ماجد؛ صديقي الذي أوغل مضيا: (الدكتور عبدالماجد أبوسبيب مع الذكرى الأولى لرحيله المفجع)

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 07:50 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-05-2006, 01:56 AM

عبدالمحمود محمد عبدالرحمن
<aعبدالمحمود محمد عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-17-2006
مجموع المشاركات: 1443

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ماجد؛ صديقي الذي أوغل مضيا: (الدكتور عبدالماجد أبوسبيب مع الذكرى الأولى لرحيله المفجع)

    ...
    ...
    مساء الأربعاء السادس من شهر يوليو تموز العام ألفين وخمسة، مضى صديقي الحبيب عبدالماجد يوسف محمد أبوسبيب بغتة عن ديارنا هذي متحرراً لفضاءات أرحب وموغلاً نحو آفاق أكثر ألقاً وسلام إثر اعتداء غادر أثيم لا يمت لشخصه الوديع ووسمه الودود بأدنى صلة
    ...


    ...

    عام انقضى ...
    وطيفه يسطع في الذاكرة ... ويزدان بهاءً ونصوع
    عام انقضى ...
    وضحكاته تطفر مرحاً من حولي ... وترجع .. لتُحْكِم أَسري
    عام انقضى ... وكل ما جرى ...
    … still seems so unreal
    … still seems so unfair
    ...
                  

07-05-2006, 02:55 AM

عبدالمحمود محمد عبدالرحمن
<aعبدالمحمود محمد عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-17-2006
مجموع المشاركات: 1443

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ماجد؛ صديقي الذي أوغل مضيا: (الدكتور عبدالماجد أبوسبيب مع الذكرى الأولى لرحيله المفجع) (Re: عبدالمحمود محمد عبدالرحمن)

    رحيق الغبق

    (أكتوبر ـ تشرين الأول، 2005م)


    What though the radiance …"
    ,which was once so bright
    ;Be now for ever taken from my sight
    ,Though nothing can bring back the hour
    ,of splendour in the grass
    ;of glory in the flower
    But we will … [rather] … find …
    ;Strength in what remains behind
    In the primal sympathy
    ;which having been must ever be
    In the soothing thoughts that spring
    ;out of human suffering
    ,In the faith that looks through death
    ;" … In years that bring the philosophic mind


    فبعد أن دارت الأيام مثقلة بحزن دفين لا يدع للحظة أو يتراخى، ونازفة بجرحٍ يُنكأ صبيحة كل يوم جديد من بعد فقدك المروع يا ماجد؛ ... وطيفك نصب عيني ـ يلازمني ويصحبني، "سُرىً أمامي وتأويباً على أثري"؛ ... وحين ينثال الفيض، وتغمرني الحسرة، "فيغيض المصطبر، فتنهَل بوادر الدمع"، يطل على رسمك الحبيب من وراء الحجب هاتفاً كدأبك it’s all right يا حاج it’s .. ok.
    .....
    لهفي عليك يا ماجد،
    لهفي عليك أيها الحبيب؛
    فقد كان الشر الذي حاق بك شراً مطلقاً؛ لا يجمعك به جامع ولا يربطك به رابط؛
    كنت يا ماجد ضحية عنف أهوج ملتاث؛ .. سقيم الدافع، هزيل العائد، عدمي المآل؛
    كانت تراجيديا سريالية مروعة، قاطعة الفعل، ماحقة الناتج.
    .....
    لهفي عليك يابوهِـلَّة؛
    فعويل النائحات نادباً مناقبك لا يفارق مسمعي فيلقى صدى مما عهدت؛ .. نعم يا ماجد فقد عهدتك دوماً أبيض القلب والعشرة، سمح الشمائل، طيب السجايا، ... فادح البراءة.
    وأشهد يا صديقي أنك كنت "حضارياً" بالمعنى الحقيقي؛ .. هادئ الطبع، خفيض الصوت، رقيق الحاشية، لين العريكة، بسام المحيا، لبق الحديث، سلس التعامل مع الآخرين ... .
    وأعرف أنك كنت باراً بوالدتك الثكلى، ومحباً لأسرتك الصغرى، وركيزة على النطاق الممتد؛ وأنك كنت خصب الباحة، أخضر الذراع؛ شملت مكارمك الأقربين والأبعدين بقدر ما تيسر من إمكان، فلم تتقاعس عن تلبية نداء أو سد حاجة رغم وطأة الحمل وفداحة العبء ... .
    كنت أيها الحبيب مبرأ من العداء؛ فلم أشهدك قط مُكناً لضغينة أو مخطئاً في حق أحد. ... حتى الذين أضمروا الشر وغدروك بدم بارد، لم يكن قد طالهم منك غير الخير والمن واليد البيضاء.
    وكنت يا ماجد واضح الرؤية، ثاقب الفكرة؛ عطفاً لما اكتسبت من تأهيل وتخصص في التاريخ الأوروبي المعاصر. وكنت أنا شاهداً على إعدادك الرفيع في جامعة الخرطوم قبيل أن نتعارف ثم لاحقاً بجامعة برمنجهام مغترفاً للمعارف ومنتقلاً لدار الوثائق البريطانية بلندن لتنتهل المظان؛ ومتتبعاً لنشاطك البحثي الجم وإسهاماتك الثرة ... .
    وعرفتك يا صديقي ذو التزام صارم بقضايا التقدم والعدالة، وديمقراطياً حتى النخاع؛ وشهدتك قوى الحجة منبرياً للدفاع عن المبادئ مستصحباً ترسانة معرفية بالتاريخ وتقنيات تحليل علمي رصين.
    ...
    فلشد ما افتقدك يا توأم روحي، ولشد ما كنت تدهشني .. وتأسرني ... بالعفوية، والجزل، والضحكة الحبورة؛ ... والنزق الطفولي ـ أحياناً!

    وأفجع من فقدنا من وجدنا ... قبيل الفقد مفقود المثال
    ...
    وينداح الدفق للأيام الأول يا ماجد، حين هبطنا مدينة برمنجهام بمنتصف السبعينات الميلادية، وتوثقت العرى حين قطنا متجاورين في Griffin Close المخصصة لطلاب الدراسات العليا بالجامعة. وكنت قد سبقتك يا ماجد إلى بريطانيا لنيل الماجستير من مانشستر؛ وفي النصف الأول من السبعينات كانت تلكم بقايا مدينة من سِفر الثورة الصناعية ـ كئيبة قميئة متآكلة، وذات طقس مكفهر ... يصح عن معظم حاراتها ما يمكن أن يطلق عليه This Property is Condemned. أما برمنجهام فقد أفلحت في التحول عن إرثها الصناعي لتصبح مدينة ذات طابع خلاسي بديع تختال برونق وبهاء؛ متميزة بمركزها التجاري "حلبة الثيران The Bull Ring" وبعض من معمارها الحديث ... ورافلة بتنوعها وثرائها الاثني، وإن أدى ذلك لمصادمات أحياناً بين "ملاحيس" الجبهة الوطنية ومؤيدي العصبة المضادة للنازية ... . ورافقنا يا ماجد في تلك المدينة الزاهية مجموعة من أبناء الوطن الأفاضل الذين "سما بهم التغرب والبعاد" ... فليس بينهم "خبيث طوايا، ولؤم ارتياب"؛ وتوثقت عرى الألفة والمحبة بينهم منذ ذلك الحين واتصلت ... .
    وكنا قد أفلحنا في الإفلات يا ماجد في فترة رزح فيها السودان تحت وطأة نظام النميري وعانى وعثاء حكمه ... . أما بريطانيا فكانت تموج وتمور في خضم عقد حرج من تاريخها ـ كانت فترة ساد فيها عدم الاستقرار مع تراجع أداء الاقتصاد وتصاعد جيوش العاطلين وصولاً إلى ما عرف بشتاء السخط Winter of Discontent عام 1979م والذي سبقتك فيه بالعودة للبلاد. وتعاقب خلال العقد حزبي المحافظين والعمال على دست الحكم واشتدت فيه سطوة النقابات ثم وهنت؛ وتوجته مارجريت ثاتشر بالوصول لسدة الحكم كأول امرأة بريطانية تصل لمنصب رئاسة الوزراء على مدار التاريخ. وهيمنت القضية الايرلندية على المعترك منذ وصولنا يا ماجد بدءاً بالأخوات برايس وهما تواصلان إضرابهما عن الطعام لمئات الأيام، وفرانك ستاق يتبعه لاحقاً بوبي ساندز ومعه عشرة آخرون يؤثرون الموت تضوراً في معتقلاتهم وهم في ريعان شبابهم على النكوص عن مطالبهم السياسية، ثم تفجيرات لندن وبرمنجهام ... وصولاً لسجناء "الميز" الشهير وهم يتقوقعون في زنزاناتهم عراة ملتحفين أغطية لا تدفع عنهم شيئاً من زمهرير الشتاء، والجيش الايرلندي الجمهوري السري يفجر لورد مونتباتن عم الملكة في يخته الخاص، وبيتي ويليامز وميريد كوريقان تفجر فيهما المأساة الشخصية ينابيع إبداع ذاتي كامنة لم تكونا تدريان بوجودها في دواخلهما رقياً بهما لمصاف نوبل ... . ووسط الضباب كان "ابن آوى" يطارد مناوئيه ويقتنص المستر "سيف" صاحب محال "ماركس آند سبنسر" في مهجعه بسبب دعمه لإسرائيل، و"الفهد الأسود" ينثر الرعب ويخيم ظله الثقيل على برمنجهام والأراضي السوداء من المدلاندز، و"جاك السفاح" يجوس خلسة سعياً وراء طرائده في أزقة مدن يوركشير وضياعها المتهالكة قبل أن يتكشف أمره عن سائق الشاحنة بيتر ستكليف. ...
    كانت سنوات السبعينات تلك قصيرة سريعة بالمعيار الزمني، لكنها حافلة مثقلة لا تقارن بالحقب المطولة المجدبة التي تبعتها؛ ... فترة ثرة، خصبة، متعددة الأبعاد. فعلى الشاشة والمسرح هيمن ريتشارد بيرتون، وبيتر أوتول، وقلندا جاكسون، وڤانيسا ريدقريڤ التي دفعت ثمناً باهظاً جراء تأييدها القضية الفلسطينية. وشهدنا من التلفاز بداية طوفان المسلسلات الأمريكية "دالاس"، و"ستارسكي آند هتش"، وغيرها وهي تزاحم وتزيح مسلسلات "كورونيشن ستريت" المحلية ـ أوتذكر ياماجد "خباثات" جي آر JR في "دالاس" ومكائده؟ ... أذكرك مقبلاً صبيحة كل حلقة يطفح البشر الطفولي من وجهك المتهلل: "شفت ياحاج .. "جي آر" بالغ كيف أمس ؟" ... . وتميز العقد بنجوم من طراز رفيع للكوميديا منهم الثنائي روني، وجون كلييز، وليونارد روزيتر. ... وعلى صعيد الغناء والطرب عاصرنا بول مكارتني بعد أن تشرذم الخنافس، ورود ستيوارت، وداڤيد باوي، واريك كلابتون، مروراً بكيت بوش، وجوان ارماتردنق، وتريسي شابمان؛ وأذكرك يا ماجد دوماً مغرماً بمُبهِرة جون لينون Strawberry Fields Forever، وبرائعة كوين Bohemian Rhapsody؛ وعلى نطاق "الريقي" طغى بوب مارلي، في حين برعت فرق "الراستفاري" المغمورة الأخرى في الإيقاع الثقيل. ... ومن الساحل الآخر للأطلنطي زارتنا چوان بيز تشدو بما تبقى من أهازيج مقاومة الستينات، وتغنى عمالقة "السول" ستيڤي وندر، ومارڤن قاي، وديانا روس، والأخوة جاكسون ـ حينذاك ـ في مركز المعارض بالمدينة؛ وباري هوايت باستاد آستون ڤيلا Villa Park، في حين أتى ليونيل ريتشي مرافقاً لفرقة الكومودورز يصدح برائعته التي اكتسحت القوائم You’re once, twice, three times a lady. وعلى الساحة الرياضية هيمن ليڤربول ونوتنقهام فورست وسهرنا مع تحليلات جيمي هِل (أب حنك) في برنامجه Match of the Day وخطط بريان كلاف، وتعقيبات رون آتكنسون ـ خيبه الله بعد انكشاف الغطاء مؤخراً عن تقيحه العنصري ـ وشهدنا جورج بست المترهل وقتها في آخر مبارياته على الإطلاق، وخفقنا لڤيڤيان آندرسون وهو يقتحم مجالات كانت حكراً على البيض كأول لاعب "من أصول ملونة" يُضم للمنتخب الإنجليزي، وفاخرنا بثلاثي ويست بروميش ـ باتسون وريجيس وكننقهام الذي حصده الموت وهو في قمة الإبداع مسرعاً تحت عجلات شاحنة بإسبانيا. ... أوتذكر يابوهِـلَّة؟ .. حين وجدنا أنفسنا على حين غرة في إحدى مباريات ويست بروميش وسط جماهير الفريق اللندني المناوئ، وستهام؟ ... حين اضطررنا للانزواء صمتاً منتبذين طرفاً قصياً من المدرج طيلة وقت المباراة؟ متحملين ضروباً من المهانة وصروفاً من الازدراء والتقريع إيثاراً للسلامة؟
    .....
    وفي ذلك الخضم كنت أنت يا ماجد شاهداً على تلك الحِقبة الخِصبة، منفعلاً بإيقاعها المتسارع ومتفاعلاً مع أحداثها الحافلة وراصداً لمدلولاتها ومفسراً لها بما توفر لك من حس تاريخي ومنهج علمي قويم. ... أذكرك حين تعرفنا على أثنين من النقابيين الإنجليز والقطار السريع يطوي الأرض نهباً نحو لندن؛ كانا ذاهبين لحضور اجتماع ما ... إذ انتابني الفخر حين طفقت تحدثهم عن تاريخ الحركة النقابية البريطانية! .. حدثتهم يا ماجد عن البدايات قبل ما يربو على القرنين من الزمان بإنشاء نقابات ثورية للعمال "ذوي الأيدي المتقرحة والذقون" في وجه عنف متزايد وقمع شرس من السلطات ... . وحدثتهم عن تأسيس ملتقى نقابات العمال Trade Union Congress - TUC، وعن المؤتمر المقام بلندن فجر القرن العشرين والذي انبثق عنه حزب العمال كقوة ضاربة لكسر هيمنة واحتكار المحافظين والأحرار. وحدثتهم يا ماجد عن جهود ارنست بيڤن التي تكللت بإنشاء نقابة عمال النقل Transport and General Workers Union – TGWU العملاقة والتي وحدت أكثر من 50 منظمة عمالية تحت مظلة واحدة. وأذكر كالبارحة يا ماجد حين تأهبنا لمغادرة عربة القطار وهو يتهادى إلى محطة "أيستون" أن شد أحدهما على يدك مودعاً ومخاطباً: "طيلة نضالي في الشأن النقابي كانت هذه من أكثر الساعات إمتاعا وأعلاها قيمة على الإطلاق". ... وتتواثب من الذاكرة أصداء ضحكاتك الحبورة وأنت تشير في طريقنا للجامعة: " ... هذا منزل نيڤيل شامبرلين رئيس وزراء بريطانيا عشية الحرب العالمية. قَطَن هنا حينما كان عمدةً ثم نائباً لبرمنجهام؛ ... كان غراً ... حاول أن يُماري النازيين. قال لمواطنيه بعد أن قفل عائدا من لقاءه الشهير مع الفوهرر بميونيخ: جئتكم بالسلام المستدام؛ ليفاجأ بجحافل النازيين وهي تجتاح أراضي التشيك ثم بولندا ... كان ساذجاً ... فمن بوسعه الوثوق بالفاشست؟"
    ...
    وعدنا يا ماجد والعقد يلفظ أواخره .. فإذا الديار غير التي تركنا وإذا السودان غير الذي عهدنا، وإن كان فيه بقايا من ألق الستينات ومسحة تخبو من فجر السبعينات ... . وجدنا بلاداً منهَكة طاردة لأهليها تتهيأ لأن تقع فريسة سائغة تحت سنابك الهوس القادم، ونظام النميري يتهالك خلف إمامه المترنح بعد أن استنفد أغراضه أو كاد، ليتهاوى فيباد لاحقاً تحت أقدام الثائرين. غير أني ما لبثت وأن غادرت شرقاً هذه المرة لحقاً بقوافل الظاعنين وراء السراب لينطوي عقد آخر تخلله بعض من أمل ضئيل منبعث عن وهج الديمقراطية المستردة. وكنت أنت يا ماجد شاهداً على فسحة الأمل تلك قبل أن تغادر بِدورِك للمغترَب، ورويت لي صوراً وضروب علقت بالذهن ... دوماً يقفز منها حديثك عن عروس المجد مخضبة الحناء ذات الأساور والمصاغ وهي تجوب ميدان القصر جيئة وذهاباً لتتصدر هاتفة كل فوج يفِدْ للساحة من الثوار الهادرين ... .
    غير أن الأمل الضئيل سرعان ما خبا وتلاشى واندثر ليتبعه هزال وعجف ما تبقى من عقد الثمانينات ثم طغيان المد الظلامي وقُبح التسعينات. ودخلنا يا ماجد في اغتراب آخر غير أنه مجدبًُ قحلًُ هذه المرة ... أحادي البعد والطابع، ترتبط عوائده الضامرة بعلاقة يقينية سالبة مع أي مكاسب أخر، امتد عاماً إثر عام وطال ليصبح عِقداً إثر عقد لا يقطع رتابته سوى لقاء الأحبة اختلاساً أثناء العطلات، لقاء "لا يشفي غليل الشوق ... ولا يرطب شغاف القلوب" ... ومن بين الأجيال المتعاقبة كتب علينا أن نغدو "نحن" جيل الشتات ـ الدياسبورا السودانية ـ يلاقي بعضنا بعضا لبعض وهلة ثم ما نلبث وان نفترق قذفاً إلى مهابط بعيدة، ويرتحل "نوارنا خلسة" في مدن اغترابٍ نائية ومنافٍ قصية؛ "... من منفى لمنفى ... ومن باب لباب ... نذوي كما تذوي الزنابق في التراب".
    ...
    ويتوالى شريط الذكريات يا ماجد؛ وصوتك يرتقي مترنماًً مع "التاج" في شريطه الذي حصلنا عليه قبيل الفاجعة بأيام وبات لا يبارحني صداه:

    صفي القلب يا روحي ...
    ... عيونك ناعسه أو صاحيه
    أموت من نظرتا وأحيا
    على حسنك شموس ضاحيه
    في أركان قلبي حبك ما ترك ناحيه
    مرامي بعيد، فهل بى قربك أبقى سعيد؟
    ...
    دوماً يا ماجد ما كان يتملكني خوف وترقب مبهم، ويعتريني قلق وتوجس مربك من صيف كل عام؛ فبالنسبة لي هو موسم الرزايا والخطوب وفقدان الأحبة وأشياء أخر؛ ... غير أن صيف هذا العام باغتني بشراسته. فمع بداياته في يونيو حزيران رحل عنا زوج شقيقتي الصغرى بعد صراع باسل شرس استطال سنين عدداً مع مرض عضال؛ رحل بعد أن شهد تخرج ابنته الكبرى من كلية الطب بجامعة الخرطوم وبعد أن سمع بأذنيه أسم ابنه مذاعاً في قوائم متفوقي الشهادة السودانية؛ فأغمض عينيه ليستريح وهو راض. ... ثم الفاجعة ببداية يوليو تموز ... . وبعدها بأيام قلائل رحل عنا أخاً عزيزاً وصديقاً حبيباً آخر هو دكتور محمد نور الدين حسين بعد صراع قصير مع داء لعين. ونزل على النبأ الصاعق هذه المرة وأنا ذاهلٌ عن ما حولي؛ .. هامد الوعي، خامد الإحساس، متبلد الشعور؛ .. فتكسر على الأنصال التي سبقت:

    وهان فما أبالي بالرزايا ... لأني ما انتفعت بأن أبالي
    ...
    وأبى الصيف أن ينصرم قبل أن يروع البلاد ويخمد أملها الجديد ويطفئ شمعته بمقتل دكتور جون قرنق. فقد آب المحارب العظيم إلى كنف الوطن غداة رحيلك يا ماجد بعد أن وضع سلاحه وخلع إزاره. وطفقَ رجل السلام الآن يحدثنا لغة لم تألفها الأسماع حفلت بمصطلحات من قبيل التنمية المستدامة، وتوفير التعليم الأساسي للصغار، والصحة للكبار، والمياه النقية للجميع؛ ... حدثنا عن وجوب ذهاب المدينة للريف عوضاً عن قدوم الريف للمدينة؛ وحدثنا عن القضايا والرؤى، والاستراتيجيات والحلول، والأسبقيات والمهام؛ وحدثنا وحدثنا... . وكان ذلك غريباً على أسماع الناس التي نشأت على شعارات المشروع الهُلامي ومحاربة الصهيونية ومنازلة الاستكبار ومقارعة الهيمنة؛ ... وكان ذلك كثيراً على السودان؛ فانتبه القدر المتربص واقتطف الأمل قبل أن يستشري، ووأد الحلم في مهده. ... وباشر أغسطس آب الكئيب من حيث انتهى يوليو تموز مستهلاً بالفتنة العنصرية الهوجاء التي لفت البلاد مطلقاً عقال قواه الكريهة لتكتمل المأساة بأحداث الاثنين ـ الثلاثاء الدامية الجسام؛ فانفتق الرتق، واستبان الشرخ وتعمق:

    " ... أنا هابيل طريح الأرض
    يلكزني بنعليه أخي قابيل
    ويمسح ما بكفيه على شعري دما قاني
    دمى القاني ينقط من سلاح أخي
    على شفتي وأجفاني
    ...
    وجسمي تحته الأحجار
    ملقى في الطريق العام
    تكشر حوله طمعا وحوش الغاب
    ويسخر من غرابة وضعه الأغراب ... "

    وكأنك يا ماجد كنت تتنبأ بما سيحيق بالبلاد من بعد رحيلك بأيام! ... أذكرك حين انعطفنا مساءً أمام أحد المحال بحي الرياض لتلقى العربة بضوئها على تَلةٍ ارتمت عليها ثُلة من الأجساد الرثة الضئيلة المنهكة؛ وصوتك يعلو: أي وطن هذا الذي يلقي بفلذاته ليناموا مثل الهوام فوق مَكاب النفايا؟ وأي انتماء يُرتجي من هؤلاء لكيان يرفضهم مثل الكلاب الضالة ويلفظهم مثل الجرذان؟.
    لكم كنت ملتصقاً بأرض السودان يابوهِلَّة! ... اذكر رسائلك تترى بالبريد الالكتروني، تنضح شوقاَ للوطن، تستبق الأيام استباقاً ما أن تلوح بوادر العطلة الصيفية؛ وكأنك كنت تستنشق عبيره مسبقاً، وكأنك كنت تتنسم ترابه سلفاً. ... وفي المرة الأخيرة قُبيل الرحيل المفجع أبديت اعتزامك العودة النهائية بنهاية العام الأكاديمي؛ وكان القدر أسرع. ... أسبوعين فقط قضيناهما معاً قبل المأساة! ... كنت أنت فرحاً فخوراً بصدور كتابك الأخير "دراسات في تاريخ أوروبا المعاصر" الصادر عن جامعة الشارقة التي عاصرتها تخطيطاً وتنفيذاً وأسهمت بجهد وافر لينشأ ذلك الصرح ويسمَق. ... أسبوعين فقط! ... وكأنك كنت تستشعر إرهاصات شيء ما، فقد أصررت على زيارة الأصدقاء الذين طفنا عليهم فرداًً فرداً فكان الوداع الأخير لتغادر بغتة من بعد ذلك وأنت في مجد العمر وريحان العطاء الفكري والإنساني.
    ...
    فشكراً يا ماجد على دفق الذكريات وعلى فوح العبق؛ ... شكراً على الصداقة الحقة وعلى أرج المعزة، ... وشكراً كذلك على الأزمنة التي اغتبقنا رحيقها وعبرت كالوميض؛ ... وهكذا الفانية، ما أقصرها وأن طالت واستطالت:

    نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك في منامك من خيال
    وإن انتفى وجودك معي حساً وطلعةً ومظهراً يا ماجد إلا أنك مرافقي أبداً روحاً ومخبراً وجوهراً ومضموناً ومعنى ... .

    ,But, when the days of golden dreams had perished …"
    ;And even despair was powerless to destroy
    ,Then did I learn how [memories] could be cherished
    ;Strengthened and fed without the aid of joy

    ,Then did I check the tears of … passion
    ;Weaned my … soul from yearning after thine
    ,Sternly denied its burning wish to hasten
    ;Down to that tomb already more than mine

    ,And, even yet, I dare not let it languish
    ;Dare not indulge in memory's rapturous pain
    ,Once drinking deep of that divinest anguish
    ;"… ?How could I seek the empty world again

    واستمحيك عذراً يا ماجد، فقد أثقلت،
    وتراني أقلقت المَرقد،
    وبعض ظني أنك قد لا تستمريء هذا الحديث،
    ومعرفتي بك فأنك محرَج؛
    ولسان حالك يردد:

    "... نترك الدنيا لنا ذكر وذكرى ...
    من فعال وخلق
    ولنا إرث من الحكمة والحلم ... وحب الآخرين ...
    وولاء حين يكذب أهليه الأمين ... ."
    ...
    واستأذنك يا صديقي الحبيب:

    Let me take you down …"
    ,cause I'm going to strawberry fields'
    … Nothing is real
    ,and nothing to get hung about
    ;Strawberry fields forever

    Living is easy with eyes closed
    ;Misunderstanding all you see
    It's getting hard to be someone
    … but it all works out
    ;It doesn't matter much to me

    Let me take you down
    ,cause I'm going to strawberry fields'
    … Nothing is real
    ,and nothing to get hung about
    ;Strawberry fields forever

    No one, I think, is in my tree
    ;I mean, it must be high … or low
    That is, you can't, you know, … tune in
    … but It's all right
    That is, I think … it's not too bad

    Let me take you down
    ,cause I'm going to strawberry fields'
    … Nothing is real
    ,and nothing to get hung about
    ;Strawberry fields forever

    Always – no; … Sometimes, I think it's me
    ,But, you know, … I know when it's a dream
    ,’I think a ‘No’ will mean a ‘Yes
    … but it's all so wrong
    ;That is, I think … I disagree

    Let me take you down
    ,cause I'm going to strawberry fields'
    … Nothing is real
    ,and nothing to get hung about
    Strawberry fields forever
    Strawberry fields forever
    Strawberry fields forever
    ;Strawberry fields forever


    ..
    .
    نَمْ هادئاً الآن ...
    وعمتَ مساءً يابوهِلَّة.

    عبدالمحمود محمد عبدالرحمن

    (عدل بواسطة عبدالمحمود محمد عبدالرحمن on 07-05-2006, 05:40 AM)

                  

07-05-2006, 05:08 AM

عبدالحليم خالد التلب
<aعبدالحليم خالد التلب
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 148

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ماجد؛ صديقي الذي أوغل مضيا: (الدكتور عبدالماجد أبوسبيب مع الذكرى الأولى لرحيله المفجع) (Re: عبدالمحمود محمد عبدالرحمن)

    أخي العزيز عبدالمحمود

    رحم الله صديقك الراحل الدكتور أبو سبيب ، وجعل الجنة مثواه .

    Quote: فشكراً يا ماجد على دفق الذكريات وعلى فوح العبق؛ ... شكراً على الصداقة الحقة وعلى أرج المعزة، ... وشكراً كذلك على الأزمنة التي اغتبقنا رحيقها وعبرت كالوميض؛ ... وهكذا الفانية، ما أقصرها وأن طالت واستطالت:


    نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك في منامك من خيال
    وإن انتفى وجودك معي حساً وطلعةً ومظهراً يا ماجد إلا أنك مرافقي أبداً روحاً ومخبراً وجوهراً ومضموناً ومعنى ... .


    وشكراً لك أنت على هذا البوح الحميم الحزين ، والذي يؤكد أصالة معدنك ، ويدل على عميق وفائك لخدن روحك الراحل . لقد قرأت كلماتك مثنى وثلاث وتخيلتكم وأنتم ترتادون المسارح وتشاهدون الكوميديا الرفيعة ( روني وجون كلييز ) وتستمعون لأغاني جون لينون ، وتستمتعون بمشاهدة كرة القدم الانجليزية وجورج بست في قمة تألقه . لقد أبدعت أخي في حزنك النبيل من خلال حروف مقالتك الدامعة وأنت تستعرض شريط الذكريات الحبلى بكل تداعيات سنوات السبعينات والثمانينات .
    غفر الله لصديقك ماجد ، ومتعك أنت بالصحة والعافية بقدر ما أوفيت لصنو روحك الراحل .
    فشكراً وشكراً على تدفق مشاعرك النبيلة وهي تفوح بدفق ذكرياتك مع صديقك الراحل المقيم .

    أحمد لك أخي محمود صادق وفائك لذكرى صديقك الراحل .. فلقد أوفيت وكفيت لأخيك ماجد ، وكأني بك تسترجع ماقاله شاعرنا الدبلوماسي الحردلو :

    كلامْ عشان الحُزُنْ .. والناسْ ..

    كلام أدبى ،

    ما عندى غيرو أنا فى الدنيا . . من أرَبِ ،

    لا خزنة . . لا سُلطانْ

    لا غيرا .. من طَلبِ

    الناسْ مطالبى أنا . . والحبُ للأدبِ ،


    لقد رسمت لنا صورة مكتملة ومعبرة بذلك البوح عن صديقك الذي أوغل في الغياب ، وجعلتنا نعيش معكما كل أفراحكم وأتراحكم وأنتم تكابدون هجير الغربة طلباً للعلم في ذاك الزمن الجميل .
    ومازال الحردلو يرفل بكلماته مع كل المهاجرين ، والمنداحين في عالم الديسابورا :


    كُتْ قايل صحيحْ الهجرة تِرياق للجراحاتْ

    ورَاح أرتاح من أحْزانى القديماتْ ،

    وقُمْ طشيتَ فى دُنياتْ .. بعيداتْ

    برايا جريحْ

    أكاتل الريحْ

    وأكوس فوق التخاياتْ ،

    وأغلب الشوقْ .. ،

    وأقول أصبُر خلاس فِضْلن شِوياتْ

    عشان ترتاح من أوجاع حُبَك الفاتْ ،

    وكم مرات

    أحِنْ للارضِ .. والناس الحليوينْ

    وادَفْدِف فوق بُلود الغيرْ مِطيراتْ ،

    وكم مراتْ ،

    أوَاصلَ الهجرة فى الذاتْ ،

    ورُحتَ بعيدْ

    وضيَّعتَ المسافاتْ

    وضيّعتَ العناوين والجواباتْ ،

    وقُتَ خلاسْ

    خلاس الماضِى قد ماتْ ،

    وودعتَ الجراحاتْ



    له الرحمن والمغفرة صنو روحك عبدالماجد أبو سبيب في ذكراه الأولى بعد رحيله المفجع ، ولك طول الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

    مع مودتي لك أخي محمود وتقديري ،،

    ( ليمو )
                  

07-05-2006, 12:57 PM

عبدالمحمود محمد عبدالرحمن
<aعبدالمحمود محمد عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-17-2006
مجموع المشاركات: 1443

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ماجد؛ صديقي الذي أوغل مضيا: (الدكتور عبدالماجد أبوسبيب مع الذكرى الأولى لرحيله المفجع) (Re: عبدالمحمود محمد عبدالرحمن)

    ...
    عبدالحليم
    ليمو
    أخي "السيبري" العزيز الذي سألتقيه على أرض الواقع قريباً .. جداً
    ..
    دوماً ينشرح الصدر كلما طالع المرء أسمك مقترناً بأحد البوستات في المنبر فوجودك ضمانة أكيدة بإسهام مبدع يعطر البوست المعني ويزكيه بأسلوب مهذب رقيق، يثريه ويكسبه قيمة مضافة ذات وزن.
    أشكرك على إضفاء كل هذه الأشياء على بوستي الحالي والذي جاء كمحاولة بائسة ويائسة لاستيعاب كنه ما حدث والتنفيس عن لواعج الفقد. كتبته بعد أشهر قليلة من المأساة وأجريت عليه تعديلات طفيفة مؤخراً ليتوافق مع الذكرى الأولى لرحيل العزيز ويبقى ماجد جرحاً غير خاضع للاندمال.
    عذراً لأي قصور فهذا النوع من الكتابة ليس بالأرض التي أقطع عادة أو الغور الذي أسبر.
    ...
    عظيم مودتي
    والى اللقاء قريباً بإذن الله
    محمود
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de