|
Re: عقوبة الإعدام وأخطاء العدالة بقلم نبيل أد (Re: قانوني دايش)
|
عقوبة الإعدام: إبقاء أم إلغاء؟ إن الحديث حول هذا الموضوع لابد وأن يبدأ بتناول فلسفة القانون ونظريات السياسة العقابية أو العدالة الجنائية (criminal justice policies or theories) التي تقوم عليها هذه النظريات. وهذه الفلسفة حول عقوبة الاعدام تبدأ بأفلاطون الذي رأي في مؤلفه "القوانين" الحاجة إلى إنزال عقوبة الموت بهؤلاء الذين يرتكبون جرائم فظيعة. وفي قول افلاطون هذا مفارقة لقانون "العين بالعين والسن بالسن"، أي القصاص والذي أقره الدين الإسلامي و تبناه بأثر رجعي. وتوالت بعد افلاطون فلسفات تبرير عقوبة الإعدام ونقيضها بما يمكن حصره عموماً في مسارين متعارضين ومتناقضين :هما مذهب الواجب الأخلاقي (deontological or duty based) والمذهب الغائي (teleological or result oriented) بهدف الوصول لغاية أو نتيجة معينة. أو باختصارين آخرين هما المذهبان الكانطي والنفعي (Kantian and Utilitarian) أو الموقفان القبلي والبعدي (apriori and aposteriori) من عقوبة الاعدام بمعنى قبولها من الناحية المبدئية لقيمتها الأخلاقية في تحقيق العدالة وإرضائها، مقابل قبولها فقط على ما سيحققه تطبيقها من نتائج نفعية للمجتمع . فهذا الفيلسوف إيمانويل كانت يقول: "لا وجود لعقوبة أخرى قادرة على إرضاء العدالة". وإرضاء العدالة يعني إحقاق الحق ومن ثم إرضاء الضحية وأولياء الدم والمجتمع بأسره الذي يعيش فيه. وهذا مبعثه القيم الأخلاقية التي تمثلها فكرة العدالة deontology لدى المجتمع ، وهي قيم مطلقة، وبالتالي فهي نظرة تنطلق من موقف مسبق أو قبلي أو قناعة مسبقة بتحقيق هذه العقوبة لمفهوم العدل المجرد وتعزيز الاحساس به عند الضحية والمجتمع ولا حاجة بنا لأن نحصي آثار تطبيقها وفوائده بعد ذلك. وهذه الفلسفة الأخلاقية بهذا المعنى تبرر لانزال العقوبة عموماً على كل مرتكب لفعل محرم أخلاقياً أو قانونياً دون عذر؛ في المقابل فإن أصحاب المذهب النفعي يرون أن مصلحة المجتمع ككل تعدل ما يجب أن يتقرر بشأن مرتكب الفعل ولو كان جناية القتل، فلا يعاقب إلا بعقوبة تنطوي على منفعة للمجتمع. وعلى ذلك، فإن النظرية القبلية للعقوبة تهتم فقط بطبيعة العقوبة ذاتها بما تمثله من قيمة عدلية وأخلاقية بينما لا تنظر الفلسفة البعدية للعقوبة إلا من خلال نتائج تطبيقها وما يعود منها من منفعة على المجتمع ولا يهمها بعد ذلك طبيعتها أو قيمتها الأخلاقية. وعموماً تقسم الدول، فيما يتعلق بمواقفها من تبني عقوبة الاعدام أو رفضها وإلغائها وفيما يتعلق بنوعية سياسة العدالة الجنائية المتبعة لديها، إلى قسمين يندرجان تحت هاتين المذهبين الأخلاقي أو النفعي. فالتي تندرج في مجموعة المذهب النفعي، أقرب إلى إلغائها حيث النظام السياسي لديها سواء كان ديموقراطياً أم ثيوقراطياً هو الذي يقرر السياسة العقابية، بينما تميل التي تنتهج المذهب الأخلاقي، خاصة تلك التي تنبع سياساتها العدلية من القيم الدينية للمجتمع، إلى تبني العقوبة وإبقائها. غير أن هذا الإجمال قد يكون مخلاً بطبيعة الحال ويبدو ذلك فيما يتعلق بالأثر الردعي للعقوبة، وهو أثر معتبر لدى كلا المذهبين، ولكنه أقل تأثيراً لدى معتنقي المذهب الأخلاقي حيث يعتبر هذا الأثر ثانوياً بالنسبة لقيمة العدالة الأساسية وسواء كنا بصدد الردع العام أو الخاص لافرق (general or private deterrence)، حيث أن الردع الخاص متحقق فعلاً بتنفيذ العقوبة بينما يظل الردع العام كأثر ونتيجة ثانوية. وعلى وجه العموم فإن النقد الموجه للنظرية الأخلاقية هو أنها تفترض قيام نظام عقابي قائم أو موجود مسبقاً في حين يُفترض بها هي أن توفر التبرير اللازم لإقامة مثل هذا النظام، وليس في هذا النقد مشكلة بالنسبة لبعض الأنظمة القانونية التي تستنبط قواعد السلوك الفردي من الشرائع السماوية كالاسلام مثلاً الذي يتوفر فيه هذا النظام؛ أما النظرية النفعية فيبدو من ظاهرها أنها لا تكترث لمعاقبة شخص بريء أو تبرئة مجرم خطير أو تخفيف عقوبته لمجرد اقتضاء منفعة ومصلحة المجتمع ذلك. وعليه فإن الصعوبة التي ستواجه أي باحث في هذا الموضوع تكمن ليس في التناقض الظاهر بينهما فحسب، وانما كذلك في امكانية استخدام كل منهما أو كليهما في تعضيد وجهة نظر كل من المؤيدين لعقوبة الإعدام أو المطالبين بإلغائها ونقدهما في ذات الوقت وعلى حد سواء! فمثلاً نجد أن الحق في الحياة قد استخدم لصالح خياري تأييد ورفض عقوبة الاعدام من كلا الفريقين وهكذا في معظم الحجج الأخرى. لذا فإن المشكلة في الحقيقة مضاعفة (two-fold). باعتقادي أن هذه الدوامة هي سبب استمرار الجدل الدائر منذ مدة وهي التي ستبقيه مستمراً بلا نهاية منظورة، مالم يكن في استطاعة الباحث استيعاب هذا الجدل (polemics) وتصفية حججه وتنقيح وتنقية منطقها وتمحيص صلاحية حجيتها في برهنة نتائجها وحقيقة مؤداها ومفادها الصحيح بحسب القيم التي ينطوي عليها هذا الجدل ويدور بشأنها وحولها (سواء كانت قيماً أخلاقية أو نفعية). ولا أدعي بهذا القول الأخير بأنني قد تمكنت فعلاً من حسم هذا الجدل ولكني على الأقل قد بذلت فيه جهد المقل وأرجو أن أنال ثوابه عند الله إن أصبت أو أخطأت.
|
|
|
|
|
|
|
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
|
|