|
" فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!!
|
" فـــلاش بــــاك " جبـــل مــرة بيــن جنـة الأ مس وأطلال اليوم!!
سعدية عبد ا لرحيم ا لخليفة/كلفورنيا كان ابراهيم سائق البص يقطع بنا ا لمسافة بين مدينة نيالا ا لتي تركناها خلفنا منذ الفجر في سرعة فا ئقة. ا لقري ا لصغيرة الآ منة ا لمنتشرة علي جنبا ت ا لطريق ا لمؤد ية الي مد ينة زا لنجي قد دب فيها دبيب ا لحياة. نسا ء يعزقن ا لمزرعة زعقا و مجلس من رجا ل ا لقرية اتخذ من ظلال الأ شجار مكان اجتماع لا دارةالشؤون ا لعا مة ‘ أ وا لنظر في قضا ياالأ حوال الشخصيةمن زواج او طلاق أو فض ا لنزاعات بين الأ فراد أ و اية خلافات عجز اصحابها عن حلها. هكذا قا ل لنا دليل رحلتنا ا لذي رافقنا. كنا مجموعة من ا لدارسين اخترنا منطقة جبل مرة التي اضحت وقت ذاك حقلا لتجارب مشروعا ت ا لأمم ا لمتحدة للتنمية اخترناها لتكون قبلتنا و مكانا نقضي به ثلاثة اسابيع با لتما م و ا لكما ل. ا لبص ينهب ا لأ رض نهبا و ا لطريق غير معبدة ‘ تعترضها الأ شجا ر ا لجا نبية ا لتي تتطلب حر فةمن السائق لتفاديها. ا لخيران عميقة عند ما تهوي ا لعربة نحو ها تكون ا لقلو ب قد فا رقت مكا نها! أ ما اذا سا قك قدرك الي تلك ا لطريق في فصل ا لخريف فلربما تبقي ايا ما حتي ينحسر ارتفا ع ا لماء. ا لا ان هناك ايضا بعض ا لمغا مرين من ا لسا ئقين ا لذين تسو ل لهم انفسهم خوض غما ر ا لخطر تحد يا ! أ و لتحقيق انتصار سرعان ما تطبق سمعته الآ فاق بوا سطة شهود ا لعيان من ا لمتنقلين سيرا علي الأ قدا م بين ا لقري يقطعون مسا فا تها في ازما ن قيا سية. ابراهيم سا ئق ا لبص ‘ ابن ا لمنطقة ‘ خبير بدروبها ‘ منحنياتها ارتفاعاتها و نتوءاتها. رمانا حسن حظنا لنكون بين يديه أ ما نة لم نشك لحظة ان يردنا الي أهلنا سا لمين بل غا نمين با لخير ‘ مدونا تنا مليئة با لمعرفة. ها قد حل ا لمساء ‘ ثم هاهو ا لليل قد دثر ا لطريق بظلام كثيف الا من لهب ا لنيران التي يشعلها الأ هالي من حطب الوقود ‘ اضا ءة أو انا رة‘ أو قوة طاردة لحيوان مفترس كاسر ‘ أ و اخطا را لعا بر ان ا لمكان قبلة لسراة الليل ودجاته. لما وصلنا مدينة زالنجي كنا قد قضينا يوما و ليلة و الفيناها عند ا لصبح ا لبا كر بدت لنا وهي ترقد علي سفح ا لجبل ‘ تحيطها ا لخضرة و ا لنضرة من كل جانب‘ و تعرش الأشجار السا مقة ارضها ا لندية التي ترطبت بقطرات ا لطل و ا لرذاذ فا كتسبت المدينة جمالا خلابا تعطرت باريج لا يدري احد من اين استمد روحه؟ كان الصمت والهدوء وا لد عة يخيم علي ا لمكان الذي سرعان ما ضج باصوات ا لمستقبلين ا لذين هبوا رغبة في ا لترحيب با لقا دمين. و ما هي الا برهة حتي كنا و امتعتنا قد احتللنا منازل خصصت لنا لننعم بقسط من الراحة. لم تكن لاحدنا رغبة في ا لنوم ولكنا آ ثرنا التعرف علي زالنجي تلك ا لفا تنة ا لتي اعتلت صهوة ا لجبل لتطل علي السفوح و الوديان من عل! خرجنا اليها نرود سوقها ا لشهير و بلغت منا ا لدهشة مبلغا اذ تغمرها ا لسلع و ا لبضائع ذات ا لجودة ا لعا لية من ا لملبوسات‘ العطور ‘ الافرشة الثياب ا لنسا ئية ‘ ا لمعدات ا لكهربائية ووووو لقد كانت سوق زالنجي تتفوق كيفا و جودة و تقل سعرا و تكلفة عن ا لأ سواق ا لتي كنا نتبضع منها بعا صمة ا لبلاد! و لكم عض بعضنا بنا ن ا لندم بان لم يحمل من ا لموارد ا لما لية ما يكفي لتلبية رغبة تلح في ان نحمل من كل سلعة بعضا منها !! كان ابراهيم سائق ا لبص يتحكم في تسيير رحلتنا و يحدد تفا صيلها بانضباط و دقة. وها قد أ مرنا بأخذ اماكننا داخل ا لبص ان هي الا بضع دقائق نتوجه بعدها الي " جبل مرة" لدهشتنا كانت ا لطريق تعتلي بنا سكة من اسفل ا لجبل و تتعرج في مدرجات تأخذنا نحو قمته. و لم تصدق اعيننا ما نري! كما انه لم يكن ضربا من ضروب ا لخيا ل انما كان واقعا و حقيقة مجردة ماثلة! هبطنا من ا لعربة فاذا بنا امام بساط من ا لخير و ا لنعيم و الو فرة غطي كل شبر من تلك ا لأرض ا لتي تفتحت خيرا و تفجرت عيون ماء و سرفا نميرا يتسرب بين حنا يا الأرض ا لحبلي بكل ما رأيناه مستوردا وما لم نسمع به او نراه! تبرجت منطقة جبل مرة و ازدهت امامنا عروسا قد التفحت من كل ا لثياب و ا لزينة ابهاها رونقا و جمالا. لقد فطن برنامج ا لتنمية ا لتابع للأ مم ا لمتحدة ان سرا طبيعيا حبا ذاك ا لجبل و ميزه لارتفاعه ان تتوفر علي سفوحه كل انواع ا لمنا خات ا لجغرافية من ا لسافنا ا لفقيرة الي ا لسافنا ا لغنية ‘ الي مناخ ا لبحر الأ بيض ا لمتوسط ولدي كل مناخ ومن اسفل الجبل الي اعلي قمته زرعت ا لحقول و غرست اشجار الفاكهة وكان ا لخير ينسكب و ينداح علي متن ا لتربة ا لبكر ا لخصبة ‘ ترتع فيها حين ترتع ملتقطا تفاحا او عنبا‘ فراولة او برتقال " ابو سرة" او مانجو " قلب ا لثور" البن ‘ الخضروات بانواعها و الموالح بقبائلها اصناف و اصناف اضاعتهاالذاكرة. يوما كاملا قضيناه مثل قصة " كريت" ا لمعزة التي شق عليها ان تعود الي البيت مع اختها ا لمعزة ا لثنية بعد ان رتعتا بالمرعي الطيب. و بقيت " كريت" تلهو و تقفز من ثمرة الي اخري حتي اتاها الليل با لذئب!! غير ان ابراهيم سائق ا لبص حال دون ان ان نكون مثل " كريت" و يقع ما لم يكن في الحسبان حيث هشنا امامه الي البص قبل ان يسري باوصالنا او يخدرنا سحر جبل مرة الأخاذ. لقد بقيت هذه الذكريات قابعة با لخاطر استدعيها الآن " فلاش باك" و لسان حالي يقول ارجو الا يكون مكروها قدالم بذلك المحفل ا لذي ابهجنا و سر انظارنا و متعنا بخيراته حينا من ا لدهر! اذ كان جبل مرة قد تجلي ثم تجلي حلة موردة مزهرة او كما قال الاستاذ ا لشاعر الفنان عبد ا لكريم ا لكابلي مرســــال الشـــــوق يــــــا الكــــــلك ذوق اغشي ا لحبــــــان في كــــل مــــــــــكان قول ليـــــــهم شــــــــــــفنا جبــــل مرة و عشــــــــنا اللـــــــــحظات حب و مسرة ما بين غيــــــــــمة تعانــــق كل زهرة و خيـــــــــال رمانة علي الـــــــــمجري لم يكتف جبل مرة با لجمال بل اضحي احدي محطات خير اختارتها الأمم ا لمتحدة بدقة لتصب في تطوير و تنمية ا لمنطقة و تدعم الاقتصاد ا لوطني. الجبل قد حبي بتجليات طبيعية نادرة لا يدركها الا من رماه الزمن مصادفة في مشارف ا لجبل او مدرجاته التي لم تطأها قدم لمسؤول او يتذكره ا لمركز او تفرد له ا لحكومة خطة انمائية واحدة في الموازنة العا مة‘ ليس ظنا بل يقينا بان ما اطلقوا عليه مناطق ا لشدة غير جدير بأكثر من الاعتراف به في خارطة ا لبلاد اما ما زاد يصب في مواعين ا لمخاطرة في مجاهيل مثل ذاك ا لجبل!! رأينا فيما رأينا " شلالات كون" و " عين ا لشيطان" و " البحيرة ا لصافية التي قذ فنا اليها بعملاتنا ا لمعد نية التي جلست اسفل صفاء ماء البحيرة ونحن نرقب ما رمينا في دهشة بالغة! رأ ينا شجرة " الست ا لمستحية" وهي شجيرة صغيرة برية تتناثر علي سفح الجبل ‘ اذا مررت بالقرب منها او لمست لمسا طفيفا بعض فروعها انكمشت و جمعت نفسها متحاشية أ و متوارية خجلا! رأينا خيرا و دفقا و جنة نعيم اهمل و جودها بعد و حتي مشروع ا لتنمية وئد و قتل ولما يزال في مهده و قبل ان يأتي اكله! قال اهل ا لجبل من ا لسكان: نريد مدرسة ابتدائية لاطفالنا الذين هم في سن المدرسة ولا توجد مدرسة! نريد نقطة غيار! نريد قابلة قانونية لان نساءنا يتم وضوعهن ب " الحبل" يا لهول ما سمعناه لما تحدثنا الي اهل ا لجبل اذ هم في جنة ا لنعيم و لا ينعمون بخيرها. ولا يتذوقون طعمه و لا يتلذذون حلاوته من فرط بؤسهم لكل الاشياء و مقومات ا لحياة! تتساقط الخيرات تحت اقدامهم وهم لا يتلقفونها! لحاجتهم و عطشهم لمياه ا لشرب ا لنقية. الأ طفال حفاة و عراة و هم اما رعاة او عمالة مبكرة لسند الاسرة التي تحظي بنصيب حد الفقر! اهل ا لجبل لم يسمعوا بالمستشفي ولم يروا الدواء ! تردت اوضاعهم ا لصحية وازداد انهيار الاوضاع ا لاقتصادية ا لمنعد مة . مشقة و ضنك و مسغبة وضغط متزايد يكلف ا لمراة ان تقضي سحابة يومها تزرع و تحصد و لما تعود عند ا لمساء حاملة حطب ا لوقود و الماء علي ام رأسها! هل تنسجم هذه اللوحة ا لبائسة مع ا لمشهد الذي ضج بالجمال؟ ومع كل ملامح التناقض و القتامة وانفلات ا لحال هاهي حوافرا لجبروت الفاشي تدوس علي اليسير و تقضي علي ا لوفير و تحيل الجمال الي تراب و خراب. حتي بيوت ا لقش ا لمتواضعة استكثرتها جحافل ا لبربر ا لتتار احرقتها و اصحابها بداخلها لتكمل فصل مأساة ا لابادة لكل شيء الناس و التراث و التاريخ و الخير و ا لجمال وتختمها بوصمة عار سوف تلازمهم لارتكابهم ابشع كارثة انسانية احالت الجبل و دارفور الي حطام و اطلال. كل شيء صار رمادا و رقصت جحافلهم علي الجماجم و رفاة ا لقتلي ! ان ا لجريمة التي ارتكبت في حق هؤلاء و اؤلئك ايقظت في نفسي صورا و لوحات لعب فيها ابراهيم سائق البص ابن المنطقة دورا تعريفيا اختزنته اذ كان ايضا توثيقا تأريخيا و جغرافيا ضم بعض قصص التراث و انواع ا لطبخ و ا لمأكولات. لقد ظل ابراهيم وسيبقي معلما ومؤرخا احفظ حقه كلما عن لي ان اعود " فلاش باك" الي جبل مره اتذكره فقط كما رأيته لما رأيته بسا طا ترصع با لجمال.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
" فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-19-05, 02:42 AM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | gessan | 04-19-05, 09:26 AM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-19-05, 11:52 AM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | Saifeldin Gibreel | 04-19-05, 12:57 PM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-19-05, 09:57 PM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | Balla Musa | 04-19-05, 12:58 PM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-19-05, 10:15 PM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | THE RAIN | 04-19-05, 10:57 PM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-20-05, 00:52 AM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-20-05, 11:53 AM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-21-05, 11:47 AM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-21-05, 09:54 PM |
Re: " فـــلاش بـــاك " جبـــل مــرة جنــة الأمس و اطـــلال ا لحــــاضر!! | سعدية عبد الرحيم الخليفة | 04-22-05, 11:53 AM |
|
|
|