|
|
 قضية الشرق ورد الإعتبار للبجا (هاشم ابراهيم اوهاج )
|
يغفل معظم الذين يتناولون قضية الشرق عاملا هاماً من المشكل، ألا وهو الجانب النفسي. وقد اختزل البعض القضية في التنمية، وكل هذا ابتسار للحل. فلقد خلفت العقود الطويلة من التهميش والاقصاء آثارا معنوية ونفسية سيئة على البجا. كما أن المطالبة بالتنمية ونصيب عادل من السلطة والثروة وغيرها، لا يمكن أن تعوض البجا عما تعرضوا له على مدى عقود طويلة من معاناة نفسية في ظل الممارسات السيئة التي جرت بحقهم من قبل نظام الإنقاذ على وجه الخصوص. فمنذ اليوم الأول لوصوله إلى السلطة عمد إلى تهميش البجا واقصائهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الخامسة. ولم يقتصر هذا على السلطة المركزية بل حتى في ولايات البجا وجد البجا أنفسهم مستبعدين من السلطة والثروة وغرباء في أرضهم بدرجة جعلتهم يحسون بأنهم مستعمرون من قوى خارجية وهذا بالضبط ما هو حاصل لهم. وإلا فما معنى أن يحرم البجا من أرضهم وثروات بلادهم في الوقت الذي يستمتع بها غيرهم. بل الأسوأ أن نهب ثرواتهم يتم بصورة تضر ببيئتهم التي عاشوا عليها لآلاف السنين. فها هو الذهب يتم نهبه ويسكب في مكانه السينايد ليسمم التربة والماء والهواء. وها هي مراعيهم يتم بيعها للمستثمرين الأجانب ويطردون هم منها. ولم يكتف نظام الإنقاذ بهذا فقط بل قام من أول بداية عهده بابعادهم من التعليم حتى يظلوا جهلة ومن ثم لا يطالبوا بوظائف أكثر من عمال غير مهرة. فتم تجفيف كل الداخليات في كل ولايات البجا الثلاث، وأوقفت التغذية في المدارس، وتأخرت مرتبات المعلمين حتى هجروا المهنة في الشرق وهاجروا للعاصمة حيث المرتبات مضمونة بالإضافة إلى الدروس الخصوصية. وبسبب الحرب التي فرضها نظام الإنقاذ على شعبه والقصف الذي قامت به طائراته ومدفعياته والألغام التي زرعها والترويع الذي شنه رجال أمنه، تم تدمير مائة وعشرين قرية في الشرق، عشرين منها في ولاية البحر الأحمر وأربعين في ولاية كسلا وستين في المنطقة الخاضعة للمعارضة. ولأسباب أمنية رّحل النظام سكان معظم هذه القرى ليصبحوا نازحين في أطراف المدن. وزرع الألغام في مراعيهم ومزارعهم، فأصبحت مهجورة حتى انتشرت فيها غابات المسكيت، وضاعت على السكان المزارع والمراعي التي كانوا يرتزقون منها. وقد أهلكت الألغام أنفساً كثيراً وما حادث مقتل خمسة وعشرين شخصاً من الألغام جوار تلكوك وأبوجمل ببعيدة عن الأذهان. إن النزوح في حد ذاته يعني الفقر. فبعد ان كان النازحون يحصلون على خدمات ومنافع مثل الماء والوقود والسكن والخضروات واللبن مجانا في قراهم توجب عليهم أن يشتروها الآن ولكن كيف يشتروها وهم لا يملكون المال ولا المهارات التي يحصلون بها على عمل. وتكدس النازحون في أطراف المدن في ظروف صحية غير ملائمة مما أهلك أنفساً كثيرة معظمها من الأطفال والنساء خاصة الحوامل. إن النازحين الذين يقدر عددهم بنصف مليون نسمة في ولاية كسلا وحدها يفتقرون لكل أسباب الحياة والخدمات. فليس لهم مدارس ولا مستشفيات ولا أطباء ولا سيارات اسعاف ولا حتى قابلات.
إننا نطالب برد الاعتبار للإنسان البجاوي: لآدميته وفكره بعد أن فقد الثقة في قدراته أو كاد، وأصبح يشعر أن لا قيمة لرأيه، وأنه في مواجهة طغيان السلطة والحكم الفردي والقبلي والعائلي وأصبح ينظر إليه كبقايا وليس إنسانا، بعدما جرى تغييب عقله ووعيه وروحه، وكذا مزاحمة المشاريع الأرضية في استثمار الموارد البشرية والمساهمة في صياغة العقل المجتمعي، وأيضا وهذا مهم للغاية تنمية الحس الجماعي وما يقتضيه التجمع البشري من تواصل وتفاعل وما إلى ذلك، لأنه لا يمكن رد الاعتبار لإنسانيته وثقته بنفسه وقدراته إلا من خلال قوة الاجتماع والتواصل الحي والفعال. وهذا يتطلب مصالحة السودان مع تاريخه وثقافته وأبنائه داخل الوطن وخارجه، وهذا فيه رد الاعتبار لشريحة أساسية من المواطنين السودانيين..
من المفارقات المثيرة للجدل، ان الحكومات الوطنية وخاصة الإنقاذ، عجزت بالرغم من تحررها من المستعمر عن التعامل في شكل صحيح مع الأقليات، أو ربما لم تسع أو لم تبذل جهداً في هذا الاتجاه، وسلكت الطريق ذاتها التي سلكتها الدول الاستعمارية، طريق الوصاية والتسلط والاضطهاد، عندما لم تتوان على امتداد عقود، من ممارسة أنواع شتى من القمع والقهر والإذلال للأقليات القومية غير العربية....
إن النجاح في ضمان وحدة السودان كوطن لجميع أبنائه، هو ان يقتنع جميع السودانيين أولاً ومن خلال التجربة الملموسة وليس الوعود المعسولة بأنهم شعب واحد متعدد الأعراق والأديان والثقافات، قناعة لا يمكن أن تنهض إلا نقداً ورفضاً للماضي الحافل بالمآسي وبالحروب وبكل أنواع الظلم والاضطهاد. وتالياً من إعادة نظر شاملة بأفكارنا القديمة، وبشعاراتنا، وبمفاهيمنا عن المسألة القومية، إعادة نظر ينبغي ان تأخذ في الاعتبار ان وحدة الوطن وحل المسالة القومية، لا يمكنهما ان يتحققا وفق صيغة إنسانية عادلة إلا على قاعدة الديموقراطية وحقوق الانسان، والاعتراف المبدئي والعملي بالتعدد والتنوع في القوميات والثقافات، واحترام ثقافاتها ولغاتها وطموحاتها.
إن رد الإعتبار للبجا يبدأ بالإعتراف بكل جرائم النظام التي ارتكبها في حقهم، وأولها مذبحة بورتسودان. وأن يتم تعويض البجا بصورة عادلة عن عقود التهميش والاقصاء، وأن يتمكنوا من السلطة والثروة في إقليمهم، وأن يشاركوا بصورة عادلة في السلطة المركزية حتى يشعروا بأنهم شركاء في هذا الوطن، وليسوا مواطنين من الدرجة الخامسة لا يستشارون في القرارت ويتحملون التبعات. وحتى يتحقق ذلك فإن السودان الحالي ليس فيه مكان للبجا.
|
|
 
|
|
|
|
MAHJOOP ALI
عبد المنعم سليمان
Mohamed E. Seliaman
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست