|
Re: بعد 18 عامآ من البيان العسكري الأول 1989 ومحاربة الفساد، هذا هو حالنا اليوم.. (Re: بكري الصايغ)
|
الانتحار ذلك المسكوت عنه!. ---------------------------
عدنان زاهر.
انتابني أسف وحزن عميق وأنا أقرأ خبرا أوردته صحيفة الرأي العام الصادرة بتاريخ 22/3/2007 يشير الى انتحار ضابطة شرطة برتبة نقيب بعد تناولها مادة سامة "صبغة!"، وتركها رسالة تذكر فيها أن انتحارها يرجع لأسباب مالية وأسرية. الخبر حزين لأنه يتعلق بفقدان حياة انسانة لا زالت أبواب الحياة أمامها مشرعة، سبل التطور في مهنتها التي اختارتها ممتد ومفتوح، ومؤسف لأن سبب رفض الحياة يرجع لأسباب مالية وأسرية، وتلك الأسباب ترتبط بالدولة الحاكمة والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي توفرها لمواطنيها وهي أسباب في النهاية ممكنة التلافي والعلاج.
الحادث يدفع اٍلى الواجهة قضية ظلت مهملة، ومؤجلة التناول ضمن كثير من القضايا الخلفية، وهي مسألة الانتحار في السودان ليس كحوادث فردية متفرقة ولكن كظاهرة أصبحت تتنامى في السنوات الأخيرة. وفي تقديري أن هذه الظاهرة تستوجب الانتباه، معرفة جذورها، أسبابها واقتراح الحلول العملية لها على المدى القريب والبعيد، كما أن اهمالها، عدم الاهتمام بها والتراخي سوف يجعلها تتمدد وتنتشر كما حدث لكثير من المشاكل التي يواجهها السودان الآن وتم التعامل بتراخي في معالجتها ابتداءا.
نشرت سودانيز أونلاين بتاريخ 21 ديسمبر 2006 خبرا يتعلق بهذا الموضوع، أي موضوع حالات الانتحار في السودان. نص الخبر كما يلي (كشفت تقارير رسمية عن ازدياد حالات الانتحار في السودان، اٍذ بلغت خلال الخمسة أعوام المنصرمة 2782 حالة من الجنسين منها 1969 حالة وسط النساء مقارنة 529 من الذكور. وأوضحت الاحصائيات أن أكثر حالات الانتحار كانت لأسباب عائلية حيث بلغ عددها في هذا الصدد 1099 حالة تلتها الدوافع النفسية وهي 326 حالة ومن ثم القضايا المتعلقة بالفضائح وهي 67 حالة وتليها الانتحار بسبب الفشل الدراسي 50 حالة ومن ثم الانتحار بسبب التخلص من الجريمة وبلع حالاته 37 حالة وان الانتحار بسبب الأمراض المزمنة كان 35 حالة ويأتي الانتحار لاخفاء جريمة أخرى في ذيل القائمة وعدده 21 حالة. وبلغ عدد البلاغات عن حالات الانتحار للعام 2001 نحو 294 بلاغا وفي العام 2002 كانت 463 بلاغا وفي العام 2003 كانت 592 بلاغا وفي العام 2004 كانت 773 بلاغا وفي العام 2005 كانت 660 بلاغا. )
الانتحار كما عرفه علماء النفس هو قتل النفس بطريقة متعمدة أو هو الفعل المدروي لايذاء النفس، والانتحار كوسيلة للتخلص من الحياة كان معروفا في السودان، ولكنه كان نادر الحدوث ويقع في حدود ضيقة. وعندما تحدث حالة واحدة من الانتحار تظل في ذاكرة المجتمعات التي وقعت فيها ماثلة لعدة عقود. وكما هو واضح فإن السودانيون لا يتناولون سيرة وتفاصيل من قاموا بالانتحار بل هم يحجمون حتى من ايراد ذكراهم وذلك يرتبط بالتحريم الديني للانتحار. هنالك مسألة مهمة يجب توضيحها وتأكيدها من جانب الجهات ذات الاختصاص، وهي أن هنالك أسباب عدة للانتحار وأكثرها شيوعا المرض "الاكتئاب". المهم عدم دراسة ظاهرة الانتحار بصورة علمية وموضوعية يؤدي الى تعميق الظاهرة.
التقرير الذي قمنا باٍيراده أعلاه رغم أهميته، لكن تنقصه أشياء كانت تجعله أكثر اكتمالا، مثال لذلك لم يشمل التقرير الفئات العمرية للمنتحرين، المناطق أو المدن التي وقع فيها الانتحار، فصول السنة التي تزداد فيها حالات الانتحار....الخ. كما أن التقرير أغفل بعد الأسباب في تصنيفه التي تفضي اٍلى الانتحار مثل العمل، أسباب مادية، علاقات اجتماعية، احساس بالعزلة....الخ.
برغم كل ذلك فالتقرير يعكس بشكل مزعج ومسبب للقلق حالات الانتحار التي أصبحت متزايدة سنويا في السودان، والتي أصبحت لها أسبابها الكامنة والمتأصلة في المجتمع. شمل هذا التقرير الحديث عن حالات انتحار مرتفعة لأسباب عائلية دون الخوض في تفاصيلها وذلك مؤشر لوجود مشاكل اجتماعية متزايدة تتناولها الصحف أحيانا مثل خلافات الأزواج، الدراسة، العمل، العلاقات الاجتماعية، الفقر، المرض وخير مثال يمكن أن نأتي به حالة الضابطة المنتحرة. التدهور الاجتماعي، الاقتصادي والاٍفقار الذي مس كل المواطنين يدفعهم اٍلى حافة اليأس ثم ركل الحياة. نحن لا نبرر اللجوء اٍلى الاٍنتحار ولكننا نرى أن هنالك أسباب موضوعية تفضي اٍليه ومناقشة هذه الأسباب يساعد على زوال الظاهرة.
نعتقد أن أهم أسباب تفاقم الظاهرة يرتبط مباشرة بالدولة وذلك لمراكمتها الثروات والخدمات لفئة محددة من المنتمين اٍليها والمنتفعين بها وحرمت كل الشعب السوداني منها، بالطبع قد تكون هنالك أسباب أخرى ولكن في النهاية عند تفكيكها وتحليلها ترجع مباشرة اٍلى انصراف الجهات المسئولة عن مجابهة مشاكل المواطنين.
يلاحظ في التقرير أن حالات النساء المنتحرات أكثر من الرجال في السودان! وبالرجوع اٍلى تقارير عن الانتحار لكثير من الدول ومقارنتها لاحظت أن عدد الرجال المنتحرين يزيد في العادة عن عدد النساء المنتحرات. هذه الملاحظة يجيب عنها المختصون.
أن حالات الانتحار المتزايدة تعكس حالة الاحتقان التي وصل اٍليها المجتمع السوداني في هذا الزمن المجدب، وشئ مؤسف أن نرى أمام أعيننا أفراد منا يرفضون قصدا الاستمرار في الحياة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|