|
اخطر مقال لعروة .....الانقاذ فى مفترق الطرق
|
العدد رقم: 247 2006-07-14 السودانى ...محجوب عروة رئيـــــس التحرير يكتــــب : الانقاذ في مفترق طرق
اخيراً عاد الاستاذ علي عثمان نائب رئيس الجمهورية والأمين العام للحركة الاسلامية (الكيان الخاص)، وعندما التقيته في منزله بدا لي أكثر انفتاحاً واشراقاً مما مضى.. او لعله منعطف جديد في مسيرة الاستاذ علي عثمان جراء تقييم ذاتي لنفسه ومسيرة حياته منذ أن تسنم قيادة الحركة الاسلامية كنائب للامين العام، مروراً بدوره الثاني في دولتها الوليدة ومروراً بالاحداث الجسام حتى تحقق على يده اهم حدثين في السودان، (اتفاقية السلام مع الجنوب واتفاقية ابوجا)، عندما استلم هذه الملفات الساخنة من د.غازي العتباني ود.مجذوب الخليفة - لقد انجز (القانوني) علي عثمان ما لم ينجزه (اطباء) الحركة الاسلامية..
أقرأ هذه الايام كتاب د.عبدالرحيم عمر (الترابي والانقاذ.. صراع الهوية والهوى) والذي اثار جدلاً كثيفاً، إنه من أفضل ما قرأت خلال الفترة القصيرة الماضية، فهو يوثق توثيقاً دقيقاً لكل مراحل ومسيرة الحركة الاسلامية ويحللها، خاصة فترتها المعاصرة منذ قيام الانقاذ.. وبحكم خلفيتي التي تابعت فيها مسيرة الحركة الاسلامية ساعة بساعة ويوماً بيوم منذ 1964م أعرف كثيراً من خباياها ومسارها وتوجهاتها أستطيع أن اقرر أن (الانقاذ) الوليد الشرعي للحركة تقف اليوم في مفترق طرق وهذا شئ طبيعي لقوى سياسية كانت الاطول حكماً من غيرها منذ استقلال السودان.
أثارت اجازة الاستاذ علي عثمان جدلاً كثيراً حول خلاف بينه وبين الرئيس البشير وفي اعتقادي الجازم أنه ليس خلافاً شخصياً بين الرجلين بقدر ما هو خلاف حول منهجين في مسار الحركة الاسلامية ودولتها الانقاذ التي تقف في مفترق طرق افرزتها اشياء ومسببات ونتائج كثيرة موضوعية، لا سيما بعد اتفاقيتي السلام وابوجا، هذا من ناحية، ومن نواحٍ اخرى طبيعة الرجلين وكيمياء تكوينهما الشخصي والمكتسب من ممارسات سياسية. من جانب آخر لا ننسى افرازات الممارسة السياسية داخل حكم الانقاذ والتركيبة الجديدة للانقاذ - فالبشير يكن لعلي عثمان احتراماً خاصاً - هكذا أزعم - بحكم وقوف علي عثمان معه في (صراع الهوية والهوى) مع شيخ الحركة د.الترابي مما يجعله يتردد كثيراً في اقصائه لصالح تيار قوي ومراكز قوى جديدة نشأت داخل الحركة الاسلامية والانقاذ، خاصة اثناء محادثات نيفاشا وبعدها..
على صعيد التكوين الشخصي والتجارب منذ الستينيات الرئيس البشير عسكري التربية والمزاج، وطه ترعرع في الجانب المدني والسياسي للحركة ودرس القانون مما أتاح له مكوناً شخصياً أقرب للمرونة وظهر ذلك جلياً في مسار مباحثات السلام، كما اتاحت له اجتماعاته وعلاقاته الكثيرة المباشرة مع المجتمع الدولي ودهاليزه أن عرف كثيراً من خباياه ونهجه ومساره ومآلاته وخطورته.. وفي ظني الشخصي أن علي عثمان أكثر تقبلاً للتحول الديمقراطي والتعددية (السياسية) وليست (الاجتماعية) بالطبع، بعكس الرئيس البشير بطبيعته العسكرية المنضبطة والصارمة، رغم انه التزم باتفاقية السلام والدستور والتزم امام المجتمع الدولي بها وأظنه الآن متأرجح بين نهج علي عثمان ونهج معارضين له داخل الانقاذ وهذا ما يؤكد ان الانقاذ تقف على مفترق الطرق.. اي طريق جديد يسير بقافلة الانقاذ؟ هذا متروك لتطورات الاحداث ولا ندري على وجه الدقة الى اين تسير ولا من الذي سيكون عليه الدور لتركه في هذا المنعطف كما حدث لـ (د.الترابي)، ذلك أن فتنة الاسلاميين في السلطة تنوء بحمل ثقيل، فهي الآن لم تعد وحيدة فى السلطة التى تتكون من عدة اضلاع اهمها الحركة الشعبية من جانب ودارفور ضلع آخر وربما الشرق غداً ولا ننسى التجمع الديمقراطي المشارك ومن عناصر مايوية (نافذة) واخرى عناصر احزاب تقليدية (الاتحادى جناح الهندى والمنشقون من حزب الأمة) آثرت الانضمام للانقاذ كل له رؤاه ومصالحه واجندته الخاصة.. هذا من جانب، ومن جانب آخر لا ننسى التأثير المباشر وغير المباشر للمعارضة، لاسيما الجناح الآخر للحركة الاسلامية الذي يمثله حزب المؤتمر الشعبي بزعامة د.الترابي بكل عناصر الفاعلية فيه من معلومات عن دقائق المعلومات وتفاصيل التفاصيل عن كيمياء وفيزياء وميكانيكة الحركة داخل الانقاذ وكيانها الخاص وقدرته على التأثير فيها بطرقه (الخاصة جداً). وهناك حزب الامة القومي بعنفوان زعامته والاتحادي الديمقراطي باجنحته المختلفة، اما اليسار السوداني العريض فلا يزال تأثيره فى الساحة واضحا..
ما اغرب مسار ومكونات السياسة السودانية.. اكثر الاحزاب والتيارات فاعلية في الساحة منذ اكتوبر1964م واعظمها اثراً في احداثها (الحركتان الاسلامية واليسارية) تواجهان واقعاً ومستقبلاً مضطرباً.. فالحركة الاسلامية افتتنت بالسلطة وتشققت الى قسمين، كل منهما يقف في مفترق طرق، والحركة اليسارية وأقصد هنا الحزب الشيوعي السوداني عاجز عن عقد مؤتمره الخاص مما يعكس حالة خلاف فكري وسياسي عميق داخله..
هل هي لعنة الانقلابات أصابتها جراء إنقلابي 1969م و1989م ام ماذا ؟؟.. لست أدري كما قال شاعر المهجر اللبناني إيليا ابو ماضي..
الشئ الوحيد الذي اكاد اجزم باهميته هو أن تتجاوز كل القوى السياسية بما فيها القادم الجديد للعمل السياسي السلمي (الحركة الشعبية) خلافاتها الداخلية فليس من مصلحة البلاد هذا التشظي الحزبي وهذه الحالة الاميبية، فالسودان بلد المليون ميل مربع به من الخيرات ما يكفي لاستضافة شعب كاليابان كله ولكن..
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيق
|
|
|
|
|
|
|
|
|