|
حكايات و حكاوي من ايام حظر التجول
|
حكايات و حكاوي من ايام من حظر التجول
لعل واحدة من أشهر القصص "الموضوعة" التي يتندر بها الناس في السودان تعبيرا عن حنقهم على حالات حظر التجول التي فرضت على عاصمتنا في أحايين كثيرة هي ما قيل عن أن جنديا أطلق النار على احد المواطنين قبل موعد الحظر بربع ساعة فارداه قتيلا فلما سؤل عن هذا التصرف الغريب ( ياخي كاتل الزول دا مالك ؟ ما المواعيد لسه ما جات و الشمس لسه ما غابت ؟ ) فأجاب متيقنا : يا جماعة الزول دا أنا عارفو ساكن بعيد في آخر ام بدة و ما حيصل بيتو قبال حظر التجول و عشان كده أحسن نطقطقو من هسه وننتهي من موضوعو، و على الرغم من طرافة هذه القصة و غرابتها على حد سواء فالشاهد أنها تحمل واقعا مأساويا رهيبا يتمثل في كيف أن النفس الإنسانية يمكن أن تهون و من ثم تزهق بهذه الدرجة من الاستخفاف كما يمكن أن يصل الاستهتار بالبعض إلى عدم الاكتراث بما يمكن أن تفضي إليه أفعالهم هذه من عواقب وخيمة في الدنيا و الآخرة كما هو الحال في هذه القصة التي تماثل حكاية الطبيب الذي استدعي أيام حظر التجول أيضا لحالة طارئة بمستشفى من مستشفيات الخرطوم فمر بعربته بسرعة على نقطة من نقاط التفتيش و تجاوزها دون الانتباه إليها نظرا لانشغاله الشديد للحاق بالحالة التي استدعي من اجلها فما كان من عسكر هذه النقطة إلا أن أطلقوا عليه النار مباشرة فاردوه قتيلا بدلا من أن يطلقوا النار على كفرات العربة أو أن يطلقوا طلقات في الهواء تنبيها و تحذيرا له و لم تتكشف المأساة إلا في صبيحة اليوم التالي حين وجدت سيارة هذا الطبيب و قد انحرفت عن الطريق و الطبيب مضرج بدمه و قد فارق الحياة و حكى جيران الموقع أنهم سمعوا صيحات الجنود ( سابت ... سابت ) ثم أعقبها إطلاق للنار ولكن أحدا لم يجرؤ على الخروج لتقصي الأمر مخافة أن تصله هذه الرصاصات الغادرة أيضا. أما من طريف حكايات أيام حظر التجول فما حكاه لي الأخ الصديق / صديق احمد على الضابط السابق بالقوات المسلحة من انه و برفقته زميل آخر و مجموعة من العساكر كان يتجولون في الساعات الأولى من صباح احد أيام الحظر بمنطقة السجانة بالخرطوم للتأكد من التزام المواطنين بتعليمات الحظر و بينما كانت كل الأمور تدل على أن ( الأمن مستتب) كشف لهم نور العربة التي كانوا يستخدمونها عن ما بدا لهم انه شخص يغط في سبات عميق بمجرى السيول فلم يكن لهم من خيار غير التوجه لموقعه للتحقق من حالته فربما يكون ميتا أو مضروبا أو مجنونا وإن لم يكن كذلك فلابد من معرفة أسباب خرقه لحظر التجول و اتخاذ اللازم حياله ، و ما أن اقتربوا منه حتى كانت رائحته دليلا على ما حل برأسه و مبررا كافيه لوجوده بهذه الحالة المزرية و لذلك لم يشعر بهم رغم تعليقاتهم الصاخبة على حالته و تشاورهم بصوت مسموع عما يجب فعله تجاهه و لكنهم في نهاية الأمر رأوا ضرورة إيقاظه وإيصاله إلى حيث يسكن ، فتوجه إليه احد العساكر و ربت على كتفه بشدة : يا زول ... يازول قوم اصحى ياخي قوووم ، فرد صاحبنا متلعثما بعد أن فتح عينا و أغمض أخرى : ايوه يا جماعة ... في شنو ؟ فجاءه رد العسكري: انت ما عارف البلد فيها حظر تجول ؟ فلم يأخذ منه رده الشافي غير لحظات : بالله يا جماعة هسه متجول أنا و لا متجولين انتو ؟ امشوا بالله وخلونا في حالنا ، فانفجر الجميع ضاحكين و مشوا ( وخلوه في حاله ) و خلوا عنه.أما الطرفة الاخري فهي أن احد معارفنا ممن يسكنون بشارع المعونة في الخرطوم بحري قام بالليل ناويا تدخين سيجارة بعد أن اخذ منه (الخرم) كل مأخذ فجلس في وسط السرير ثم مد يده على علبة الكبريت فلم يجد بها عودا واحدا فأخذ في البحث بأنحاء البيت كافة ابتداء من المطبخ و انتهاء بأصغر غرفة و لكنه فشل في الحصول على ما يريد فلمعت في ذهنه فكرة في أن يذهب إلى الجهة الاخري من الشارع حيث توجد قدرة الفول التي يوقدها حاج الطاهر (سيد الدكان) بعد منتصف الليل لزوم فول الفطور في اليوم التالي فتجاوز أخينا الشارع وأشعل السيجارة و عاد منتشيا يسحب نفسا عقب نفس و بينما هو في حالة الزهو والانتصار الزائف هذه اطل عليه (ناس) الطوف و بالطبع لم يمهلوه و لم يقبلوا عذره بأنه ( طالع عشان يولع السيجارة من القدرة ) فافهموه انه لا حل له غير أن يكمل بقية سيجارته عندهم في (القسم) وقد كان ، فعاد للبيت في صبيحة اليوم التالي ولسانه لا يتوقف من عبارة : كلو منك يا حاج الطاهر ....كلو منك.
|
|
|
|
|
|
|
|
|