|
|
 تذكّروا.. يوم أُكِل الثور الأبيض
|
تذكّروا.. يوم أُكِل الثور الأبيض
استهجن العالم السلوك الغربي عندما قصفت الولايات المتحدة الأمريكية مدينتي ناغازاكي وهيروشيما بقنبلتين ذريتين بعد يومين من إعلان اليابان وقف إطلاق النار إثر انهزام قواتها في الحرب العالمية الثانية، بينما لم تُقصَف ألمانيا النازية، التي انطلقت منها الحرب العالمية الأولى والثانية، بهذه القنابل.. كما استهجن التاريخ سلوك الغرب عندما فُرِضَ على اليابان توقيع معاهدة الاستسلام بعد تأديبها بالقنبلتين، بينما لم يُفرَض على ألمانيا توقيع تلك المعاهدة الاستسلامية المهينة.. فكان معروفاً أن هذا السلوك التأديبي المتوحش لا يمارسه الغرب (المتمدن) إلا في حق شعوب ودول الشرق (البدائية) ليتمكنوا من استعمارها والهيمنة عليها، أما التعامل فيما بينهم، دول الغرب، فيتم على مستوى ذلك (التمدن).. وهذا ما يصفه روبرت كوبر، مستشار توني بلير للسياسة الخارجية، في مقالة بعنوان (الدولة في العصر الحديث) (2002) بقوله "إن التحدي أمام عالم العصر الحديث أن يعتاد على فكرة المعايير المزدوجة.. ففيما بيننا، نتعامل على أساس قوانين وأمن تعاوني مفتوح، ولكن حين نتعامل مع دول ذات طراز قديم خارج قارة أوروبا الحديثة، نحتاج للجوء إلى طرق خشنة تنتمي لعهد سابق: القوة، هجوم وقائي، خداع، وكل ما يلزم للتعامل مع أولئك الذين لا يزالون يعيشون في القرن التاسع عشر، في كل دولة بعينها، وفيما بيننا نحافظ على القانون، ولكن عندما نعمل في الغابة، علينا أيضا أن نستعمل شرعة الغاب، المطلوب إذن نوع جديد من الاستعمار، نوع مقبول في عالم حقوق الإنسان والقيم العالمية، نستطيع أن نحدد معالمه، إنه استعمار مثل كل أنواع الاستعمار، يهدف إلى فرض القانون والنظام، ولكنه يعتمد اليوم على الأساس الطوعي"، وهذا يفسّر لنا كل السلوك الغربي المستهجن في تعامله مع دول الجنوب عامة، والشرق العربي والإسلامي خاصة.
وبهذه المعايير المزدوجة والفوقية المترسخة في العقيدة الليبرالية الغربية رأيناهم بالأمس يحاكمون الرئيس العراقي الشرعي صدام حسين ومعاونيه، ورأيناهم يفكون قيوده الحديدية، ورأيناهم وهم يجلسونه في أقفاص حديدية، بينما العالم كله يتذكّر محاكمة الرئيس الصربي (الأوروبي) ميلوسوفيتش، التي جرت من قاعات المحكمة الدولية في لاهاي وهو بكامل صحته ومظهره وهيبته كرجل دولة متحضّر، بدون قيود أو سلاسل حديدية، أو إجلاسه في قفص لا يرتضيه الشعب الأوروبي (الآري) مكاناً لحيواناتهم..
فيا ترى هل يقبل العرب هذا الاحتقار والازدراء والامتهان لشخوصهم ليظهروا للعالم وكأنهم أمة لا تستحق الحياة والاحترام؟!!
وهل تقبل هذه الأمة أن يُعاملوا بشرعة الغاب بعد أن أعطوا البشرية كل الحضارات الإنسانية والأديان السماوية؟!!
أم أصبح الحديث بلغة الكرامة والقيم الإنسانية مستنكراً في زمن الإمبراطوريات الاستعمارية المتوحشة والمتجردة من كل المفاهيم والقيم الأخلاقية والإنسانية التي استمدتها البشرية بالتراكم الحضاري عبر آلاف السنين?!!
في مقال له في صحيفة (لوموند) الفرنسية كتب الدبلوماسي الفرنسي السابق (إريك رولو) (2003) يصف ما تقوم به الولايات المتحدة في العراق على انه "لا علاقة له بتحرير الشعب العراقي من الاستبداد وإقامة دولة ديموقراطية في ما بين النهرين، انه ليس سوى رياء إضافي في نظر الرأي العام الذي يتذكر جميع الديكتاتوريين الذين تساندهم واشنطن اليوم أو ساندتهم خلال العقود المنصرمة، وإنما يصب كل ذلك في تأسيس القوة العظمى العالمية الوحيدة"، ولهذا السبب فقط أصبح صدام حسين هدفاً أمريكياً، لأنه كان عائقاً في سبيل تحقيق القوة العظمى العالمية الوحيدة، فهو الرئيس العربي الوحيد الذي مكّن شعبه من الوصول لناصية التفوق العلمي والصناعي والعسكري، ولأنه تمكّن من بناء دولة امتلكت سر التكنولوجيا والصناعة الغربية النووية المتفوقة، ودولة مستقلة بقرارها السياسي، وتمتلك السيطرة الكاملة على مواردها الطبيعية والاقتصادية الثرية، ودولة لم تسمح لإخطبوط البنك الدولي من التغلغل في سياساتها لنهب ثرواتها.. فكان عقابه أن يساق بين قومه مكبلاً بالسلاسل والقيود الحديدية، ووضعه في ذلك القفص لإهانته ولإذلال الأمة بأكملها وتأديب كل من تسوّل له نفسه من أن يرفع صوته عالياً رافضاً رق العبودية الاستعمارية البربرية.
كان القاضي الكردي، والادعاء العام الصفوي، يحاكمون الرئيس العربي صدام حسين، في قاعة تم إعدادها بالكامل من قبل الأجهزة البريطانية وسميت بالمحكمة، وأمام وسائل الإعلام الأمريكية التي كانت تستلم البث المباشر لتنقيحه وتشويهه قبل أن يبث للعالم متأخراً 20 دقيقة.. وفي ذات الوقت الذي كانوا يحاكمون فيه هذا الحاكم العربي، كان الصفويون يفجرون تمثال الخليفة العباسي (أبو جعفر المنصور).. ذلك التمثال الشامخ في الشارع الذي يحمل اسمه في قلب بغداد، مدينته التي بناها في قلب العالم لتكون عاصمة الخلافة الإسلامية، وسداً ومصداً منيعاً لردع هجمات الغزاة القادمين من الشرق.. فوقع الجسد مهشماً، ليبقى الرأس، ذو العمامة العباسية لأبي جعفر المنصور، من دون أن يتأثر، مرفوعاً ومتوعداً أعداءه، فلا تنسوا إن أهم صفات البداوة ما زالت متوقدة في هذه الأمة، والبدوي لا ينسى ثأره مهما طال الزمن!!
وأخيراً، ومن قلوب ملؤها الشوق ليوم القصاص من الأعداء واسترداد الكرامة العربية، نحمّل السيد عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، رسالة نتمنى أن يوصلها لكل القادة والزعماء العرب.. نقول فيها باختصار شديد (تذكروا.. يوم أُكِلَ الثور الأبيض).. وإلى كل أبطالنا في العراق، الذين يواجهون قوى الشر الأنغلو-أمريكية، نقول، ارفعوا رؤوسكم عالياً وشامخاً، فأنتم من يسَطّر تاريخ الأمة بكل شجاعة وشرف وأمانة ونكران الذات.. إليكم ترف قلوبنا، ولا بد لهذا الليل أن ينجلي.
صحيفة "المحرر"
سميرة رجب/ البحرين
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست