اندفع الكويتب الجمهوري (البروفيسور) أحمد مصطفى الحسين في تعميم ذميم اتهم فيه كل من ليس جمهوريا بأنه داعشي. وإذا تبينا أن أتباع الفكر الجمهوري يقلون - باعتراف بعض زعمائهم - عن ألف شخص في السودان وربما في العالم كله، فحينئذ يكون باقي المليار ونصف المليار مسلم كلهم داعشيين! وهذا هو نص قول (البروفيسور) مخلَّصا من سياق التهاتر الذي أورده فيه: :" كل من يعترض على الفكرة الجمهورية متمسكا برسالة الاسلام الأولى وشريعتها - وهى رسالة عظيمة وشريعة حكيمة كل الحكمة فى وقتها، واجهت وقدمت حلولا لقضايا وقتها- فهو داعشى، عرف ذلك أم لم يعرف. أو مزيف لشريعة الإسلام بالزوغان والتنطع كما تفعل أنت ومعارضو الفكرة الجمهورية الذين يحاولون الاعتزار للشريعة (هل يقصد الاعتذار أم الاعتزار كما ينطقها بعض السُّودان؟!) والتنصل منها بعد أن واجههم تقدم القيم الإنسانية فى المساواة بين البشر وحقوق الانسان بتحديات لا قدرة لهم عليها". وليس لهذا الكلام الذي يهذر به (البروفيسور) من معنى سوى أن شريعة الإسلام برسالته الأولى، التي تؤمن بها الكتلة العظمى من المسلمين، شريعة متخلفة عن شرعة حقوق الإنسان التي أتى بها عصر التنوير الأوروبي ورسختها المواثيق الدولية الحديثة وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان! وهذا زعم باطل سنرد عليه بمقال منفصل إن سمح السادة القراء. وحتى لا نخرج عن لب موضوع الجهاد، الذي هو محط تناول هذا المقال، سنركز على ما قاله صاحب الفكرة الجمهورية في كتابه (الرسالة الثانية من الإسلام) تحت عنوان (الجهاد ليس أصلا في الإسلام). ففي هذا الفصل القصير حاول زعيم الجمهوريين أن يصطنع تضادا بين مفهوم الجهاد من جانب ومفهومي الحرية والسماحة من جانب آخر. وقد قلت إنه تضاد مصطنع لأن المسلمين ظلوا طوال تاريخهم يوفِّقون بيسر تام بين هذه المفاهيم الثلاثة ولا يشعرون بأي تضاد بينها. فهم يرعون حق الحرية حق رعايته، ويتسمون بخلق السماحة، وهم يمارسون فريضة الجهاد. وفي تفصيل أوجه التضاد الذي اصطنعه زعيم الجمهوريين بين هذه المفاهيم ذكر أن آيات القرآن تنقسم إلى آيات إسماح وآيات جهاد. وذكر أن من بين آيات الإسماح قول الله تعالى:( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل:125. وقال إن من آيات الإسماح قول الله تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) الغاشية: 21-22. وذكر أن المسلمين عملوا بهذا النوع من الآيات ثلاثة عشر عاما ثم تخلوا عنها ليعتنقوا عقيدة الجهاد. وأشار إلى أن آيات الإسماح المكية نسخت نسخا مرحليا بآية السيف وآيات الجهاد المدنية. وزعم أنه قد الآوان في هذا العصر (عصر الرسالة الثانية من الإسلام!) لكي تُنسخ الآيات المدنية، التي هي آيات الفروع، بالآيات المكية، التي هي آيات الأصول. وقد جاء في نص كلامه:" وكذلك نُسخت جميع آيات الاسماح، وهن الأصل، بآية السيف وأخواتها، وهن فرع أملته الملابسة الزمانية، وقصور الطاقة البشرية، يومئذ، عن النهوض بواجب الحرية ". وفسَّر الزعيم الجمهوري قول الله تعالى:( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحديد: 25. قائلا: "وشرعنا القتال بالسيف في مصادرة حرية من لا يحسن التصرف في الحرية، حتى يرده بأس السيف إلى صوابه فيحرز يومئذ حريته، وينتفع بحياته". وهو تفسير قاصر وخاطئ لأن الجهاد لا يعني مصادرة حرية أحد حتى ولو أساء التصرف فيها. ثم أخطأ زعيم الجمهوريين ثانية عندما زعم أن المسلمين أُمروا ليقاتلوا الناس بسبب كفرهم. وذلك ما تجلى في قوله:" ومن الحكمة في طب أدواء القلوب أن تبدأ الدعوة باللين، وألا يلجأ الى الشدة إلا حين لا يكون منها بد، فإن الكي آخر الدواء. وما العذاب بالقتل بالسيف في الدنيا إلا طرف من عذاب الآخرة بالنار. وليس لعذاب الآخرة موجب إلا الكفر. وكذلك الأمر في القتال. فإن هو أضاف الى الكفر دعوة إلى الكفر، وصداً عن سبيل الله، فقد أصبح قتاله وقتله أوجب. وإلا فهو مقاتل بكفره لا محالة". وهذا هو وجه المغالطة في منطقه فإن الكفر ليس هو سبب القتال. وإنما سببه عدوان الكفار على المسلمين. فهذا هو السبب الداعي للجهاد لا غير. إذ الجهاد في الإسلام جهاد دفاع ليس إلا. فالإسلام لا يسمح لأتباعه بالعدوان على الناس. ولا يسمح لهم بإجبار الكفار على اعتناق الإسلام. والآية التي تحكم هذا المبدأ هي قول الله تعالى:(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة: 256. وهي آية إسماح حسب التقسيم المحمودي لأى القرآن بخصوص الموقف من الجهاد. ولكنها آية مدنية من سورة هي من آخر سور القرآن نزولا. وبذلك ينتقض التقسيم المحمودي من أصوله. لأنه يفترض أن آيات الإسماح جميعا هي من آي القرآن المكي، أو قرآن الأصول كما سماه. وها نحن نجد آية إسماح كبرى من القرآن المدني، أو قرآن الفروع، حسب تقسيمه الذي ابتكره وما التزم به!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة