الرئيس البشير كان قد اغلق حدود بلاده (بالضبة والمفتاح) مع دولة الجنوب الوليدة فور الاعلان عن مولدها . ومع الحدود ، اغلق خطوط النقل النهرى و الجوى بين البلدين. وعطل تلقائيا جميع المصالح التجارية المشتركة للشعبين التى سادت طويلا . ولم يسلم التمازج الاجتماعى، والثقافى العميق من التعطيل والتدمير تحت فورة الانفعال والغضب . ورفض سدنة نظام الرئيس البشير الاستماع الى الرجاءات الكثيرة والمخلصة التى قدمتها جهات و قيادات سودانية ذات وزن و مراس على طرفى الوادى و طالبت فيها باعتماد الجنسية المزدوجة لشعبى البلدين الشقيقين . واقرار و تفعيل قوانين الحريات الاربعة بينهما . ولكن الغضب الماجد فى شمال الوادى كان قد بلغ مداه الاقصى ، واغلق كل الاسماع والبصائر. ودفع باتجاه اقرار سياسات صارمة تمنع تسرب البضائع والمواد الغذائية من الشمال الى الجنوب بهدف خنق دولة جنوب السودان الوليدة المغلقة جغرافيا تاديبا لها على الانفصال الذى دفعت اليه دفعا بحراب كتيبة (السلام العادل) التى تولى قيادتها شخصيا خال الرئيس الذى اسماه الاعلام الاسفيرى السودانى المعارض بالخال الرئاسى الانفصالى من باب التبكيت والسخرية القاطعة . بالطبع يذكر السودانيون كلهم جميعا ان هذا الخال الرئاسى قد ذبح الذبائح تعبيرا عن فرحتة وبهجتة لحظة اعلان الانفصال . وقاد فيلق الغضب الشمالى ضد الدولة الوليدة حملة مضايقة المواطنين الجنوبيين ومنعهم من الحصول على أى خدمات فى الشمال من علاج وتعليم وعمل وغيره . وقد راجت يومها مقولة احد وزراء الرئيس البشير اللامعين من انه لن يسمح بعلاج أى مواطن جنوبى فى المستشفيات الشمالية ولو بحقنة واحدة من باب التنكيت والتبكيت المؤذى. ولكن ، و بمرور الوقت، اكتشف البلدان ان سلطان حاجتهما الى بعضهما البعض اقوى من سلطان الغضب الظرفى. فاقتصاد الشمال المتهاوى محتاج الى دولارات رسوم عبور بترول الجنوب . بينما لن تجد دولة الجنوب بديلا عن انابيب التصدير السودانية لايصال بترولها الى الاسواق العالمية . وهكذا طارت سكرة الغضب . وجاءت فى مكانها الفكرة كما يقول المثل . الذين استمعوا الى الرئيس البشير وهو يحاول بصعوبة شديدة تبرير تراجعه عن قراراته الاولى يعرفون كل التفاصيل ولا يحتاجون الى شرح وتعليل . فالحكاية كلها كتاب مفتوح . والمعلومات كلها على قفا من يشيل . دعونا نبارك خطوة تطبيع علاقة الدولتين الشقيقتين . و نقول حصل خير بعد الهوشات المضرية على أمل بأن لا تحصل هوشات جديدة تقلب الطاولة رأسا على عقب كما هو مشاهد فى المسرح السودانى .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة