|
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) (Re: قرشـــو)
|
(4)
ما للنوم لا يجد طريقه إليك ؟ لم تهاجمك الذكريات بهذا العنف ؟ لكن صوت عقلك يقول : ما هي إلا ذكريات فدع شريطها يمر من جديد أمام ناظريك .
نعم ! تتذكر يا محمود يوم اعتبرت أن الحظ قد ابتسم لك أخيرا،عندما حملك سيد دمث الأخلاق،حسن المظهر في سيارته إلي بيته المترف وأصبحت من ضمن خدم عديدين يعملون في هذا المنزل . لكنك تذكر أن فطريتك وبساطتك وسذاجتك التي حببتك إلي سكان المنزل من رجال ونساء أوغرت صدور بعض الخدم من الحاسدين عليك . ليقوم أحدهم بسرقة مصاغ وبعض ملابس ونقود أهل البيت تاركا بعضا من آثار المتاع المسروق في حزمة أمتعتك .
يومها تذكر كيف انقلب المنزل رأسا علي عقب . فجاءت الشرطة فأستجوبت ثم فتشت فاستخرجت من حزمة متاعك بعضا مما قد سرق من متاع،ثم حملتك مصفدا إلي المخبر وبدأت في استجوابك عن بقية المتاع المسروق، انهمرت دموع الدهشة والصدق من عينيك ولم تجبهم إلا بهذه الكلمات :
لم أسرق في حياتي ولن أفعل ... إنني بريء . لولا أن تداركتك رحمة الله وأشفق عليك رب المنزل فعفا عنك لبقيت مخلدا في السجن بتهمة السرقة .
***
في ذلك اليوم الحزين خرجت من السجن هائما لا تدري أين تذهب وأنت في أسمالك الرثة تلملم أشتات نفسك وجدت سيارة فارهة تقف بجانبك ، شاهدت سيدة بالغة الحسن داخل السيارة تشير إليك ... اقتربت وجلا ... فأمرتك بالجلوس معها في السيارة ففعلت ثم انطلقت. في الطريق أخبرتك السيدة بأنها لا تريد لك إلا الخير، تريدك عاملا في منزلها وتعرض عليك راتبا قدره 000 20 أوقية. انطلقت من فمك ضحكة مجلجلة أفزعت السيدة. نفس الضحكة التي أطلقها مختار عندما أخبرته بما تتوقع الحصول عليه بعد بيع المحصول السنوي. نظرت إلي السيدة المقطبة ثم قلت :
اتفقنا وعلى بركة الله . كانت سيدة السخاء والمفاجئات! قدمت لك منحة مالية مجانية منذ الأيام الأولي، لكن المفاجأة كانت بانتظارك عندما ذهبت فاشتريت ببعض المال ملابس جديدة وعدت بها مزهوا إلي البيت لترتديها. لقد كادت السيدة تفقد صوابها عندما شاهدتك في تلك الحلة القشيبة. استدعتك إلي غرفة أغلقت بابها بإحكام ثم أخبرتك بلهجة حازمة أنها لا تريدك إلا في تلك الأسمال الرثة طيلة الوقت. لكنها وعدت بأن تشتري لك أفضل الملابس عندما تقرر العودة إلى حيك البعيد.
فاجأتك سيدتك مرة أخري عندما لاحظت بعد طول مقام أنه لا عمل حقيقي لك في المنزل. فلا أنت طباخ ولا كناس. بل إن كل عمل في المنزل موكل إلي شخص محدد. أما العمل الوحيد الذي كانت السيدة تكلفك به بين الفينة و الأخرى فهو حمل لفافة صغيرة تجهل محتواها إلي منزل ليس بالبعيد عن منزلكم لتسلمها إلي عامل فيه يشترك معك في ارتداء تلك الأسمال البالية رغم الثراء البادي علي سكان المنزل الذي يقيم به. إنك تتذكر بوضوح الآن كيف كانت سيدتك تحرص علي تذكيرك في كل وقت بالتكتم والسرية وعدم ذكر أي شيء كان لأي مخلوق.
***
الآن تعود بك الذكرى إلي ذلك المساء المشئوم عندما كنت تحمل لفافة فإذا بأحدهم يعانقك قائلا : أهذا محمود ؟ لم أتصور رؤيتك في هذا المكان! استدرت لتشاهد وجه رجل نكرة لا تعرفه لكنه يعرفك على ما يبدو, فكانت جملته التالية : أنت من الحي الفلاني؟ نحن معارف بل أهل! لقد عرفتك بالدم فأنا أعرف والداك! تعال نتحدث! وقفت مسمرا حائرا بين الحديث إلى من يعرفك ويعرف أهلك وربما يحمل لك بعض الأخبار عنهم وبين سيدتك ومهمتها السرية التي تجهل مضمونها. ولعل الرجل لاحظ حيرتك فأردف قائلا : يبدو أنك في عجلة من أمرك ولا تريد معرفة أخبار حيكم! بل أريد ! قل لي من أنت وأين تعرفني؟ ذكر اسما لا تعرفه، لكنه انتسب إلي حي قريب من حيكم فشعرت بالاطمئنان له. كان هو في الغالب من يسأل وأنت تجيب لكن العجلة والقلق كانا باديين في تصرفك . قال الرجل : يمكنني أن أرافقك إلي حيث تذهب لتقضي حاجتك ثم نعود لنتبادل الأخبار فوافقت. شاغلك بالحديث وأنت نصف غائب حتى وصلتما إلي المنزل المقصود. خرج العامل ذو الملابس الرثة وسلم عليك فوجدت نفسك تخرج اللفافة من بين ثنايا ثيابك وتسلمها إليه. فجأة انطلقت صافرة، استدرت لتواجه القريب المزعوم شاهرا مسدسا فيك وفي زميلك. بسرعة البرق وصل رجال من حيث لا تدري اعتقلوكما وحملوكما واللفافة إلي المخفر.
***
لا أعرفه ولا أعرف له أصلا أو فصلا لقد عثرت عليه في الشارع تائها وجائعا فأشفقت عليه لوجه الله وأمرت عمال منزلي بإطعامه متي جاء وتركه يقيم في المنزل متي شاء . هكذا قالت سيدتك للمحققين واللفافة التي تحوي الهيروين ؟ لا أعرفها ولا صلة لي بها ! ومن الغرفة المجاورة كان يتناهى إلي سمعك صوت رجل ينكر صلته بزميلك العامل ذي الأسمال البالية في المنزل المجاور. أما من حولك فإن رجال الشرطة كانوا يتحدثون بفخر عن ضبط واحدة من أخطر عصابات المخدرات العاملة في البلد، وبعضهم كان يروي الطرق المبتكرة التي لجأت إليها العصابة في التواصل بين أفرادها باستخدام أشخاص لا تحوم حولهم شبهة في الميدان. أما أنت فكنت ضائعا وكنت تحاول جاهدا أن تعيد عقارب الساعة إلي الوراء فتعيش هذه اللحظات في حيك البعيد .
***
بعد أشهر من التوقيف والتحقيق . أوقفوك ذات يوم أمام رجال يلبسون ثيابا سوداء فخمة . لم تفهم من نقاشاتهم وجدلهم الطويل إلا ما قاله كبيرهم الجالس في الوسط وهو أن القانون لا يعرف محمود ولا يعرف أن محمود كان يجهل القانون عندما قبل حمل لفافة من الهيروين كوسيط ، كما أنه لا عذر لمحمود في جهل القانون . ثم حكم عليك بالسجن خمسة سنوات نافذة .
أما أنت فكنت ترغب حقيقة في أن تقابل ذلك الرجل الذي يسمونه القانون لتقنعه أنك بريء
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | قرشـــو | 06-13-06, 07:03 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | قرشـــو | 06-13-06, 07:07 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | قرشـــو | 06-13-06, 07:08 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | قرشـــو | 06-13-06, 07:10 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | قرشـــو | 06-13-06, 07:12 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | قرشـــو | 06-15-06, 03:53 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | DKEEN | 06-15-06, 05:36 PM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | DKEEN | 06-15-06, 05:37 PM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | قرشـــو | 06-17-06, 03:05 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | AMNA MUKHTAR | 06-15-06, 09:55 PM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | DKEEN | 06-16-06, 04:36 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | قرشـــو | 06-17-06, 03:09 AM |
Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) | زهير حيدر صديق | 06-17-06, 05:40 AM |
|
|
|