ففي السابع من مايو 1915م ضرب قارب طوربيد من قوارب الـ (U) الألمانية وبدون سابق إنذار سفينة الركاب البريطانية ''لوزيتانيا'' على سواحل ايرلندا وقتل نتيجة لذلك 1198 راكباً منهم 128 أمريكياً (1) .. وكان إغراق هذه العبّارة دافعاً للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون لتوجيه إنذار شديد اللهجة لألمانية بالكف عن حرب الغواصات ضد سفن الركاب والبضائع، ثم إعلان أمريكا الحرب على ألمانيا في 6 أبريل 1917م.. هذه الحرب ومن قبلها الحرب الأمريكية الاسبانية في 1898م حول قضية تحرير كوبا أظهرتا الولايات المتحدة كقوة عالمية جديدة يحسب لها ألف حساب. كان الحلفاء بحاجة إلى مدد من القوات حتى يتمكنوا من مقارعة الجيوش الألمانية في الجبهة الغربية.. وعليه فقد طلبوا من إدارة ويلسون إرسال ثلاثة ملايين مقاتل على وجه السرعة وأعلن الرئيس التعبئة العامة حيث تم خلال فترة وجيزة تجنيد حوالى مليوني مقاتل وارسالهم الى جبهات القتال في اوروبا فيما عرف تاريخياً باسم ''الحملة الأمريكية'' (2).. ووضح منذ البداية أن التسجيل للراغبين في التجنيد يتم على أساس اللون والتأصيل لمبدأ تفوق الجنس الأبيض، فمن بين 350.000 رجل أسود سجلوا أسماءهم للتجنيد لم يصرح إلا لحوالى 40.000 بالتوجه الى مناطق العمليات (3) .. وحتى هؤلاء وجدوا أنفسهم عرضة للتمييز في التدريب وفي ميادين القتال فكانت المراكز القيادية والإشرافية كلها من نصيب البيض.. سلالة مختلفة وتمضي الموسوعة إلى القول ''لقد أتاحت أوضاع السود، الذين لم يسمح لهم بالمشاركة في الحرب الفرصة للمشتغلين بعلم النفس للتحقق من صحة الافتراضات القائلة بأن الرجل الأسود ينتمي إلى سلالة بشرية اقل ذكاء ونضجاً من سلالة الإنسان الأبيض فكانت الأشغال اليدوية والشاقة من نصيب السود الذين بذلوا غاية جهدهم لإثبات ولائهم لوطنهم من ناحية وأنهم ليسوا أقل كفاءة من زملائهم البيض من ناحية أخرى''.. وفي تحرك مضاد قامت الجمعية الوطنية لتقدم الملونين (NAACP))) بجهود مقدرة أسفرت عن نتائج ايجابية فيما يتعلق برد الاعتبار للجنود السود من حيث زيادة عدد المسجلين للعمل في القوات المسلحة وإنشاء معسكرات خاصة لتدريبهم.. لكن برغم هذا التطور ظلت الحكومة تنظر إلى السود كمواطنين من الدرجة الثانية ينحصر دورهم في العمل كجنود أو جنود مشاة في الغالب الأعم.. وأقيمت مكاتب لتقييم أدائهم فكان التقييم للجندي الأسود يتم بناء على أي تقرير يقدمه أي جندي أبيض.. وكان من أبرز مظاهر التمييز العنصري في أوساط الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى الحملة الدعائية التي شنتها الحكومة ضد الجنود السود عند وصولهم إلى الأراضي الفرنسية، حيث وزعت وثائق سرية حاولت من خلالها التأثير على نظرة السلطات الفرنسية تجاه الجنود السود، والتحذير من أعمال العنف المتجذرة في تركيبة الإنسان الأسود.. غير أن السلطات الفرنسية لم تأبه لهذه التحذيرات فلم تعاملهم من منطلق الجنس أو اللون فكانوا يتنقلون بين المدن الفرنسية دون أي قيود، وربما كانت الحكومة الأمريكية تخشى من أي معاملة إنسانية قد تؤلب السود ضدها إثر عودتهم إلى أمريكا.. أما السود الذين لم يشاركوا في الحرب فقد عصفت بهم الأحداث وانقلبت حياتهم رأساً على عقب .. اذ شهدت ولايات الجنوب حركة مكثفة لهجرة السود إلى مدن الشمال، حيث ازدهرت الصناعات الحربية التي كان الحلفاء بحاجة لها في ميادين القتال.. كما أن تراجع معدلات الهجرة الأوروبية إلى أمريكا بسبب ظروف الحرب زاد من حدة النقص في اليد العاملة.. لكن التفرقة في المعاملة والأجر عن نفس العمل عادت لتطل بوجهها القبيح من جديد فكان توظيف السود يتم بأقل الأجور.. وفيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي تقول الإحصاءات الرسمية ان السود في ولايات الجنوب والى ما قبل الحرب الكونية الأولى كانوا يمثلون حوالى 90% من مجموع القوى العاملة في مجال الزراعة.. ولم يكن من حقهم امتلاك الأراضي الزراعية إلا إذا كانت غير مرغوب فيها أصلاً.. وعلاوة على ذلك كان على الرجل الأسود أن يحصل على كفيل يضمنه.. وأن يكون هذا الأسود نفسه مقبولاً لدى المجتمع الأبيض في المنطقة التي ينوي امتلاك قطعة أرض فيها .. وكان أغلب السود يعملون بصفتهم ملاكاً للأرض لكن تحت إمرة المالك الحقيقي وليس لهم الحق في شيء إلا جزء من ثمرة جهدهم، فكان الواحد منهم يعمل على قطعة أرض محددة ويتقاضى جزءاً محدوداً من خراجها لإعاشة أفراد عائلته.. الحزام القطني ومما زاد أوضاع ولايات الجنوب سوءاً الأزمة التي ضربت الحزام القطني بسبب الجفاف أولاً ثم الأمطار الغزيرة التي أتلفت المحاصيل بعد ذلك في العام 1922م هذا بالإضافة إلى التوسع في استخدام الآلة أو ما يعرف بميكنة الزراعة مما دفع بآلاف العمال السود إلى أحضان البطالة.. وخلال السنوات القليلة التالية كان الإفرو أمريكانز أكثر فئات المجتمع الأمريكي تأثراً وتضرراً من الأزمة الاقتصادية العالمية والكساد الذي عانت منه الولايات المتحدة في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن العشرين. إذ ارتفعت نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى أعلى معدلاتها وزادت معدلات الهجرة الداخلية من ولايات الجنوب ومناطق الزراعة إلى مدن الصناعة والتجارة في الشرق والشمال.. وعلى المستوى السياسي حرصت الحكومة على تهميش دور الأمريكيين الأفارقة في الانتخابات وفي ممارسة العمل السياسي، وذلك من خلال فرض شروط وقوانين مجحفة مثل شرط إبراز شهادة خلو الطرف من الضرائب، وقانون الأصل العائلي إلى الجد، وشرط معرفة القراءة والكتابة والثقافة العامة.. وبينما بدأت الأوضاع تتحسن بعد انتهاء الأزمة الاقتصادية الكبرى إلا أن أوضاع الامريكيين الأفارقة لم تزدد إلا سوءاً مما افقدهم الثقة في أي تحسن ملموس في أوضاعهم..
05-28-2006, 04:06 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
وما يزال هذا التباين موجوداً بصورة أو بأخرى حتى أيامنا هذه مما يزيد من صعوبة أية محاولة جادة لإيجاد مخرج او معادلة متوازنة بين الإفرو أمريكانز وطبقات المجتمع الأخرى بصفة عامة.. حركة الحقوق المدنية خلال العقدين الأولين من القرن العشرين خاض السود معارك كثيرة اتخذ معظمها الطابع السلمي وذلك مثل: المسيرات الهادرة أو الصامتة والمقاطعة لبعض السلع والمحلات التجارية ومرافق الخدمات العامة وعمليات الاعتصام وتحدي الأنظمة بالجلوس في الأماكن المخصصة للبيض سواء كان ذلك في وسائل النقل أو المطاعم أو الفنادق أو المنتزهات.. كما أنشأوا العديد من المنظمات والجمعيات والاتحادات التي كان الغرض الأساسي منها الدفاع عن قضاياهم.. ولعل أهم هذه الجمعيات هي: الرابطة الوطنية للأمريكيين الأفارقة التي تأسست في (1890م) وحركة نياجارا (1905م) والجمعية الوطنية لتقدم الملونين (1908م) ثم الرابطة الوطنية للتحول الحضري في 1910م..ومعروف أنه حتى العام 1910م كان حوالى 90% من الأمريكيين الأفارقة يسكنون في الولايات الجنوبية لكن وخلال الفترة ما بين 1910-1950م حدث تغير دراماتيكي على الخارطة السكانية الأمريكية عندما نزح أكثر من خمسة ملايين من الأمريكيين الأفارقة من مزارع الجنوب إلى المدن الصناعية في الشمال.. كانت تلك أكبر عملية هجرة داخلية في تاريخ الولايات المتحدة حيث نشطت وبصورة أكثر وضوحاً خلال فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) وعلى وجه الخصوص ما بين عامي 1916و1917م.. كانت هذه الهجرات طلبا لظروف حياتية أفضل وأملاً في الشعور بالأمن ولو في غياب العدل والمساواة، حيث تميز أهل الشمال الأمريكي عامة ومنذ أمد بعيد بمناهضة التمييز العنصري والميل للتعايش السلمي.. وبسبب ظروف الحرب فقد توفرت فرص العمل للآلاف وخاصة في مصانع الأسلحة والذخيرة بالمدن الشمالية .. إلا أن السود الذين نزحوا إلى الشمال اصطدموا بمنافسة شديدة وغير متكافئة من المهاجرين الأوروبيين الذين كانوا قد بدأوا يتقاطرون بأعداد كبيرة وعلى وجه الخصوص من دول أوروبا الشرقية .. على أن هذا النزوح أدى إلى تحسن ملموس في الظروف المعيشية والنمط الحياتي للكثير من الأسر المهاجرة.. وكان من إفرازات الهجرة إلى الشمال أن ظهرت إلى حيز الوجود حركة ثقافية نشطة في نيويورك عام 1920م عُرفت باسم (نهضة هارلم) ''.. HARLEM RENAISSANCE" واستخدم أعضاء هذه الرابطة مختلف أنواع الفنون لإظهار القدرات والمواهب الإبداعية التي يتمتع بها ''الإفروأمريكانز'' الذين اثروا الساحة الفنية من خلال ادخال بعض الآلات والايقاعات الإفريقية في الموسيقى الغربية.. كما دمجوا الرقص الإفريقي في نظيره الغربي .. ولعل الأثر الأفريقي في الموسيقى والغناء والرقص يبدو واضحاً جداً على الساحة الفنية في المجتمع الأمريكي حتى اليوم بل أصبحت النكهة واللونية الإفريقية هي السمة الغالبة والمميزة لهذه الفنون في أمريكا حتى أصبح من النادر أن يبزغ نجم أمريكي أبيض في أي من هذه المجالات.. والمتفحص للإنجليزية الأمريكية يلاحظ بوضوح الأثر الإفريقي في العامية الأمريكية حيث أصبحت لهجة ''الإفروأمريكانز'' هي الغالبة في كثير من الأحيان(4).. كما ظهر منهم مغنون كثر تركوا بصمات واضحة على خارطة ما أصبح يعرف بموسيقى الجاز والبوب والراب وكلها ذات جذور ولونية افريقية ولا يتسع المجال هنا للتعرض لهم.. وعلاوة على ذلك ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي أظهر الأمريكيون السود تفوقاً واضحاً في ضروب الرياضة وخاصة الملاكمة وكرة السلة والمصارعة وسباقات العدو وغيرها حتى كاد التنافس في هذه الألعاب يصبح وقفاً عليهم..
05-28-2006, 04:27 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
ماركوس قارفي 1887م - 1940م الشاعر الأمة (متنبئ جامايكا) ذكرت في حلقة سابقة أن الولايات المتحدة واعتباراً من منتصف القرن التاسع عشر بدأت تشهد حركات نشطة اتسمت بالعنف أحياناً والسلم أحياناً أخرى.. كانت تلك الحركات تعبّر عن الرفض لسياسة الفصل العنصري والتي تنطوي على امتهان لكرامة الإنسان الأسود.. وكرد فعل للظلم والاضطهاد اللذين عانى منهما السود والملونون في أمريكا ما يربو على الأربعة قرون.. إلا أن تلك الحركات في مجملها كانت اجتهادات فردية ولو أن بعضها انتهج أسلوب العنف كما رأينا.. أما العمل الجماعي المنظم القائم على استراتيجية واضحة وبرامج محددة لتحقيق أهداف بعينها فلم يبدأ إلا مع حلول القرن العشرين حيث جاء المخاض شاقاً وعسيراً. وكان من رواد هذا الاتجاه الحديث ورموزه ماركوس قارفي ونوبل دروعلي اللذان ظهرا على الساحة في نفس التوقيت تقريباً.. كانت تلك نقلة هامة وتطوراً طبيعياً متوقعاً لحركة النضال المستمر ضد سياسة الفصل العنصري.. وعليه يمكن القول ان العمل المؤسسي المنظم للأمريكيين الأفارقة من أجل الحصول على الحقوق المدنية بدأ مع ظهور نجمي ماركوس قارفي ونوبل درو علي خلال العقد الثاني من القرن العشرين. فالحديث إذاً عن حركة الإفرو أمريكانز لا تكتمل حلقاته من دون التعرض لرجل في قامة ماركوس قارفي وإن اختلفنا معه في كثير من الأشياء .. وإذا كان الناس -كل الناس- يغيبهم الردى فيصيرون الى عالم النسيان.. واذا كان هناك أناس يموت بموتهم خلق كثير فإن هناك قلة من البشر يعيشون أكثر بعد ان يطوى الثرى أجسادهم، وذلك من خلال أعمالهم وكلماتهم.. ومن بين هؤلاء وأولئك يبرز اسم ''ماركوس قارفي'' كواحد من أبرز شخصيات الثلث الأول من القرن العشرين على مستوى العالم.. فهو من مواليد 17 أغسطس 1887م بسانت آن في جامايكا (المستعمرة البريطانية وقتها) لأبوين أسودين. يقول إسن أدوم إن قارفي قام بعدة جولات في دول أمريكا اللاتينية قبل أن يزور لندن عام 1912م بغرض التعرف على أوضاع الزنوج في الأجزاء الأخرى من الإمبراطورية البريطانية(5) .. وفيها عمل مع المؤلف المصري ديوس محمد علي الذي كان يشرف على تحرير مطبوعتي African Times والـ ''.. Orient Review" وخلال هذه الفترة بدأ اهتمام قارفي ينصب حول أوضاع الزنوج في الولايات المتحدة خاصة بعد قراءته كتاب: Up from Slaveryالتحرر من العبودية'' الذي حكى فيه بوكر واشنطن قصة حياته(6).. وفي صيف 1914م عاد قارفي إلى جامايكا وقد اختمرت في ذهنه فكرة توحيد جميع الشعوب السوداء وأن تكون لهم دولة خاصة بهم وحكومة منهم وفيهم.. وفي جامايكا بدأ قارفي يبشّر بمولد عالم جديد لا يكون السود فيه عبيداً مسخّرين بل تكون لهم السيادة والقيادة والمساهمة الفاعلة في إثراء الحضارة الإنسانية.. وهناك وفي الأول من أغسطس لعام 1914م أسس الحركة العالمية لنهضة وتقدم الزن The Universal Negro Improvement Association كما أسس معها أيضاً رابطة الجاليات الإفريقيا‡ The African Communities League وجعل عبارة ''إله واحد، هدف واحد ومصير واحد'' شعاراً لهما.. وفي العام 1015م بدأت علاقة مراسلة بين قارفي وبوكر واشنطن الذي رحب بالتعاون معه ودعاه لزيارته في نيويورك مبدياً استعداده لمساعدته في جمع التبرعات لفتح مدرسة خاصة للزنوج في جامايكا تكون على غرار معهد تسكنجي الذي يعتبر أول معهد خاص بالسود في الولايات المتحدة (7).. الملك الأسود وفي العام 1916م وقبيل صعوده إلى ظهر المركب الذي حمله إلى أمريكا بلحظات تحدث قارفي إلى الاصدقاء الذين جاءوا لوداعه قائلاً: (( ارنوا بأبصاركم شرقاً فهناك في قارتنا الإفريقية سيتم قريباً تتويج ملك اسود .. هذا الملك سيكون هو المنقذ لشعبنا الصابر المكافح)) ( .. كان ذلك هو الحلم الأول..
ونواصل ..
05-28-2006, 04:39 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
لكن البدايات في أمريكا جاءت مخيبة للآمال. فلدى وصوله إلى حي هارلم بنيويورك في 23 مارس 1916م علم ان بوكر واشنطن اصبح في عداد الموتى، وهام قارفي على وجهه أياماً لا يكاد يجد ما يسد رمقه.. وإن كنا لا نعرف الكثير عن حياة قارفي وسنواته الأولى في الولايات المتحدة فإن كل الشواهد تقول ان نجمه بدأ في الظهور سريعاً كخطيب بارع وزعيم واعد امتاز على أقرانه من الخطباء السود بسحر البيان كما ساعدته موهبته الشعرية وفصاحة اللسان.. وقد كتب في ذلك كيلي ميلر قائلاً: (( حضر ماركوس قارفي إلى الولايات المتحدة قبل أقل من عشر سنوات.. لم يكن لديه صديق في هذه البلاد أو أقارب.. ولم تكن لديه حرفة أو صنعة يعيش منها.. كان هذا الجامايكي في حوالى الثلاثين من عمره، وكان اسود اللون بنسبة 100% ولم يكن قد أكمل تعليمه.. وإذا أردت تقييمه من خلال مظهره الخارجي فإنك لا تجد فيه شيئاً يميزه عن آلاف السود المهاجرين من جزر الهند الغربية الذين يتوافدون إلى بلادنا زرافات ووحداناً.. لكن وخلال بضع سنوات فقط، أصبح هذا العملاق الأسود علماً يشار إليه بالبنان.. وأصبحت سيرته وكلماته على كل لسان)) (9) .. فعندما استقر به المقام في هارلم كانت الساحة تعج بالعشرات من الخطباء والزعماء والسياسيين والشعراء الزنوج الذين اتخذوا من ارصفة شارع لينوكس منبراً لهم وجعلوه أشبه بهايد بارك الحالي في لندن.. كانت حركة نهضة هارلم في ذروتها وكان على رأس فرسانها وقتئذ هيوبرت هاريسون وفيليب راندولف وشاندلر أوين ودبليو دومينقو ونوبل درو علي (10) .. وسط هذا الخضم والزخم بدأ نجم قارفي يلمع ويظهر.. أما منافسوه فقد تواروا الواحد تلو الآخر ولم يبق على الساحة إلا قارفي ودرو علي.. بقي قارفي لأنه لم يكن مجرد ظاهرة عابرة.. لم يكن مجرد شاعر ثائر ومقاتل و لم يكن خطيباً مفوهاً ومشروع قائد عظيم فحسب، بل كان صاحب مدرسة رائدة جديدة وفلسفة مميزة.. كانت له رؤى واضحة فيما يتعلق بأوضاع السود وإمكاناتهم ومستقبلهم والدور المنتظر منهم.. وكانت فلسفته تقوم على العمل الجماعي المنظم والتخطيط السليم الذي هو اساس كل نجاح .. وكان قارفي صاحب قضية ورسالة كرس لهما كل وقته وحياته.. وفوق هذا وذاك كان يتمتع بشخصية قيادية مؤثرة وكانت له عزيمة تقهر المستحيل فأصبح الرمز للقوة السوداء القادمة والصوت المجلجل الذي يحمل في طياته الوعد والأمل للمضطهدين وايضاً الويل والوعيد لأمريكا البيضاء أحياناً .. فلا غرو أن كتب عنه الكثيرون وأغدقوا عليه الألقاب مثل ''نبي السود موسى'' و''نابليون الأسود'' (11) برغم الفارق الكبير في التكوين الجسماني للرجلين.. أصبح قارفي يشق طريقه وسط الجموع بصعوبة بالغة إذا دعوه ليتحدث .. وإذا اعتلى المنبر يضطر للوقوف فترة قد تصل احياناً إلى العشر دقائق ريثما يتوقف الحضور عن الهتاف والتصفيق.. وإذا بدأ يتحدث أو يلقي احدى قصائده النارية الغاضبة خيم على المكان صمت القبور.. وكان إذا أنهى حديثه حملوه على الأكتاف وانصرفوا تاركين وراءهم بقية المتحدثين .. كانت لقارفي ملكة سحرية في اجبار الناس على الاصغاء والتزام الصمت والهدوء.. والواضح أن كل من جاءوا بعده تأثروا به وحاولوا تقليده في النهج والأسلوب حتى الذين لم يعاصروه أمثال مالكولم إكس ولويس فراخان (12).. وإن لم يكن قارفي هو أول من أطلق شعار ''العودة إلى إفريقيا'' لكنه من القلائل الذين عملوا على وضع هذا الشعار موضع التنفيذ وبصورة لم يسبق لها مثيل .. وفي ذلك كتب أحدهم يقول: ((لولا الهفوة الصغيرة التي وقع فيها قارفي في خطة العمل التي أعدها لما بقي في الولايات المتحدة اليوم أسود واحد)) (13) .. ويضيف كاتب المقال الذي لم يشأ أن يذكر اسمه: ولد قارفي ليكون زعيماً فهو قائد مطبوع وزعيم بالفطرة، وأنت ترى التصميم وقوة الإرادة في كل ذرة من قسمات وجهه.. ولعلي أذكر جيداً كلماته الأولى حيث وقف شامخاً أمام حوالى 25000 أسود تجمعوا في ساحة ماديسون سكوير قاردن ليقول: (( أينما ذهبت وسواء كان ذلك في فرنسا أو ألمانيا أو انجلترا أو إسبانيا كنت ألقى إجابة واحدة: ''ليس لدينا غرف في هذا المكان للزنوج!'')).. (( إن كل شعب من شعوب الأرض له وطن خاص به وقد آن الأوان لشعبنا المكون من أربعمائة مليون (أسود) أن يعلن للملأ أن إفريقيا هي الوطن لشعبنا.. آن لنا ان نعلن للعموم أن عهد العبودية والسخرة والرق والاستعمار لشعبنا ووطننا قد ولى وإلى غير رجعة .. اننا بحاجة لكل دقيقة وكل ثانية.. أمامنا عمل شاق وطويل من أجل تحرير إفريقيا.. نحن نطالب بتحرير افريقيا الآن في هذه اللحظة.. وإنني أكاد أرى اثيوبيا وقد رفعت يديها إلى السماء.. وأكاد أرى ملائكة السماء وقد رفعت راية الأحمر والأسود والأخضر عالية خفاقة وهي تنادي وتقول: هلموا يا رجال الجنس الأسود .. يا رجال إثيوبيا .. سيروا من خلفي .. إنه قدر هذا الجيل أن يحمل الراية ويحطم الأغلال التي تكبل افريقيا اليوم وليس غداً .. فهل تستطيعون القيام بهذا العمل؟ لقد قمتم به خلال حرب التحرير.. وقمتم به خلال الحرب الأهلية، وقمتم به خلال معارك ''مين'' و''فيردم'' وبإمكانكم أن تفعلوا ذلك الآن من أجل افريقيا الأم.. هلموا لنبدأ رحلة الصعود.. لنزرع رايتنا بأعلى القمم الافريقية.. وتخيلوا وطننا الحر الجميل الممتد من مضيق جبل طارق حتى رأس الرجاء الصالح.. دولة حرة للسود يحكمها السود بحرية.. لقد حدث ذلك بالفعل في الماضي ومن الممكن أن يحدث الآن بعزم الرجال)).. ومن أقواله المأثورة أيضاً: (( آن لنا أن نكف ونتوقف عن عبادة الابطال الذين ينتمون لأعراق أخرى.. وآن لنا أن نبدأ فوراً في تمجيد أبطالنا وشهدائنا الذين يستحقون أن نرفعهم إلى مصاف القديسين.. لقد انجبت قارتنا الافريقية أرتالاً وأعداداً لا يستهان بها من الرجال والنساء العظماء الذين قدموا، في حالتي الحرب والسلم على السواء ما لم يقدم مثله أحد من منسوبي الشعوب الأخرى .. ولم لا يكون فينا افراد من امثال روكفلر (14) وفورد (15)؟ )) .. (( يجب على السود في جميع أنحاء العالم أن تكون لهم عقيدة واحدة أساسها الثقة في النفس .. وأن تكون لهم قضية واحدة وهدف واحد ومصير واحد.. لنصنع دولتنا، الامبراطورية العرقية التي لا تغرب عنها الشمس.. لا تنسوا أبداً قضيتكم وتذكروا دائماً أننا نعمل ونخطط لارساء دعائم مملكة عرقية عظيمة تقوم على مبدأ الحرية للأفارقة في بلادهم وخارجها وأن تكون افريقيا للافريقيين)) (16).. واختار قارفي لامبراطوريته راية تحمل ألوان: الأحمر رمزاً للدماء التي سالت كشلال نهر، الأخضر رمزاً للأرض البكر.. الاصفر رمزاً للذهب الذي سرقوه والأسود رمزاً للشعوب الإفريقية.. وفيما بعد تم حذف اللون الأصفر وان كانت معظم دول القارة الإفريقية ما تزال تعتمد بعض هذه الألوان أو جميعها كشعارات لها.. واختفى قارفي عن الأنظار في 1927م إثر طرده من الولايات المتحدة بعد أن أمضى فترة في السجن، وبقي صدى الصوت المغنى يتردد في كل مكان .. وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي أطلق المغني ذائع الصيت بوب مارلي (17) الأغنية المشهورة التي تقول كلماتها: لا يمكن أن أنسى - بحال أنهم باعوا ماركوس مقابل حفنة أرز ويجب ألا تنسى أنت أيضاً - بأي حال من أنت وأين تقف في ركب النضال I will never forget, no way'' They sold Marcus for rice.. So don't you forget, no way Who you are and where you Stand in the struggle إنه نفس السؤال الذي أطلقته مارتا لي (1 وما يزال صداه يتردد في دواخل معظم أفراد الكتلة السوداء ولا يجدون إجابة شافية عليه ألا وهو: ''من نحن؟ وهل نظل للأبد شعباً بلا وطن؟''. وفي العام 1927م وتحديداً قبل ستة أشهر فقط من طرده وترحيله إلى جامايكا كتب عنه كيلي ميللر (19) قائلاً: (( هذه باختصار هي قصة ماركوس قارفي الذي حاولوا وبشتى السبل إسكاته فسجنوه وعذبوه وطردوه وشردوه)). وفي السابع عشر من أغسطس 1997م خرجت جامايكا عن بكرة ابيها إحياء لذكرى قارفي واحتفالاً بمرور قرن من الزمان على ميلاده كما أصبح هذا التاريخ عطلة سنوية رسمية في العديد من الدول الإفريقية ودول الكاريبي..
Quote: وفيها عمل مع المؤلف المصري ديوس محمد علي الذي كان يشرف على تحرير مطبوعتي African Times والـ ''.. Orient Review" وخلال هذه الفترة بدأ اهتمام قارفي ينصب حول أوضاع الزنوج في الولايات المتحدة خاصة بعد قراءته كتاب: Up from Slaveryالتحرر من العبودية'' الذي حكى فيه بوكر واشنطن قصة حياته(6)..
هو محمد علي دوسة السوداني الأصل ..
Quote: وفي صيف 1914م عاد قارفي إلى جامايكا وقد اختمرت في ذهنه فكرة توحيد جميع الشعوب السوداء وأن تكون لهم دولة خاصة بهم وحكومة منهم وفيهم.. وفي جامايكا بدأ قارفي يبشّر بمولد عالم جديد لا يكون السود فيه عبيداً مسخّرين بل تكون لهم السيادة والقيادة والمساهمة الفاعلة في إثراء الحضارة الإنسانية..
فكرة الوحدة الافريقية ..و تاليأ فكرة الاتحاد الافريقي .. وسنعود لهذ النقاط مرة أخري ...
Quote: الملك الأسود وفي العام 1916م وقبيل صعوده إلى ظهر المركب الذي حمله إلى أمريكا بلحظات تحدث قارفي إلى الاصدقاء الذين جاءوا لوداعه قائلاً: ( ارنوا بأبصاركم شرقاً فهناك في قارتنا الإفريقية سيتم قريباً تتويج ملك اسود .. هذا الملك سيكون هو المنقذ لشعبنا الصابر المكافح).. كان ذلك هو الحلم الأول..
من المفارقات ان هذه النبوءة التي ذكرها و التي تحققت بشكل ماأرخت لنهاية الحركة القارفية مفسحة المجال لبزوغ الحركة الراستافارية ..
05-28-2006, 05:41 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
الخطوط المركزية لأفكار ماركوس قارفي تتلخص في الآتي :
1/ أفريقيا للافارقة 2/ عودة شتات الأفارقة الي افريقيا 3/ خلق عقيدة تجمع الجنس الأسود .. 4/تحرير افريقيا و توحيد القارة ..
وقد أحدثت افكاره هذه صدي و أثرأ بعيدأ لدي تنظيمات الحركات الدينية و السياسية للسود علي مستوي القارة الافريقية و في الشتات بصورة أكبر .. و احدث ثورات فكرية ودينية فعلي المستوي الديني كان تلاميذه يقفون وسط الجموع الهائلة و يقومون بتمزيق الصور التي تجسد المسيح كشخص أبيض وهم يهتفون :
They said :Jesus was a white .. what a damn lie Jesus was a black
و في تلك اللحظات كانوا يرفعون صورأ تمثل المسيح في شكل انسان أسود .. في اجتماعاتهم كانوا يركزون علي ان الانسان الابيض فرض عليهم ..طريقة الغناء و طريقة الحديث ..حتي طريقة العبادة ..فلابدّ من التحرر و الثورة علي هذه المفاهيم ..
أنه طريق البحث عن الاله الأسود ..بعيدأ عن أرض بابل (عالم الانسان الابيض)..
و نعود لننقب مرة اخري في سيرة ماركوس قارفي و ذلك عبر قراءة الدكتور محمد عبده يماني علي صفحات جريدة المدينة ..
في هذه الحلقة أتحدث عن المنظمة العالمية لتقدم الزنوجUniversal Negro Improvement Association : أو (UNIA) التي أسسها ماركوس قارفي في 1916م بعد وصوله الولايات المتحدة بفترة وجيزة(1) كما أسس معها في نفس الوقت رابطة الشعوب الإفريقية.. بدأ قارفي تنظيمه الجديد بمجموعة من ثلاثة عشر فرداً كان يلتقي بهم في شقة صديق له بحي هارلم لكن وخلال شهرين فقط ارتفع العدد ليصل إلى حوالى 1500 عضو(2). وان كانت الـءةخص ليست أولى المنظمات الكبرى التي قامت كرد فعل للاضطهاد الذي يلقاه السود في أمريكا الا انها تعتبر -وبلا جدال- المنظمة الوحيدة بين المنظمات الكبرى التي لم تقم على أسس دينية.
كان الهدف الأساسي لهذه المنظمة كما جاء في ميثاقها هو:
''توحيد الأمة السوداء المبعثرة والعمل على تطويرها والنهوض بها لتحتل مكانها اللائق بين الأمم'' وجاء في البيان الرسمي الذي أصدرته الحركة عند تأسيسها: ((من اجل تحقيق الوحدة والاخوة العالمية بين أفراد عرقنا.. ومن اجل تقوية روح الكبرياء والعزة والحب فيهم.. ومن اجل استعادة المضللين منهم.. ومن اجل تقرير حق المصير واستقلال كل الدول الإفريقية.. ولتأسيس الجامعات والكليات والمدارس الثانوية لتثقيف وتعليم أبناء وبنات عرقنا القوي.. ولتأهيلهم للمساهمة الفاعلة في ميادين التجارة والصناعة الدولية.. من اجل كل ذلك أدعوكم اخوتي للانخراط في هذه الحركة))(3).
وأكد قارفي على هذا الهدف مجدداً في أول مؤتمر عالمي عام عقدته الحركة عام 1920م عندما قال:
((اننا ومنذ هذه اللحظة المجيدة في تاريخ شعبنا نعلم توحيد الأربعمائة مليون زنجي المبعثرين في شتى أنحاء العالم تحت راية منظمة واحدة.. وان هذه المنظمة سترفع راية الحرية في سماء القارة الإفريقية.. فإذا كانت أوروبا للأوروبيين فان إفريقيا ستكون موطناً لكل الشعوب السوداء.. اننا نعلن هذا امام الملأ ونحن نعني ما نقول)).
05-29-2006, 04:44 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
وكان من الوسائل التي أعدها لتحقيق الاخوة العالمية وتقوية روح العزة والكبرياء في أوساط الزنوج ان بدأ في إصدار صحيفة ناطقة بلسان الحركة أطلق عليها اسم (عالم الزنوج) Negro World وكانت تطبع بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية ووصل توزيعها إلى اكثر من مائتي الف نسخة في اليوم كما استطاعت ان تصل إلى أبصار الزنوج في شتى أنحاء العالم، مذكرة إياهم بتاريخ أجدادهم وممجدة لهم الأبطال السود الذين قدموا أرواحهم رخيصة من اجل الحرية لكل السود المستضعفين والمضطهدين ومصورة لهم حضارتهم التي سادت العالم في فجر التاريخ حينما لم يكن البيض شيئاً مذكوراً كما يقول قارفي. وفي خطابه امام الحشد الهائل من اتباعه في ساحة ماديسون سكوير قاردن Madison Square Garden بنيويورك في ربيع عام 1924م، أكد قارفي على بعض الأهداف التي قامت من اجلها حركته قائلاً:
((هذه المنظمة تمثل آمال وتطلعات الصفوة وما نرمي له هو ان نجد لنا مكاناً بين الأمم.. نحن لا نريد ان نعكر صفو الآخرين ولكن نريد ان نضع أثقالنا ونريح ظهورنا المتعبة وأقدامنا قرب ضفاف نهر النيجر.. نتغنى بأهازيجنا العذبة المعتقة ونرفع الضراعات إلى رب إثيوبيا ان يبارك لنا في وطننا))(4).
05-29-2006, 04:53 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
ولقد أراد قارفي ومنذ بداياته ان يكون زعيماً عالمياً يقف مع الحق أينما كان ويدافع عن المظلومين وحق الشعوب في تقرير مصيرها والسيادة على أراضيها وفي ذلك كتب ديفس وبيتر:
''مازلت اذكر تماماً وقفته وكلماته خلال أول اجتماع رسمي لأعضاء الحركة وممثليها.. فحينما بدأ يبحث عن برقية التهنئة التي بعث بها إلى ايمون دو فاليرا رئيس جمهورية ايرلندا كان يتحدث بعفوية وكانت كلماته على ما اذكر كما يلي: مهلاً انتظروا دقيقة.. سأبحث في أوراقي وسأجد نسخة منها اقرأها عليكم.. ها هي.. تقول البرقية:
((أصالة عن أنفسنا نحن الـ25.000 زنجي، المجتمعين في ماديسون سكوير قاردن.. ونيابة عن الأربعمائة مليون زنجي المبعثرين في هذا العالم.. نرسل لفخامتكم التحايا والتهنئة بصفتكم الرئيس لجمهورية ايرلندا.. ونرجو ان تتقبلوا مؤازرة زنوج العالم لكم ومساندتهم لقضيتكم.. نحن نرى ان ايرلندا يجب ان تكون حرة كما ستكون إفريقيا حرة لزنوج العالم.. قف.. واصلوا النضال من اجل ايرلندا الحرة))، ويمضي إلى القول:
((نحن أحفاد شعب عانى الكثير وما يزال يعاني.. وقد عقدنا العزم على ان نضع حداً لهذه المعاناة.. يقولون: إن الإنسان الأسود هو سلالة شعب جاهل متخلف.. انهم لا يعرفون اننا صناع الحضارة.. ربما كان ما يزعمونه صحيحاً منذ عدة سنوات خلت لكنه لم يعد صحيحاً اليوم.. قبل خمسة وخمسين عاماً تم عتق الرقيق في هذه القارة من ربق العبودية.. ونحن نعلنها اليوم صريحة للعموم.. ان كل حق كفله القانون للرجل الأبيض في هذا العصر هو حق مشروع أيضاً للسود.. وسنبدأ الآن في تنظيم الأربعمائة مليون زنجي الموجودين على امتداد العالم تحت راية منظمة واحدة ترفع راية الحرية فوق هضاب قارة إفريقيا العظيمة.. نحن لم نقترف ما يستحق ان نعتذر عنه ولن نعتذر لأحد.. لا طمع ولا رغبة لنا فيما يخص الآخرين على الرغم من ان الآخرين ظلوا وعلى الدوام يعمدون لحرماننا من حقوقنا ومكتسباتنا.. اعرف اننا سنختلف فيما بيننا.. ربما نختلف في كل خطوة على امتداد هذا الطريق.. ولكننا سننتصر في نهاية المطاف.. وسنبدأ بصياغة الوثيقة التي توضح حقوق الزنوج ثم اعداد الميثاق أو الدستور الذي ينظم حياة ومصير الأربعمائة مليون زنجي.. ان ميثاق الولايات المتحدة الأمريكية يعني ان كل أمريكي ابيض يجب عليه ان يجود بدمه دفاعاً عن الميثاق والدستور.. وميثاق العرق الزنجي سوف يعني ان على كل زنجي ان يضحي بدمه دفاعاً عن ميثاقه.. وإذا كانت أوروبا للأوروبيين فسوف تكون إفريقيا للسود في مختلف أنحاء العالم.. انني ومن هذا المنبر أطلق شعار العودة إلى إفريقيا)). وفي اليوم الختامي للاجتماع التنظيمي للحركة الذي دام ثلاثين يوماً وحضره اكثر من ثلاثة آلاف وفد من ممثلي الحركة والمتعاطفين معها من مختلف أنحاء العالم، تزينت قاعة الحرية في الشارع رقم 138 بحي هارلم بالأعلام والزينات.. وفي ذلك اليوم أعطى الممثلون الذين جاءوا من إفريقيا وجزر الكاريبي وبرمودا بالإضافة للمقيمين في الولايات المتحدة الإجازة النهائية لإعلان حقوق الإنسان الأسود.. كان ذلك يوماً مشهوداً في تاريخ الشعوب السوداء.. حيث تم إعلان تأسيس جمهورية إفريقيا الجديدة وانتخاب قارفي بالإجماع كأول رئيس لعموم القارة الإفريقية..
05-29-2006, 05:00 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
وفي مساء نفس اليوم وقف قارفي في بزته الأرجوانية المهيبة المزينة بالشارات والنياشين وبدأ يتلو مواد إعلان حقوق الإنسان الأسود والتي وصلت في مجموعها إلى أربع وخمسين مادة. ولعله من المفارقات ان جاءت المادة الأولى من مواد هذا الإعلان تحمل نفس الكلمات والعبارات التي استهل بها توماس جيفرسون وثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة عن التاج البريطاني والتي تقول:
((وحيث ان جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الحقوق... الخ))..
اما المقدمة للإعلان فقد جاءت على النحو التالي:
((نحن ممثلو الشعوب السوداء بمختلف أنحاء العالم بعد التوكل على الرب القوي العادل.. نعلن للعموم انه واعتباراً من هذا اليوم فإن جميع الزنوج المنتشرين بكافة أرجاء المعمورة رجالاً ونساء وأطفالاً.. اصبحوا مواطنين أحراراً وأبناء لإفريقيا، القارة الام والوطن المفدى لكل الزنوج))(5). كما تضمنت وثيقة الإعلان فقرة على قدر كبير من الأهمية تقول: ((ونحن إذ نفعل ذلك نعلن أيضاً انه لا يجوز لاي زنجي ان يشارك في حرب دفاعاً عن مصالح اي شعب آخر بدون الموافقة المسبقة من زعيم الشعوب الزنجية الا في حالة الدفاع عن النفس أو المصالح القومية.. ونحن إذ نعلن ذلك نؤكد على حق كل زنجي في الحصول على العدل والمساواة امام جميع المحاكم وفي اي بلد كان.. وإذا حرم اي مواطن اسود من هذا الحق بسبب لونه أو عرقه فإن هذا الحرمان يعد إهانة لعموم الزنوج وعليهم جميعاً ان يهبوا للرد عليها بالمثل أو استنكار مثل هذا التصرف وشجبه كأقل شيء))(6).
ولم يكتف قارفي بإطلاق الشعارات الرنانة وحث الزنوج على العمل الجاد المنظم لاسترداد حقوقهم السليبة.. بل راح يؤكد في جميع خطاباته على أهمية النجاح باعتباره قوة لا تعادلها قوة.. وضرورة ان يكون نجاح الفرد في خدمة أمته والعكس صحيح.. ويرى قارفي ان من يملك الثروة هو الذي يملك مفاتيح القوة، والقوة في مفهومها الأمريكي عنده هي العدل والمنطق.
وبعد الإجراءات التنظيمية التي قام بها ولضمان استمرارية صحيفة عالم الزنوج Negro World اشترى مطبعة أطلق عليها اسم ''مطبعة الزنجي العجوز Old Negro Press كما أسس شركة النجم الأسود للنقل البحري ,Black Star line steamship company وكان الغرض من إنشاء هذه الشركة إعادة زنوج العالم الجديد إلى إفريقيا وجعل دولة ليبيريا قاعدة ومحطة ترانزيت تستقبل أفواج الأفارقة العائدين من الدنيا الجديدة.. ومعروف ان المحاولة الأولى لإعادة السود من أمريكا إلى إفريقيا قام بها بول كوفي عام 1815م عندما أرسل مجموعة من 38 زنجياً بحراً إلى سواحل إفريقيا الغربية(7)، فيما شهد العام 1861م ترحيل أول مجموعة من السود من فلادلفيا إلى هاييتي وكان عددهم حوالى ألفين.
05-29-2006, 05:03 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
كان قارفي يعتقد انه وما لم تتحرر إفريقيا من دنس الاستعمار فليس هناك اي امل للزنوج في الحصول على الحرية والمساواة.. وفي العام 1923م بدأ تشغيل شركة (النجم الأسود) بعد ان اشترى أربع بواخر عابرة للقارات كما أسس شركة ,The Negro Factory Corporation وكان عدد أعضاء المنظمة قد ارتفع إلى اكثر من مليوني عضو في الولايات المتحدة وخارجها.. ثم أرسل قارفي بعثة إلى ليبيريا قوامها خمسة عشر فرداً من الفنيين.
الا ان الأعمال والمشاريع التجارية لقارفي لم تحقق النجاح المنتظر وذلك بسبب سوء الإدارة وقلة الخبرة وبعض الصعوبات الأخرى.
لكنه استطاع وخلال فترة وجيزة ان يؤسس العديد من الهيئات والمؤسسات الدينية والتجارية والاجتماعية والأكاديمية.. فأسس الكنيسة الإفريقية الأرثوذكسية والرابطة الإفريقية العالمية Universal African legion ثم شركتي الصقور الطائرة السوداء Universal African Motors Corporation dGh Black flying Eagles (الشركة الإفريقية العالمية للسيارات) وغيرها.
كان قارفي يعرف انهم لن يتركوه طويلاً في أمريكا وقد المح إلى ذلك خلال لقاء جماهيري بالعاصمة الأمريكية واشنطن حيث قال:
((القضية بدأت في أمريكا لكنها لن تنتهي هنا على اية حال)).
05-29-2006, 05:12 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
وفي العام 1924م انشأ الاتحاد السياسي للزنوج كهيئة سياسية تعبر عن وجهة نظر الزنوج وتعمل على توحيدهم سياسياً.. وخلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في الولايات المتحدة عام 1924م اصدر قارفي قائمة بأسماء المرشحين المعتمدين من الحركة الذين يجوز للأعضاء التصويت لهم سواء كانوا مرشحين لرئاسة الدولة أو الكونجرس الأمريكي.. وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية اظهر تأييداً قوياً لكالفن كوليدج مرشح الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة.. وعلى غير المتوقع فقد ساند قارفي المرشح الأبيض للكونجرس الأمريكي عن دائرة نيويورك مفضلاً إياه على المرشح الأسود الذي كان يمثل حي هارلم.
كما وقع قارفي في خطأ فادح عندما ربط النشاطات السياسية والاجتماعية بالأعمال التجارية والاستثمارات.. ومع انه كان يعتمد أساساً على تبرعات الأعضاء في تمويل المشاريع الاستثمارية وتغطية الرواتب والمصروفات فقد سارت الرياح على غير ما تشتهي سفنه، إذ ساءت الأوضاع المالية بسبب الاخفاقات المتتالية التي تعرضت لها الشركات الاستثمارية التابعة للحركة وألقت هذه المشاكل المالية بظلالها على الحركة.. فأصبحت هناك صعوبة في الوفاء بالالتزامات والرواتب للمئات من العمال والموظفين والإداريين، ناهيك عن أعضاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الإفريقية التي كان قد شكلها عام 1920م وجعل وزراءها يؤدون القسم أمامه، بل وعين ممثلاً لها في عصبة الأمم.
كان الراتب المخصص لقارفي باعتباره الرئيس العام للدولة الإفريقية الموحدة بمعدل 22.000 دولار في العام اما أعضاء المجلس التنفيذي الأعلى (وعددهم 18 عضواً) فكانت رواتبهم ما بين 3000-10.000 دولار في العام(.
05-29-2006, 05:26 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
Quote: وفي هذا الخضم وقد بدأت الأزمات تطل برأسها وحاصرته المشاكل المالية من كل جانب.. وجدت الحكومة الأمريكية الفرصة التي كانت تنتظرها للتدخل والقضاء على قارفي وحركته قبل ان يستفحل أمرها.. فتم تقديمه للمحاكمة في القضية المشهورة: الولايات المتحدة ضد ماركوس قارفي.. ووجد نفسه متهماً بالنصب والاحتيال وإساءة استخدام البريد الحكومي. كان كل شيء مرتباً على ما يبدو وكان قرار الإدانة والعقوبة جاهزين فلم تستغرق المحاكمة وقتاً يذكر.. وفي الثامن من فبراير 1925م (العام الذي ولد فيه مالكولم إكس) تم حجز قارفي بسجن أطلانطا في جورجيا. وفي السجن كتب قصيدته المشهورة ''مأساة العدل الأبيض The Tragedy of White Justice كما بعث برسالة إلى اتباعه كتب فيها: (( إذا قدر لي ان أموت بسجن أطلانطا فاعلموا ان ذلك سيكون إيذاناً ببداية عملي ورسالتي لأنني سأعيش لأرى اليوم الذي تحطم فيه إفريقيا أغلالها وتحقق مجدها.. وإذا مت فاربطوا حول نعشي الراية التي تحمل ألوان الأحمر والأسود والأخضر ذلك انني سأنهض في الحياة الأخرى الجديدة.. لأقود الملايين السوداء صعوداً إلى القمم ونحن نحمل الألوان التي تعرفونها جيداً.. ابحثوا عني ما بين الزوابع والأعاصير.. ابحثوا عني في كل مكان حولكم.. وبمشيئة الله سوف احضر واحضر معي ملايين لا تعد من الزنوج الذين ماتوا في أمريكا وبغرب جبال الانديز، والملايين القادمين من إفريقيا.. لمؤازرتكم في القتال من اجل الحرية والعدل والكرامة))(9).
لكن كوليدج(10) لم ينس الجميل الذي صنعه معه قارفي خلال حملته الانتخابية فاصدر في أواخر العام 1927م امراً بالعفو عنه.. وفي ديسمبر من نفس العام تم ترحيل قارفي إلى بلده الأصلي (جامايكا) باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه.
رجع قارفي إلى موطنه حزيناً ومثقلاً بالإحباط وخيبة الأمل.. ولعل اكثر ما ساءه وآلمه هو تنكر الأصدقاء وتخلي الصحاب عنه في محنته فلم يجد من يقف إلى جانبه الا الرئيس الأمريكي كوليدج.
05-29-2006, 05:30 PM
محمدين محمد اسحق محمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813
أدرك قارفي ان المهمة التي انبرى لها دونها عقبات كثيرة وان الوقت كان ما يزال مبكراً جداً لتحقيق حلم الوحدة الإفريقية.. ذلك ان تحرير الشعوب السوداء وحصولها على الاستقلال ومن ثم حقوقها المدنية هما الأولوية التي يجب ان تتحقق قبل التفكير في الوحدة السياسية.. اخفق قارفي لان أحلامه كانت اكبر كثيراً من الوسائل المتاحة ولانه ظهر في وقت كانت وسائل الاتصال المحلية والعالمية ما تزال ضعيفة.. ولو انه وضع خطة مرحلية متدرجة لتوحيد الزنوج في منطقة نيويورك أولاً ثم الولايات المجاورة وهكذا لحقق نجاحاً اكبر.. وعموماً فقد عاد للظهور مرة أخرى عندما قرر ان يخوض الانتخابات المؤهلة لعضوية المجلس التشريعي لجامايكا البريطانية.. وربما كان ذلك القرار مفاجئاً للكثيرين باعتباره لا يتناسب وطموحات قارفي ومع ذلك فقد حدث ما لم يكن في الحسبان.. فخلال حملته الانتخابية تم اعتقاله في أكتوبر من عام 1929م وصدر عليه الحكم بالسجن ثلاثة اشهر بسبب تصريحاته التي انتقد فيها النظام القضائي واتهامه لبعض القضاة بالعمالة والرشوة والفساد.. وبعد خروجه من سجن Spanish Town`dG كتب رائعته التي وصف فيها جامايكا بأنها المكان الذي لا يفوقه فظاعة الا الجحيم، وهي القصيدة التي حملت اسم The Place Next to Hell
وعاد قارفي للانزواء بعيداً عن مسرح الأحداث إذ ضاقت جامايكا به ذرعاً وضاق بها.. وفي العام 1931م قام بزيارة إلى إنجلترا ومكث هناك فترة ثم عاد اليها في منتصف الثلاثينيات عندما قرر الاستقرار بالعاصمة البريطانية.. وهناك حاول جاهداً إحياء المنظمة العالمية لتقدم الزنوج UNIA الا ان محاولاته لم تحقق نجاحاً يذكر.. وفي العام 1940م توفي قارفي قبل ان يحقق حلمه الكبير وكان ذلك هو التوقع الثالث الذي يصيب فيه حيث قال وهو في ذروة مجده عام 1924م: ((اعرف انني قد لا أعيش لأرى الحلم وقد اصبح حقيقة ماثلة لكن الكلمات التي أطلقتها من على هذا المنبر (منبر قاعة الحرية في نيويورك) سوف ترددها الأجيال القادمة وسوف يرفرف في يوم ما على الأركان البعيدة المظلمة للقارة السمراء اللواء الذي يحمل الأحمر والأسود والأخضر عالياً خفاقاً).
وهكذا مات الرجل الذي ادعى في يوم ما انه سبق هتلر وموسوليني في فكرة القومية العرقية التي تكون لها السيادة على العالم (11).. وحتى الآن فإن الملتزمين من اتباعه يشيرون اليه باسم قديسان Our Saint وهؤلاء لهم نشاط ملموس في حي هارلم وشيكاغو وبعض المدن الأمريكية الأخرى الا ان المنظمة التي أنشأها أصبحت ضعيفة وممزقة.. ثم ظهرت في نيويورك حركة ''القومية الإفريقية الرائدة'' بزعامة كارلوس كوكس، وما يزال أنصار هذه الحركة يقيمون الاحتفالات والقداس إحياء لذكرى قارفي في شوارع هارلم ويحاولون جمع المال اللازم لبناء قاعة ضخمة في نيويورك تحمل اسم قارفي.. ومما يجدر بالذكر ان مؤسس هذه الحركة القومية الجديدة -والذي أراد ان تكون امتداداً للـ UNIA يعتبر من اشد المعارضين لاستخدام كلمة Negro في الإشارة للسود ذلك باعتبار انها تنطوي على إهانة وتحقير لهم.. لكن كوك سار على نهج قارفي فيما يتعلق بالتعاليم الدينية، وكان قارفي قد جعل للمسيحيين السود الهاً اسود خاصاً بهم ومسيحاً اسود وعذراء سوداء وجعل الحركة تحت مظلة رئيس روحي اسود هو الأب جورج، كما طلب من أعضاء الحركة التحلي بالأخلاق المسيحية الرفيعة بعيداً عن نفاق كنائس البيض.. وسوف نرى في الحلقات المقبلة من هذا ان غالبية الإفرو أمريكانز ما يزالون أسرى لهذه الأفكار ولم يسلم من ذلك حتى الكثير من المسلمين الأمريكيين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمدين محمد اسحق
نصار
.. كان ذلك هو الحلم الأول..
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست