شكراً يا بشاشة، لم أقصد بإعادة الكتابة لتاريخ السودان، بأن ماكتب من تاريخ السودان صحيح، وبأننا سنبني عليه ليس إلا. ما قصدته هو بأن ما كتب سيوفر لنا أساساً نقدياً لتصحيحه هو نفسه، ولكتابة ما لم يكتب بعد. المؤرخ الحاذق لابد من أن يبدأ بنقد ماهو مبذول من تاريخ، ثم يؤسس على نقده ما يقيم عليه البينة التاريخية. ولايغيب عن بالي بالطبع بأن كتابة تاريخنا تاثرت بنظرة مؤرخينا المنحازة للثقافة العربية-الإسلامية، دون غيرها من الثقافات -السابقة للعروبة وللإسلام في مضمار الحضارة الإنسانية- التي نسجت تكويننا الروحي والمادي. لسنا مختلفان حول هذا الموضوع، كما يبدو لك. ومثلك قرأت للشيخ أنتا ديوب، ولباسل ديفيدسون الذي يشاركه الرأي بأن أصل الحضارة يكمن في التاريخ النوبي الذي "لم يكتب معظمه بعد." لصالح أن يشاركنا القراء الحوار فإنني أعيد نشر ما كتبته في خيط الأخ نزار محمد عثمان. ******************************** يسعدني يابشاشة، إدراكك بأن تأسيسنا الروحي والفكري في السودان قديم. كما يسعدني أن ترى الصلة بين فكر الأستاذ محمود وهذا التأسيس. وأرجو أن أضيف هنا بأن مفهوم الأستاذ لكون الإسلام هو أصل جميع الأديان، بما فيها اليهودية والميسحية، يأتي من أن كلمة الإسلام نفسها تعني التسليم لله بكونه فاعل كبير الأشياء وصغيرها، المدركات منها وغير المدركات. ومن هذا المفهوم نستخلص بأنه ليس في الكون غير الله واسمائه وصفاته وأفعاله. ولا يكون تمام التوحيد إلا بأن يحقق الموحد (بكسر الحاء) التسليم التام لله، في القكر والقول والعمل. وهذا الأمر ليس بالسهولة التي تبدو في هذه العبارة. توحيد الفكر والقول والعمل، والعيش في اللحظة الحاضرة، دون توزع بين الماضى والمستقبل، يتطلب مراناً مستمراً، بالعبادة والمعاملة للخالق في خلقه من الأحياء والأشياء. وهذا مبتغى الأديان جميعها منذ عرفت الأديان في سحيق الأماد. وقد جاء القران يحاكي قمة هذه الأديان بصورة لم يسبق لها مثيل. فإنك تجد الرسالة الأولى منه، والتي تحقق تطبيقها في القرن السابع والقرون التي تليه، منطوية في القران المدني. والقرآن المدني يحاكي الدين اليهودي بصورة مذهلة، ولكنه أكمل منه نصاً، وروحاً. أما الرسالة الثانية من الإسلام، والتي لم يتحقق تطبيقها بعد، فهي منطوية في القران المكي. والقران المكي يحاكي الدين المسيحي بصورة مذهلة أيضاً، ولكنه أكمل منه نصاً وروحاً. ولهذا فإن القرأن هو "أم الكتاب." وهذا هو السر في أن الله أمرنا بالتعايش مع أهل الكتاب باعتبارهم أخوة لنا، فإن أصولهم الدينية واصولنا واحدة. أرجو أن تراجع تفاصيل هذا الفهم، الذي أرجو ألا أكون قد أبتسرته، في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" للأستاذ محمود محمد طه. وستجده في موقعنا WWW.ALFIKR.ORG. قراءة هذا الكتاب الفريد تتجدد معانيها مع كل تجربة إنسانية معرفية يضيفها القارئ لحياته، ولهذا فإنني أدعوك أن تقرأه مرة أخرى إن كنت قد قرأته من قبل، خاصة وأنك قد تعمقت في فهمك لحاضر تجاربنا بتوغلك في ماضيها. هذا الحس التاريخي مهم للغاية ليتحقق لناالخروج من أزمتنا الراهنة. أوافقك بأننا نحتاج إلى كتابة تاريخنا من جديد. ولكني لا أقلل من أهمية إسهامات مؤرخينا الذين تعاموا عن الكثير بسبب نشأتهم في ظل أوضاع ثقافية وسياسية وفكرية طاحنة. كتابات هؤلاء توفر للمؤرخين الجدد مادة للاتكاء الناقد على ماضينا. وهذا الاتكاء النقدي سيساعد في تفتيق أسئلة جديدة تؤدي إلى ما تريد وأريد من إعادة كتابة للتاريخ. ولا شك عندي بأن تحقق الفهم السابق تلخيصه عن الاسلام في السودان للأستاذ محمود إنما هو تعبير عن عراقة وأصالة السودان. فإنك إذا جلت بنظرك في العالم الإسلامي والعربي كله، لن تجد فكراً بهذا العمق، وبهذه الأصالة، ثم هو يتفوق على الفكر الغربي في فهمه للإنسان وعلاقته بالكون وبالمجتمع. وهذا يسوقني للقول بأن الله حين جعل أصل الحياة وأصل الإنسان في أفريقيا، كماهو ثابت علميا، وكما بدأ عندها-أي في أفريقيا- إرسال الرسل بالكتب السماوية -اليهودية- فإنه ادخرها كذلك ليوم فيه تكون مصدراً للسلام في العالم. وكلمة السلام هذه أي تجد مصدرها اللغوي والروحاني في "إلإسلام." ولا شك عندي، بأننا نحن السودانيين، رغم تخلفنا الحاضر، سنذهل العالم بنموذج فريد في التآخي والسلام يعيد للإنسان مجده ومسرته على الأرض. لك التحية، ثم الشكر على تفتيق ذهني للتفكير في هذا الأمر الهام!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة