[email protected] كان نادي الدبلوماسيين الذي ألقى به الدكتور منصور خالد محاضرةً حول تجربته ورؤيته للمستقبل - مختتماً بها اليوم الثاني والأخير من مراسم حفل تكريمه - مسرحاً لمشهدٍ يتكرر يومياً مع اختلاف الوسيلة والكيفية. والمفارقة أن يأتي ذلك المشهد تأميناً وتأكيداً لمحتوى محاضرة الدكتور منصور خالد.
ففي تلك المحاضرة تحدث الدكتور بإسهابٍ عما آل اليه حال السودان منوِّهاً في نفس الوقت أن لا أمل للسودان في الخروج من وهدته سواءً في المستقبل القريب أو البعيد، حيث أن البلاد تعيش في اسوأ فتراتها منذ الاستقلال بعد أن أوصلت الأوضاع الاقتصادية والأوضاع الأمنية والسياسية البلاد الى طريقٍ مسدود.
أحدث كلام الدكتور المليء بالتشاؤم انقباضاً في النفوس هو أصلاً موجود بل مترسِّخ، وذلك بعد أن تقلَّص الأمل وكاد أن يتلاشى في الخلاص من نظامٍ قد أحكم قبضته الأمنية والحديدية بشكلٍ لم يعهده الشعب في أيٍ من الأنظمة الشمولية السابقة. بعد أن أنهى الدكتور محاضرته، قُدِّمت للجالسين حول الطاولات المتوزعِّة في أرجاء حديقة الدار وجبة عشاءٍ في اطباقٍ مغلَّفة إلى جانب المشروبات الغازية. شرع الجالسون في فضِّ الأطباق وتناول الوجبة بينما اكتفى آخرون، ممن لم يلمسوا في أنفسهم رغبةً في الأكل، بالمشروبات. في تلك الأثناء كانت ثلاث فتيات يبتدرن ذلك المشهد من المسرحية بالهجوم المتَّسِم بالخشونة والعنف على الطاولات وإفراغ ما عليها من اطباق في أكياسٍ بلاستيكية متوسطة الحجم.. قد تكون تلك العملية مقبولةً إذا ما تمت بهدوءٍ أو حتى ولو بقدرٍ ضئيلٍ من الإحساس بالحرج او الخجل. ولكن ما كان يجول في عيون أولئك الفتيات من حقدٍ وعنفٍ وتحدٍ يقول أن الأمر أكبر من أن يكون مجرد حدثٍ عرَضي. كانت عيون أولئك الفتيات تعلن وبكل وضوح...أطفالنا.. آباؤنا.. و..إخوتنا جائعون...جائعون... جائعون. مثل ذلك المنظر الصادم تتحجَّج به أسيرات الزواج العرفي.. وتتعلَّل به المنتظرات في الأزقة.. والنواصي..بل وفي الشوارع الرئيسية..يتدثر به السارقون.. والمرتشون.. والمتسولون.. والمحتالون..والمختلسون وغيرهم ممن يلتمسون لأنفسهم العذر فالجوع غولٌ بشعٌ يفتك بالقيم.. والمُثُل..والأخلاق.. والأعراف.. والتقاليد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة