حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 05:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-13-2006, 07:03 AM

قرشـــو
<aقرشـــو
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 11385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام )



    غداً عندما تشرق الشمس


    يتلمس طريقه في الظلام الحالك، وهو يتذكر كم مر بهذا الطريق أياما وليالي. ينحني عند بعض المنعطفات ليلمس هذه النبتة أو يتعرف على ذلك الحجر، ومع كل انحناءة يستنشق بمليء رئتيه عبير أرض افتقدها وافتقدته . ثمة شعور طاغ يغمره ويكاد يجعله يقفز صارخا: إنني أسلك الطريق الصحيح لأول مرة. إن كل الطرق والدروب التي مررت بها في الماضي القريب لم تقدني إلا إلى التيه والضياع ... وسط هذا الظلام الحالك الذي يلفه يحس أن دفئا عاطفيا وشعورا خالصا بالمودة والتصالح قد بدأ يسري بينه وبين هذه الأرض الحبيبة، التي لا يميز ملامحها من شدة الظلام لكنها تعرفه وهو يعرفها منذ كان يافعا.

    *** يصل محمود إلى مجموعة من الأعرشة القائمة فوق تلة رملية صغيرة يغطيها السكون، ويلفها الظلام الدامس . ويتجه نحو العريش الأقرب. يبدو المكان خاليا للوهلة الأولى لكن المظاهر خادعة. يلقي السلام، فيرد عليه بشكل فوري من صوت نسائي يبدو من نبراته أن الكرى قد بدأ يداعب أجفانه. تعود به الذاكرة قليلا إلى الوراء، فهو يعرف لمن هذا العريش ومن صاحبة هذا الصوت، إن العريش هو عريش خديجة والصوت هو صوتها، من جديد يتردد الصوت بثقة أكبر :

    أليس هذا صوت أخي محمود ؟
    بلى أو ليست المتحدثة هي أختي خديجة ؟ قفزت المرأة خارج العريش وطوقته بذراعين قويتين، ومن فمها خرج صوت قوي يمثل هجينا من البكاء والصراخ والزغردة، وفجأة وجد نفسه وسط عاطفة من الحنان والمشاعر الدافقة التي افتقدها منذ سنوات، تدب الحياة في العريش فجأة، فيخرج صغار شبه عراة. من الأعرشة المجاورة ترتفع الأصوات وتتحرك أشباح أشخاص عديدين نحو عريش خديجة ونحو محمود المطوق بذراعين قويتين. ينسى محمود نفسه لبرهة ولا يتذكر إلا أنه بين ذراعي أخته وان دمعها الساخن على وجهه وصوتها المختنق وجلبة الجارات والأقارب ورائحة الأرض وأشباح الأعرشة التي يلفها الظلام كلها تذكره بأنه عاد .

    لا يدري كم دامت لحظة اللقاء تلك، لكنه لا يزال أسيرا لتلك اللحظة . تفاصيلها تذكره بمرارة كم كان عنيدا، كم كان أنانيا، وكم ركب رأسه دون أن يعي حجم المرارة والمأساة للتين سيتسبب فيهما لمن حوله من الأحبة . يفيق من جديد على أصوات بكاء ونحيب وصراخ فيميز من بينها - عدا صوت المرأة التي لا تزال تطوقه بذراعيها- صوت خالته وبنات خالته وقريبات وجارات، فكان كمن فتح عينيه على نور الحياة، وكانوا هم ضمن ملامح الصورة التي شاهد وأبصر .

    لم تعد الأعرشة المتجمعة فوق التلة الصغيرة تبدو مهجورة وخالية كما بدت قبل لحظات ، فمع جلبة الأصوات بدأت الحركة وبدأت الحياة تستعيد وجودها وفجأة ارتفع صوت عجوز من المحلقات بمحمود لتقول أمرا :

    لكنكم تقتلون محمود دعوه يجلس ويرتاح . تراخت قبضة خديجة من حول عنق محمود، لكن صوتها المختنق ودموعها الحارة التي لا تزال تبلل وجهه، كلها شواهد تؤكد لها أنه قد عاد .

    سارعت إحدى النسوة فبسطت حصيرا ورمت عليه بعض المخدات، أسرعت أخرى فأضرمت النار في كومة من أعواد الحطب الموجود أمام العريش، وعلى لهيب عيدان الحطب الملتهبة بدأ محمود يرى لأول مرة وجوه المحلقين من حوله بعد طول فراق . لم يكن الكل من النساء إنما كان هناك رجال بدأوا يقتربون ويحيون القادم الجديد مصافحين أو معانقين، بعد أن بدأت الحلقة النسائية تنفك من حوله. أحد هؤلاء الرجال شد محمودا من وقفته بلباقة وأجلسه على الحصير المعد سلفا، فجلس الحاضرون القريبون منه بشكل تلقائي، بينما انحنى الحضور البعيد مشكلا حلقة ثانية، في حين ظل الجمهور الأبعد واقفا مشكلا دائرة أوسع حول الحلقات التي يمثل محمود مركزها.

    انهالت الأسئلة عليه كالسهام، بدا أنها لا تنتظر إجابات إنما كانت سياطا تجلد جسمه :

    أين كنت طوال كل هذه السنين ؟
    لِم لَم تأتي عندما توفي والدك ؟
    وعندما توفيت والدتك ؟ ميز صوت خالته مبروكة.
    هل كنت على إطلاع بأخبار أهلك طول هذه المدة ؟
    من أتى معك ؟ بأي وسيلة أتيت ؟ أين متاعك؟ تنحنح محمود وحار من أين يبدأ . وأخيرا اختار أن يبدأ الإجابة على الأسئلة من حيث انتهت، فلعلها الأسئلة الأقل حرجا : - لم يأت معي أحد , و قد نزلت من سيارة نقل عمومي على الطريق البعيد و قطعت باقي المسافة راجلا، لم أجلب معي متاعا، لا أريد شايا أو طعاما إنما نوما عميقا . في الصباح سأشبع فضولكم بالإجابة على كل أسئلتكم. ثم بدأت يداه تبحثان عن مخدة ليضعها تحت رأسه محاولا إقناع الحضور بالأفعال مع الكلام.

    - دعوا محمود حتى الصباح . دعوه ينام . عودوا إلى أعرشتكم, وأنت يا خديجة اجلبي لحافا وغطيه به، و لننتظر الصباح . كان لصوت هذه العجوز التي غطت التجاعيد وجهها مفعول السحر، فإذا بالحلقات من حول محمود تتفكك، و إذا بالرجال و النساء يعودون بصمت وهدوء عجيبين إلى أعرشتهم . وفى لحظات لم يبقى من حول محمود سوى أخته خديجة واقفة حائرة لا تدرى ما تفعل. لكنها في الأخير انحنت على الأخ المستلقي على الحصير والمتلفع باللحاف:

    حمدا لله على عودتك يا أخي، فأنا وعريش أهلك وحقلك نفتقدك ونحتاج إليك. نم في رعاية الله وحفظه، ثم استدارت نحو عريشها وفي طريقها إليه حثت حفنة تراب على النار التي بدأت توشك على الانطفاء، ودخلت عريشها وساد الصمت.
                  

العنوان الكاتب Date
حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) قرشـــو06-13-06, 07:03 AM
  Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) قرشـــو06-13-06, 07:07 AM
  Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) قرشـــو06-13-06, 07:08 AM
  Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) قرشـــو06-13-06, 07:10 AM
  Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) قرشـــو06-13-06, 07:12 AM
  Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) قرشـــو06-15-06, 03:53 AM
    Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) DKEEN06-15-06, 05:36 PM
      Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) DKEEN06-15-06, 05:37 PM
      Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) قرشـــو06-17-06, 03:05 AM
  Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) AMNA MUKHTAR06-15-06, 09:55 PM
    Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) DKEEN06-16-06, 04:36 AM
    Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) قرشـــو06-17-06, 03:09 AM
      Re: حكاية من موريتانيا ( للكاتبة جليلة بنت معلام ) زهير حيدر صديق06-17-06, 05:40 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de