د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 11:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-07-2004, 07:24 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار" نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة الخامسة

    (17)

    يعتقد السيد الصادق ، ان المشكلة يمكن ان تحل بتطوير الفقه !! وهو لما كان مغرماً بالتقسيمات ، والتعديدات ، فقد قسم المؤسسة التي ستتولى تطوير الفقه ، الى ثلاثة أقسام فقال:
    (إن الوسيلة الأفضل في ظروفنا المعاصرة لتطوير الفقه الإسلامي وجعل أحكامه مادة للقوانين هي تكوين مؤسسة مكونة من ثلاثة شعب:
    الشعبة الأولى: هيئة الموسوعة. وهي هيئة للموسوعة الإسلامية مهمتها إحصاء كل آراء المجتهدين المسلمين عبر العصور، وإحصاء وتنظيم أدلة الآراء المختلفة وبيان الآراء التي كانت محل اتفاق الجمهور وآراء الآحاد والأقليات، وجعل كل تراث الفقه الإسلامي وتفسير القرآن والأحاديث مبوبا ومرتبا، بحيث يسهل الرجوع إليها بسرعة ودون عناء.
    الشعبة الثانية: هيئة الخبراء. وهي تتكون من علماء في الشريعة الإسلامية وفقهاء ومتخصصين في القانون الوضعي وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي الإدارة وفي العلاقات الدولية وسائر العلوم الاجتماعية وينظم هؤلاء أنفسهم داخليا بحيث يستطيعون استنباط أحكام من الكتاب والسنة واقتراح ديوان شامل :جنائي، مدني، شخصي، دولي، وحيثما لا يتفق رأيهم حول الاستنباطات المختلفة يسجلون الآراء المختلفة.
    الشعبة الثالثة: هيئة تشريعية. وهي هيئة تنوب عن الأمة نيابة صحيحة وحرة هذه الهيئة هي التي تنظر في ديوان القوانين الذي تعده هيئة الخبراء وتشرع بأغلبيتها القوانين. ولها أن تبادر ما تشاء في سن التشريعات، على أن تستعين بهيئة الخبراء للتأكد من أن تشريعاتها لا تعارض أصلا قطعيا من أصول الشريعة الإسلامية. هذه المؤسسات ذات الثلاث شعب هي المؤسسة التشريعية الإسلامية الملائمة لمبادئ الإسلام والمناسبة للعصر الحديث.)

    ان ما ينبغي على الصادق ان يواجهه ، قبل ان يحصي آراء المجتهدين ، هو ان يحدد ما هو الاجتهاد، وهل يجوز الاجتهاد في ما ورد فيه نص قطعي ؟! أما فقهاء السلف ، الذين يريد السيد الصادق ان ينشئ موسوعة تجمع كافة آرائهم ، فقد اتفقوا في انه لا يجوز الاجتهاد مع النص ، وان ماورد فيه نص من الكتاب أو السنة ، فالواجب فيه الاتباع . ولقد اعتمدوا في هذا ، على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، لمعاذ بن جبل حين ارسله الى اليمن. فقال : بم تقض ؟ قال: بكتاب الله . قال: فان لم تجد في كتاب الله؟ قال : فبسنة رسول الله . قال: فان لم تجد . قال: اجتهد رأي لا آلو . فاصبح واضحاً من الحديث ، انه لا يلجأ الى الاجتهاد ، الا بعد ان لا يجد الحكم في نصوص الكتاب ثم نصوص السنة .
    ولقد اضاف الفقهاء "الاجماع" ، واعتبروه مصدراً من مصادر التشريع ، بعد الكتاب والسنة ، وهو ما يسعى اليه الصادق هنا ، حين يدعو الى البحث عن اتفاق الجمهور . ثم إنهم أيضاً استحدثوا "القياس" ليوجه الاجتهاد ، لأنهم منعوا الاجتهاد في النصوص ، فلم يبق الا ان يقبل الرأي على اساس قربه من النص ، ويرفض على اساس بعده منه .. والصادق المهدي ، تبنى في كثير من تصريحاته ، وكتاباته، واحاديثه نفس راي الفقهاء ، ومن ذلك مثلاً قوله :
    (...وفي رأي ان هناك تيارا ثالثاُ يرى ان الدين جزء لا يتجزأ من الحياة ولا يمكن ان يطرد من الحياة وهو في كل جوانب الحياة ولكن مع الالتزام بالقطعيات أي قطعيات الوحي التي هي محدودة للغاية ، اما بقية المبادئ والاسس والتشريعات الاسلامية الي آخره فهي مفتوحة للاجتهاد بحيث تقبل الصياغة الاجتهادية لتلائم ظروف الزمان والمكان ، وهذا ما نسميه اتجاه الصحوة الاسلامية ...)[1] !!
    أول ما تجدر الاشارة اليه ، هو ان القفزة التي حدثت للبشرية بعد الحرب العالمية الثانية ، جعلت مجتمع ما قبل الحرب ، يختلف تماما عن مجتمع ما بعد الحرب ، دع عنك مجتمع القرن السابع الميلادي .. ولعل أهم نتائج هذا الاختلاف ، فيما نحن بصدده ، ان سقط "القياس" تماماً ، فلا يمكن ان تقاس مشاكل المجتمع الكوكبي الحاضر، بمشاكل المجتمع البشري في القرن السابع !! أما "الإجماع" فانه يعتمد على مبلغ علم المجمعين ، بما أجمعوا عليه حيث الكثرة لا تعني بالضرورة ان اصحابها على الحق .. فقد اجمع الفقهاء - كما ذكرنا - على انه لا يجوز الاجتهاد فيما ورد فيه نص من الكتاب او السنة ، ولما كان "الاجماع" مصدر من مصادر التشريع ، فقد اعتبر هذا الرأي الذي يحد من الاجتهاد ، من ضمن الشريعة ، واصبح المخالف له وكأنه قد عارض الشريعة ، هذا مع ان القول بانه لا يجوز الاجتهاد مع النص ، نفسه ، ليس بنص وما كان ينبغي ان يفلت من النقد والتمحيص ..
    إن الخطأ في اجماع الفقهاء هذا ، انما يجئ من عدة وجوه ، أظهرها ان ما لم ينزل الله فيه نصاً ، لا قيمة له عنده ، فلو كان مهماً لأنزل الله فيه نصاً صريحاً ، فلماذا نجتهد في امور لا أهمية لها عند الله ؟؟ إن اجتهاد الفقهاء في اشياء كثيرة ، لم ترد فيها النصوص جعلهم ينشغلون بما هو دون الأولى ، حتى ساقهم ذلك الى الشطط في ابتكار المعضلات ، واصدار الفتاوي لها ، فأفتوا في "بيع الطير في السماء" !! و "بيع السمك في البركة العميقة"[2]!! فأخرجوا الفقه عن جادة الدين ..
    ومما يخطئ رأي الفقهاء ، في عدم الاجتهاد فيما ورد فيه نص أيضا ً ، ظنهم بان الآيات ، تحوي معنى واحداً هو ما يعطيه التفسير ، فان لم يجدوا فيه حكماً لما يريدون، اجتهدوا فيما ليس فيه نص .. والحق ان معاني الآيات لا تسنفد .. قال تعالى في ذلك (ولو ان ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله)!! ومعلوم ان المقصود ليس الكلمات الحسية ، لان المصحف كله ، يمكن ان يكتب بدواة واحدة ، ولكن المقصود هو المعاني اللامتناهية التي تحويها هذه الآيات ، وهذا ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (إن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد ولايشبع منه العلماء ...)!! فالذي يعلم ان معاني القرآن لا تتناهى ، لا يطلب شئ من خارجه ، فاذا كان كل شئ موجود في القرآن ، فان الاجتهاد الحقيقي هو استنباط المعاني الجديدة ، من نفس الآيات القديمة ، وهذا يحتاج الى علم ، ولذلك قال تعالى (يعلمه الذين يستنبطونه منهم) ، والعلم المطلوب هنا ليس علم الفقه أو التخصص ، وانما هو العلم الذي يجئ ثمرة للتقوى ، على قاعدة (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) ..

    (18)

    فاذا وضح ذلك ، فان الاجتهاد يجب ان يكون فيما فيه نص ، وذلك بمعرفة الحكمة وراء النص ، فاذا خدم النص غرضه ، حتى استنفده ، يتم الانتقال منه الى نص ، أقرب لروح الدين وكرامة الانسان ، من النص الذي كان محكماً. وهذا هو الاجتهاد الديني ، لأنه لا يترك النص الديني لمجرد الرأي ، كما يفعل الفقهاء حين يزعمون ان المسالة لا توجد في النص ، وانما ينتقل من نص الى نص، يدعمه الفهم العميق للنص ولروح الدين..
    ورغم ان السيد الصادق ، لم يقل في كل ورقته ، انه يختلف جوهرياً ، مع علماء السلف أو الفقهاء الحاضرين ، ورغم انه في طرحه جميعه ، يتفق معهم في اعتقادهم الخاطئ بان الاجتهاد لا يجوز فيما ورد فيه نص ، الا انه يوحي هنا بانه يختلف مع الفقه الموجود ، ويريد للهيئة التي اقترحها ان تستنبط احكاماً جديدة، لم يضعها السلف ، فهو يقول:
    ( هيئة الخبراء. وهي تتكون من علماء في الشريعة الإسلامية وفقهاء ومتخصصين في القانون الوضعي وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي الإدارة وفي العلاقات الدولية وسائر العلوم الاجتماعية وينظم هؤلاء أنفسهم داخليا بحيث يستطيعون استنباط أحكام من الكتاب والسنة) !!
    ولو كان الصادق جاداً فيما ذكر، لحدد اولاً المسائل التي تحتاج الى استنباط احكام جديدة ، ثم دعا من العلماء من يتفق معه حول هذا الاجتهاد ، ومن يملك رأياً جديداً ليساهم به ، بدلاً من تحديد التخصصات بغض النظر عن أفكار اصحابها!! ثم ماذا يحدث اذا اختلف اصحاب التخصصات فيما يستنبطون من احكام ؟؟ لندع الصادق يحدثنا فيقول (وحيثما لا يتفق رأيهم حول الاستنباطات المختلفة يسجلون الآراء المختلفة) ولم يخبرنا ما الفائدة من هذا التسجيل ، وهل سيحسم الامر بالتصويت ؟؟ أم ان خلافاتهم تنقل للهيئة التشريعية ، لتقبل ما تشاء او ترفض ما تشاء منها ؟؟ ولعل الصادق اميل الى ان لجنة العلماء ترفع خلافاتها الى الهيئة التشريعية ، لتفصل فيها ، ولهذا يقول (الشعبة الثالثة: هيئة تشريعية. وهي هيئة تنوب عن الأمة نيابة صحيحة وحرة هذه الهيئة هي التي تنظر في ديوان القوانين الذي تعده هيئة الخبراء وتشرع بأغلبيتها القوانين. ولها أن تبادر ما تشاء في سن التشريعات)!! فاذا علمنا ان هذه الهيئة ، التي تنوب عن الامة جميعها تأتي بالانتخاب الحر ، فان اعضاءها، وهم من عامة الشعب ، سيكونون اقل دراية ، بأمور الدين من العلماء ، واقل معرفة في الامور الاخرى ، من المتخصصين الذين اشار اليهم ، في ما اسماه هيئة الخبراء ، فكيف يحكمون بينهم إذا اختلفوا ؟؟ أم ان رأي الاغلبية عند الصادق ، مقدم على المعرفة بالدين حتى في القضايا الخلافية الدينية ؟؟
    يقول الصادق عن هذه الهيئات التي اقترحها وشرح كيفية عملها (نتيجة لمجهود واجتهاد المؤسسة التشريعية المقترحة أعلاه سوف ينمو الفقه في أحضان الشريعة وفي ظروف العصر الحديث، وسوف تتكون قوانين شرعية وعصرية) !! ولقد اوضحنا مراراً بان القوانين الشرعية ، لا يمكن ان تكون عصرية ، ومن اجل ذلك جاءت الدعوة الى تطوير الشريعة ، حتى تعبر عن روح الدين وحاجة العصر .. ولكن السيد الصادق لا يوافق على هذا بل يسخر منه ، ثم هو يظن انه يمكن ان يجمع بين العصر والشريعة . على انه هنا يحدثنا- وقد نسي ما قال من قبل- بان نظام الحكم في عهد النبوة ، قد جمع السلطات كلها ، في يد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهويقول (وفي عهد النبوة قامت عوامل روحية وخلقية بكفالة العدالة رغم توحيد السلطات في يد واحدة. وفي العهود اللاحقة ضاعت الشورى وأدى توحيد السلطات في يد الحاكم إلى فساد السياسة وضياع العدالة) . ومعلوم ان النبي صلى الله عليه وسلم قد طبق الشريعة ، قال تعالى (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها) فاذا كان النبي قد جمع كل السلطات في يده ، فان ذلك هو حكم الشريعة ، وعليه اعتمد من جاء بعده ، ومع انهم كانوا اقل ببعيد من قامة النبي الكريم ، الا ان ابابكر وعمر قد حققا قدراً كبيراً ، من العدل والاصلاح ، وذلك قد كان ممكناً بالاضافة الى كفاءتهما الروحية والخلقية ، بسبب مناسبة الشريعة لذلك الوقت .. ولكن اليوم ، فان جمع حاكم فرد لكل السلطات في يده ، فان هذا لا يتفق مع روح العصر ، ولقد اوضح الصادق المهدي ، نفسه ، ذلك ، حين قال (وأدى توحيد السلطات في يد الحاكم الى فساد السياسة وضياع العدالة)!! فاذا كان جمع السلطات في يد شخص واحد يضيع العدالة و(إن الله يأمر بالعدل ...) ، فان هذا العمل يخالف الدين ، بالاضافة الى افساده السياسة ، ومن هنا ، قلنا بعدم امكانية التوفيق بين الشريعة والعصر ، واتهمنا من يحاول هذا التوفيق بالجهل بالدين ، وعدم الوعي الكافي ، بحاجة وطاقة العصر، ومن هؤلاء بكل اسف زعيم حزب الامة ، وامام الانصار السيد الصادق !!

    (19)

    لقد تحدثنا ، في الحلقة الماضية ، عن موقف السيد الصادق العملي من استقلال القضاء ، مما يغني عن التكرار هنا ، ولكنه يحدثنا عن فهمه لموضوع استقلال القضاء ، فيقول:
    (لا سبيل لكفالة العدالة التي يوجبها الإسلام إلا إذا تحققت الأسس الآتية: 1- استقلال القضاء: أن يكون القضاء مستقلا بحيث يطبق القانون بنزاهة تامة دون رغبة أو رهبة. 2- حياد القضاء: الشرط المكمل لاستقلال القضاء هو حياده، لأنه إذا لم يكن محايدا حيادا تاما صار استقلاله باب مفسدة كبيرة تسخر الاستقلال ضد العدالة)..
    فاستقلال القضاء ، يعني عند الصادق، ان يطبق القانون بنزاهة دون رغبة أو رهبة ، وهذا امر طيب ، ولكنه لا يتحقق الا اذا كان القضاء ، مؤسسة مستقلة عن السلطة التنفيذية ، والسلطة التشريعية. وهذا يعني ، فيما يعني ، الا يجمع الحاكم بين كل هذه السلطات في يده ، لان هذا الجمع يهزم إدعاء استقلال القضاء تماما!! ولما كان حكم الشريعة ، يقضي بجمع السلطات في يد الحاكم ، كما ذكرنا السيد الصادق بان النبي صلى الله عليه وسلم جمع السلطات في يده ، فان الشريعة إذن، لا تقوم على استقلال القضاء!! ولا يحتاج السيد الصادق ان يذكر في تعريفه لاستقلال القضاء ، بعد ان ذكر النزاهة (التامة دون رغبة او رهبة) ما أورد في الفقرة 2 من أمرالحياد لان النزاهة التامة ، تحوي الحياد ، والانحراف عن الحياد لا يحدث الا بسبب الرغبة أو الرهبة .. يقول السيد الصادق:
    (تقاليد القضاء الإسلامي تترك القاضي لتقديراته، وتقاليد القضاء الوضعي تحد صلاحيات القاضي بتضييق خياراته فيما ينزل من عقاب واليوم مع كثرة التقاضي واتساع مهام القضاء ينبغي تقنين الأحكام تقنينا مفصلا في مراجع قانونية يستند إليها القضاة، على أن يراعى في التقنين تقليد القضاء الإسلامي) ..
    ان الواقع الجديد ، الذي كثر فيه التقاضي ، وتوسعت فيه مهام القضاء ، هو الذي دعى السيد الصادق للموافقة على تقاليد القضاء الوضعي ، التي لا تترك الامر للقاضي ، بل تحد من خياراته ، بما توفر من تقنين ، ورصد للسوابق ، يعين القاضي على القرار السليم .. وبعد ان ذكر الصادق كل هذا ، وشعر بانه سوف يتهم من جمهوره بان انحاز للنظام الوضعي ، بدلاً عن النظام الاسلامي قال (على ان يراعى في التقنين تقاليد القضاء الاسلامي) هذا مع انه اخبرنا بان (تقاليد القضاء الاسلامي تترك القاضي لتقديراته) وهو ما من اجله فضل الصادق النظام الوضعي!!
    ان السبب في اختلاف تقاليد القضاء الوضعي ، والقضاء في الشريعة ، هو اختلاف الفلسفة التي ينطلق منها كل منهما .. ففي حين يعتمد القضاء الوضعي على الديمقراطية ، ويسعى لذلك للحد من سلطة القاضي الفرد ، بتوسيع التقنين ، ورصد السوابق ، أو بنظام المحلفين وسلطة الاستئناف ، فان القضاء في الشريعة يقوم على الوصاية ، فالخليفة وصي على الأمة ، في كل أمورها ، والقاضي وصي على المتخاصمين ، وله السلطة المطلقة في تقرير مصائرهم ، ولهذا لا يحد سلطانه ولا يراجع حكمه .. يقول الصادق
    (إن نظام القضاء الإسلامي يقوم غالبا على انفراد القاضي بقراره فلا يشاركه فيه أحد ولا يرفع الحكم لمحاكم أعلى استئنافا وذلك لأن ضمانات العدالة في البينات كانت دقيقة جدا وواضحة والقاضي يعتبر نفسه محاسبا أمام الله فيستحضر محكمة أعلى روحية ويجهد نفسه في تحقيق العدل)..
    ورغم ان نظام البينات دقيق في القوانين الاسلامية ، فان ذلك لم يكن السبب في عدم الاستئناف ، ولا كون القاضي يعتبر نفسه محاسباً أمام الله ، لان هذا اعتبار، اخلاقي ، فردي ، لا تقوم القوانين عليه . ان السبب هو روح الوصاية ، التي تفترض قصور المواطنين ولو لم يكونوا متهمين فما بالك بالمتهمين؟! .. يقول السيد الصادق
    ( ينبغي أن تتوافر في الذين يختارون للقضاء –على الأقل –الصفات الآتية: التقوى، والاستقامة، والعلم بالقوانين، والوعي بأحوال الناس النفسية والاجتماعية، وحسن التصرف الذي يوحي بالثقة فيه.)!!
    فان كانت هذه الصفات على الاقل فما هو الأكثر ؟ والتقوى لو تحققت ، تكفي وتغني ، عن كل الصفات التي ذكرها السيد الصادق ، فالشخص التقي لو لم يكن عالماً بالقوانين ، لرفض منصب القضاء ، حين يعرض عليه .. ولقد شهدنا في تجربة شريعة نميري قضاة غير مؤهلين قبلوا منصب القضاء وتسلطوا به على رقاب المواطنين ، وكان الخلل والفساد في قوانينهم وفي أشخاصهم ، وحين قامت الانتفاضة لتحطم هذا الفساد ، وعد السيد الصادق جماهير الشعب السوداني بالغاء قوانين سبتمبر وقال انها لا تساوي المداد الذي كتبت به ، ولكن حين انتخب لم يلغها ، اكثر من ذلك !! تحالف مع واضعيها وسعى في ان يأتي بها من جديد باسم القوانين الاسلامية البديلة ..

    (20)

    لقد تحدث السيد الصادق عن القضاء الواقف ، واشاد بدور المحاماة ، في دعم مؤسسة القضاء ، ولكنه اعتبر ذلك دوراً نظرياً ، واتهم المحاماة ، بانها اصبحت عملاً تجارياً ، يؤدي الى عرقلة العدالة ، ومع انه يقر بان المحاماة مؤسسة جديدة ، نبعت من النظام الوضعي ، الا انه يقول
    ( لقد عرف تاريخ الفقه الإسلامي نظائر لدور المحاماة:
    أ- فاختلاف الآراء الفقهية نفسه يلعب دورا في تبرئة المتهمين كما لعب دورا في تطوير الفقه ولذلك قال الناس: اختلاف الأئمة رحمة.
    ب-كان القضاة كما ذكرنا يستشيرون غيرهم من الفقهاء وطبعا كان المتهمون يلتمسون مشورة العارفين بالمسائل الفقهية وهذان الإجراءان يساعدان في توضيح مسائل قانونية للقضاة وفي تبصرة المتهمين بحقوقهم القانونية.
    ج-ويجيز كثير من الفقهاء ما يسمى بالحيل الشرعية وهي تصرفات فيها التزام بشكل الأحكام لا بروحها وقد برع فيها فقهاء الحنفية لأنهم كما ذكرنا يميلون إلى الجانب القانوني من الشريعة )
    .
    فهل اختلاف الفقهاء نظير لدور المحاماة؟ فماذا لو أخذ القاضي برأي الفقيه المتشدد ، ولم يأخذ برأي الفقيه المتساهل ، فتضرر المتهم من اختلاف الفقهاء ، بدلاً من ان يستفيد منه؟ وهذا ايضاً ينطبق على مشاورة القاضي للفقهاء ، فقد يشيرون عليه ، بما هو اشد مما كان سيحكم به ، لو لم يشاورهم .. ثم ان شورتهم في النهاية ، ليست ملزمة ، حتى تعتبر مثل وجود المحامي كما اعتقد الصادق المهدي .
    ثم ما هذه الحيل ، التي يشيد بها السيد الصادق ، ويضعها نظيراً للمحاماة ؟ هي الالتزام بشكل الاحكام دون روحها!! وهل هذا عمل ديني ، حتى يحدثنا عنه السيد الصادق ، ويصفه بانه شرعي؟! مثل هؤلاء الفقهاء الذين اصبحوا وعاظاً للسلاطين ، يذكرونهم بما يحبون ، ويفصلون لهم الفتاوي على قدر مفارقاتهم ، ويفرطون في روح الاحكام ، ويتعلقون بشكلها، هم الذين اشاد بهم الصادق في قوله
    (إن المتصفح لأعمال فقهاء السلف لا يسعه إلا أن يقول معنا "هؤلاء الرجال الأتقياء النيرة بصائرهم ، النافذة عقولهم ، تصدوا للنصوص الإسلامية الثابتة وعرفوا دور العقل ، والمصلحة ، واستوعبوا النافع من ثقافات عصورهم ، وأحاطـوا بظروف مجتمعاتهم ، واستخدموا وسائل نافذة ذكية فاستنبطوا أحكاماً دقيقة المعاني عادلة ونافعة فأرضوا ربهم وأورثونا ثروة غنية") ..
    بهذا اختم حديثي عن موضوع القضاء ، على ان اتعرض لراي السيد الصادق في الاقتصاد في الحلقة القادمة .

    عمر القراي

    -نواصل-

    [1]- جريدة البيان الاربعاء 15 شعبان 1422 الموافق 31 اكتوبر 2001
    [2]- راجع باب البيوع في الفقه على المذاهب الاربعة لعبد الرحمن الجزيري.
                  

العنوان الكاتب Date
د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla08-31-04, 06:33 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد تاج السر حسن09-01-04, 03:13 AM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد degna09-01-04, 06:32 AM
      Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد saif massad ali09-01-04, 08:21 AM
        Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد محمد حسن العمدة09-01-04, 09:03 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-01-04, 06:06 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-06-04, 10:11 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-28-04, 10:15 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla10-25-04, 10:46 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-07-04, 07:24 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Fadel Alhillo12-08-04, 07:09 PM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد عبداللطيف خليل محمد على12-08-04, 11:25 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-13-04, 05:41 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-13-04, 05:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de