|
اتفاق السلام تجاهل 40 فصيلا جنوبيا .
|
اتفاق السلام تجاهل 40 فصيلا جنوبيا قنابل في عرس السودان خالد محمد علي – نقلاً عن الأسبوع القاهرية – العدد 407 – الاثنين 3 يناير 2005
في جولات ماراثونية وسباق مع الزمن يلتقي يوميا النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان طه مع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق ومن الاتفاق حول العموميات إلي إرهاق التفاصيل التي تحدد ملامح الوطن السوداني، أنهي الرجلان الجزء الأكبر من الاتفاق الذي تحتضن جولاته كينيا في منتجع 'نيفاشا' برعاية الإيجاد ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيطاليا وكندا والنرويج.
وأفادت المعلومات القليلة التي تتسرب من المنتجع الكيني أن طرفي الحكومة والحركة الشعبية قد اتفقا علي إدارة العاصمة الخرطوم وفقا لطرح الحركة الشعبية الذي يتضمن تقليل نسبة مشاركتها في إدارة العاصمة مقابل التسليم الكامل بهيمنة الحكومة الجنوبية علي مقدرات الجنوب. وقالت المصادر: إن قضية تمويل الجيش الشعبي الذي أصرت الحركة علي بقائه طوال السنوات الست مازالت عالقة وإن كانت هناك مقترحات من بينها تحمل الحركة والحكومة التمويل مناصفة أو قبول العرض الأمريكي بالتمويل ولكن هناك خلافا علي عدد قوات هذا الجيش.
وقد بدا الجنوبيون أكثر حماسا لهذا الاتفاق الذي يمنحهم حق تقرير مصيرهم عقب انقضاء الفترة الانتقالية بالاستفتاء علي انفصالهم أو بقائهم ضمن الدولة السودانية، إضافة إلي حصولهم علي نصف الثروة وكل السلطة في الجنوب وهو إنجاز تاريخي للحركة الشعبية، نجحت به في تحقيق أقصي أماني أبناء جنوب السودان مرة واحدة، امتاز هذا الاتفاق أيضا عن اتفاق أديس أبابا عام 1972 بالدعم الدولي والذي تمثل في استمرار ضغط الولايات المتحدة الأمريكية علي حكومة السودان طوال فترة المفاوضات وكان تصديق الرئيس الأمريكي جورج بوش علي قانون السلام السوداني إحدي أدوات الضغط المباشرة علي الجانب الحكومي في نيفاشا. وكانت الإدارة الأمريكية وشركاء الإيجاد بريطانيا وإيطاليا وكندا والنرويج قد استشعروا محاولات الحكومة التنصل والمماطلة في الاتفاقات ونجحت الحركة الشعبية في إقناع الإدارة الأمريكية أن أبناء الشمال خاصة حكومة الإنقاذ لن توقع علي اتفاق السلام إلا تحت ضغط العقوبات وهو ما ساهم بالفعل في إسراع الرئيس الأمريكي في التصديق علي قانون السلام السوداني أو محاسبة السودان حيث يفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية علي الجانب الحكومي ويمنح الحركة الشعبية ثلاثمائة مليون دولار سنويا وتعمدت الشركات الأمريكية توقيع اتفاقات منفردة مع الحركة الشعبية لشق ورصف الطرق في الجنوب وربطه بدول الجوار الأفريقي (أوغندا وكينيا وأفريقيا الوسطي وأثيوبيا) وهو ما يعكس ملامح السنوات القادمة ودور الولايات المتحدة فيها حيث تسير الإدارة الأمريكية علي نفس الخطة التي اتبعتها الإدارة البريطانية في سنوات الاحتلال حيث عزلت الجنوب السوداني عن محيطه العربي في الشمال وربطت الإقليم بدول الجوار الأفريقي ومنعت اللغة العربية وحرمت أبناء الجنوب من دخول المناطق الشمالية ومنعت أبناء الشمال العربي من دخول الجنوب وفي الاتفاق الحالي نجح الضغط الأمريكي والغربي في إقرار اللغة الإنجليزية لغة أولي ورسمية في الجنوب علي الرغم من وجود قطاعات كبيرة من أبناء الجنوب يتحدثون 'عربي جوبا' وهي لغة عربية مفهومة ووسيلة التخاطب الأولي الآن في الجنوب، كما نجح الضغط الأمريكي في تسليم كل الجنوب إلي الحركة الشعبية لتحرير السودان علي الرغم من وجود 40 فصيلا جنوبيا آخر ووجود ولايات كاملة تحت سيطرة هذه الفصائل مثل ولاية الوحدة الغنية بالبترول التي تقع تحت سيطرة اللواء 'فاولينو ماتيب' المعادي للحركة الشعبية وقرنق.
وفي قراءة عميقة للاتفاق سيكون علي الحكومة التي دخلت في شراكة مع الحركة الشعبية الدخول في حرب شرسة مع تلك الفصائل التي ساندتها طوال السنوات العشرين الماضية، خاصة أن قرنق رفض انخراط هذه القوات في القوات المشتركة وطالب بحلها ودخولها الجيش الشعبي أو دخولها الجيش السوداني.
وتطالب الحركة حكومة السودان بنزع أسلحة هذه الميليشيات التي كانت ومازالت السبب الرئيسي في إنتاج وتصدير النفط وقامت بحمايته من هجمات قوات قرنق.
وينظر قرنق ورجاله إلي هذه الميليشيات باعتبارها عناصر مجرمة لا يجب أن تستفيد من الاتفاق، بينما تشعر هذه الفصائل بأن حكومة الإنقاذ قد تخلت عنهم، وتركتهم لقمة سائغة لحركة قرنق التي تشعر بنشوة النصر العسكري والسياسي وبالدعم الدولي. ويتخوف المراقبون من تفجير الجنوب بشكل أكثر دموية نتيجة تجاوز كل الأطراف الحكومة والحركة والمجتمع الدولي لطبيعة التركيب القبلي والقفز فوق الخلافات الدموية هناك والتي كانت حصيلتها أكبر بكثير من حصيلة القتال بين الحركة والحكومة وتكفي الإشارة إلي أن الحرب الجنوبية الجنوبية عام 1991 كانت حصيلتها 300 ألف قتيل بخلاف الجرحي والنازحين. والصراع بين قبيلة الدينكا وقبيلتي الشلك والنوير لم يتوقف منذ الاستقلال، كما أن الصراع بين الدينكا والقبائل الاستوائية كالزاندي واللاتوكا والباريا وأشمولي وغيرها كان السبب في فشل اتفاق أديس أبابا عام 1972 حيث رفضت القبائل الاستوائية هيمنة قبيلة الدينكا علي الجنوب خاصة أن مدينة جوبا عاصمة الجنوب هي مدينة القبائل الاستوائية.
وقد التقت 'الأسبوع' بعدد من أبناء القبائل الاستوائية في القاهرة وكانوا جميعا ضد الاتفاق الثنائي بين الحركة والحكومة وقالوا: إن أيا من الحكومة أو الحركة لن يدخل مناطقهم إلا بعد تقسيم عادل للسلطة والثروة.. ويمكن القول: إن الاتفاق الذي انتظره أبناء السودان وتطلعت إليه دول الجوار، هو اتفاق وضعته القوي الغربية ووقعته الحكومة والحركة، قفزا علي الواقع الجنوبي وهو يشبه قيام 'العريس' بوضع القنابل في ليلة عرسه
|
|
|
|
|
|