سؤال هل كل الشماليين جلابة

Quote: تعريف الجلابة: كثر في الاونة الاخيرة تداول مصطلح (الجلابة) في القاموس السياسي السوداني , وقد شاع قديما استخدام كلمة جلابي في هوامش الغرب في كردفان ودارفور, وان هنالك ثمة اجتهادات لتعريف هذا المصطلح . لغويا من جلب الشئ اي احضره او نقله , ففى المنظور الاقتصادي ان الذي يجلب البضاعة الى البلد بغرض التجارة فهو جلاب واحيانا يقال له مورد , وفي هامش الغرب يطلق لفظ الجلابة للتجار الذين يجلبون مختلف البضائع بغرض بيعها في تلك المناطق الهامشية النائية عن المركز, وورد لفظ الجالب في الفقه الاسلامي في محور فقه التجارة لتحريم الاحتكار فقد استدل عدد من الفقهاء بأحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم :" الجالب مرزوق والمحتكر ملعون" وحرية تجارة الجلب او التوريد وغيرها من الانشطة الاقتصادية مكفولة لجميع البشر من قبل الخالق في هذه البسيطة , في قوله تعالى ( هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فأمشوا في مناكبها وكلوا من زرقه واليه النشور) صدق الله العظيم . خلفية تاريخية: ثمة ظروف تأريخية ساهمت في نشؤ هذه المجموعات ففي عهد حكم المهدية , تكونت معارضة سياسية من الذين سموا انفسهم( اولاد البحر) والذي نبع عن رافد عقدة التفوق والنقاء العرقي , في مقابل الذين نصروا المهدية وضحوا بأرواحهم من اجل تحرير السودان من الاستعمار الاجنبي , تطورت المعارضة لتكون حليفا للقوى الامبريالية في الداخل اي ما سمى بالطابور الخامس , ساهمت في اضعاف النظام المهداوي من الداخل , الى ان اعطت الاشارة بالتحرك عسكريا للقضاء على الدولة السودانية المستقلة , وشاركت المعارضة مع القوات الغازية , الى ان انهارت الدولة بعد ان قدم ابطال السودان ملاحم سطرها التاريخ في كرري . فالمعارضة التي تحالفت مع المستعمر الانجليزي استمرت في تعاونها بتوطيد دعائم الحكم في تكريس القهر والبطش والتنكيل , وبالتالى لعبت دور الوكيل في ارساء قواعد المشروع الغربي الراسمالى لاستنزاف ثروات السودان , فاولى المشاريع الاقتصادية الامبريالية في السودان مشروع الجزيرة , هذا المشروع اعتبر من اكبر المشاريع الزراعية في العالم آنذاك , قامت في استغلال الطاقات البشرية من اهل الهامش الذين قاوموا الزحف الاستعماري في غرب السودان وجنوبه وشرقه , فادخلتهم في غيتوهات عرفت ب(الكامبس) وهي معازل العبيد في اقطاعيات الامبريالية والراسمالية التي تحالفت معها , والغريب ان تلك المعازل ما زالت باقية حتى الآن في دلالة واضحة ان اولئك الابطال الاحرار الذين استعبدتهم القوى الاستعمارية لم يتحرروا بعد. تمددت الطبقة الراسمالية (الجلابة) الى هوامش السودان الغربية والجنوبية ونهبت خيرات المهمشين عبر احتكاراتها التجارية, و(الجلابة) كما عرفهم اهل الغرب تجار تحت مظلة السلطة الاستعمارية القائمة آنذاك , وبعد الاستقلال المشكوك في امره , استمرت سيطرة( الجلابة) حلفاء الاستعمار في الداخل على الحياة الاقتصادية , وهنا لانستطيع القول بأن كل التجار الذين سموا انفسهم بالراسمالية الوطنية آنذاك بأنها سيئة , لان من بينها افرادا ظلوا محل تقدير المهمشين حيث ساهم نفر كريم منهم في دعم التعليم بتشييد مدارس للتعليم في الهامش , الا ان الغالبية العظمى من (الجلابة) عرفت بالجشع والطمع . الجلابة من منظور اجتماعي: المفهوم السائد عن (الجلابة) في مجتمع الهامش السوداني , انها ترمز الى اهل الشمال والوسط النيلي , وكذلك كل من كان لونه فاقع السمره يقال له جلابي , وفي الجنوب يقال لهم( موندوكور شكل المنقه) , صحيح ان الجلابة افرزت طبقات من النخب السياسية والعسكرية والاكاديمية التي حكمت البلاد لاكثر من نصف قرن , من بينها مجموعات اثبتت بأنها وطنية تطلعت الى بناء هذا الوطن الا ان حظها في المشاركة كانت ضعيفة , وبالتالي استفادت دولا اجنبية من خبراتهم في مختلف المجالات الاكاديمية منها والعملية , واصبحوا اعلاما في دول المهجر. والشئ المهم في هذه الزاوية ادخال البعد القبلي والعشائري في الحياة السياسية السودانية , في عهد الاستعمار لعبت الادارة الاهلية دورا كبير في توطيد حكم الاجنبي , وبعد الاستقلال المزعوم استمرت القبيلة تلعب ذات الدور , واصبح التوظيف والمشاركة في مؤسسات الدولية ترتكز على الولاء القبلي اكثر منها على الكفاءة المهنية والاكاديمية , على سبيل المثال هنالك بعض المؤسسات العسكرية والوزارات السيادية حكرا على قبائل بعينها وهي معروفة ولا داعي لذكر اسماء تلك القبائل , لان المجموعات المحتكرة للسلطة والثروة (الجلابة) يمكن ان تكون افخاذا او عشائرا وبيوتات في تلك القبائل لذا ليس من العقل ان نعمم الخطاب . ولكن يسأل البعض لماذا نطلق لفظ الجلابة على اهل الشمال والوسط النيلي دون سواهم من اهل السودان؟ جاء اطلاق اللفظ من جراء اقحام المجموعات المحتكرة للسلطة والمال والاعلام(الجلابة) لقبائلها في المعترك السياسي لتشكل السند القبلي التي تحميهم وتعزز دورهم في حكم البلاد , ولتقوية فرص الحماية القبلية استغلت الاعلام الرسمي والشعبي في نشر ثقافة احادية وتمجيد بطولات القبيلة باعتبارها تمثل اللحمة في المجتمع السوداني , في مجتمع متعدد الثقافات والاعراق والديانات وهذا التباين نلاحظه حتي في التضاريس والمناخ , لذا فان التمادي في تكريس الجهوية والقبلية من قبل نخب (الجلابة) سيؤدي الى تلاشي دولة السودان من الخارطة السياسية العالمية , وستقوم على انقاضها دول القبائل السودانية على النحو التالى دولة في اقصى الشمال (دولة النوبه) ودولة مابين الخرطوم وعطبرة( دولة جعل) وفي الجنوب دول الدينكا , الشلك , النوير وفي الشرق(دولة البجا) وفي الغرب دولا بإمتداد قبائلها . لذا فقبل ان تتفكك هذه الدولة فهي امانة في اعناقنا جمعينا في الشمال والجنوب والشرق والغرب وللاوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق , واجب الجميع تفكيك هذه المؤسسة الجلابوية القائمة على الاثنية الاحادية قبل ان تقوم هي بتفكيك هذه الدولة . الجلابة من المنظور الاقتصادي: ذكرنا نشأة (الجلابة) وتمددها على المستوى الاقتصادى لتجعل من خيرات السودان ريعها الدائم , ومن مشروعاتها الاقتصادية اقطاعياتها الثابتة على مدى اكثر من نصف قرن , وفي عهد الانقاذ كرست الجلابة هذا الاحتكار عبر سياسات ما عرف بتحرير الاقتصاد والخصخصة التي افرزت آثارا لا حصر لها , حيث ازداد الاغنياء من( الجلابة) غنا وازداد الفقراء من المهمشين فقرا, والفقر المدقع لشعب الهامش ادى الى شيوع ظواهر غريبة على المجتمع مما ادى الى تفكك الاسر, وانتشار الامراض الناجمة عن ممارسة الرذيلة واخطرها مرض فقدان المناعة المكتسبة (الايدز), وفي الجانب الاخلاقي ايضا ساد روح التملق والنفاق بين الناس , وازدياد فساد الرشوة في دواويين الدولة. حققت مؤسسة (الجلابة) مرادها في الجانب الاقتصادي بفضل سياساتها الكارثية على الشعب السوداني , فهي تتحدث عن تحقيق التنمية في غياب واضح للبنى التحتية التي ترتكز عليها العملية التنموية , وتتحدث عن صناعة الاسلحة والدبابات والطائرات المقاتلة قريبا , في دولة صنفت من افقر الدول عالميا حيث يقل متوسط دخل الفرد عن دولار في اليوم , وهناك اكثر من 6 ملايين لاجئ سوداني شردهم حروبها القذرة , واكثر من 4 مليون ناذح في الداخل في غيتوهات الصفيح والخيش عند اطراف العاصمة والمدن الاخرى . , ادخلت مؤسسة (الجلابة) قطاعات واسعة من المجتمع السوداني في هذا الوضع المأساوي , بما فيها بعض نخب الهامش السياسي , فأنشات بورصة لشراء ذمم القوى الفاعلة والمؤثرة , وشهدت هذه البورصة اقبالا منقطع النظير في عالم اليوم من قبل قيادات كانت تمثل محط انظارالمهمشين في اطراف ووسط السودان ,في الآخر باعت ضمائرها بأبخس الاثمان من بترودولارات السودان , باعوا قضايا التقسيم العادل للسلطة والثروة , والذي يعني ضمنيا تفكيك امبراطورية الجلابة السياسية والاقتصادية , وارتضوا لانفسهم الترف ودعة العيش وبريق سلطة هامشية زائلة لا محالة , والادهى والانكى تحول مجموعات من مثقفي الهامش وقياداته السياسية والعسكرية الى طوابير في بورصة الانقاذ السياسية في انتظار ان يقبضوا اثمان شرفهم لدى فحول (الجلابة) , لان شرف الرجل( الكلمة ) لينضموا الى الذين باعوا شرفهم من قبل , نسوا انهم وعدوا قواعدهم في الهامش بتحريرهم من الاستبداد والجور, وفي سبيل التغيير الموعود ضحى المهمشون بارواحهم الذكية فداء للقضية في دارفور وغيرها من مناطق الهامش السوداني . تمرد الهامش على مركز (الجلابة) لم يؤدي الى تحقيق عدالة تقاسم السلطة والثروة , وخير مثال اتفاقية نيفاشا للسلام , حيث ما زالت مؤسسة (الجلابة) قابضة على مفاصل الاقتصاد السوداني توجهه الى التمكين وبناء القدرات العسكرية والامنية وشراء ذمم القيادات السياسية , ولا نستبعد ان ظلت هذه المؤسسة على هذا النحو سوف تنقض عهدها في الوفاء بإلتزاماتها تجاه اتفاق الجنوب وينطبق هذا على اتفاق أبوجا الناقص , وعلى المشهمين في مدن الصفيح ومعسكرات اللجوء والنزوح وفرق الفقراء في السودان ان تبحث لها عن قيادات تؤمن بقضاياها في الحرية والمساواة لتقودها نحو الخلاص الابدي والانعتاق من قبضة مؤسسة (الجلابة.