القصيدة النثرية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 12:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-13-2005, 07:08 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: القصيدة النثرية (Re: Sabri Elshareef)

    قصيدة النثر المفتوحة: ميشو، شار وبونج

    عبدالقادر الجنابي GMT 14:30:00 2004 الإثنين 18 أكتوبر
    ترجمة وتقديم عبدالقادر الجنابي





    هنري ميشو (1899-1984) Henri Michaux
    من أصل بلجيكي، ولد هنري ميشو في مدينة نامور سنة 1899، ويرحل فيما بعد إلى بروكسل للدراسة لدى اليسوعيين. وفي العام 1920، ترك الطب ليصبح نوتيّاً في مركب ذي صاريتين. بعد فترة قصيرة، يعود إلى مسقط رأسه وسَرَعان ما يغادرها إلى باريس حيث يستقر نهائياً، لكن هذا الاستقرار لم يمنعه من السفر وقتاً تلو آخر والتجوال في أماكن بعيدة "طارداً منه وطنَه، التزاماته من كل نوع وكل ما يربطه من ثقافة هيلينية، رومانية، جرمانية أو من عادات بلجيكية". بقي غير مهتم بعالم الكتابة حتى وقع، ذات يوم من العام 1922، على "أناشيد مالدورور" للوتريامون وعلى دراسات أصدرها السورياليون تحت عنوان "قضية لوتريامون" سنة 1925. فأفلتت فيه القراءة هذه "رغبة الكتابة التي نسيها وقتاً طويلاً."

    بصفته سليل لوتريامون، يرفض ميشو أية تسمية تريد تنميط كتاباته. فهو لايخضع لنموذج فني معطى، بل أنه يجترح نموذجه الذي قد يتجلى نصاً شعرياً طويلا، قصيدة نثرية، شعراً حراً أو مطولات سردية لنقل تجارب المِسكالين، والعيش في مناطق كآسيا بين أناس غرباء. بعض النقاد يضعون بعض قِطَعه (خصوصاً هذه المنشورة في "الليل يتململ") التي كتبها "هكذا في لحظات كسل، تبعاً لحاجاته تاركاً إياها كما أتت"، في خانة قصيدة النثر المفتوحة على الهلوسة والعبث وفك اللغة من إسارها لكي يشارك القارئُ الألفاظَ في أكثر تجاربها جنوناً وهذياناً.


    عندما تؤوب الدراجات النّارية إلى الأفق

    إنّ الشيءَ الوحيدَ الذي أقدّرُه حق التقدير فعلاً هو دراجة ناريّة. أوّاه! يا لها من سيقان رفيعة، رفيعة! بالكاد تُرى.
    فهي، ونحن ننظر بإعجاب، سريعة إلى حد تكون معه عائدةً آنذاك على وجه السرعة إلى الأفق الذي لن تتركه إلاّ بسبب مكروه كبير.
    وهذا ما يدفع إلى الحلم! إلى جعل الكلاب تتبوّل حالمةً، عند أسفل الأشجار! هذا هو الذي ينوّمنا أكثر من أي شيء آخرَ، و يعيدنا دوماً إلى النوافذ، متأمّلين، إلى النوافذ، إلى الأفاق العظيمة.



    الريح

    تحاول الريح أن تفصل الموجَ عن البحر. لكن، من الواضح، أليس كذلك، أنّ الموج يتمسك بالبحر والريح بالهبوب... كلا الريح لا تتمسك بالهبوب، حتى عندما تصبح عاصفة أو زوبعة، لا تتمسك به. فهي تنزع بلا روية، بهيجان وهوس، نحو مكان ذي سكينة تامة، وهدوء، فتشعر أخيراً مطمئنة، رخيّة البال.
    كم هي غير مهتمة بالموج. سيّان عندها إن كان في البحر، على جرس، في عجلة مسننة أو على شفرة سكّينة، فهو لا يحرك فيها ساكناً. إنها تمضي حيث الهدوء والراحة، حيث تكف عن كونها ريحاً.
    على أنّ كابوسها مستمرٌ منذ أمد طويل.





    قرية المجانين

    كم بهيجة كانت فيما مضى ، واليوم مجرد قرية مهجورة. كان رجل ما ينتظر نهايةَ المطر تحت إفريز، بينما كان الجوّ قارساً، ولم يكن ثمّة أثر للمطر منذ وقت طويل.
    كان مزارعٌ يبحث عن حصانه بين البَيْض. لقد سُرِقَ منه. إنّه يوم السوق. كان عدد البيض لا يُحصى في سلال لا تُحصى. يقيناً سرق اللّصَّ بطريقة تثبط عزيمة متعقّبيه.
    في إحدى غرف البيت الأبيض، كان رجل يجر زوجته إلى الفراش.
    "هل لك في أنْ...؟" قالت له. "وإذا صدف أنّي كنت أباكَ"!
    - لا يمكنكِ أن تكوني أبي، جاوبها، بما أنّك امرأة، كما أنّه ليس لأحد أبوان.
    - رأيتْ، أنت أيضاً قلقٌ.
    خرج مُرهَقاً؛ بادره رجلٌ بلباس السهرة، قائلا له: "اليوم، لم يعد هناك ملكات. لا فائدة من الإلحاح، لم يعد..."، ثم ابتعد مهدداً.





    في الفراش

    ماذا أفعل، ما إن يتجاوز ضجري الحدودَ حتى يجعلني أفقد الصوابَ إذا لم يتدخّل أحد.
    أسحقُ جمجمتي وأبسطها أمامي أبعد ما يمكن، وما إن تنبسط كما ينبغي، حتّى أخرج فرساني. تضرب الحوافرُ بقوّة على هذه الأرضية الصلبة والضاربة إلى الاصفرار. وسرعان ما تبدأ سرايا الخيل تخبُّ. وها ثمّة رفسٌ ولبطٌ. هذا الضجيج، هذا الإيقاع الجلي والمتعدد، هذا التوقّد الذي ينفّس عن القتال والانتصار، يبهج روح هذا المُسمَّر إلى الفراش وغير القادر على الحركة نأمة واحدة.



    صراخ

    إنّ الداحوس الذي يصيب الظفر لهو عذابٌ فظيعٌ. غير أنّ الذي جعلني أتألّم أكثر هو أنني لم أستطع الصراخ. لأنني كنت في المستشفى. والليل قد حلَّ، وغرفتي كانت محصورة بين غرفتين مخصّصتين للنوم.
    رحتُ، إذنْ، أخرّجُ من دماغي صناديق كبيرة، آلات نحاسيّة وآلة أشد رنيناً من الأرغن. شكّلتُها جوقةً تصمّ الآذان، مستفيداً من القوّة الخارقة التي منحتني إيّاها الحمّى.
    حينئذ وما إن تأكد لي بأنّ صوتي لن يُسمَع وسط هذه الضوضاء، حتّى أخذت أصرخ، أصرخ لساعات مسكّناً الألم رويداً رويداً.



    ملعون

    بعد عشرة أشهر أو أكثر، سأصبح أعمى. هذه هي حياتي الحزينة، الحزينة التي تستمر.
    هؤلاء الذين وضعوني، سيدفعون الثمن، قلت لنفسي في المرة الأخيرة. لكنهم إلى الآن لم يدفعوا. في حين أنّ عليّ الآن أن أخاطر بعينيّ. ضياعهما نهائياً سيحررني من آلام فظيعة، هذا كل ما أستطيع أن أقوله. ذات صباح، ستمتلئ أجفاني بقيح كثير. كما أن الوقت الذي ستُجرى فيه فحوص لا نفع لها بالنيترات الفضية الرهيبة، سيكون كافياً للتخلص منها. قبل تسع أعوام، قالت لي أمي: "كنت أفضل لو لم تولد."



    إنسان ضائع

    لقد ضعت، عندما خرجت. وفي الحال كان قد فات الأوان على الرجوع. وجدت نفسي وسط حقل. لكن عجلات كبيرة كانت تمرُّ فيه. كان حجم بعضها أكبر منّي مائة مرة. والبعض الآخر أكبر فأكبر. وبالكاد أنظر إليها، كنت، وهي تقترب، أهمسُ على مهل، كما لو لنفسي: "يا عجلة لا تسحقيني...... يا عجلة، أتوسل إليك، لا تسحقيني...... يا عجلة، الرحمة لا تسحقيني... ". كانت العجلات قد وصلت، نازعة ريحاً قوية، ثم عادت. أخذت أترنّح. ومنذ أشهر على هذه الحال: "يا عجلة، لا تسحقيني... يا عجلة، هذه المرة هنا أيضاً لا تسحقيني..." لا أحد يتدخل! ولا يمكن أيّ شيء أن يوقف هذا. لقد بقيت هنا حتى موتي.





    رينيه شار (1907-198 René Char
    ولد رينيه شار في منطقة السورغ (جنوب فرنسا) في الرابع عشر من حزيران 1907. بعد عام على ولادته، وأبوه توفي وعمره أحد عشر عاماً. وعند صدور أول مجموعة شعرية له "مستودع" سنة 1929 التقى به إيلوار فعرفه إلى أندريه بروتون، أراغون، كريفيل. فانضم إلى المجموعة السوريالية، التي سيصبح واحداً من أهم عناصرها الصارمين في حقبة المواجهة مع ارتدادات الستالينية وشعرها المأجور المسمى في سجل التاريخ الأسود بالواقعية الاشتراكية. وقد أصدر في المنشورات التي كانت تشرف عليها الحركة السوريالية عدداً من الكتب الشعرية الصغيرة، من بينها القصيدة الطويلة "أرتين"، التي ينهيها بالعبارة التالية: "قتل الشاعرُ نموذجَهُ". جمعت أشعاره المعبرة عن انتمائه السوريالي كلها سنة 1934 تحت عنوان: "المطرقة بلا سيّد". ثم أخذ يبتعد عن السوريالية، لكنه بقي على علاقة شخصية مع ايلوار وتزارا، وحافظ على ودّ لن يتراجع عنه طوال حياته لأندريه بروتون شخصاً وشاعراً. لعب دوراً في المقاومة الفرنسية وقد خلد لحظاتها النفسية والخلقية في "أوراق هيبنوس" وفي عدد من أفضل قصائده النثرية، ضمها كتابه الخارق Fureur et mystère الذي يمكن ترجمته ب "حُمَيّا وسر" أفضل من أن يترجم بـ"هياج ولغز" أو ب "سُعْر وسر"، لأن المعنى العميق لهذا الكتاب يكمن، حسب معظم نقاده، في Fureur بمعنى الحمّى التي تنتاب الشاعر أثناء الكتابة و mystère السر الذي يكتنف كل خلق شعري.
    شعر رينيه شار بقدر ما يقيم جسراً بين النقيضين، يحافظ عليهما. وكأنه جبل أحجاره كلمات ومفازاته فقرات والمعاني تتفتح في كل أعشابه. فشار شديد اللغة وصارم الرأي: "نعرف أنّ الشاعر يخلط النقصَ والإسراف، الهدف والماضي، خلطاً يتولّدُ منه إعسارُ قصيدته. ذلك أنّه في لعنةٍ، عليه أن يتحمّلَ المخاطرَ الدائمة والمتجددة، بقدر ما يرفض، مفتوح العين، ما يقبل به الشعراء، مغمضي العين: الانتفاع من كونهم شعراء. لا يمكن أن يوجد شاعرٌ بلا هواجس مثلما لا يمكن أن توجد قصيدةٌ بلا استفزاز. يمرُّ الشاعرُ خلال كلّ الرُّتب الانفراديّة لمجدٍ جماعيٍّ حُرِمَ منه عن حقٍ. هذا هو شرط الاستشفاف والتكلّم بصورة صحيحة. وعندما يبلغ بعبقريةٍ التوهّجَ وما لم يُفسَد (أشيل، ما قبل السقراطيين، سان جوست، رامبو، هولدرلين، نيتشه، فان غوغ، ميلفيل) فإنّه يحصل على النتيجة التي نعرفها. يضيف مسحة نُبلٍ إلى قضيته متى يكون متردداً في تشخيصه ومعالجة آلام إنسان عصره؛ متى يبدي تحفّظات على الطريقة الفضلى لتطبيق المعرفة والعدالة في متاهة السياسي والاجتماعي. عليه أن يقبلَ الخطورة في أن تُعدّ بصيرته خطرةً. الشاعر جزءٌ لا يتجزأ من الإنسان المتمرّد على المشاريع المخططة. فقد يُطالب بأن يدفع ثمن هذا الامتياز أو هذا العبء مهما كان. يجب أن يعرف أنّ الأذيّة تأتي من أبعد مما نتصوّر، ولا يموت حتماً على المتراس الذي اُختير له".
    شعر شار يجوب كل الأشكال الشعرية المعطاة لكن بعين صاحية وجديدة. من الشعر الحر، إلى قصيدة النثر، ومن السرد الطويل الآلي إلى الجملة الموجزة. إذ، كما يقول، "على الشاعر، من أجل إقناع نفسه وهدايتها، أن لا يخشى من استخدام كل المفاتيح الوافدة إلى يده."
    تكمن أهمية قصائده النثرية في اعتمادها على البعد الأخلاقي للشاعر وعلى هرمسية تمنحها الكثافة اللازمة والإطار الضروري لمساعدتها على مقاومة الزمن. وإذا كانت قصيدة النثر قبل شار ترتكز على النادرة كعنصر محرك لخلق التأثير الشعري، فإن قصيدته النثرية بقدر ما تحافظ على "سرد معين حريص على تطوره الخاص به، فهي تبذل قصارى جهدها على تشويش السير المنطقي". كما أنّ شار نفسه حذرنا في الفقرة 53 من "أوراق هيبنوس": "انتبهوا للنادرة. إنها محطة قطار حيث رئيسها يكره مُحوِّلَ الخط."



    تسريح الريح

    عند سفح تلّ القرية، تعسكر حقولٌ مُمَّونة بالميموزا. بعيداً عنها، في أيّام القطاف، يحدث أن يكون لنا لقاءٌ طَيّبٌ بفتاةٍ ذراعاها مشغولتان طوالَ النّهار بالأغصان الهشّة. أشبهُ بمصباحٍ إكليلُه عطرٌ، ستذهب، دائرةً ظهرَها إلى شمس المغيب.
    الحديث معها سيكون خرقاً للمحارم.
    لها خفّ يدهسُ العشبَ، دعوها تمرّ في الطريق. قد يكون لكم حظٌّ فتميّزوا على شفتيها وهْمَ نداوة الليل.



    مآثر

    كان الصيف يغرّد على صخرته عندما ظهرتِ لي، الصيف كان يغرد على انفراد منا نحن اللذين كانا صمتاً، ودّاً، حرية حزينة، بحراً أكثر من البحر الذي كانت مجرفته الطويلة الزرقاء تتسلّى عند أقدامنا.
    كان الصيف يغرّد وقلبك يسبح بعيداً عنه. احتضنتُ شجاعتكِ، أصغيتُ إلى بلبلتك. طريق على امتداد مطلق الأمواج باتجاه قمم الزبد العالية هذه، حيث تُبحر الفضائل المبيدة للأيدي التي تحمل منازلنا. لم نكن سذّجاً. كنا محاطين.
    السنوات تمرّ. العواصف انقرضت. انصرَفَ العالم. كان يؤلمني أن أشعر أن قلبكِ هو الذي لم ينتبه إليّ. كنت أحبك. وأنا غائبُ الوجه، فارغ الفرح. كنت أحبكِ، متغيراً في كل شيء، وفياً لكِ.



    الغائب

    هذا الأخ العنيف الطبع إلا أنه كان ثابت الكلمة، متحمّل التضحية، جوهرة وخنزيراً برّياً، حاذقاً ومساعداً، يمكث في قلب سوء التفاهم كمثل شجرة صمغية في عراء البرد الذي لا يقبل الخلط. ضد عالم الأكاذيب الحيواني التي كانت تعذبه بعفاريتها الخبيثة وأعاصيرها، كان يدير لها ظهره ضائعاً في الزمن. كان يأتيكم من طرق غير مرئية، يفضل الجسارة القرمزية، لا يناوئكم، يعرف كيف يبتسم. مثل نحلة تغادر البستان من أجل فاكهة اسودت سلفاً، كانت النساء تساند من دون أن تخون تناقضَ هذا الوجه الذي لم يكن له ملامحُ رهينةٍ.
    حاولت أن أصف لكم زميلاً لا يُمحى، الذي نحن قلّة التقينا به. سننام في الأمل، سننام في غيابه، بما أن العقلَ لا يشك في أن ما يُسمّيه، باستخفاف، غياباً، يحتلُّ أتونَ الوَحْدة.



    الكوسج والنّورس

    هاأنا أرى أخيراً البحرَ في انسجامه المثلّث: البحرُ ذو الهلال الذي يقطعُ سلالةَ الأوجاع الباطلة، المَطْيَرةُ الهائجة الكبيرة، البحرُ السريع التصديق كلَبْلاب. عندما أقول: أزلتُ القانونَ، تجاوزتُ الأخلاق، نشرتُ القلبَ شبكةً، ليس لأقرّ نفسي بالحقّ أمام ميزان العدم هذا الذي تمدُّ ضوضاؤهُ سعفتَها إلى ما وراء إقناعي. لكن ليس مما رآني أحيا، أضطلعُ، إلى الآن، شاهداً على مَقرُبةٍ. يجوز إذنْ، لكتَفي أن يأخذه الكرى، لشبابي أن يُسرعَ. فمِن هذا فقط يمكن استمداد ثراء فوريّ وفعّال. هكذا، هناك يومٌ صافٍ في العام، يومٌ يحفرُ دهليزَه الرائعَ في زبَد البحر، يومٌ يعلو العيونَ لتتويج الظهيرة، أمس، كان النُّبْلُ مهجوراً، الغُصيْنُ بعيداً عن برعمه، لم يكن الكوسجُ والنّورَسُ على اتصالٍ بعضها ببعض.
    أنت يا قوسَ قزح الشاطئ الصاقل، قرّب المركبَ من رجائه، اِسعَ لأن تكون كلُّ نهايةٍ مفترضة براءةً جديدةً، سائراً محموماً يتقدّم من أجل هؤلاء الذين يتعثّرون في التثاقُل الصباحي.



    مصارعون

    في سماء الرجال، بدا لي خبز النجوم مظلما وقاسياً، ولكن في أيديهم الضيقة قرأت تطاعن هذه النجوم داعيةً نجوماً أخرى لا تزال حالمات مهاجرةً من القنطرة، جمعتُ عرَقَهن الذهبي، فتوقفت خلالي الأرضُ عن الموات.



    لماذا يطير النّهار

    طوال فترة حياتِه، يستندُ الشّاعرُ، لحظةً إذا شاء الظرْفُ، إلى شجرةٍ ما، بحرٍ، منحدرٍ، أو إلى غمامة لها صبغةٌ معيّنة. إنّهُ ليس ملتحماً بضلالات الآخر. فلِحبّهِ، وسَبْيه، وسعادته، نظيرٌ في كلّ الأماكن التي لم يذهب إليها، ولن يذهب أبداً، لدى الغرباء الذين لن يتعرّف عليهم. وما إن نرفعَ الصوتَ أمامه، أو نستحثّه أنْ يقبل التكريمات الآسرة، أو نستدعي الكواكب بشأنه، حتّى يجيبنا بأنّه من البلد "المجاور"، من السّماء التي اُبْتلِعَت توّاً.
    يبعثُ الشّاعرُ النشاطَ ومن ثم يهرعُ إلى الخاتمة.
    وإنْ، مساءً، لوَجنتهِ فجوات مبتدئٍ عدّة، فهو عابرٌ مهذّبٌ يتعجّل في تحيّات الوداع حتّى يكون هناك حينما يخرج الخبزُ من التنّور.


    عتبة

    عندما انهدَّ سدُّ الإنسان، مُمتَصاً بصدع جبّار سببه هجران الإلهي، فإن الكلمات في البعيد وهي كانت لا تريد أن تضيع، حاولت الصمود ضد الدفع الباهظ. وهاهنا حُدِّدت سلالةُ معناها.
    ركضتُ حتى نهاية هذه الليلة الطوفانية. واقفاً في الفجر المرتجف، طوقي مملوء بالفصول، أنا في انتظاركم، أيها الأصدقاء القادمون. أستشفّكم منذ الآنَ من وراء سواد الأفق. موقدي لا يكفّ عن التمني بالخير لمنازلكم. وعصاي، من خشب السرو، تضحك من كل قلبها من أجلكم.





    فرانسيس بونج (1899-198 Francis Ponge

    "عليك أولاً أن تقضي لمصلحة تفكيرك وذوقك. ثم أن تأخذ وقتك، وأن تكون لك الشجاعة، لكي تعبّر عن أفكارك بشأن الموضوع الذي اخترته ( وليس فقط عليك أن تحتفظ بالعبارات التي تبدو لك مشرقة ومُميّزة). وأخيراً أن لا تبقيَ هناك ما يُقال، وأن لا يكون هدفك أن تُغرى وتفتتن، وإنما أن تكون مقتنعاً." يرتبط اسم بونج بديوان يعتبر رئيسياً في تاريخ قصيدة النثر في القرن العشرين: "التحيّز للأشياء". وقد كتب معظمه إبان أوقات الفراغ النادرة التي كان ينتهزها عندما كان يشتغل في سفريات هاشيت في منتصف ثلاثينات القرن الماضي.
    تناول "التحيّز للأشياء" الحوائج، النباتات، الظواهر، كالمطر وسواه. بعد أن غربلها من كل شوائب الزخرفة والتنميق، تتحوّل قصيدة النثر إلى أداة لاستنطاق الأشياء التي كانت مجرد عوالم مغلقة يسقط الشاعر تأملاته عليها. إن قصيدة النثر لدى فرانسيس بونج هي مسألة فهم ظاهرة اللغة عبر مواجهة عملية وحقيقية مع مشاكل التعبير. فمشروع بونج لا ينصبّ على كتابة قصيدة عن "غابة صنوبرية بقدر ما يريد أن يتوسع في معرفة هذه الغابة وما تنطوي عليه من تعبير وخصوصية. وإذا كان الشاعر الحديث يستمد صوره، صدمته الشعرية، مما يطفو على سطح اللاوعي، فإن بونج كان يغطس في قعر القاموس ليأتي بأوابد لغوية، بألفاظ يفكك جذورها بغية استنطاق الشيء المُستهدف نصاً شعرياً. وها هي الجوامد التي تحيط بنا سواء في المطبخ، في السيارة أو في غابة، تطالبنا بالانحياز إلى إيقاعها وكأن لها تاريخ وذاكرة، بل سفر تكوين – مَثلُها الطقسي الذي تستمد منه حكمتها في الحياة مع البشر. وقد أصبح فرانسيس بونج في فترة ما يسمى "شاعر الفلسفة الظاهراتية المجوسي"، خصوصاً بعد أن كتب جان بول سارتر مقالة عن "التحيّز للأشياء" عند صدوره سنة 1942.



    البلاغة

    أظنّ أن الأمر يتعلق بإنقاذ بعض الشباب من الانتحار، والبعض الآخر من الانخراط في سلك الشرطة أو الإطفاء. أفكّر في هؤلاء الذين ينتحرون نفوراً، لأنهم يجدون أن "للآخرين" حصة كبيرة في داخلهم.
    يمكننا أن نقول لهم: أعطوا الأقلية التي فيكم حق الكلام على الأقل. سيجيبوننا: هذه هي القضية بالأخص، فهنا أيضاً أشعر أن الآخرين فيّ، فعندما أريد أن أعبّر عن نفسي يتعذر علي هذا. الكلمات كلها جاهزة وتعبّر عن نفسها: فهي لا تعبّر عنّي قط. وهاأنا أختنق ثانية.
    إذن تعليم فن "مقاومة الكلمات" يُصبح ذا فائدة، فن قول ما نريد نحن قوله فقط، فن تعنيفها وإخضاعها. باختصار إن تأسيس بلاغة، أو بالأحرى تعليم كل شخص فن تأسيس بلاغته الخاصة به، لهو عمل إنقاذ للجميع.
    وهذا ينقذ فقط الأشخاص، الندرة الذي من المهم إنقاذهم: الأشخاص الواعين، الذين يشعرون في آن بقلق على الآخرين وبنفور منهم.
    الأشخاص الذين يقدرون على تطوير الذهن و، بحصر المعنى، تغيير ظاهر الأشياء.



    المطر

    المطر، في الباحة حيث أراه يتساقط، ينزل بسُرَعٍ جد مختلفة. فهو في الوسط ستارة رهيفة (أو شبكة) متقطّعة، هطول متصلّب لكنّه نسبياً بطيءٌ لقطرات يُحتمل أنّها خفيفة، سرعة متواصلة غير شديدة، شظية شهاب صافٍ كثيفة. أبعد من الحيطان بقليل تتساقط يساراً ويميناً قطراتٌ فرادى أثقل يرافقها دوي أكثر. بعضُها يبدو هنا جسيماً كحبّة قمح، هناك كبازلاء، أو دعبل تقريباً في مكان آخر. ينساب المطر أفقياً فوق الأفاريز ودرابزين النوافذ، بينما على الواجهة السفلية للعوائق نفسها، يتدلّى وكأنّه ملبّسُ حلوى محدّب. حسب مساحة بأسرها لسطح صغير من الزنك حيث النظر يميل، يسيل على شكل شرشفٍ جدّ رقيق، مُموَّج بسبب تيّارات جدّ متنوعة تُحدثها حدبات السقف وتموّجاته التي لا تُرى. ومن المزراب الملاصق الذي يجري فيه بجهد جدول مجوّف ليس له منحدر كبير، ينهال فجأة شبكةً عموديةً، مجدولةً بسُمكٍ كافٍ، على الأرض حيث يتكسّر وينبجسُ على شكل شرائط متألقة.
    للمطر أشكال لكلِّ شكلٍ سَيَحانٌ خاص؛ يردّد وقعاً معيّناً. تعيش كلّها بكثافة كأيّ آليّة معقّدة، دقيقة بقدر ما هي محفوفة بالمخاطر، مثل ساعة حائط حيث الزُنْبُرُك هو ثِقَل كتلة محددة من البخار تتساقط.
    رنّة شبكات عموديّة على الأرض، بَقبقة المزاريب، ضرباتُ الصنوج الصغيرة تتضاعف وترنّ في آن واحد كما لو أنّها تناغمٌ من دون رتابة، لا تنقصه الرهافة.
    وعندما يرتخي الزُنْبُرُك، تستمر دواليب بالدوران برهةً، ثم تتباطأ أكثر فأكثر، إلى أن تتوقّف الآلة كلُّها. وقتئذٍ، ما إن تلوح الشمسُ من جديد، حتّى يمّحي كلُّ شيء، الجهاز الباهر يتبخر: لقد سقط المطر.



    مُتَع الباب

    لا يلمس الملوك الأبوابَ.

    إنّهم لا يعرفون هذه السعادة: أنْ يدفعَ المرءُ أمامه، بلطفٍ أو خشونة، أحد هذه الألواح الجِسام المألوفة؛ أنْ يلتفت إليها ليضعها في مكانها المناسب – أن يحتضن باباً.
    ... سعادةُ مسكِ أحد هذه العوائق العالية لغرفة ما، من عُقدة البَطن الخزفية: هذا التلاحم السريع جِسماً لجسم الذي بواسطته يُعاق السّيرُ للحظة، ما إن تنفتح العين، حتّى يتوافق الجسدُ كلّه وشقّته الجديدة.
    يبقى ماسكاً بعض الوقت البابَ بيدٍ ودّية قبل أن يردّه بالفعل غلقاً على نفسه –كأن تضمن له تكتكة الزُنْبُرُك القوي المزّيت جيداً، الأمانَ بكلَ حبور.



    الشمعة

    أحياناً يُذكي الليلُ نبتةً غريبةً لها وميضٌ يفكّك غُرفاً مؤثثة إلى كتلٍ من الظل.
    ورقتُها الذهبيّة غير مبالية في تجاويف عمودٍ صغيرٍ من المرمر، تحملُها سُويقات جدّ سوداء.
    يهاجمها الفَراشُ الزريّ بالتفضيل عند ارتفاع القمر الذي يرشُّ الغابات. لكن ما إن يحترقوا فوراً أو يرهقهم التقاتل، حتّى يرتعشوا جميعاً عند شفا سُعار قريب من الخَبَل.
    على أنّ الشمعةَ بارتجاف الأنوار على الكتاب ارتجافاً ذا انبعاث مفاجئ لأدخنةٍ أصليّة، تُشجّع القارئ، ثمّ تنحني على طبقها، وفي غذائها تغرقُ.



    المَحَار

    المَحَار، بضخامة الحصاة المتوسطة، له مظهر خشن، ولون أقلّ توحّداً، يميل بتألق إلى البياض. إنّه يصر على أن يكون عالماً مغلقاً. ولكنْ يمكن فتحه. يجب أنْ يُحملَ طيَّ خِرقة، وأن نستخدم سكّيناً ليست حادة، وأنْ نعيد الكَرّة مرّات عدة. الأصابع الفضولية تجرح نفسها وتكسر أظافرها: إنّه عمل غير مُتقَن، فضربنا يترك على القشرة حلقات بيضاء كالهالات.
    في الداخل، عالمٌ كامل، يؤكل ويُشرب. تحت قبة (بحصر المعنى) من عرق اللؤلؤ، انخساف السماء العليا فوق السفلية لا يشكّل سوى بِركةٍ، كيسٍ لزج وضارب إلى الخضرة، له مدٌّ وجزر للنظر والشم، مزيّن بشريط متساوٍ على الأطراف.
    نادراً ما تتقطر صيغةٌ من بلعومه الصَدَفي، وسرعان ما نتحلّى بها.



    سقيفة الحبوب *

    لكل بيت، بين السطح والسقف، صحنه الدنيوي طوال الغرف كلها. ما إن يدفع الإنسان الباب، حتّى يدخل النور معه. الرحابة تُدهشُهُ. في الأقصى، بضعة أحجار مسودّة تنوّه بحائط الموقد.
    مُمدّداً على العارضة الأولى، يسترسل بكل طيبة خاطر في حلم يقظةٍ تمجيداً لنجّار الهياكل. ومن خلال شقوق قبة السماء هذه، تتلألأ مائة نجمة نهارية. يصغي، في أقصى العنبر الهوائي، إلى الرياح ضاربة جوانب القرميد الوردي أو سائلةً على صفائح الزنك. في الداخل، تهتز بالكاد أسرّة معلقة ناعمة النسيج، شبكات عنكبوتية حجرية، تلتف حول الأصابع مثلما حول وجوه سائقي السيارات غابراً، في الأيام الملحمية للرياضة.
    ثفْل مطرٍ متسرب من القرميد، مسحوق نفيس يترسب فوق الأشياء كلها.
    بعيداً عن التربة النهمة، يضع الإنسان الحبّة لغاية متعارضة والإنماء. تَجففي أيتها الحبوب، منفصلة وبائتة، فمن الآنَ وصاعداً فكرة لم يعد لها عواقب للأرض حيث ولدتِ. أحرى بك أن تتيحي للطحين ولهيئاته الرمادية المألوفة أن تُحبَّ ما إن تخرج من التنّور.

    * Le grenier تعني الغرفة التي تقع في أعلى البيت ما بين السقف والسطح، وقديماً كانت توضع فيها أكياس الحبوب ثم صارت مستودعاُ للحوائج البالية. غير أن جذر الكلمة يلعب دوراً أساسياً في قصائد بونج. لذا فضلت كلمة: "سقيفة الحبوب"



    الضفدع

    عندما ينط المطر إبراً صغيرة في الحقول المُشبَعة بالماء، قزمة برمائية، أوفيليا مقطوعة الذراعين، حجمها بالكاد قبضة يد، تطلع من تحت خطى الشاعر وتلقي بنفسها في المستنقع التالي.
    فلنترك هذه العصبيّة تهرب. لها سيقان جميلة. جسمها كله قفّازُ جلدٍ لا ينفذ إليه الماء. عضلاتها الطويلة بالكاد لحم أنيقة كما لو أنها لا هي لحم ولا سمكة. وحتّى تفلت من بين الأصابع تتحد خاصيّة السائل فيها مع جهود الحيّ. لها غدّة وكأن لها تورّماً درقيّاً، فهي تلهث... هذا القلب الذي يخفق بحدة، هذه الأجفان ذات التجاعيد، هذا الفم المذعور، تجعلني أشفق عليها حتّى لأتركها تذهب.


                  

العنوان الكاتب Date
القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 05:10 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 05:12 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 05:13 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 05:15 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 05:19 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 05:22 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 05:24 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 07:02 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 07:04 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 07:07 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 07:08 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-13-05, 07:11 PM
  Re: القصيدة النثرية قصي مجدي سليم05-14-05, 05:48 AM
  Re: القصيدة النثرية THE RAIN05-14-05, 07:13 AM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-14-05, 07:15 AM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-15-05, 07:13 PM
  Re: القصيدة النثرية Sabri Elshareef05-19-05, 03:36 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de