كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: تاريخ السودان القديم ياحيدر بدوي (Re: Bashasha)
|
أتفق معك يا بشاشة على الكثير مما قلت. ولكن أرجو ألا نحمل المؤرخين، أياً كانوا خلل التفكير الجمعي لأي محموعة، أو كيان، على ظهر الأرض. هذا لايعني أن المؤرخين، الذين حملوا قناعات استعمارية، أو استعلائية، بريئون من الكثير مما حاق بالشعوب المقهورة. التفكير الجمعي في الحدود الأدني -التي نسميها الهوية- نتاج لعوامل كثيرة معقدة لايملك المؤرخ معها غير أن يكون دارسا لحلقات تكوين تلك الهوية منذ بداهة تشكل تلك الهوية. ومع أني لست مؤرخاً، إلا أن قراءتي للتاريخ تقول بأننا يجب أن نلوم أنفسنا في المقام الأول على ما حل بنا على كل الأصعدة، بما في ذلك تشويه تاريخنا المعاصر والحديث والقديم. أزمتنا الراهنة، التي تعبر عن نفسها في الحرب الضروس، التي أهلكت الزرع والضرع، هي بلاشك من تداعيات أزمة الهوية. ومما يثلج الصدر أننا بدأنا ننتج الفكر السياسي الذي سيخرجنا من هذه الأزمة ومن الحرب الدموية، إلى حرب أخرى هي "حرب الرؤي." وهذه حرب سلمية، سيساهم فيها المؤرخون، كما سيساهم فيها المفكرون من كل المدارس الفكرية التي تستطيع أن تصمد لحورات عميقة تصل بنا إلى حيث نريد. حرب الرؤي هذه لم تكن غائبة في فترة الحرب الدموية، ولكنها كانت أقرب للكمون منها للظهور، حيث استغرقنا تدمير البنيات التحتية والنتائج المادية لذلك التدمير. الفترة القادمة سيكون فيها العنف كامناً، بفعل الدستور والقانون والمؤسسية، ليترك المجال للاحتراب السلمي حول الرؤى. ولأن الشعب لن يكون منشغلاً بالدمار وبالحاجات الضرورية للبقاء مثل إنشغاله اليوم فإنه سيتفرغ لحرب الرؤى، التي لابد من إدراتها بحذق وسعة وعمق في التفكر وفي الشعور بهويتنا. ولابد أن تكون من ثمار هذا التفكر مبادئ إنسانية سامية تهدي مسيرتنا السياسية. إن أفلحنا في فعل ذلك، وإن إلتف الشعب حول هذه المبادي فإننا سنقضي على العنف الكامن إلى الأبد. أو على الأقل إلى أن ياتي، بعد زمان سحيق، من يقوض تلك المبادئ فتتجدد دورة صراع جديدة. أريد أن أقول بأن الحوار والجدل مهمين حول النقاط التي أثرتها، ولكن في نهاية المطاف، الفكر السياسي، المسلح بالحس التاريخي السليم هو ما سيكون عليه التكلان، لا على التـأسيس التاريخي المجرد فحسب. وذلك لأن الفكر السياسي السليم هو المؤمل أن يكون أقرب إلى المجريات اليومية من الجدل التاريخي المجرد. وربما تكون أبلغ وأفضل معادلة تلك التي يقود فيها الجدل التاريخي المعمق إلى فكر سياسي سليم، مستلهم من ضمير الشعب ومن وعيه الواقعي والتاريخي بذاته.
|
|
|
|
|
|
|
|
|