|
|
 كم أنت جميل أيها المغرب(4)
|
المغرب الجميل بعيون سودانية ... كم أنت جميلة ياأكادير!! (4)
د. ابوبكر يوسف إبراهيم
في حقبة الخمسينات عند مفاوضات استقلال المغرب عن فرنسا( للعلم السودان والمغرب نالا استقلالهما من مستعمريهما في نفس العام 1956), كان الملك محمد الخامس يعي جيداً ما تعانيه الجارة الشقيقة الجزائر في حرب التحرير وما تقدمه من تضحيات أجل التحرر والاستقلال , فقد عرض الجنرال (دو غول) رئيس فرنسا وقتئذٍ على الملك محمد الخامس تسليمه جزء الصحراء المغربية المُسْتَعمر من قبل فرنسا, ولما كان الملك محمد الخامس إسلامياً عروبياً, كان يدرك بحسه القومي والعقدي العالي أن جبهة التحرير تنطلق من أراضي الصحراء المغربية في عمليات الكر والفر وهي تعتبر عمق إستراتيجي يتحرك منه المجاهدون الجزائريين في مواجهة قوات المستعمر الفرنسي، فما كان من الملك المسلم الواسع البصيرة إلا أن أدرك الفخ الذي كاد يوقعه فيه (دو غول) وقال له بأن الجزائريين يمرون بمرحلة تحرر ومن الخطأ أن نحرمهم ما هو موطئ قدم يتحركون منه ليصلوا لمبتغاهم... إنهم إخوة المعتقد والعروبة وفوق هذا وذاك ما يربط بيننا صلة لا انفصام لها وهي صلة الجوار والدين...لن أحرم إخوتي ما يحتاجون إليه في هذه الظروف ونحن وهم قادرون على تسوية مشكلاتنا حين يتم لهم تحرير بلادهم من ربقة استعماركم!!. من هنا علينا أن نتفهم أن (دو غول) كان يرغب في تسليم الجزء الواقع من الصحراء بجوار الجزائر (جندوف) للملك محمد الخامس حتى يضمن عدم تسلل المجاهدين الثوار من الأراضي المغربية او حصولهم على أي تسهيلات لوجستية للثورة الجزائرية, و بمعنى آخر يريد توظيف المغرب كحرس حدود لا ينطلق منه المجاهدين الثوار وفي ذات الوقت تحميل المغرب مسئولية أي خروق أمنية على الحدود بين البلدين، ولكن كان الملك محمد الخامس ثاقب النظر وكان يدرك ماذا وراء العرض الفرنسي وكان عروبياً مؤمناً وموقناً بأن الجزائر ستُقَدر للمغرب وله شخصياً هذا الموقف مستقبلاً ولن يكون هناك أي نزاع في أمر الجزء الجنوبي الواقع على الحدود الجزائرية من الصحراء المغربية ولم يكن أبداً يساوره الشك في أن يكون هناك أي نزاع محتمل, فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!؟ آثر الملك أن يترك جزء الصحراء المغربية المتاخم للجزائر لما بعد انتهاء الجزائر من حرب التحرير ونيل استقلالها متيحاً للثورة وسيلة ضغط أمني على فرنسا, أي قبل الرجل باستمرار الاستعمار الفرنسي على هذا الجزء من التراب المغربي لتخفيف الضغط الفرنسي على الثوار وفي ذات الوقت لا يتحمل المغرب المستقل حديثاً آنذاك مسئولية أي خروق حدودية نتاجاً لتحرك الثوار ضد فرنسا انطلاقا من الصحراء المغربية من الجزء المتاخم منها للجزائر. وبعد استقلال الجزائر سارت الأمور على أحسن حال في عهد الثائر العروبي أحمد بن بيلا,إلى حين انقلب بومدين على الشرعية فإتجهت الجزائر شرقاً نحو الإتحاد السوفيتي وكما هو معلوم مدى ارتباط المغرب بفرنسا والغرب لأنها أولاً ضد الشيوعية وثانياً لروابط ثقافية مع فرنسا المستعمر السابق وحتى يعاون الغرب المغرب في عمليات البناء والتنمية وهو أسماه الملك محمد الخامس (الجهاد الأكبر) وهي مرحلة البناء بعد الاستقلال الذي كان بمثابة الجهاد الأصغر...بالتالي أصبح بين الجاريتين اختلاف في التوجهات فالملك محمد الخامس لا يستطيع تدخين السيجار الكوبي مثل الهواري بومدين ولا يستطيع تبديل (أخوة) الإسلام بلقب (الرفيق) في الحزب!!...ومن هنا بدأت تلوح بوادر مشكلة حيث تمّ توظيف بعض أبناء الصحراء المغربية للبدء في تكوين بؤرة انفصالية وظهرت علينا البوليساريو ولا تخطيء العين والعقل والمنطق من هي الأطراف صاحبة المصلحة في تمويل هكذا عمل غير الأخلاقي... من الجدير بالذكر أن هذا الجزء من الأراضي المغربية يقلل من تكلفة نقل البترول والغاز الجزائري ما يتيح له التنافس في السوق العالمي خاصة عند تصديره لأوروبا بأقصر الطرق, أعتقد أن المسائل قد بانت خيوطها الآن... ولا أدري لماذا هكذا تصرف !؟ والذي لا يعدو إلا أن يكون إعادة لممارسة أحد المبادئ والوسائل التي كان يتبعها المستعمرون, فحين كانوا يستعمرون بلد ما ويسرقون خيراته يبحثون عن أكثر الطرق جدوى لنقل هذه الخامات إلى بلادهم دون تكلفة تذكر, فيصار إلى استعمار بلد آخر يكون أقرب إلى البحر حتى تكون السرقة مجديةًً اقتصاديا , وفي عالم اليوم تُقوّي العلاقات الاقتصادية بين الشعوب بعضها البعض لأن لغة المصالح هي قيمة مضافة للعلاقات الأخوية وإلى تقوية علاقات حسن الجوار والثقافة والدم وبناء علاقات إستراتيجية راسخة تحول بين تعاملات الشعوب والأنظمة السياسية, والأمثلة كثيرة فهناك أمبوب نفط عراقي يعبر سوريا وآخر يعبر تركيا ويؤدي العراق رسوم مقابل هذه العملية التي أدت إلى تقوية علاقة الجوار فأصبحت راسخة حتى في أحلك الظروف التي تتوتر فيها العلاقات السياسية بفعل تقاطع التوجهات السياسية للأنظمة, فالاقتصاد والشعوب هما ركيزتا المصالح المشتركة بين الدول وهي القيمة المضافة لتكامل المصالح بين الشعوب بعيداً عن الأنظمة الحاكمة التي كثيراً ما تتعرض لبعض المشكلات, ولكن بعض الأنظمة تفضل السلوك غير المتحضر فتنفق أموالاً طائلة من مقدرات شعوبها باسم المصالح الوطنية لتقوم بتشكيل فرقٍ وأطراف من النخب ذات مطامع شخصية وطموحات وصولية وهؤلاء لا يهتمون بأهلهم حتى لو مات نصفهم في سبيل تحقيق مآربه (أنا ومن بعدي الطوفان) وفي ذلك يوظفون شعاراتٍ طنانةورنانة , هذا وقد يكون هذا الإنفاق على مثل هذه البؤر مكلفٌ أكثر من ما لو دخلت في شراكة مع جوارها لتوفر الدعم المادي والعسكري لها ناهيك عن توتر العلاقات بين دولتين جارتين مصيرهما مرتبط يبعضهما البعض والعلاقة بينهما ذات ديمومة لا انفصام لها حتى يرث الله الأرض أما المستعمر فأمره موقوت بزوال استعماره... أعتقد أن الرئيس بوتفليقه رجل دولة محنك لا تفوته مثل هذه الأمور , لو خلصت النوايا لا شيء يصعب على إخوة الدين واللسان والثقافة والجوار في تغليب لغة العقل والمصالح الدائمة خاصة تلك ذات الطابع الثقافي المتطابق... نحن في السودان نعاني نفس المشكلة بل أعقد ولظروف كثيرة وتعقيدات إقليمية بل ودولية تدعونا للتوافق والبحث عن الحلول الناجعة لمشاكلنا... والعاقل من يتعظ من تجارب الآخرين. و نواصل ما انقطع وغدا يتصل بإذن الله تعالى الحديث وهو ذو شجون.
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست