|
|
 أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت
|
كلما فكرت في مجتمع الرزيقات وتقسيماته القبلية ، اجد مجموعة ( أم باغة ) هي خشم البيت الوحيد الذي افرزه الفقر وقساوته في مجتمع ليس للضعيف فيه مكان ، ففي مجتمع الرزيقات بكل احتلافاتهم ( بقارة ) وأبالة تجد ان الشخص الوحيد الذي يضطهد هو الفقير ، وهذا لا يعني ان داخل هذا المجتمع يغيب التكافل او المساعدة ففقير الرزيقات اذا كان في البادية يعطى من قبل الاغنياء ناقة للحليب او بقرة لحليب اطفالة او جمل شيل او ثور حسب البادية الرزيقية التي يتواجد بها لكن هذا العطاء نفسه يسبب جروحا خاصة فمكانة الغني تكتمل بعدد الذي يشيلهم والفقير الذي يأخذ هذه العطايا لا مكان له في مجالس القبيلة فالكلمة الاولى لمن يملك وفي هذا لا قيمة لنسب الشخص او موقعه في القبيلة بقدر ما القيمة لمن يملك الثروة والثروة وحدها تضع فلان في المكان الفلاني ، وكثيرون تتبدل مواقعهم حسب تبدل ظروفهم المادية وهذه الحالة تتعلق بظروف المجتمع البدوي واهم الاشياء التي تتطلب اتخاذ قرارات هي تلك المتعلقة بحياة الماشية ومصادر الكلأ ، فمجلس البادية ينعقد في ظروف الرحيل لاتخاذ قرار بالاتجاه الاكثر خصوبة الذي ستتوجه له البادية وبالتأكيد الذي لا يملك ثروة لا تهمه او غير معني بترتيبات الرحيل وغير فارقه معه اذا رحلت البادية شمالا او جنوبا ، ولذلك ربما لا تتم دعوة الفقير لمثل تلك الاجتماعات بل اخطاره بنتائجها لكي يهيئ حاله للرحيل ، كما ان هنالك اجتماعات ( الديّة ) وهي ايضا تتعلق بمن بملك المال ، وهنا يجد الفقير نفسه خارج الاشياء المهمة في حياة القبيلة ، عدا هذه الاشياء لا اعتقد ان هنالك شيئا مهما في المجتمع البدوي للرزيقات سوى بعض الاشياء الشكلية والافراح والمآتم وهي جميعها تكون الكلمة الاخيرة فيها للغني ، حتى السلطة السياسية في القبيلة حسب ترتيباتها ( ناظر ، عمدة ، شيخ ، مندوب ) تتطلب هذه المسئوليات ثروة مادية ورغم ان السلطة تتناقل وراثيا لكن هنالك تفضيل بين الاخوان حسب الموقع ويمكن ان يكون المنصب لاحد الاشقاء وهو فقير لكن السلطة الفعلية تكون بيد من يملك المال والمال وحده هو السلطة في مجتمع تمثل الثروة فيه مصدر تفاخر اكثر من مصدر حياة هانئة .
ما ساقني لهذه المقدمة هو وجود طبقة من ابناء الرزيقات الذين اضطرّهم هذا الواقع الى الاستقرار وهذا تم في مجتمع الرويقات البقارة بجنوب دارفور ، فقد نشأت قرى حول الدوانكي وتحولت تلك الدوانكي لما يشبه المدن وحولها استقرت مجموعات كانت ذات يوم ترحل مع بواديها لان الماء والحياة كانت ترتبط بالبادية وتلك المجموعات تحولت الى مجموعات حضرية مع احتفاظها بكل خصائص البداوة كثقافة ولم تنفصل عن القبيلة ، ومن استطاع ان يجني اي مكاسب مادية يبتدئ شراء ابقار للعودة للبادية حتى الذين احترفوا التجارة يعودون مرة اخري بشراء الابقار فالبنسة للرزيقي بقاريا كان ام اباليا تمثل الثروة الحيوانية شيئا لا يقاس لا بالارض ولا الزراعة ولا اي ثروة اخرى ولذلك لا يشعر المرء بأنه يمتلك ثروة الا عندما يتم تحويلها الى بقر في مجتمع البقارة او ابل في مجتمع الابالة .
وبين هذه وتلك جائت مجموعة ام باغة منسلّة من بين فك الفقر ، وجائت التسمية حسب ما حكي لي من علاقتهم بمورد الماء ، ففي الوقت الذي يرد الجميع الى الدونكي فهنالك من يأتي لسقاية مراحه ، وهنالك من يأتي لسقاية نفسه ، ففي المشرع يلتقي الجميع . وهنا جائت تسمية ام باغة نسبة الى ( الباغات ) التي يرد بها الفقير في حمار وليس لديه ما يسقيه ، عكس الغني الذي يرد الدونكي يسوق مراحا من الابقار يخفي باغاته او القرب التي معه لانها لم تكن السبب في ورود الدونكي ، وبما ان كلمة (أم) التي تسبق التسمية تعني الجمع في لغتنا فالناس هنالك تجمع بكلمة ام وهي تفيد وصف مجموعة معينة ، وهذه الشريحة التي ترد بالباغات تمت تسميتها بما تحمل ، وهم ليسوا خشم بيت بل ينحدرون من كل بيوت القبيلة والفقر وحده الرابط بينهم .
لم تستسلم هذه المجموعات لقدرها ، وقد سعوا بكل الممكنات لتغيير واقعهم ، وفي البداية كان ( القنيص ) وق احترف شباب الرزيقات مهنة القنيص ، وفيه الكثير من الاشعار ومن الاغنيات التي تمجد الفيل وسنونه ، وطرق قتله واصبح الفيل المخلص من مرارة الفقر وهلك الكثير من شباب الرزيقات في غابات افريقيا الوسطى بحثا عن سن الفيل وسبيب الزراف ، وانتقل من دائرة الفقر الكثيرون وعبروا بسن الفيل الى دائرة الاغنياء ، ولكن في ظل بلاد تذداد فقرا كل يوم كان هنالك فقراء جدد عليهم ان يبحثوا عن طرق جديدة للغنى .
جائت الحروب بين الرزيقات والدينكا والحرب في المجتمع البدوي احدى مصادر الكسب فكثير من حروب القبائل السبب الاساسي فيها هو البحث عن المال ، ولذلك اصبحت بقرة الدينكا المسماة ( مجوك ) هي الهدف الاول لكل الغزوات وهي عربون رضى الجميلات والغتايات في قبيلة تمثل المرأة فيها مكانة عالية جدا ولها كلمة تؤدي الى حتف الرجال ، كانت حرب الرزيقات والدينكا مريرة ومؤسفة لما بين هذه القبائل من علاقات قل مثيلها في السودان من تزاوج وتاريخ مشترك لكن دوما هنالك اسباب يجهلها الاجواد حين يأتي للصلح والفقر اولها ، وقد استغلت الحكومات مجموعات ( ام باغة ) وهيأت لهم للغزوات بجحة محاربة الحركة الشعبية رغم ادراك الحكومات هذه للاسباب الحقيقية التي تجعل الشباب يذهبون للحرب ، واستغلال الفقر اوسخ من استغلال الدين ولذلك مات الكثيرون في الجنوب ، ولم يذهبوا الا ليعودوا بما غنموا من ابقار ليتساووا مع رصفائهم من ذات القبيلة .... ففي سنين الجفاف الوطني الاخيرة برزت مجموعة ( ام باغة ) كفصيل مقاتل له ادبياته الخاصة وعندما طرحت الحرب الجهادية اصبح شعارهم ( نحن ام باغة ، ميّتنا شهيد ، والحي مستفيد ) ومات اكثرهم كضحايا للفقر السياسي والوطني ، وما زالت القبيلة حبلى بمزيد من الفقراء وما زال رحم السلطة لا ينجب سوى الحروب .
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | ابنوس | 01-05-05, 06:37 PM |
| Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | muntasir | 01-05-05, 07:21 PM |
| Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | ابنوس | 01-05-05, 08:49 PM |
| Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | Omer54 | 01-05-05, 11:07 PM |
| Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | محمد حامد جمعه | 01-05-05, 11:22 PM |
| Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | ود شاموق | 01-06-05, 00:06 AM |
| Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | ابنوس | 01-06-05, 03:09 AM |
 Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | A.Razek Althalib | 01-06-05, 05:38 AM |
| Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | ابنوس | 01-06-05, 09:29 AM |
| Re: أم باغة فقراء الرزيقات بين سندان الفقر ، وغزوات الموت | ابنوس | 01-06-05, 12:00 PM |
|
| |
ابنوس
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست