يبتلي العالم السودانيين الشماليين في هويتهم أو هوياتهم العنصرية والثقافية بعد خروجهم الكبير في فجاج العالم. وبدا واضحاً أن مناعتهم الثقافية عاجزة عن صد سهام تفرس العالم لهم أو إستخافه بهم. فقد هيأت الحركة القومية الشمالية، التي ما يزال لثقافتها وشعاراتها الغلبة في تكويننا الفكري، الشماليين الي أنهم أمة أصلها للعرب وأن دينها خير دين يحب. كما تربوا على مغالطة ثقافية عنيدة لحقيقة سوادهم وسموه "بالخضرة" للتلطيف وأصبح السواد عنهم قاصراً على "الزرقة". ومَنُّوا النفس أن الخضرة كانت فاشية بين العرب القدماء. وهيأت لهم انسابهم السمرقندية، ولسانهم العربي الفصيح، وإرتباطهم بمصائر العرب وآدابها عن طريق مصر، أن يزعموا العروبة لأنفسهم بغير كبير عناء. وحين يفيقون لأفريقيتهم فهم يقرون بها كحيز مكاني جغرافي إكتنف عروبتهم وإسلامهم أو كخبرة في النضال المشترك ضد المستعمرين نحو الإستقلال. وكانت صورة "ود العرب" هذه عن نفسه سائغة الي حد كبير طالما اقتصر على بلده ولم يتخطفه العالم. علماً بأن لم يأمن مائة بالمائة لهذه الهوية العربية حتى في داخل الوطن لأن أصل مسالة جنوب السودان هي في صلاحية ود العرب (بما يظنه في نفسه من عزة بهويته) لإحتكار السلطان أو تمثيل السودان بأي زعم كان. لقد خرجنا الي العالم وقد توشحنا الهويات الأصاغر أي تلك التي استهجنها أهل الشوكة في العالم. فنحن سود، ومسلمون وندعي مع ذلك نسباً الي العرب.وساضرب صفحاً عن المرارات التي تجرعها "ودالعرب" السوداني في بلاد المهجر العربي والتي سمع فيها ما لا يرضاه عن سواده من العرب البيضان وهو الذي ظن أنه أمة منهم. أما كساد هوياته الأصاغر الثلاث الحق فقد ظهر له حين بدا يقيم في بلاد الغرب او الفرنجة. وقد قام سلطان هؤلاء الفرنجة وشوكتهم على كسر العرب والإسلام وإسترقاق الأفارقة منذ القرن الحامس عشر الميلادي. وترافق مع ظفر الغرب بالعرب والأسلام والعرب نمو ثقافة سلبية تجاه جدارة أهل السواد والإسلام والعرب وقيمة ثقافتهم. وأنتابت "أولاد العرب" حيرة ونزاع ويأس من هوياتهم الثلاث المبخوسة الحظ في الغرب. وأقرأ منذ حين على شبكة الإنترنت صوراً من هذه المحنة السودانية الشمالية. فمنذ عهد قريب قرأت لنفر من أولاد العرب تجارب لهم مع هوياتهم الأصاغر في سياقات أمريكية. واختاروا لها عنواناً شقياً هو "ملخبط وملخبطون" (confused). فقال واحدهم إنه اضطرب وهو يملأ خانة العنصر في أرنيك ما. فلم يضع نفسه من ضمن أهل آسيا الذين منهم العرب العاربة واختار أن يصنف نفسه في خانة السود. غير انه لم يقبل أن يضع نفسه في صندوق "أسود من افريقيا" بل وضع نفسه في صندوق "أسود من منشأ آخر". وحكي عما جري بعد المقابلة مع المخدمين الذين احتاروا لهذا السوداني الأسود الذي أنكر أفريقيته. وحكي آخر أنه كان مسافراً مع عربي في جنوب الولايات المتحدة. فأحتكا مع أمريكي أسود. فقال لهم بقصد الإساءة: "أنتم مكسيكيون وبس". فما كان من العربي أن قال للسوداني الشمالي" "هذا العبد يسبنا". وأصبح السوداني كالمستجير من الرمضاء بالنار. إن حاجتنا الي النظر الثقافي ماسة. فجماعة من أنبه شبابنا تضرب في الآفاق بلا تدريب في هوياتها الأصاغر سواء في الإلفة مع نفسها أو في الوطن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة