|
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. (Re: الجيلى أحمد)
|
أورد أيضآ أستاذنا عالم عباس هذه المقالة الرائعه بقلم كاتب وناقد مصري مهتم بالأدب السوداني، واسمه أحمد شريف.
Quote: رواية لإبراهيم اسحق(أخبار البنت مياكايا) روح الماضي في الزمان الذي يأتي إبراهيم اسحق، قاص فريد، واسم لفت الأنظار إليه منذ صدور انتاجه الأول، عام 1969، (حدث في القرية الخرطوم) حتى آخر أعماله (اخبار البنت مياكايا)، (عالم الرواية، محتشد، متشابك وشديد الايجاز. يرتكز على اللغة والتاريخ والحكايات الخرافية والخيال الذي يسعى لإقامة عوالم مدعومة بحكايات الاجداد ووصف أدق الأشياء في عالم الماضي البعيد. (أخبار البنت مياكايا)، رواية قصيرة، لكنها امتلأت بأحداث وشخصيات وحكايات الزمن الغابر، فكما أشار الكاتب في مقدمة الرواية، فإن هذه الرواية تستوحي تاريخا يسلك أحداثها مع القرن السادس عشر الميلادي. وجل مواقعها بالنيل الأبيض، من ملتقى النيلين حتى مشتبك السوباط وبحر العرب في النيل الاستوائي. ومثل كل الروايات المستوحاة من التاريخ.
أو تلك التي اتخذت من الثقافات المغايرة لما يعهده القراء معرضا، مثلها كلها تحتاج من الروائي لأن يورد بعض الألفاظ في أصلها اللغوي المغاير للغة القراء. هذه الألفاظ قد تشتمل على أسماء بعض المواقع والألقاب والمناصب والمؤسسات وأسماء النسبة، الى جانب تعابير ثابتة في التعامل اليومي. وما هذه في هذا النوع من الرواية إلا أدوات لتقريب الشقة بين واقع القارئ والواقع الذي يطلع عليه. لهذا فقد ألحق الكاتب حواشي في نهاية الرواية؛ لكي يتمكن القراء من متابعة الرواية عندما تقابلهم كلمة أو لفظ غير مفهوم في المعرفة اللغوية العربية.
منذ أول فقرة في الرواية، نلحظ تشابك وتعدد الرواة والشخصيات، (جليل يغالطني يا حازم، من الذي يعرف هذه الأعاجيب هنا غير عمر وعبدالقادر. يقول لي، ولا أجدني أرضى، أقول له يا جليل أقول لك حكاها لي رجل في محطة (لواري) على الرمال وراء (ود عشانة) تحت القمر والليل صاف وحله (المساعد) تكركر فوق اللهيب يحيكها لنا ذلك (الحساني) القادم من بادية (الدويم)..(ص9)
يمكن بسهولة في تلك الفقرة رصد الأماكن المتعددة والشخصيات الكثيرة وأيضا أسلوب ابراهيم اسحق، أسلوب موجز وغني يحتاج الى أكثر من قراءة كي يصل القارئ الى النبع الصافي الذي يغذي شرايين الرواية. شخصيات (أخبار البنت مياكايا) يقول الراوي عنهم، إنهم (أبناء الطبيعة) لذلك يتصارعون كالجواميس وبشراتهم تجمرت الى مثل أكباد الإبل ووجوههم عندما تشوه تصبح كالذي تمضغ في أحشائه الأفاعي، وهم حذرون ينسابون على تعاريج الشط كالثعابين، يتحركون عندما تموت الشمس ويهبط الظلام على الكون، يحيط بهم عواء الذئاب والثعالب والصقور التي تداوم على خطف الأرانب والقطى والجديان. عندما ترجع الشمس وتكشف أماكن الأنهر والبحار ومجاري الأودية وغابات السنط والجبال وجذوع الاشجار والبردى في المستنقعات وطين الماء الضحل، يمكثون في قطياتهم حتى (يظلم الليل لمثل لون الغراب) (ص63)، حتى علاقة الحب بين (مياكايا) و(غانم) والتي كاد غانم أن يجن بسببها وقد فقد صديقه في النهاية من أجل هذه الجميلة الرشيقة التي لم تظهر إلا بعد أن اسود الليل كالغراب الأسحم. علاقة الحب هذه تمت أيضا في الظلام، الرواية لا تمتلئ بالظلام والليل وحسب بل بالسحر والطلاسم والأرواح التي تسكن التماسيح والشمس والأشجار وتمرق وتطوف حول الأحياء وتذهب أحيانا الى الأجداد. هذه الرواية تعود بنا الى البدايات أو البدائية حسب التعبير الشائع، الراوي يتكلم عن الزمن الأول وأصل الشجرة الأول وأول الفجر والغابات البكر والصحارى الأم والقنص والصيد بالحراب والنبال والخناجر وانتفاء عديد من المعايير، (ربما تذهب لتحرر أعرابيا هو صديقك من أسار السود فتقع بنفسك في أسار الأعاريب) (ص31) حتى رحلة غانم وعون الله والموفي من أجل مياكايا والبحث عن جلود التماسيح والفهود والنمور وسن الفيل وجلد فرس البحر والمسك الذي في ابط التماسيح وريش النعام. هذه الرحلة انتهت بقتل الموفي ودفنه تحت شجرة كي تلازم روحه (أرواحها) المضيافة في الزمان الذي يأتي).(ص73) شخصيات الرواية وأحداثها المتشابكة وعالمها الذي يبدأ عندما تختفي الشمس دفعتني الى الوقوف عند بعض العلاقات الغريبة، كعلاقة إنسان الرواية بالشمس، علاقة تشبه في صراعها العلاقات الإنسانية، فالشمس تموت وهي لا تموت فقط بل تموت حسدا ولا تتخيل متع الانسان في خفايا الليل، فهي تحسده طورا وتسخر منه طورا ويمكن أن تشي به وعندما تجيء تترنح من غيبوبة الليل، يقول غانم، إنها مثل الأخ الغريب، لا تعلم متى تضاحكه ومتى تحذره، يسمع ناس (عون الله) بأنهم كانوا يحاربون الشمس أيام (نيكانج) البطل الملك المقدس الذي أسس للشلك مملكتهم ونظامهم الحالي هو وابنه داك الذي حكم من بعده واصبح له طرف من الطقوس، هذه العلاقة الصراعية مع الشمس لا تشبه، علاقة الانسان البدائي بالشمس عندما كان يشعر بالخوف وهي تغرب، اعتقادا منه، أنها ربما تختفي للأبد. ضمن العلاقات التي استوقفتني أيضا في الرواية علاقة الاشخاص أصحاب الثقافات والأجناس المختلفة ببعضهم (غانم) أحب (مياكايا) وهي تختلف عنه في الجنس واللسان، فهي وحيدة (الرث) في الاناث، والرث بكسر الراء... الملك الحاكم عند الشلك، لكن غانم من الحمر، لذلك قالت العجوز (كوناتايا)، انه لا بد قد أصابها جنون العشق، مع ذلك فعلاقة الحب اكتملت، رغم الصراع والقتل واختلاف اللسان. ذلك التآلف بين الأجناس والثقافات المختلفة، كان نتيجة للحياة المتداخلة المشتركة بين البشر على تلك الرقعة الجغرافية، قبائل وسلالات كان لها شأن عظيم، (الحسانية) و(الجعافرة) و(الجموعية) وجاء بعدهم أمراء العرب وأصبحوا كالملوك في بلاد السود، عندما جاءوا واختلطوا بهم، كان هذا الامتزاج الجميل بين الثقافات والاجناس، مثل هذا الامتزاج في الرواية: المعلة، غانم، الموفي، عون الله، الزلال، مياكايا، كوناتايا، عين الحور. وكان ينبغي ان يأتي كاتب من طراز ابراهيم اسحق، كي يقص علينا حكاياتهم وأساطيرهم، لا يقص فقط، بل يقص بشكل شديد الخصوصية، غني بالرموز، لأن كثيرا من الخلفيات الكونية والسياسية والتراثية التي وردت عندهم تسربت هنا الى المجال القصصي. ذلك القص الثري الذي لا يعتمد على بداية او نهاية الحكاية، بل على استرجاع رموز وأساطير وحكايات خرافية يخشى عليها من الضياع أو النسيان، هذا القص سمة من سمات عالم الكاتب. كثير من الكتاب ذكروا أو جاءت بين ثنايا سطور كتاباتهم كلمات مثل (العنج) و(نيكانج) و(تقلي) وربما يتوقف الواحد منهم قليلا عندها لكن اسحق جعل همه، تأسيس وإعادة هيكله لعالم ما وراء هذه الكلمات. هذا التأسيس يتكئ على فلسفة الكاتب، لذا عند القراءة الدقيقة، يمكن أن نقرأ فقرات وسطورا، تجلي لنا رؤية الكاتب للطلاسم والأحاجي الكونية، فقرات وسطور وكلمات نثرها بدربة وخبرة عميقة:
(إلام هؤلاء يحتكرون الغابة ويتملكون النهر؟ فكأنما الكون بأجمعه تم تقسيمه ضحى منذ نوح، ولم يعد لإمكان تواصله قطعا من سبيل).(ص11)
(من جهة النهر، هدأ الحال تماما فلا شجار ولا غزل إلا قرقرة الماء على الجروف. كالأبد يهمهم الدفاق بأسرار كونية كالطلاسم).(ص17)
(كأن الدنيا بأسرها ولدت من جديد عندما عوعى الديك).(ص13)
تظل لهذه الرواية (أخبار البنت مياكايا) بعد القراءة الثالثة او العاشرة غموضها الخاص ويظل لشخوصها طقوسهم وقرابينهم التي لا يمكن لأحد سوى الأرواح الخفية فهم مغزاها.
أحمد شريف
× كاتب وناقد مصري مهتم بالأدب السوداني |
صحيفة (السوداني)، العدد رقم: 299 2006-09-04
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-03-06, 11:26 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | Shao Dorsheed | 10-03-06, 11:34 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-03-06, 03:32 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-03-06, 11:39 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-03-06, 11:47 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | Tragie Mustafa | 10-03-06, 03:52 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | عبده عبدا لحميد جاد الله | 10-03-06, 05:08 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-04-06, 01:55 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-04-06, 11:47 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | محمدين محمد اسحق | 10-03-06, 05:28 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-04-06, 01:58 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-05-06, 03:33 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | Shao Dorsheed | 10-03-06, 10:06 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-05-06, 05:41 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-05-06, 05:53 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | صلاح شعيب | 10-06-06, 03:36 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-06-06, 06:40 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | Mahjob Abdalla | 10-06-06, 07:24 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-10-06, 03:44 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-14-06, 10:23 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | محى الدين ابكر سليمان | 10-22-06, 11:17 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | محى الدين ابكر سليمان | 10-22-06, 08:25 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | محمدين محمد اسحق | 10-23-06, 04:41 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | Ahmed Mohamedain | 10-23-06, 05:40 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-23-06, 07:41 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | محمدين محمد اسحق | 10-23-06, 02:07 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | محى الدين ابكر سليمان | 10-26-06, 08:27 AM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-29-06, 07:54 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | الجيلى أحمد | 10-25-06, 09:44 PM |
Re: فى الرد على الأخ محمدين: لهجة دارفور وثق لها أدباء ورواة بقامة الشمس.. | محمدين محمد اسحق | 12-20-06, 11:34 AM |
|
|
|