليوم أبواب السجون المخيفة، إذ نجد عند باب هذه المؤسسات حراس الأمن يلبسون أزياء رسمية تشبه الأزياء العسكرية، ويحملون العصي القصيرة كرجال المخزن ليخيفوا بها براعم المستقبل من أجل أن يفرضوا النظام ولو استدعى الأمر في ذلك استعمال القوة والعنف وفرض العقوبات البربرية،؛ سواء أكانت لفظية أم بدنية بالإضافة إلى منهج فاسد .

    وقد سبب هذا الواقع التربوي البذيء في ظهور النظام التربوي الأوتوقراطي الذي يستند إلى لغة القمع والقهر والتخفي مدنيا وراء قناع الديكتاتورية العسكرية التي لاتعرف غير خطاب التأديب والزجر واستخدام العنف الرمزي ولو ضد الأطفال الأبرياء؛ مما يولد في نفوس الناشئة قيما سلبية ومشاعر الحقد والكراهية والخوف والانكماش وعدم القدرة على المغامرة والتخييل والابتكار والإبداع لانعدام الحرية والديمقراطية الحقيقية والمساواة الاجتماعية.

    ومن نتائج هذا الضغط السياسي ظهور جيل من الشباب اليافعين الذين تمردوا عن الأسرة والمدرسة والمجتمع، وحملوا مشعل الثورة والتغريب وتخريب منشآت الدولة من أنابيب الماء وحنفياته و مصابيح كهربائية وإتلاف كل ماتملكه المؤسسات التعليمية، وتكسير المقاعد وتشويه الجدران، والتغيب بكثرة عن المدرسة التي تحولت إلى سجن قاتل كئيب، وفي الأخير يترك المتعلم المدرسة مبكرا، فينقطع عما فيها بسبب شطط الإدارة وتعسف الطاقم التربوي ناهيك عن ضآلة فرص الشغل وضبابية المستقبل و نهايته المأساوي.

    التعليم او المدرسة في السودان وصل إلى آفاقها المسدودة، فصارت فضاء مسرحيا تراجيديا يشخص المأساة وصراع الأجيال، ويعكس بكل جلاء التطاحن الاجتماعي والتفاوت الطبقي ويعيد لنا إنتاج الورثة كما يقول بيير بورديو وباسرون؛ لأن النظام التربوي:"يتطابق كل التطابق مع المجتمع الطبقي، وبما أنه من صنع طبقة متميزة تمسك بمقاليد الثقافة أي بأدواتها الأساسية (المعرفة، المهارة العلمية وبخاصة إجادة التحدث)، فإن هذا النظام يهدف إلى المحافظة على النفوذ الثقافي لتلك الطبقة. والبرهان الذي قدمه هذان المفكران يبرز التناقض بين هدف ديمقراطية التعليم الذي يطرحه النظام وعملية الاصطفاء التي تقصي طبقة اجتماعية ثقافية من الشباب، وتعمل لصالح طبقة الوارثين."

    المدارس الحكومية والخاصة اصبحت في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة والأقلية المسيطرة ، وما التعليم العمومي والتعليم الخصوصي والتعليم الفكري والتعليم المهني سوى تعبير عن تكريس التفاوت الاجتماعي وتحويل المؤسسة التربوية إلى فضاء للتمييز اللغوي والعنصري ومكان للتطاحن الاجتماعي والتناحر الطبقي والتمايز اللغوي.
    وإذا كان إميل دوركايم ينطلق من رؤية محافظة في تحليل النظام التربوي في علاقته بما هو اجتماعي وسياسي، فإن ألتوسير .يرى بخصوص:" التقنيات والمعارف، أنه يجري في المدرسة تعلم قواعد تحكم الروابط الاجتماعية بموجب التقسيم الاجتماعي التقني للعمل.

    كما يقول بأن النظام المدرسي وهو أحد أجهزة الدولة الإيديولوجية هو الذي يؤمن بنجاعة استنساخ روابط الإنتاج عن طريق وجود مستويات من التأهيل الدراسي تتجاوب مع تقسيم العمل، وعن طريق ممارسة الإخضاع للإيديولوجيا السائدة.إن المسالك الموجودة في المدرسة هي انعكاس لتقسيم المجتمع إلى طبقات، وغايتها الإبقاء على الروابط الطبقية."
    ويرى بودلو .وإستابليه .بأن المدرسة إيديولوجية وطبقية وغير ديمقراطية تكرس التقسيم الاجتماعي لوجود " شبكتين لانتساب الطلاب إلى المدارس يحددهما الفصل بين العمل اليدوي والعمل الفكري، ثم التعارض بين طبقة مسيطرة وأخرى خاضعة للسيطرة".

    وبما أن المدرسة الليبرالية مدرسة طبقية وغير ديمقراطية، فإنها في الدول المتخلفة والمستبدة تكرس سياسة التخلف والاستعمار وتساهم في توريث الفقر والبؤس الاجتماعي، فإننا نجد إيفان إليتش يدعو إلى إلغاء هذه المدرسة الطبقية غير الديمقراطية في كتابه:" مجتمع بدون مدرسة".

    فنظرية موت المدرسة حسب كوي أفانزيني هي في الحقيقة نظرية:" تأثرت تأثرا كبيرا بالعوامل الجغرافية التي أحاطت بها والتي قد تجعل منها نظرية صالحة لبلدان أمريكا اللاتينية، غريبة كل الغرابة عن المنطق التربوي للغرب. لاسيما أننا نجد فيها بعض التساؤلات التي تؤيد مثل هذا التفسير الذي يقصرها على بلدان بعينها، ذلك أن السيد إيليش ينزع أحيانا إلى القول بأن المدرسة ملائمة للعصر الصناعي وأنها من إرث هو مخلفاته، وينبغي أن تشجب فقط في البلدان المتخلفة حيث لاتستطيع أن توفر الانطلاقة اللازمة لها وحيث يكون حذفها شرطا لازما لحذف الاستعمار والقضاء عليه، على أنه في أحيان أخرى يطلق أحكاما تنادي بالقضاء عليها قضاء جذريا ويرى فيها مؤسسة بالية أنى كانت".
    وعلى أي حال، فواقع الديمقراطية في مدارسنا التربوية يرثى له بسبب عدم وجود الديمقراطية وانعدام فلسفة التسيير الذاتي واللاتوجيهية وغياب منظومة حقوق الإنسان ممارسة وسلوكا بسبب غياب الديمقراطية في المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات.

    ● أنواع الديمقراطية التربوية:

    يمكن الحديث عن أنواع عدة من الديمقراطية في مجال التربية والتعليم، ونحصرها في أنواع ثلاثة وهي:

    1- ديمقراطية التعلم

    : والمقصود بها أن يكون التعليم منصبا على المتعلم الذي ينبغي أن يستفيد من جميع التعلمات على غرار أقرانه بشكل عادل ومتساو في إطار تكافؤ الفرص. ومن هنا، يستوجب الأمر القانوني والتشريعي على المربين أن يتعاملوا مع المتعلم على ضوء البيداغوجيا الفارقية وبيداغوجيا الدعم لكي ينال حقه من التربية والتعليم كباقي المتمدرسين الآخرين وخاصة الأغنياء منهم. ويطرح في هذا السياق موضوع الزي المدرسي الذي ينبغي أن يكون رسميا وموحدا بين جميع تلاميذ المؤسسات التربوية.
    أضف إلى ذلك أنه من الضروري أن تقدم البرامج والمناهج والمقررات الدراسية مادة قانونية موسعة تؤهل التلميذ ليتعرف على حقوقه وواجباته لكي يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه.

    2- ديمقراطية التعليم:

    تسعى الدول المتقدمة إلى جعل التعليم ديمقراطيا من خلال تعميم البرامج وتوحيد المناهج والمقررات على الرغم من تنوعها في الأشكال والمضامين.

    بالإضافة إلى تأميم التعليم وإلزاميته وإجباريته لكي تحد الدولة الراعية لأبنائها من نسبة الأمية والفقر والتخلف. فالتعليم هو الذي يغير المجتمع ويحقق الديمقراطية الحقيقية. كما أن المتعلم يتعلم الديمقراطية داخل المدارس والمؤسسات التربوية ويتربى في أجوائها المفعمة بالحرية.

    وعندما نقول أيضا بديمقراطية التعليم، فنعني به جعل التعليم ذا خاصية شعبية يستفيد منه الجميع بدون استثناء أو إقصاء، فتصبح المدرسة مفتوحة للفقراء والأغنياء بطريقة عادلة ومتساوية تتكافأ فيها الفرص.

    وينبغي أن نعرف أن مبدأ توحيد المناهج الدراسية الذي أصبح ميسما يعبر عن تطلعات الأحزاب الشعبية وشعارا براقا لكل القرارات السياسية والوطنية ينبغي ألا يلغي:" مايزخر به الواقع المغربي المتعدد، وما تفرضه شروط وآليات التحول الجديدة من ضرورة الانفتاح على كل أنماط التعدد والاختلاف والتمايز الطبقي والإثني... واحتوائها وتجاوزها في الآن ذاته، وذلك بتكريس الانخراط التشاركي الشمولي في بناء دولة وفاق اجتماعي ديمقراطي وتكاملي. ويتأسس هذا الطرح على كون الرهان على البناء الديمقراطي، في مجتمعاتنا العربية والثالثية عامة، لن يبلغ أهدافه أبدا إلا عبر جسور متينة من التربية والتكوين والثقافة وإعداد الموارد البشرية، وإلا بواسطة الدمقرطة الشاملة لأساليب وقنوات توزيع الرأسمال الرمزي، المتمثل في التكوين والمعرفة والثقافة، هذا فضلا عن دمقرطة توزيع مختلف أشكال الاستفادة المادية، ومختلف المواقع والأدوار والمراتب الاجتماعية بين كل الفرقاء المعنيين في المجتمع"

    وهكذا، فكل الدول تسعى جادة وجاهدة لتثبيت أجواء الديمقراطية في مؤسساتها التربوية عن طريق إصدار مجموعة من المذكرات الوزارية والقرارات الحكومية والقوانين المنظمة ليتبوأ التعليم مكانة زاهية في مجتمع ديمقراطي، ولكن أي نوع من هذا المجتمع في غياب الحريات وانتشار التسلطن والاستبداد؟!!

    3- تعليم الديمقراطية:

    لايمكن لمجتمع ما أن يكون ديمقراطيا يؤمن بالحريات الخاصة والعامة وحقوق الإنسان ويتشبث بمنطق الاختلاف وشرعية الحوار والتسامح إلا إذا تربى على الديمقراطية الحقيقية سلوكا وعملا وتطبيقا، ولا يتأتى له ذلك إلا في المدرسة التي تعلم النشء مبادئ الديمقراطية السليمة وقوانين استعمالها ومعايير تمثلها وتطبيقها.

    بيد أن مدرسة الثكنة العسكرية والقمع والقهر لايمكن أن تنتج سوى أساليب التعسف والتفكير الإقصائي والتطرف الإرهابي والجنوح نحو الديكتاتورية والسلوك العدواني الطائش.

    فبالتربية نتعلم الديمقراطية ونتمثلها شعارا وعقيدة ومبدأ وسلوكا.

    نواصل

    أبرز عناوين سودانيز اون لاين صباح اليوم الموافق 17 سبتمبر 2016

    اخبار و بيانات

  • تحالف قوى المعارضة السودانية بالولايات المتحدة الامريكية بيان حول الوضع الصحي في النيل الأزرق


اراء و مقالات

  • المصارف الأهلية بوابة للفساد بقلم اسعد عبدالله عبدعلي
  • على خطى الامريكان الجنرالات البريطانية تكشف حقيقة السيستاني بقلم د. أحمد الخميسي
  • عبد الخالق محجوب (1927-2016): وعوض عبد الرازق التي كانت تعاكسنا بقلم عبد الله علي إبراهيم
  • هذا لايبرر الإنحراف بقلم نورالدين مدني
  • ادعاءات طارق محمد عنتر و دقمسة هلال زاهر الساداتي بقلم جبريل حسن احمد
  • رئاسة الجمهورية و إجهاض الخدمة المدنية بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
  • ماذا جنى الشعب الفلسطيني...؟؟!! بقلم سميح خلف

    المنبر العام


  • جامعة الخرطوم في المركز 1797 عالميا وأفريقيا السابع والعشرون
  • إخلاء مخيم لاجئين بفرنسا تقيم فيه اعداد كبيرة من السودانيين
  • إخلاء مخيم لاجئين بفرنسا تقيم فيه اعداد كبيرة من السودانيين
  • قانونية فط فصل دراسي
  • الشربوت قام بالعبار بريمة بلل.
  • Could not find topic
  • هـدير تستفيق من الغيبوبة و لكنها مازالت فى مرحلة الخطر (( نسألكم الدعاء لها ))
  • .... حاتم ابراهيم ...... انت حقير و واطي
  • عووووك المواطن ضحية بلطجية طه طلع بريطانـى.والسفارة تتدخل(تفاصيل)
  • الإسلام السياسي المستبد, العنصرية والشيوعية... معاقل أزمة السودان. والحل بين يدي بنيه
  • السودان: توقيع عقود الدراسات الفنية لسد النهضة الثلاثاءالقادم
  • جائزة مان بوكر, ولّى زمن النجوم
  • تحقيق استقصائي: قادة جنوب السودان نهبوا بلادهم
  • التركية إليف شافاك: الإرث الجمعي خزان الحكايا
  • القبض على رئيس وزراء بوركينا فاسو السابق بتهمة قتل محتجين
  • الزمان زمانك يا طه سليمان























  •                   

    09-17-2016, 11:47 PM

    أبوبكر بشير الخليفة

    تاريخ التسجيل: 01-07-2010
    مجموع المشاركات: 282

    للتواصل معنا

    FaceBook
    تويتر Twitter
    YouTube

    20 عاما من العطاء و الصمود
    مكتبة سودانيزاونلاين
    Re: الأزمات السودانية المتراكمة - يمكن حلها ع� (Re: إسماعيل ابوه)

      اهنئ الكاتب على تناول هذا الموضوع الحيوى، واوافقه بان اهم عمل، واوحب عمل، واكثر عمل يمكن ان يعود بفائدة كبيرة على المجتمعات والدول، انما هو التربية والتعليم.
      الدول التى تناولت هذا الموضوع بكل الجد، وشرعت فى العمل فيه بكل الاجتهاد، حصلت على مردود سياستها فى مدة لم تتجاور الاثناعشر سنة. فالاستثمار فى المورد البشرى يعتبر استثمار سريع الفائدة، ومستمر الاثر.
      ولذلك قلت ان الموضوع حيوى، وعليه اهنئ الكاتب.
      ارجو ان يتسع صدر الكاتب وان يكون ديمقراطيا لبعض الملاحظات:

      يقول الكاتب ان الشورى أكثر عدالة واتساعا وانفتاحا من الديمقراطية. وهذا ليس صحيحا، فالشورى، مشاورة، جاءت فى الاسلام، قبل الف واربعمائة عام، لتطوير مفهوم الملك المطلق، شيخ القبيلة، او الامبراطور، الذى يستبد برايه، ومن اجل التربية كان النبى صلى الله عليه وسلم يشاور اصحابه، ويبدى لهم جانب اللين، ويعفو عن اخطائهم التى كانت تجد البطش الفورى من الحكام فى المجتمعات الاخرى فى ذلك الزمان، ولكن كان فى النهاية، وبعد مشاورتهم يقدم على العمل الذى يراه صحيحا، وان خالف راى كل المستشارين. بينما نجد ان الديمقراطية تلزم الحاكم باتباع راى الناس، فلا يمكن تحت ظل الديمقراطية، ان يدلى الناس بارائهم، وتكون اغلبيتهم تريد امر، (مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبى) ثم نجد الحاكم يقول لا، سوف نظل فى الاتحاد الاوروبى. ولذلك فان القول الشورى اكثر انفتاحا وعدالة من الديمقراطية، قول غير صحيح.

      ثانيا يرجع الكاتب الى مراجع ومفكرين مختلفين من العرب وغير العرب، (ديوى، النجيحى، ... الخ) ويستند على بعض اقوالهم بالرغم من عدم عمقها، كما هو واضح فى تعريف النجيحى للتربية والتعليم، ولكنه لم يتعرض من بعيد او قريب لما كتبه الاستاذ محمود عن التربية، بالرغم من انه مفكر سودانى وله مؤلفات عديدة تعرضت لموضوع التربية والتعليم منذ منصف القرن الماضى.

      ارجو الرجوع الى هذا الخطاب، او الورقة، الذى ارسله الاستاذ محمود محمد طه الى عميد معهد بخت الرضا ليوضح فيها رايه فى التربية والتعليم. وهناك الكثير من المواد المكتوبة حول هذا الامر فى موقع الفكرة الجمهوريةalfikra.org



      التعليم: خطاب إلى عميد معهد بخت الرضا الأستاذ عثمان محجوب

      كانت وزارة المعارف ، في أواخر عام 1958 ، قد إستدعت لجنة تجلس في الخرطوم ، فترفع ، توصياتها بخصوص السلم التعليمي .. فكانت لجنة عكراوي .. وكان الأستاذ عثمان محجوب ، عميد معهد بخت الرضا يومئذلأننا قل أن ، معنيا بهذه اللجنة ، بصورة خاصة ، وقد طلب إلي أن أحاول تقديم بحث عن التعليم بمناسبة إنعقاد جلسات هذه اللجنة .. فكانت النتيجة هذا الخطاب:-
      الخرطوم في 24/12/1958
      عزيزي عثمان:
      تحية طيبة ، وأرجو أن تكون قد وصلت بخير ..
      وبعد ، فبالإشارة للمحادثة ، قبيل سفرك ، فإني أرسل إليك ببعض ما أرى في مسألة التعليم ، وأرجو أن يكون له في نفسك وقع حسن .. فإني أرى أنه لا بد ، لتخطيط مناهج التعليم ، من الرجوع إلى الأصول ، إذا ما أردنا تعليمنا أن يكون مثمرا، ونافعا .. والنظرة العجلى للأصل تدلنا على أن مناهج التعليم التي نرسمها يجب ، قبل كل شيء ، أن تهدف إلى تعليم الطالب كيف يعلم نفسه ، وكيف يكلف بمواصلة هذا التعليم ، طوال حياته ، التعليم الذاتي .. وأما حشو ادمغة الطلبة بطائفة مختارة من المعلومات المتنوعة ، والكثيرة ، والتي يجلس أحدهم ليجوز الإمتحان فيها ليواصل سيره في المراحل المختلفة فإنها طريقة فاشلة ، وفي الحقيقة ، مضرة .. والواقع أن الحياة نفسها تتطلب من الإنسان أن يظل طالب علم طوال حياته .. فإن نحن إستطعنا أن نعطيه ، في التعليم النظامي الذي تقيمه الحكومات المتمدينة ، الأسلوب العلمي الذي به يستطيع أن يعلم نفسه فقد أعددناه للحياة الإعداد المطلوب ..
      إن فائدة التعليم لهي في مقدرة المتعلم أن يوائم بين نفسه وبين بيئته .. ووظيفة التعليم إنما هي أن يأخذ المتعلم صورة كاملة وصحيحة عن البيئة التي يعيش فيها .. ولقد أشرت آنفا إلى الأصول ، وقلت لا بد من الرجوع إليها ، إذا ما أردنا أن نخطط مناهج التعليم ، تخطيطا رشيدا .. وأول ما يجب تقريره ، في الأصول ، أن الإنسان لا يختلف عن الحيوان إختلاف نوع ، وإنما هو اختلاف مقدار .. ومعنى هذا أن الحيوان قابل للتعليم ، وأن الإنسان قابل كذلك ، غير أن قابلية الإنسان تفوق قابلية الحيوان عدة مرات .. والإنسان بغير تعليم ، لا يتميز عن الحيوان ، إلا قليلا ..
      وهذا القليل إنما يأتيه ، خلاف الوراثة ، من قبيل أنه ، بخلاف الحيوان يعيش في مجتمع منظم بعرف ، وتقاليد ، وقانون .. فهو يخضع ، في حدود كبيرة ، لنظام الجماعة ، وفي أثناء خضوعه يتعلم ، ويتهذب ، ويمارس السيطرة على نفسه ، بفضل العرف ، والتقليد ، والقانون ..
      والإنسان، قبل أن يعيش في المجتمع، كان حيوانا فرديا فاضطرته قسوة الحياة، في بيئته الطبيعية، أن يخترع نظام الجماعة، وأن ينزل عن قسط كبير من حريته الفردية، فيضبط غرائزه البدائية، مراعاة لحريات الآخرين .. وليس، بالطبع هناك إنسان بعينه، في زمان بعينه، جلس إلى نفسه فاخترع نظام الجماعة، وإنما هو تراث بشري طويل، لم يجيء دفعة واحدة، في زمن واحد، وإنما جاء على تراخي الزمن، وبحكم التطور البطيء جدا، في سحيق الآماد، ثم فرض على الأفراد فرضا، فاضطرهم إلى السيطرة المتمدنة إضطرارا .. فإن عيش الفرد في المجتمع يفرض عليه قواعد سلوك خاصة، في الكسب وفي الإنفاق ، وفي السيرة العامة بين الناس، وقت السلم، ووقت الحرب.. وفي الزواج، وفي بناء الأسرة، وفي إعالتها وحمايتها، إلى غير ذلك .. وهذه القواعد، المرعية بالعرف حينا، وبالقانون حينا آخر، تكون جرثومة الحضارة البشرية، ولها فضل كبير في تعليم الأفراد، وتهذيبهم، قبل أن ينشأ التعليم النظامي الذي نعرفه اليوم ..
      ولقد نخرج مما تقدم بمقدمتين:
      1) إن الحرية الفردية لدى الإنسان هي الأصل ..
      2) إن الحرية الجماعية لا تقوم إلا على الحد من الحرية الفردية وهي، في الحقيقة، وسيلة إليها، وليس بينهما، في حقيقة الأمر، تعارض، وإن بدا هذا التعارض، لدى النظر القصير..
      ومن هاتين المقدمتين نتوصل إلى نتيجة واحدة وهي:-
      1) أي تعليم يجب أن يمكن الفرد من التحقيق التام للتوفيق بين الحرية الفردية، والحرية الجماعية، حتى لا يعيش في عداء مع نفسه ومع مجتمعه .. والحق أن الفرد الذي يستطيع أن يعيش، عيشة فردية ، مستقيمة ، حرة، خصبة، منتجة، يستطيع أن يعيش في المجتمع فيكون مفيدا، نافعا، منتجا .. بل أنه ليستمد سعادته الفردية من إسعاد الآخرين ..
      فإذا كان ما تقدم صحيحا فقد يبدو أن التعليم يجب أن يقع في قسمين كبيرين:-
      1) التعليم المهني . 2) التعليم الخلقي ..
      أما الأول فضروري، لأن المجتمع لا يخدم، خدمة نافعة معينة على التقدم والتمدن، إلا بفضل المهارة المهنية .. هذا إلى جانب أهمية المهارة المهنية للحرية الفردية نفسها، ذلك بأن الإنسان، بالعمل المتقن، يحقق شخصيته، ويصحح رأيه في نفسه، ويوجد التجانس، والتوحيد، بين عقله، وجسده، هذا بفضل المجهود الموحد الذي يتطلبه العمل المتقن من كل من اليد، والعين والعقل، في آن واحد ..
      وأما التعليم الخلقي فضروري، لأن المجتمع لا يعاشر بشيء كما يعاشر بالخلق .. والحق أن القانون نفسه طرف من الأخلاق .. وهذا إلى جانب أن الخلق يجعل الفرد يحسن التصرف في معاشرة مجتمعه بطريقة تلقائية، لا يراعى فيها جانب القانون، ولا الخوف من العقوبة التي تترتب على المخالفة .. فيكون سلوكه، في المجتمع مستمدا من قيمه الخلقية، ومن محاسبة ضميره إياه، لا من خوف العقاب .. وهذا لمما يحقق الحرية الفردية العالية، ويحقق التوفيق بين حرية الجماعة وحرية الفرد .. ويفض التعارض البادي بينهما، لدى النظرة القصيرة ..
      1) التعليم المهني

      وأعني بهذا كل تعليم يعين على إتقان عمل جسدى، بصرف النظر عما إذا كان حظ الفكر في العمل أكبر، كالبحث العلمي التجريبى في المعمل، مثلا، أو كان حظ البدن أكبر، كأعمال النجارة في الورشة، مثلا.. فإنى أسمى كل هذه الأعمال مهنية .. يستوى عندى فيها الفلكى والرياضى ، والعالم الطبيعى، والطبيب، والمهندس، والنجار والبناء .. كل أولئك مهن، وكلها يتطلب إتقانا، ومهارة، مما يوجب التدريب، والتمرين .. وبالطبع فإن كل مسئول عن التعليم المهنى يجب أن يعطى المتعلمين أقصى قدر ممكن من التدريب، والتعليم النظرى، حتى يبلغوا، بإتقان مهنهم، المبالغ.. ولكن ذلك لا يكون يسيرا ولا ميسورا .. وحسبنا أن البشرية سائرة، في كل حين، نحو الإتقان، والتجويد .. وفي بلد كبلادنا فإنا بحاجة ماسة إلى البدايات نفسها، لأننا قل أن نعمل هنا عملا، في الوقت الحاضر، بطريقة عملية، متقنة، إلا في القليل النادر..
      سيكون تعليمنا المهني مقيدا بثلاثة قيود:-
      1) إمكانياتنا المالية .. 2) مواهب أطفالنا .. 3) حاجة البلاد لأنواع المهن المختلفة ..
      1) وأعنى بالإمكانيات المالية: مقدرتنا على بناء دور العلم واستجلاب المعدات الضرورية للبحث العلمى، وإعداد المدرسين، المدربين تدريبا كافيا .. هذا إلى جانب رفع مستوى حياة المواطنين عامة وتحسين حالة الأسر الصحية، والعقلية ..
      2) واعنى بمواهب أطفالنا عدد المؤهلين منهم، بالفطرة، ليكونوا مهندسين مهرة، وأطباء مقتدرين، ورياضيين ضليعين .. فإنا يجب أن نكتشف الموهبة الطبيعية ، في كل طفل ثم نعمل على تنميتها ، وتثقيفها .. فإنه ليس في طوق كل طفل أن يكون طبيبا .. وإذا حاولنا أن نخلق من الموسيقار الموهوب، مثلا، طبيبا، قديرا، فإنا قد نضيع الموهبة التى فيه، ونضعه في غير موضعه ، ونضيع بذلك، على المجتمع عدة مزايا .. فيجب، إذن، إكتشاف المواهب أولا، ثم تشجيعها بالتعليم، والتثقيف، لتبرز خير ما فيها لمصلحة صاحبها، ولمصلحة المجتمع برمته .. يستوي في هذا بالطبع الرجال، والنساء ..
      3) وأعني بحاجة البلاد لأنواع المهن المختلفة: أننا يجب أن نوجه التعليم المهني، بعد أن نكشف عن المواهب الطبيعية لدى الأطفال الذين بين أيدينا، فنوجه لمهنة الهندسة المدنية ما نعتقد أننا سنحتاجه في كذا من السنين ، وكذلك للطب، ولغيرهما من المهن .. وغرضنا وراء ذلك بالطبع رفع مستوى معيشة المواطنين، من جميع وجوهها: المادية ، والصحية، والعقلية، مراعين في ذلك المساواة، من جميع هذه الوجوه، بين جميع المواطنين ، سواء كانوا في الحضر، أو في البادية .. ويجب ألا ننشئ المدن الكبرى على حساب الريف، فنترك بعض المواطنين رحلا، كما هم، ثم نطور المدن تطويرا يجعل البون شاسعا بين الحضريين والبادين بل يجب أن نعمل على توطين البادين من مواطنينا، بتوفير مياه الشرب لهم، ولمواشيهم، وبإعداد المراعي المستديمة، بطرق الرى الحديثة، وبحفظ العلف، بالطرق الفنية الحديثة حتى يستقروا في مكان واحد، وحتى يربوا مواشيهم بالطرق العلمية الحديثة .. نهتم بالكيف ، أكثر مما نهتم بالكم ، وبذلك نستطيع أن ننشر التعليم ، والتمدين ، بينهم، بنفس المستوى الذي ننشرهما به في المدن .. وكل ما هناك، من فرق، إنما يكون فرق مقدار، لا فرق نوع، ذلك بأن التعليم المهني للأرياف سيكون في سبل الزراعة وتربية الحيوان، وتصنيع منتجات الحيوان، ومنتجات الزراعة، بينما التعليم المهني في المدن قد يكون في الصناعة، والتجارة، وما شابههما وطبعا هذا لا يعني ألا يتعلم سكان الأرياف ما يتعلمه سكان المدينة، ولكن يعني أن نوع تعليمهم، في الغالب الأعم، وعلى الخصوص في البداية، سيكون المقصود منه إعدادهم لبيئتهم إعدادا نافعا .. وما يقال هنا عن الأرياف يقال مثله عن المدن ..
      أقترح ألا يكون عمل لجنتكم قاصرا على جانب التعليم وحده لأن التعليم إنما يمارس في المجتمع .. وهناك مسائل كثيرة تؤثر على المجتمع، وتؤثر، من ثم، على التعليم .. فإذا ما أهملت هذه المسائل الكثيرة، ثم إقتصر الكلام على التعليم وحده ، فلن يكون مثمرا، الثمر المطلوب، لأن الطفل لا يجيء للتعليم إلا بعد أن تكون المؤثرات الأولى على شخصيته قد عملت عملها فيه، مما لا يستطيع التعليم، فيما بعد، أن يصحح ما أفسدت .. وهذه المؤثرات الأولى تجيء من بيئته المنزلية، ووسطه في الحارة، والشارع، والحي .. ثم أن الطفل لا يكون في المدرسة إلا جزءا يسيرا من يومه ، يعود بعده إلى هذه البيئة التي يكون أثرها عليه، دائما، أبلغ من أثر المدرسة ولذلك فيجب على رجل التعليم أن يعني، بعض الشىء، بهذه البيئة، وإن كانت، في تفاصيلها، تخص رجالا آخرين، غير رجال التعليم ... ولكن يجب أن يتضافر مجهود كل الهيئات لينتج الرجال الصالحين للغد من أطفال اليوم .. وأنا شخصيا أعتقد أن وزارة المعارف في البلاد يجب أن تكون أكبر وزارة، وأن يكون لها إشراف تام على (المورد البشري) عندنا، لأنها هي التي سترعى نوعه، وتتعهده بالتهذيب الذي بدونه لا يكون الإنسان خير حالا من الحيوان ..
      يجب أن يكون من حقها الأشراف على الأطفال من قبل أن يولدوا وذلك بتنظيم الزواج، والتأكد من أن الفتى والفتاة، اللذين ينويان الزواج صحيحان، وخليقان، بأن ينجبا أطفالا أصحاء .. ثم برعاية الأمومة، أثناء الحمل .. ثم برعاية الطفولة، في السنين المبكرة .. ثم باستلام الطفل في سن أبكر مما نفعل اليوم .. يجب أن تكون لنا مراحل من التعليم تأخذ الأطفال في سن الخامسة مثلا .. على أن يكون التعليم مختلطا بين البنين والبنات، ومعدا في كل قرية من القرى .. وليكون ذلك عمليا فيجب تجميع البيوتات القليلة في القرى الصغيرة على بعض في موضع مناسب، حتى تنشأ منها قرية محترمة، مخططة تخطيطا صحيا حديثا، وبها تنهض جميع المرافق الضرورية كالسوق، والمدرسة والشفخانة ومنشآت الماء الصالح للشرب ..
      التعليم الأولي

      1) يبدأ من سن الخامسة .. ويكون إلى سن السابعة بالتلقين، وتوجيه النشاط الطبيعي عند الطفل بواسطة اللعب، وباستعمال الدمى، والصور، وبتشجيع الأطفال ليبنوا، من الطين، أشكالا تعبيرية من الحيوان، وخلافه .. ويجب ألا يعلموا القراءة بالمرة في هذه المرحلة حتى تتسع الصور، والمعانى، في أذهانهم ، بوسائل التعبير المحسوس من الصور، والأشكال، ومن القصص، والأحاجى الشيقة، الرشيدة . ذلك بان تعلم الكتابة بدون أن يشعر المتعلم بالحاجة إليها للتعبير عما في نفسه يحجر الفكر، ويحد الخيال، ويكاد يجعل الكتابة كأنها غاية في نفسها .. يجب أن يقوم بالتدريس، في هذا الطور، المعلمات المثقفات ..
      2) يقوم هذا التعليم، في كل قرية، من بنايات بسيطة، من القش، والطين، ينشئها المواطنون أنفسهم بالتعاون (النفير) .. وتقدم، في هذه المرحلة للأطفال وجبة من الطعام الصحى، المناسب، وشىء من الحلوى، والبلح، واللبن ..
      3) بعد السابعة يبدأ تعليم القراءة والكتابة .. ويكون التعليم مختلطا أيضا .. وفي بنايات من نوع البنايات في تعليم رياض الأطفال المذكورة أعلاه .. يبنيها المواطنون ، في كل قرية (بالنفير) .. ويحافظون عليها ، ويصونونها، كل حين .. ويقوم بالتعليم، إذا أمكن، المعلمات أيضا .. ويستمر العمل اليدوي بخلق الأشكال المعبرة من الطين، إلى سن العاشرة، حيث يدخل، في المدارس، التعليم المهني كبناء المنازل، وإعداد الأثاثات .. ويبدأ، بصورة أقرب إلى اللعب، بنماذج متناسقة، من الطين، ومن الخشب، ومن الورق المقوى .. ويلاحظ، في أثناء هذه المراحل، المواهب، والميول الطبيعية، عند كل طفل .. وسيكون هذا الطور طور تفتح، وتنبه، لأساليب من الحياة جديدة . تقوم هذه المرحلة في منازل أجمل، وبأثاثات أجمل، من منازل القرية وأثاثاتها، وتتخذ من المواد البسيطة، الموجودة محليا.. هذا الطور هو طور تفتح الخيال، فإذا ما وجه توجيها خلاقا إستطاع أن يكون عمليا، ومطور للحياة لأحسن، فأحسن.. ويتولى التعليم في هذا الطور المعلمون، والمعلمات.. ويكون تعليما مختلطا.. لا يفترق فيه البنون عن البنات، إلا في حصص التعليم المهني، لأن للبنات تعليما مهنيا غير تعليم البنين ويجب التركيز على التعليم المختلط، لأننا نرمي لحياة طبيعية، حيث لا يكون الرجل في حيز والمرأة في حيز آخر، كما هي الحال عندنا اليوم..
      4) من العاشرة إلى السادسة عشرة تكون مرحلة التعليم النهائية لجمهرة البنين والبنات من الذين لا يستطيعون مواصلة مراحل التعليم الرسمي في المدارس، وذلك لضيق الأماكن، في المراحل العليا، كما هو محقق أن يكون، في بداية الأمر، بالنسبة لضيق مواردنا.. وفي هذا الطور بين العاشرة، والسادسة عشرة يمكن أن ينفصل البنون في مدارس خاصة بهم، والبنات كذلك.. ويتولى التعليم المعلمون في مدارس البنين، والمعلمات في مدارس البنات.. ويتسع التعليم المهني، ويشمل، بالنسبة للبنات، تدبير المنزل، من غسيل، ومكوة، وتفصيل ملابس، وتطريز، وخياطة، وطهو الطعام، ومعرفة القيم الغذائية في المأكولات المتوفرة محليا، وصحة الأسرة، والأطفال بشكل خاص، والتمريض، وطرف صالح من العادات الإجتماعية الحميدة.. وبالإختصار تتعلم كل ما يعدها لتكون زوجة صالحة.. وتعلم الأولاد في مدارسهم في هذه المرحلة، طرفا صالحا من المهن المختلفة التي تجعل منهم رجال صالحين واسعي الحيل – يستطيعون أن يخلقوا من ظروفهم المحلية ظروفا لحياة أرقى مما وجدوا عليها آباءهم، ويعدون، بدورهم، في هذا الطور، ليكونوا أزواجا صالحين..
      5) بعد نهاية التعليم الأولي، في سن السادسة عشرة يكون هناك تعليم جامعي، شعبي، في الأمسيات، لمن يريد.. وتكون هناك أندية للصبيان، وللصبايا، تواصل إرشادهم وتثقيفهم وتهذيبهم..
      التعليم فوق الأولي

      1) يتوخى في هذا أن يكون متوفرا لأكبر عدد ممكن من الأولاد، والبنات.. ولا يشترط فيه أن يكون جامعيا، في طور بلادنا الحاضر، بل يكفي فيه أن يكون ثانويا.. أن يتوفر حتى يستطيع إستيعاب كل من يستحقه.. وهو عبارة عن إمتداد للتعليم الأولي.. وأعتقد أننا يجب أن نرجئ التعليم الجامعي لفترة مقبلة، بعد أن تتسع إمكانيات البلاد المادية.. وبعد أن تتسع القاعدة بالتعليم الأولي، والثانوي.. وفي ذهني الآن تعليم عام فوق التعليم الثانوي الحاضر، ودون التعليم الذي يجري الآن بالمعهد الفني، على أن يعمم، كما قلت، حتى يشمل جميع المواطنين.. وفي هذه الأثناء نسد حاجة البلاد للخبرة الفنية العالية ببعث الطلبة النابهين جدا إلى الجامعات الخارجية، ليتعلموا إلى نهاية كبيرة، فنون الهندسة، والطب، والرياضة، الزراعة، وتربية الحيوان، والنبات، والزهور، والموسيقى، إلى آخر ما هناك، ليعودوا فيبسطوا كل أولئك بطريقة تجعل كثيرا منها يمكن تلقى طرف صالح منه في المراحل الأولية، مما يعين المتخرجين على النهوض بحياة القرى والأرياف ..
      2) في هذه المرحلة، من مراحل التعليم، تخصص الأعداد المطلوبة من المهن المختلفة، حسب حاجة التعمير، وحسب المواهب الطبيعية الموجودة لدى الطلاب، على أن تجعل، في المصالح المختلفة، وسائل للتدريب المهني لإكساب الخريجين فيها المزيد من الخبرة العملية.. وعلى أن تكون هناك فرص للنابهين من المهنيين ليزوروا البلاد الخارجية في بعثات علمية مما برزوا فيه من فن ..
      3) لهذه المرحلة يمكن إعداد الكتب المدرسية المترجمة من اللغات الأجنبية، ويجب أن يكون جميع التدريس باللغة العربية، ولا يشرع في تعليم لغة أجنبية إلا للمبرزين الذين سيبعثون إلى الخارج لتلقي المزيد من التدريب العلمي، والفني ولهؤلاء يمكن أن يشرع في تعليم اللغة الأجنبية – الإنجليزية في بداية التعليم فوق الأولي.. وهذا يعني أن يكون هناك إتجاه لإعداد هؤلاء في فصول خاصة تبدأ بنهاية طور التعليم الأولي أما سائر الطلاب الذين يتلقون تعليما فوق الأولي فيجب أن تكون دراستهم باللغة العربية.. ولا يغيب عن بالي الصعوبة الكبيرة في إعداد هذه الكتب المترجمة.. ولا يغيب عن بالي أيضا تدريب المدرسين والمدرسات، المطلوبين لمثل هذا البرنامج الكبير.. ولكن، على الأقل، البداية ممكنة.. ويجب التخطيط المرسوم ليجيء اليوم الذي يتم فيه إعداد الكتب المترجمة والمؤلفة المطلوبة.. وكذلك تدريب المدرسين والمدرسات، بالعدد الكافي للحاجة إليهم ..
      التعليم الجامعى

      (1) إن التعليم الجامعى الحاضر باهظ التكاليف جدا.. وهو غير كبير الجدوى للبلاد.. بل إن الخريجين والجامعيين يكونون طبقة جديدة لا تأبه كثيرا بحالة البؤس التي يعاني منها الشعب، وهم على التحقيق، غير قادرين على السكن في القرى، والأرياف، حتى يستطيعوا أن يتفهموا حالة مواطنيهم، ويعينوا على تطوير حياة الريف.. ولو أوقف هذا التعليم الجامعي الحاضر، وأستعين بما ينفق عليه، في الوقت الحاضر، لتوسيع قاعدة التعليم، وتركيز مراحله، على النحو الذي إقترحت أعلاه، لكان ذلك أفيد للبلاد..
      2) عندما يتركز التعليم، ويرتفع مستوى المواطنين، العقلى والصحى، والإجتماعى، والإقتصادى، بفضل ما يبذله خريجو معاهدنا التى ذكرت تنظيمها آنفا، يمكن أن نرتقي الى تعليم جامعي ينبت من طبيعة أرضنا، وتفكيرنا، وشخصية قومنا، ثم يتلقى ما يتلقى من أفكار غربية ووشرقية، فيهضمها، ويجعلها سودانية أصيلة. أي يستطيع أن ينظر إلى العالم الشرقي، والغربي، من وجهة نظر سودانية، وبذلك يكون تعليمنا أصيلا، لا دخيلا.. ويكون خريجونا إنسانيين، سودانيين، أصلاء يسعون لإسعاد قومهم، ولإسعاد البشرية عامة، كعمل طبيعى، في غير تكلف ولا رياء..
      التعليم الخلقى

      أولا يجب أن يفهم النشء بالأخلاق، بدون ان نسميها أخلاقا.. يجب أن يكون تعليمنا بالقدوة، لا بالكلام.. والدين، من حيث هو، من أكبر وسائل تعليم الخلق الجميل، والدين الإسلامى، بشكل خاص، على ألا يكون تعليمه مستقلا عن النشاط اليومى، في التعليم المهنى، أو في الألعاب أو خلافه، وإنما يكون متلبسا بكل أولئك. يجب ان يعلم الدين بسير الرجال الصالحين، حتى ولو كانوا غير مسلمين، فبإبراز قيم السلوك الإنساني التي عاشها العظماء، من مسلمين، وغير المسلمين ترسخ في أذهان الطلاب النماذج البشرية الممجدة..
      ثم يجب أن تكون حياة المعلمين نموذجا حيا للخلق القويم.. ويجب الحذر، كل الحذر، من فصل التعليم إلى، تعليم ديني، وتعليم مدني، ينتظر فيه من رجال الدين، من إستقامة الخلق، ما لا ينتظر من رجال التعليم المدني.. إن الأخلاق، في حقيقتها، هي حسن التصرف في الحرية الفردية، وهي بذلك حق على كل فرد.. ويجب علينا جميعا أن نعين بعضنا بعضا على تحصيلها وذلك لأهميتها الفردية، والجماعية.. ولما كان الدين عامة، والإسلام خاصة، أكبر أسلوب يعين على تحصيل الأخلاق، بوصاياه، وبقرآنه، وبعبادته، وبسيرة نبيه، وأصحابه، وجب علينا أن نولي الدين إهتماما خاصا، لنحقق به التربية الخلقية.. على أنا يجب أن نميز بين القضايا الفقهية التي تلقن في المعهد الدينية الحاضرة، وبين (روح الدين) فإن روح الدين البسيطة، المنبعثة من القول البسيط (لا إله إلا الله)، هي شعار التربية لأنها تدعو إلى الحرية، وترسم الطريق إلى الخلق الذي يليق بالأحرار، وهو ما عنيناه بحسن التصرف في الحرية الفردية..
      وأما تعلم القضايا الفقهية، على نحو ما يمارس في المعاهد الآن، فهو مهنة، كسائر المهن، ولا يحتاجه المجتمع الذي ندعو إليه.. نعم!! سنحتاج إلى رجال قانون، ولكنهم لن يكونوا بالصورة الحاضرة، لأننا لن نعمل على قيام محاكم شرعية، ومحاكم جزئية، وإنما سيكون التشريع موحدا، وسيكون القضاء موحدا أيضا..
      سيكون التشريع مبنيا على القيم الإنسانية الرفيعة، وهى القيم التي نعلمها في معاهدنا، ومنازلنا، ونطلبها من كل مواطن مهما كان دينه، ومهما كانت مهنته، بغير تمييز في ذلك..
      يجب أن يشرف على التعليم جهاز واحد، وهو وزارة المعارف.. ويجب أن يوحد التعليم، في برامجه ومناهجه، حتى تنشأ عنه قومية موحدة الفكر، والخلق، والزى، والعادة..
      ما أحب أن يفهم من وضعي للتعليم الخلقي تحت عنوان منفصل أني أعنى أن يكون تعليم الأخلاق مستقلا عن تعليم المهنة، فإنى أعتقد أن التعليم المهنى الصحيح هو التعليم الذ يوحد بين المهارة الفنية، والقيم الخلقية، التي تبعث على العمل المهنى.. وهناك حديث مأثور عن النبى في هذا المعنى وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شىء.. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة.. وليحدد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).. ففى كل عمل هناك إعتبار يتعلق بالآخرين، فيجب توخى العدل فيه، وتوخى الرحمة.. فإذا ما توكد هذا المعنى، في كل مهنة، أصبحت الأخلاق كالروح، تتلبس جسد كل عمل، وكل مهنة، مهما دقت، وصغرت.. قد تكون هذه الإقتراحات كثيرة على وزارة المعارف لأنها تدخل في إختصاصها أمرا ليس في المألوف دخوله.. ولكنى لا أقترح، وأنا مقيد بالمألوف، وإنما أقترح وأنا متطلع للكمال الممكن.. وهذه المقترحات فيها كمال ممكن.. والحق أن عمل المعارف هو أكبر عمل يؤثر على الأفراد تاثيرا بالغا.. فإذا اقترحنا توسيع إختصاصها لتشمل جميع المرافق الإجتماعية، والإقتصادية، والصحية، فليس ذلك بالغريب.. فإن هو لم يكن مألوفا فقد يجب السعى لجعله كذلك، ما دام مكفولا، وممكنا.. ثم أن هذا تخطيط لم يعط إلا الخطوط العريضة جدا لما في ذهنى عن التعليم.. ولقد اضطررت إلى الإكتفاء به لضيق وقتى، وإلا لذهبت في الحديث عن القيم التعليمية في نظام الحكومة المحلية، وفى ممارسة الديمقراطية، وفي حركات الكشافة، ومنظمات الشباب، والشابات، فألحقها بصلب التعليم النظامى، وطلبت إلى وزارة المعارف أن يكون لها في الإشراف عليها جميعا اليد الطولى..
      أرجو الا أكون قد أضعت وقتك سدى، وسلامى عليك..

      المخلص
      محمود محمد طه


                      


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

    تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
    at FaceBook




    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de