ماسر الاهتمام الغربي بدارفور؟

Quote: علامات استفهام الشوش محمد ابراهيم ماسر الاهتمام الغربي بدارفور في دعوة غداء خاصة بمنزل الاستاذ خالد فتح الرحمن المستشار الثقافى بلندن ضمت ‏عدداً قليلاً من السودانيين من بينهم الأخ الدكتور غازي صلاح الدين. دار الحديث حول ‏مداولات ندوة «نحو تحقيق السلام في دارفور» التي نظمها ليوم واحد المعهد الملكي ‏للخدمات المتحدة التابع لوزارة الدفاع البريطانية، برعاية مركز تحليل السياسة ‏الخارجية. سأل الروائى الكبير الطيب صالح وكان يستمع في عمق وهدوء سؤالاً بدا - ‏كعادة الطيب - كما لو كان عارضاً عفوياً يستفهم عن شىء غاب عليه فهمه. قال ‏مبتسماً كمن يحدث نفسه عن فكرة طرأت عليه فوراً: ما سر هذا الولع الغريب في ‏امريكا والغرب بقضية دارفور، وهذا الاهتمام غير المسبوق والذى فاق كل تصور ‏حتى اصبحت قضية دارفور بين يوم وليلة قضية القضايا، ومحور اهتمام العالم كله، ‏بحيث طغت على قضية تخصيب اليورانيوم في ايران، وامتلاك كوريا الشمالية للسلاح ‏النووى والانفلات الأمني المريع في العراق وافغانستان ومذابح الاحتلال الصهيوني ‏الوحشية واللا انسانية في غزة والامراض التي تفتك بأفريقيا، والنزاعات الدموية ‏والكوارث الطبيعية التي تحيط بالكرة الارضية وتستوطن القارة الموبوءة، لترتقى ‏دارفور فوق كل تلك الاحداث الجسام الى الدرجة التي اتفق بوش وعنان ورايس على ‏انها أكبر كارثة حلت بالعالم بعد فيضان نوح عليه السلام. الذين لا يعرفون الطيب ‏صالح واسلوبه الفريد في الكتابة والحديث، وعقله الذى يغوض في الاشياء حتى يبلغ ‏قاعها، يغفر لهم اذا ظنوا انه يسأل عن أمر يجهل الاجابة عنه. وحقيقة الأمر ان الطيب ‏صالح - مغلفاً بتواضع مذهل - لا يسأل عن شىء لا يعرف الاجابة عنه مسبقاً، أو لم ‏يسبر غوره بعد تفكير عميق. بقدر ما هو ضوء يسلطه على القضية المطروحة كما ‏يوجه المحامى في قاعة المحكمة سؤالاً للمتهم أو الشاهد لا ليستفسر، بل ليكشف كذبهما ‏أو تناقض اقوالهما. كان الطيب صالح يرى بعين بصيرته ذلك الوجه القبيح الذى ‏يختفى وراء قناع ذلك الاهتمام والولع غير المسبوق. وهذا هو الذى أراد ان يوضحه ‏بسؤاله الذى يبدو بسيطاً مباشراً. وجاءت الاجابة كما هو متوقع تتغذى من نفس النبع ‏الذى تفتقت عنه العبقرية السودانية وتزاحمت حوله العقول الكسولة التى لا ترى في ‏الأمر الا جانباً واحداً يرقد فوق السطح لا يمكن تجاوزه أو التنقيب تحته. والجواب ‏الجاهز الذى يرقد على السطح يحصر القضية كلها في طمع امريكا والغرب في موارد ‏السودان الغنية، وبصورة أخص في موارد منطقة دارفور وما جاورها كرقعة مجزية ‏يمكن ان تتمدد فيها الاستثمارات الامريكية وما تتركه من نصيب لحلفائها الغربيين ‏المطيعين لها. وقد اكتشفت امريكا عن طريق خبراء «آسف جواسيس» شيفرون علي ‏اثر نشاط استخباراتي مكثف واستطلاعات جوية وارضية تحت مسميات عدة بين ‏عامى 78-1982م ان دارفور بحيرة من النفط البكر وان بها أكبر حقول خام ‏اليورانيوم والبلوتونيوم في افريقيا. وقد اكد الرئيس عمر البشير هذه الحقيقة قبل عدة ‏اسابيع. ومع اختلاف الأفكار تركز الموضوع برمته في ان اهتمام امريكا وحلفائها ‏الغربيين بدارفور يرتكز في المكان الاول على الرغبة في حيازة ونهب هذه الخيرات ‏وشغل اهلها بسفك دماء بعضهم البعض. وما كانت هذه الحقيقة البدهية لتغيب عن ذهن ‏الطيب صالح الوقاد حين طرح السؤال في عفوية وبراءة خادعة وهو الذى عاش ‏خمسين عاماً في الغرب ويعرف تماماً من أين تمتلى شرايين الغرب بالدماء وتنتفخ ‏اوداجه بالعافية. وقد اشار الى ذلك في عدة مواقع في رواياته وبخاصة في موسم ‏الهجرة الى الشمال. ولكنه اراد ان ينبه بسؤاله ان ولع الغرب واهتمامه بقضية دارفور ‏قد فاق كل رغبة في الاستحواذ على الثروات الكامنة في ارضها. أراد ان ينبه ان لهذا ‏الولع أسباباً أكثر عمقاً وأشد خطراً. وان ما تريده أمريكا والقوى اليمينية والصهيونية ‏التى تدفعها أمر يتجاوز المنفعة الاقتصادية والتعطش الى النفط. ولو تعمق الذين تدفقت ‏همتهم العقلية عند هذا التحليل ولم يقعد بهم العقل السوداني المعهود عن ارتياد ‏المجهول وعدم تقصي الامور والاكتفاء بما يدور على السطح ولم يدركوا ما قاله ‏الفيتورى ان «الغافل من ظن الاشياء هي الاشياء»، لادركوا ان الطمع والجشع ‏وغريزة الاستيلاء على اموال الآخرين بالقوة سمات اساسية في التفكير الغربى ‏الأمريكي، ولكنها على سطوتها لا يمكن ان تكون سبباً رئيسياً دع عنك ان يكون ‏حصرياً لهذه اللهفة وهذا النشاط المحموم ازاء قضية دارفور. فلامريكا والغرب ‏مصالح اقتصادية اكبر في اجزاء كثيرة من العالم لم تبد نحوها حتى جانباً يسيراً من ‏هذا والجزع والنشاط المحموم والاستنفار الاعلامي الذى فاق استغفال الرأي العام قبل ‏غزو العراق واستقطاب الجهات الاربع من هيئات زنوج امريكا ويهود هوليوود وآلتهم ‏الاعلامية للترويج لملف خطير عن استرقاق الافارقة السود واستعبادهم وتطهيرهم ‏على يد العناصر العربية وسلطات الحكومة السودانية. ولو كان الأمر مجرد طمع في ‏الموارد لكان من الممكن ومن المنطق تحقيق ذلك باسلوب اقل لهفة وعدوانية وتكلفة، ‏وبخاصة وان حكومة السودان أو حكومة الخرطوم أو حكومة الجبهة الاسلامية أو ‏حكومة الجلابة أو امبراطورية العاصمة المثلثة كما أسماها صديقنا الدكتور منصور ‏خالد، ليست معادية لأمريكا بل أبدت من المرونة وحسن النوايا ما يمكن ان يقع في ‏خانة التساهل. ولو كان الهدف اقتصادياً محضاً لما سارعت شيفرون الى الانسحاب ‏تاركة وراءها استثماراً ضخماً، ولما ضغطت امريكا على حليفتها كندا لسحب شركة ‏تاليسمان وهي شركة مؤسسة في المشروع. وحتى شركة شيفرون لم يكن التنقيب عن ‏النفط همها الوحيد. فقد كشف أحد موظفيها السابقين السيد عادل البلالي ان 65% من ‏موظفى وخبراء شركة شيفرون كانوا عناصر استخباراتية. يبقى سؤال الطيب صالح ‏قائماً. ما سر هذا الاهتمام غير المسبوق بقضية دارفور؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه ‏في الحديث القادم ان شاء الله. ‏ الرأي العام 13 يوليو 2006 ‏

Quote: يبقى سؤال الطيب صالح ‏قائماً. ما سر هذا الاهتمام غير المسبوق بقضية دارفور؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه ‏في الحديث القادم ان شاء الله. ‏

Quote: ننتظر الإجابة في حديث الغد إن شاء الله