د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-20-2024, 00:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-06-2004, 10:11 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)


    الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار"نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة الثانية
    (5)

    تحت عنوان الاسلام والاديان ، كتب السيد الصادق: (إن القرآن يطلق على أهل الكتاب صفة الاسلام "ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل اليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " ويعترف للاديان الكتابية بقيمة روحية "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واؤلئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين" ويعترف بان في التجربة الانسانية وسائل لمعرفة الحق بواسطة الفطرة الانسانية "ألست بربكم قالوا بلى شهدنا" وقال تعالى "ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" والصابئون هم الذين إهتدوا من غير وحي للحقيقة الإلهية مثل أمية بن الصلت وسائر الحنفاء المعروفين قبل الاسلام والقرآن يؤكد ان محمد لم يأت بدين جديد "قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ان اتبع الا ما يوحى إلي وما انا الا نذير مبين" ولم يأت بدين غريب على الانسانية "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها" ولا بدين مناقض "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" ...)
    إن غرض الصادق ، من هذه الفقرة ، التي سنبين مبلغ خطئها ، ان يوضح ان الاسلام ، بالفهم الذي يقدمه هو، دين متسامح ، وان الفهم الخاطئ الطائفي، هو الذي ينكر قيمة الاديان الاخرى، ولذلك خلص الى (ان الفهم المتسامح لهداية الاسلام هو الذي يطابق مقاصد الشريعة وهو الذي يواكب ظروفنا المعاصرة) وكان قبل ذلك قد قرر (هنالك فهمان: فهم اسلامي ينكر ما للأديان الأخرى من قيمة روحية وخلقية. وفهم أوسع هو ما ذهبنا اليه)!! ولم يخبرنا على ماذا اعتمد المتشددون -الذين يرفض فهمهم- حين قرروا ان الاسلام ينكر قيمة الاديان الأخرى؟ ولم يخبرنا على ماذا قامت الدولة الاسلامية الأولى في المدينة ، هل على فهم المتشددين الذي ينكر قيمة الاديان الاخرى ، ويحارب اهلها أم على فهم الصادق المتسامح ولماذا؟
    أول ما تجدر الاشارة اليه ، هو ان الاسلام لا يطلق على أهل الكتاب صفة المسلمين ، بمعنى قبول دين الاسلام ، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وانما بمعنى الاذعان ، والتسليم للارادة الالهية ، كما أمرتهم اديانهم وشرائعهم . فلو كان يعتبرهم مسلمين لما دعا لجدالهم في بادئ الامر ، ولا لقتالهم في نهاية المطاف. ولقد أمر الله المسلمين ان يؤمنوا بما جاء به الرسل السابقون ، وان يدعوا اهل الكتاب ليؤمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وان يبينوا لهم ان اديانهم لا تنفعهم!! قال تعالى "قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون * ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" .. فان لم يقبلوا اعتبرهم ضالين ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع ملتهم أو قبلتهم ، ثم اوضح انهم كفار واوجب قتالهم في اواخر ما نزل من القرآن ..
    قال تعالى "وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا ، قل بل ملة ابراهيم حنيفاً ، وما كان من المشركين * قولوا آمنا بالله وما انزل ألينا وما أنزل الى ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فان آمنوا بمثل ما آمنتم به ، فقد اهتدوا وان تولوا فانما هم في شقاق ، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" وقال تعالى "ولئن اتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ، ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ، ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما جاءك من العلم انك اذن لمن الظالمين" وقال ايضاً "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل ان هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير" ..
    وبعد ان اوضح اختلاف ملتهم عن ملة المسلمين ، ونهى النبي عليه السلام من اتباعهم ، وصفهم بالكفر.. فقال تعالى من قائل "قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على تعملون * قل يا اهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وانتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون * يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين" وقال أيضاً "يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وانت تشهدون * يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون" .. ولقد اوضح كفرهم ، واعتبره غلواً ، ونهاهم عنه، فقال تعالى من قائل "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق ، انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ، ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم ، انما هو اله واحد سبحانه ، ان يكون له ولد ، له ما في السموات وما في الارض وكفى بالله وكيلاً" ..
    واذ لم ينتهوا عن اعتقادهم ، امر بقتالهم ، فقال تعالى "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون * وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون * اتخذوا احبارهم ورهبانهم ارباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما امروا الا ليعبدوا الهاً واحداً لا اله الا هو سبحانه عما يشركون" جاء في التفسير قوله " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ... الآية (هذه الآية الكريمة أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله واستقامت جزيرة العرب أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى و كان ذلك في سنة تسع .... قوله "حتى يعطوا الجزية" أي ان لم يسلموا "عن يد" أي عن قهر وغلبة "وهم صاغرون" أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم اذلاء صغرة اشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم الى أضيقه" ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم)[1]
    هذه الآيات، وما تم عليه التطبيق هو مستوى الشريعة في معاملة أهل الكتاب ، فهي لا تساويهم بالمسلمين، ولا تعترف بدينهم ، وتصفهم بالكفر، وتامر المسلمين بقتالهم .. فماذا سيفعل السيد الصادق بهذه الآيات؟! والذين يؤمنون بهذه الآيات وبناء عليها يرفضون أهل الكتاب ، ممن يصفهم الصادق بالانكفائية ، هم أشجع واصدق من الصادق المهدي .. ومحاولة الصادق ادعاء التسامح ، واعتبار ان ذلك هو الشريعة ، حين قال (الفهم المتسامح لهداية الاسلام هو الذي يطابق مقاصد الشريعة) تنطوي على جهل وتضليل . أما الجهل ، فيتمثل في العجز عن التمييز بين الاسلام والشريعة ، واما التضليل ، فيتمثل في إدعاء الصادق الاشادة بمبدأ التسامح ، مع انه يؤمن بالمهدية رغم انها لم تقم على التسامح ، حتى مع المسلمين ، الذين قتلتهم لانهم لم يؤمنوا بان السيد محمد احمد بن عبد الله هو المهدي المنتظر!!

    (6)

    حين قامت الشريعة على عدم إعتبار حقوق غير المسلمين ، سواء ان كانوا مشركين ، أو من أهل الكتاب ، قام الاسلام في أصله على إعتبار الانسان ، من حيث هو انسان .. ومن هنا جاءت الايات التي اعطت حرية العقيدة ، والآيات التي اعتبرت دين أهل الكتاب مقبول عند الله .. ومن ذلك قوله تعالى "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وقوله "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" وقوله "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ..
    ولما كانت هذه الآيات تناقض الآيات التي اشرنا اليها في الفقرة السابقة ، فانها لا يمكن ان تقوم جميعاً في نفس الوقت .. اذ لا يمكن ان يقول الله عن أهل الكتاب ، انهم لهم اجر من الله ، ولا خوف عليهم ، ثم يأمر في نفس الوقت بقتالهم!! لهذا فقد نزلت آيات الاسماح في أول العهد بمكة ، واستمر بعضها في أول العهد في المدينة ، حتى نزلت ايات العنف والقتال في آخر العهد في المدينة ، نسخت مستوى الاسماح ، والعهود مع المشركين ، وحسن معاملة أهل الكتاب ..
    ومع ان السيد الصادق ، لم يدرك كل هذا، الا انه اشار الى ان هناك ثنائية فقال (في الحقيقة فان وجود ثنائية في النصوص الاسلامية موجود في أمور كثيرة اذ ان هذه الثنائيات كثيرة في الاسلام مثل قوله "واتقوا الله حق تقاته" ومثل قوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم" وقوله "كفوا ايديكم واقيموا الصلاة" وقوله "أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير") ..
    ولقد يلاحظ ان السيد الصادق ، قد رد في ورقته هذه ، كل الافكار التي تعرض لها لاصحابها ، فذكر الكاتب الامريكي مارشال ، وذكر ملك بن نبي ، وطه حسين ، وابن قتيبة ، والماوردي ، وحسن البنا فلماذا عرض فكرة الثنائية ، في نصوص القرآن ، ولم يذكر صاحبها ، وهو الاستاذ محمود محمد طه؟! ولماذا ذكر كلمة "الثنائية" وتجنب كلمة "المثاني" رغم انها عبارة القرآن "الله نزل احسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني"؟! ألانها ارتبطت بالاستاذ محمود لكثرة ما كررها في محاضراته وكتبه؟ وهل يمكن ان يكون ذكرالصادق للثنائية مجرد توارد خواطر؟ فان كان ذلك كذلك ، فلماذا لم يجد الصادق الا نفس الآيات التي اثبتها الاستاذ محمود كنموذج على المثاني؟!
    يقول الاستاذ محمود (قوله "ياايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" وتلك مرتبة المسلمين ، فلما لم يطيقوها نزل عليهم " واتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا ومن يوق شح نفسه فأؤلئك هم المفلحون" وهي ادخل في الرسالة الأولى وتلك مرتبة المؤمنين كما سبق بذلك القول)[2] وجاء أيضاً (الآيات الدالة على النزول من أوج الاسلام الى مرتبة الايمان كثر نذكر منها قوله تعالى " ياايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" فلما قالوا: اينا يستطيع ان يتقي الله حق تقاته؟ نزل قوله تعالى " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيراً لانفسكم ومن يوق شح نفسه فاؤلئك هم المفلحون").[3] وجاء (ولقد ندب مجتمع المؤمنين ليكونوا مسلمين فلم يطيقوا وذلك حين قال تعالى "ياايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" فنزل الى مستوى ما يطيقون وجاء الخطاب "فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيراً لانفسكم ومن يوق شح نفسه فأؤلئك هم المفلحون"). [4] والاستاذ محمود حين يورد هاتين الآيتين ، انما يؤكد ما تقوم عليه فكرته ، من ان الايات المنسوخة أرفع من الآيات الناسخة ، وانسب لوقتنا ، ولهذا دعا لبعثها، وذلك هو تطوير التشريع .. جاء في التفسير (" ياايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" قد ذهب سعيد ابن جبير وابو العالية والربيع بن انس وقتادة ومقاتل بن حيان وزيد بن اسلم والسدي وغيرهم الى ان هذه الآية منسوخة بقوله تعالى "واتقوا الله ما استطعتم")[5]
    ولو كان الصادق المهدي ، يقرأ النقد الذي يوجه اليه ، لما كرر نفس هذا الاسلوب من ادعاء افكار المفكرين ، ونسبتها لنفسه ، دون ان يتعمقها ويدرك دلالاتها ، ولو كان اتباعه يستطيعون الاعتراض عليه ، لرفض بعضهم هذا الاتجاه المبتذل ، ونبهوا اليه الصادق فلم يكرره .. فلقد اشرت الى هذه الظاهرة العجيبة ، في مقال بعنوان (حول منشور السيد الصادق المهدي الاخير "الامام" "المنتخب"!! والكرسي "المرتقب"!!) نشر في سودانايل في يوليو 2003 ، وذلك حيث قلت (يقول السيد الصادق المهدي ]وفي مكة كان التوجيه "ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" "سورة النساء77 " وفي المدينة كان القتال دفاعياً "اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا" ولدى قيام الدولة الاسلامية العظمى في دمشق وفي بغداد صار القتال هجومياً[[6]!! إن قيمة هذه العبارة المليئة بالاغلاط ، هي انها اشارت الى وجود فرق في المستوى بين القرآن المكي والقرآن المدني ، وأكدت ان القرآن المكي قرآن تسامح وسلام والقرآن المدني قرآن قتال .. وينتج من هذا ان القرآن المكي قرآن أصول والقرآن المدني قرآن فروع!! وأن القرآن المدني حسن ، والقرآن المكي أحسن .. ولقد قال تعالى "واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون" فقرر بذلك ضرورة اتباع القرآن المكي .. ولكن القرآن المكي في جملته منسوخ بالقرآن المدني ، ولهذا وجب بعثه ، ومن ثم نسخ القرآن الناسخ ، وهذا هو تطوير التشريع الاسلامي!!
    ومع ان السيد الصادق ، لم يمدد هذا الفهم الى نهاياته المنطقية ، الا انه حتى في القدر الذي ذكره كان بنبغي عليه ان يذكر ولو من باب الأمانة العلمية ، دع عنك الصدق الديني ، ان هذه الفكرة التي هي المخرج الوحيد من التناقض الذي يرزح تحته علماء المسلمين وعوامهم ، قد أتى بها الاستاذ محمود محمد طه ، وبشر بها منذ مطلع الخمسينات!!
    على ان السيد الصادق لم يفهم الفكرة الجمهورية بدقة حتى يحسن إقتباسها!! فالآية التي اوردها لا تنهض بحجته فهي ليست آية مكية ، وانما هي مدنية من حيث المكان ومستوى الخطاب!! فقد نزلت في المدينة وهي تحث المسلمين على الجهاد ، في معنى ما توبخهم على انهم حينما كانوا في مكة ، قبل ان يفرض عليهم الجهاد ، كانوا يطلبون ان يسمح لهم بقتال المشركين ، ولما جاءوا الى المدينة وفرض عليهم القتال صدوا عنه وتقاعسوا دونه .. ولو ان السيد الصادق أورد الآية كلها لوضح ذلك ، فالآية هي "ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا الى أجل قريب ، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً" .. جاء في تفسير الآية ]حدثنا علي بن الحسن عن الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة . قال: اني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم . فلما حوله الله الى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله "ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم" الآية رواه النسائي والحاكم وابن مردويه ..[ [7])

    (7)

    ومن اخطاء السيد الصادق ، في الفقرة التي افتتحنا بها هذا المقال ، قوله (والقرآن يؤكد ان محمد لم يأت بدين جديد "قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ان اتبع الا ما يوحى الي وما انا الا نذير مبين").. ان محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بدعاً من الرسل ، وانما هو مثلهم ، وما من رسول الا واتى برسالة جديدة والا لما حدث تغيير وكان مجيئه عبثاً!! فمن اين قرر الصادق ان محمداً صلى الله عليه وسلم لم يأت بدين جديد؟! قال تعالى "قل يا ايها الكافرون* لا اعبد ما تعبدون * ولا انتم عابدون ما أعبد * ولا انا عابد ما عبدتم * ولا انتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين" .. ولعل السيد الصادق يقصد انه اتى بدين جديد ، ولكنه ليس ديناً غريباً ولهذا قال (ولم يأت بدين غريب على الانسانية "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها") .. وهذه أيضاً خطأ ، فحين بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان في الكعبة وحولها 360 صنماً فلما قال لهم: "يا ايها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا" ، استغربوا هذا الامر وشق عليهم ، وحكى لنا القرآن استغرابهم ، في قوله تعالى "وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة الهاً واحداً ان هذا لشئ عجاب" ، فحين يقول المدعون عن ما جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم، "شئ عجاب " ويقول النبي صلى الله عليه "بدأ الاسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء.." يقول الصادق: (لم يأت بدين غريب)!!
    وكون الدين يوافق الفطرة لا يعني انه لم يكن غريباً على الناس ، وذلك لان الفطرة قد شوهها ما كسب الناس من الخطايا والذنوب ، وانما جاء الدين ليهذبهم ويردهم لما عليه الفطرة السليمة ، لهذا لا يصح الاستناد على موافقة الدين للفطرة كدليل على انه لم يكن غريباً على الناس، كما ظن الصادق المهدي ، ذلك ان المجتمع كان يدين بالتعدد الذي يوافق الفطرة المشوهه ، ولهذا استغرب التوحيد الذي ينسجم مع الفطرة السليمة..
    وبعد ان قرر الصادق بان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بدين جديد ولا دين غريب قال (ولا بدين مناقض "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه") وهو يعني ان الاسلام لا يتناقض مع الاديان السابقة .. وهذا حق ، ولكن من حيث التوحيد وليس الشرائع ، والتوحيد هو ما اشارت اليه الآية التي اورد الصادق جزءاً منها فعبارة "شرع لكم من الدين" تعني التوحيد وليس الشريعة!! فقد كانت شريعة اليهود تفرض عليهم ان يقتلوا انفسهم حتى تقبل توبتهم قال تعالى "واذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم" جاء في تفسير الآية (عن عكرمة عن ابن عباس قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل ان يقتلوا انفسهم قال: واخبر الذين عبدوا العجل فجلسوا وقام الذين لم يعكفوا على العجل فاخذوا الخناجر بايديهم واصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل ...)[8] ، وفي شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا تستوجب التوبة القتل ، قال تعالى "ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيماً" ، ومعلوم ان من شريعة آدم عليه السلام ان يزوج ابنه من بنته ، ولما جاء محمد صلى الله وسلم اتسعت دائرة التحريم فشملت الخالة والعمة وغيرها .. فالآية "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ، كبر على المشركين ما تدعوهم اليه ، الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب" اشارت للتوحيد بقرينة "كبر على المشركين ما تدعوهم اليه" فان ما يكبر على المشركين هو ان يدعوا الى التوحيد .. فاذا وضح كل هذا ، فان النبي صلى الله عليه وسلم ، قد جاء بدين جديد وغريب ، ومناقض من حيث شريعته ، لغيره من الاديان السابقة ، ولهذا لقى ما لقى من معارضة من دعاة القديم والمتعلقون بما كان عليه الآباء والاجداد ..

    (8)

    يقول الصادق المهدي (الاخلاق هي مراجع النفس الانسانية وركائز تماسك المجتمعات ، الفكر العلماني يقيم الاخلاق على المنافع ، والفكر الاسلامي المنكفئ يقيمها على اوامر الشرع ونواهيه . ولكن الفهم الصحيح هو ان للاخلاق اسساً موضوعية تبدأ في ادنى حالاتها بالمماثلة . أي ان تفعل للآخرين ما تحب ان يفعله لك الآخرون . وهذا يطابق الآية " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" . وتتدرج الاخلاق سمواً لتقوم على اثبات ما يتعارف الناس على حمده وانكار ما يتعارفون على ذمه اي تقوم على المعروف والمنكر كما نصت الآية " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث")
    يفترض ان يكون السيد الصادق ، قد قارن في الفقرة أعلاه ، بين الفكر العلماني ، والفكر الاسلامي المنكفئ ، وبين فكره هو الذي يعتبره الفهم الصحيح . وحتى تقوم المقارنة أصلاً ، يجب ان يكون هنالك اختلاف بين الاشياء التي تمت بينها المقارنة . فاذا كان الفكر المنكفئ ، يقيم الاخلاق ، على اوامر الشرع ونواهيه ، فعلى ماذا يقيمها الصادق؟ يقيمها على "اسس موضوعية "!! فهل اوامر الشرع ونواهيه ليست اسساً موضوعية؟! لقد شرح الصادق ، ماذا يعني بالاسس الموضوعية فقال (أي تفعل للآخرين ما تحب ان يفعله لك الآخرون) أليس هذا هو ما امر به الشرع ، حين قال (لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه)؟! وهو ما حددته الآية التي اوردها الصادق نفسه؟! لقد حاول السيد الصادق كثيراً خلال هذه الورقة ان يخرج من عباءة الفكر الذي اسماه انكفائي ، دون جدوى ، وما اشرنا اليه هنا انما هو احدى مواقع فشله في ذلك ..
    والمعاملة بالمثل ، مستوى قانون وليس اخلاق ، اللهم الا اذا فهم القانون ، باعتباره قاعدة الاخلاق.. ولما كانت الشريعة قانون ، امرت بالمعاملة بالمثل .. قال تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها" هذا مستوى شريعة - مستوى قانون ، أما بقية الآية "فمن عفا واصلح فاجره على الله" فانها مستوى اخلاق ، وهي من الدين ، ولكنها ارفع من الشريعة ، لانها تدعو للعفو عن المسيء ، ثم تقديم الخير له باصلاحه .. والى هذا المستوى الرفيع ، اشار السيد المسيح عليه السلام ، حين قال (سمعتم انه قيل تحبب قريبك وتبغض عدوك ، أما انا فاقول احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين . لانه ان احببتم الذين يحبونكم فأي اجر لكم أليس العشارون أيضاً يفعلون ذلك؟)[9]
    والاخلاق ليست دائماً مطابقة للعرف ، كما ذكر الصادق ، لان الناس قد يتعارفون على سوأة ويعتبرونها مكرمة ، فلقد تعارف العرب على وأد بناتهم حتى ابطل الاسلام ذلك .. والامر بالمعروف الذي جاء به الدين ، هو الامر بالعرف الذي لا يخل بغرض من اغراض الدين ، وجماع اغراض الدين، كرامة الانسان .. فاذا تعارف الناس على ما يحقق كرامة الافراد ، فان هذا عرف صالح ، يعتبره الدين معروفاً ويدعو للأمر به ..
    ماذا يقصد السيد الصادق ، حين عرف الاخلاق بقوله (الاخلاق هي مراجع النفس الانسانية)؟! هل يعني ، انها ما ترجع اليه النفس الانسانية ، لتوجه به سلوكها؟ وهل النفس الانسانية ، كلها على نسق واحد ومراجعها شئ واحد؟ وهل الاخلاق هي المراجع نفسها ، أم السلوك وفق هذه المراجع؟
    جاء في تعريف الاخلاق (وما هي الاخلاق؟ للاخلاق تعاريف كثيرة ، ولكن أعلاها ، واشملها ، وأكملها هي ان نقول أن الاخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة . ولقد قال المعصوم "انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فكأنه قال ما بعثت الا لأتمم مكارم الاخلاق ، ومن أجل ذلك قلنا أن محمداً عاش في أوج المدنية التي جاء بها الله عن طريقه ، ووصفه تعالى فيها بقوله "وانك لعلى خلق عظيم" . وحين سألت عائشة عن أخلاق النبي قالت "كانت أخلاقه القرآن" ومعلوم ان القرآن أخلاق الله ، واخلاق الله أنما هي في الاطلاق ، ومن ههنا جاء التعريف بان الاخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة .
    ولقد كان محمد أقدر الناس على حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ، وذلك لشدة مراقبته لربه ، ولدقة محاسبته لنفسه ، على كل ما يأتي ، وما يدع ، في جانب الله ، وفي جانب الناس . أليس هو القائل "حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا"؟
    بل ان حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة انما هو سنة النبي ، التي طالما تحدث عنها الناس ، من غير ان يدركوا حقيقتها . وهذه السنة هي التي اشار اليها في حديثه المشهور عن عودة الاسلام ، وذلك حيث يقول "بدأ الاسلام غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء! قالوا من الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها"
    فسنته هي مقدرته ، في متقلبه ومثواه ، وفي منشطه ومكرهه ، على حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة وتلك هي قمة الاخلاق ، وهي أيضاً قمة المدنية)
    [10]

    بهذا نختتم مناقشة مقدمة ورقة السيد الصادق التي حوت نظرته الدينية والاخلاقية لنفرغ الى رؤيته السياسية والاقتصادية .

    د. عمر القراي
    نواصل ..


    1- تفسير ابن كثيرالجزء الثاني ص 332
    2- محمود محمد طه ( 1960) الاسلام . الطبعة الثانية 68 ص 33
    3- محمود محمد طه (1967) الرسالة الثانية من الاسلام ص 140
    4- محمود محمد طه (1970) رسالة الصلاة ز الطبعة الخامسة ص 84
    5- تفسير ابن كثيرالجزء الأول ص 366
    6- منشور الصادق الى عموم أهل السودان والذي نشر بسودانايل في 7/6/2003
    7- تفسير ابن كثير – الجزء الأول ص 498
    8- تفسير ابن كثير الجزء الأول ص88
    9- انجيل متى 5 (43-45)
    10- محمود محمد طه (1967) الرسالة الثانية من الاسلام . ص 20-21

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 09-06-2004, 10:13 AM)
    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 09-06-2004, 10:18 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla08-31-04, 06:33 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد تاج السر حسن09-01-04, 03:13 AM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد degna09-01-04, 06:32 AM
      Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد saif massad ali09-01-04, 08:21 AM
        Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد محمد حسن العمدة09-01-04, 09:03 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-01-04, 06:06 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-06-04, 10:11 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-28-04, 10:15 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla10-25-04, 10:46 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-07-04, 07:24 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Fadel Alhillo12-08-04, 07:09 PM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد عبداللطيف خليل محمد على12-08-04, 11:25 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-13-04, 05:41 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-13-04, 05:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de