د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-23-2024, 07:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-13-2004, 05:44 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار "نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة السادسة
    (21)


    بدأ السيد الصادق المهدي ، حديثه عن الاقتصاد بقوله (المشكلة الاقتصادية واحدة ، إنها تتعلق بندرة السلع والخدمات وسعة حاجة الناس لهما. الإنتاج الذي تشترك فيه عوامل عديدة: الخامات ، ورؤوس الأموال ، والأيدي العاملة يسعى لإنتاج السلع والخدمات لكي تلبي حاجة الناس . عملية الإنتاج تواجه مشكلتين ، الأولى: اختيار الاستخدامات البديلة للموارد ، والثانية: توزيع عائد الإنتاج بين العوامل المساهمة فيه) .
    إن هذا التعريف ، المنقول بلا تصرف ، من كتب الاقتصاد الغربي الكلاسيكي ، هو تعريف الرأسمالية للمشكلة . وهو تعريف زائف ، ومضلل ، ومع ذلك لم يملك السيد الصادق غيره!! ووجه التضليل في هذا التعريف ، انه يريد ان يشغل الناس بالمنافسة ، عن حقيقة المشكلة ، ثم يبرر غنى الغني وفقر الفقير . فمادامت السلع والخدمات نادرة ، ومحدودة ، وحاجة الناس غير محدودة ، فليس امام الفرد الا ان ينافس بكل السبل ، والذكي هو الذي يكسب ، ويثرى ، والغبي او الكسول ، هو الذي يصبح فقيراً ، ولا يستفيد من فرص المنافسة .
    اما حقيقة المشكلة الاقتصادية ، فهي سوء توزيع الثروة . فلو ان ماتنتجه البشرية من الخدمات والسلع ، وزع على افرادها بعدالة لما بقى في الأرض فقير ولا محتاج . والرأسمالية لا تملك ان تدعو لعدالة التوزيع ، لان هدفها من الانتاج زيادة الربح ، ولهذا جاءت الدعوة الى عدالة التوزيع ، من الفكر الاشتراكي بكافة مدارسه ، وفي طليعتها الماركسية . ولقد أهمل السيد الصادق الاشتراكية ، تماماً ، في ورقته هذه ، ولعل ذلك بسبب عجزه عن الدفاع عنها ضمن اطروحته الاسلامية ، بالاضافة الى ظنه بان الاشتراكية ، قد فشلت وانهارت بانهيار الاتحاد السوفيتي ، وهو وهم قد وقع فيه كثير من الكتاب والمفكرين ، بسبب عدم التمييز بين الاشتراكية والماركسية ، ومن هؤلاء بكل اسف كثير ممن من كانوا ينتسبون الى اليسار .
    ان الماركسية مدرسة في الاشتراكية ، لها حسناتها وعليها سيئاتها ، فمن حسناتها الدراسة الاقتصادية الدقيقة ، والتحليل السليم للتطور الاقتصادي ، وربطها للاقتصاد بالسياسة .. ومن سيئاتها الفلسفة المادية ، التي قطعت صلة الانسان بالغيب ، فقضت على الحافز المعنوي البديل لسعر الفائدة . ومن سيئاتها الدكتاتورية ، التي ركزت السلطة في يد الحزب ، ثم اللجنة المركزية ، ثم سكرتيرها ، حتى اعادت قيصراً جديداً ابشع من سلفه ، اعطى الخبز وسلب الحرية ، ثم لما زادت المعارضة الصامتة ، التي تمثلت في انخفاض الانتاج ، لم يفلح الدكتاتور حتى في توفير الخبز ، فانهار النظام الذي كان منخوراً من الداخل ومتماسكاً من الخارج ..
    والانتاج في ظل النظام الرأسمالي ، الذي يتبناه الصادق ، لا يسعى لكي يلبي حاجات الناس كما ذكر ، وانما يسعى لكي يحقق اكبر الارباح ، ولو على حساب حاجات الناس . واما النظام الذي يوجه الانتاج ، لتلبية حاجات الناس ، فهو النظام الاشتراكي . ولهذا حرم ملكية وسائل ومصادر الانتاج ، على الفرد والافراد القلائل ، في صورة شركة أوشراكة و ألغي سعر الفائدة ، الذي ينمي رؤوس أموال الافراد ، على حساب مصلحة الغالبية الكادحة ، التي يستغلها الرأسمالي ليزيد من ارباحه .
    ولما كانت الاشتراكية فكرة انسانية ، في المقام الاول ، فقد دعا لها الاسلام في اصوله ، وان تخلفت عنها شريعته . ففي اصل الدين ، والذي قام عليه عمل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فان الاصل ، في الانفاق هو العفو ، قال تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) . ولقد فسره النبي الكريم ، بانه ما زاد عن الحاجة الحاضرة ، وهذا يعني ان ما زاد عن استهلاك الفرد ، لا حق له فيه ، وانما يجب ان يذهب مباشرة الى المحتاج. ولقد عاش النبي الكريم ،عليه افضل الصلاة واتم التسليم ، هذا المستوى الرفيع في قمته . فقد روي انه رفع يديه مرة ، يؤم اصحابه في الصلاة ، ثم لم يهو بهما ، بل هرع الى حجرة عائشة ، رضي الله عنها ، ثم رجع . فرأى الحيرة على وجوه اصحابه ، فقال: لعلكم راعكم ما فعلت؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: فاني تذكرت ان في بيت آل محمد درهماً ، فخشيت ان ألقى الله وانا كانز!! ولقد اوصى النبي اصحابه ، بهذا المستوى فقال (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له) قال راوي الحديث: (فذكر رسول الله من انواع المال ما ذكر حتى راينا انه لا حق لأحد في فضل)!! (لا حق لاحد في فضل) تعني بلغة العصر، انه ليس لاي شخص حق ، في فائض انتاجه ، لانه من حق المحتاج في تلك اللحظة . وحين سار الاصحاب ، في اول العهد ، على هذا النهج ، لفترة قصيرة ، أمتدحهم الله ، في قوله تعالى (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) .. وامتدحهم النبي بقوله (كان الاشعريون اذا املقوا ، او كانوا على سفر ، فرشوا ما عندهم على ثوب ، واقتسموه بالسوية ، اولئك قوم هم مني ، وانا منهم)!! وقال عن عموم الملكية لمصادر الانتاج البدائية (الناس شركاء في الماء والكلأ والنار) .. ويمكن ان تعتبر هذه المعاني الواردة في الكتاب ، والسنة ، دستوراً يشرع منه ، في تخطيط نظام اقتصادي حديث ، يقوم على الاشتراكية ، وبذلك نكون ادخل في الدين ، واقرب لحياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اننا نكون بذلك اكثر تعبيراً عن حاجة عصرنا ..
    وحين عجز الاصحاب ، رضوان الله عليهم ، ان يعيشوا على مستوى العفو في الانفاق ، تنزل الله لهم بمحض فضله الى الصدقة ، فجاءت ناسخة للعفو في الشريعة .. قال تعالى (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم) .. وبهذا جاءت الزكاة ذات المقادير، وجعلت فرض في شريعة الامة ، واعتبرت في حقنا الركن التعبدي الوارد في أركان الاسلام الخمس ، وظل النبي صلى الله عليه وسلم في سنته على العفو ، واصبح العفو هو زكاته ، وهو الركن التعبدي في الاصل .. ولم يكن من الممكن ان ينظم مجتمع الاصحاب ، على نظام اقتصادي يقوم على الاشتراكية ، لأن ظهور الاشتراكية كمرحلة من مراحل التطور الاقتصادي للمجتمع ، لا بد ان تعقب الرأسمالية المزدهرة، والراسمالية نفسها ثمرة من ثمرات الآلة ، ودخولها في عملية الانتاج ، فلا تتوقع نجاحها في المجتمع الرعوي الذي كان سائداً عند ظهور الاسلام .
    يقول السيد الصادق: (عملية الإنتاج تواجه مشكلتين ، الأولى: اختيار الاستخدامات البديلة للموارد ، والثانية: توزيع عائد الإنتاج بين العوامل المساهمة فيه) .. وليس حقاً ان مشكلة الانتاج الاساسية ، هي اختيار استخدامات بديلة للموارد ، أو توزيع العائد على عوامل الانتاج . وانما مشكلة الانتاج الاساسية ، هي عدالة توزيعه على عموم الشعب بما في ذلك العجزة والعاجزين . ثم بعد ذلك تأتي مسألة زيادة الانتاج من مصادر الانتاج . وكما يمكن زيادة الانتاج ، باستخدامات بديلة للموارد ، يمكن ان زيادته ، وبقدر اكبر ، بتطوير التكنولوجيا المشاركة فيه ، ورفع الكفاءة الانتاجية . ولقد تمثل الملكية الجماعية لوسائل ومصادر الانتاج ، اكبر حافز لزيادة الانتاج ، لأن الشغيلة التي كانت تبيع عرقها للرأسمالي ، تصبح في ظل الملكية الجماعية مالكة لمصيرها ، بملكيتها لوسائل الانتاج ، ومن هنا ، كانت الاشتراكية ، كنظام ، اكفأ من الراسمالية ، حتى من ناحية الانتاج.

    (22)

    يتحدث الصادق المهدي ، عن المبادئ الاسلامية ، ذات المحتوى الاقتصادي ، فيذكر منها التعمير ، ثم يقول (الثاني: الملكية ، وهي من ناحية الأصل لله أي أنه مالك كل شيء في الوجود والثروة ملك له، ولكن هذا الأساس لا يترتب عليه معنىً دينياً (ثيوقراطيا)ً لأن الإنسان ـ كل بني الإنسان ـ مستخلف على هذه الثروة ومسلط عليها وهي مسخرة له . ولا يجوز لأحد بموجب ملته أو نفوذه أو لمؤسسة أن تدعي النيابة عن الله . الملكية الاستخلافية هذه عامة ومشاعة ويمكن أن تصبح فردية عن طريق: الكسب ، والعقود الناقلة للملكية ، والوراثة . هذه هي وسائل الملكية الفردية ، ولكن تحقيقها عن طريق الغش ، أو القمار ، أو الربا ، أو الاحتكار ، أو الغرر يجعلها ملكية باطلة) .
    وكون عين الاشياء ، مملوكة في الاصل لله تعالى ، فتلك حقيقة هامة ، تنبني عليها اعتبارات دينية ، واقتصادية ضرورية لتطور الافراد الروحي ، ثم لاقامة الدولة على اساس العدل . واول هذه الاعتبارات ، هو تحقيق العدل باعطاء كل ذي حق حقه . فاذا علمنا ان الاشياء ملك لله ، وان الخلق عيال الله كما ورد في الحديث ، اقتضى العدل ان نعطي المال لمن يستحقه . ثم حتى نعين الافراد على هذا المستوى ، لا بد من تحريم الملكية الفردية لمصادر ووسائل الانتاج ، اذ يحرم على الفرد بالقانون ، ان يمتلك ما يمكنه من استغلال شخص آخر ، ولا يجوز له الا ملكية الاشياء الضرورية لحياته ، والتي لا يحتاج الى غيره لتشغيلها ، او ادارتها .. وحتى هذه فان ملكيته لها ملكية ارتفاق ، وليس ملكية عين ، اذ يجب ان يرتفق بها غيره ، متى ما كان اكثر حاجة لها . أما المزارع والمصانع وغيرها ، مما لا يمكن لفرد ان يديرها بنفسه ، فهي تملك للمجموعة في صورة جمعيات تعاونية ، يكون الافراد العاملين ، شركاء واصحاب اسهم فيها . وحين ذكرنا الله تبارك وتعالى ، بحقيقة ان الاشياء ليست ملكنا ، انما اراد لنا ان نتعامل في هذا المستوى من المعرفة .. قال تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)!! وحين عجزنا ، في الماضي عن هذا المستوى ، تنزل لنا الى مستوى الزكاة ذات المقادير ، فقال (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) فسمى المال مالنا نحن ، مجاراة لوهمنا وعجزنا ، عن المستوى الرفيع من الدين!!
    فمبدأ ان الملكية لعين الاشياء لله ، وهي بالنسبة لنا ملكية ارتفاق والمحتاج لها اكثر هو الاولى بها ، هو المعنى الاقتصادي الدستوري ، الذي على اساسه تقوم الاشتراكية كنظام للدولة الحديثة . وفي ظل الاشتراكية تمنع الممارسات التي تؤدي الى تجميع الثروة في يد القلة ، ويمنع كل ما يؤدي للاستغلال ، فلا يقوم نظام الوراثة ، ولا تقوم الزكاة ذات المقادير ، كما سافصل لاحقاً.
    يقول الصادق المهدي (إلى جانب هذه المبادئ العامة ذات المحتوى الاقتصادي توجد أحكام محددة أهمها: ‌أ- تحريم الربا ‌ب- تحريم وسائل الكسب الزائفة مثل الغرر ، والقمار ، والاحتكار. ‌ج- إيجاب الزكاة على المسلمين . ‌د- إيجاب الجزية على غير المسلمين . ‌ه- بناء مالية الدولة على الزكاة، والجزية ، والعشور والخراج . وهي موارد دورية، وإيرادات غير دورية هي: خمس الغنائم ، والفيء ، والتركة بلا وارث ، والمال الذي لا يعرف له مستحق)
    وبعد عدة اسطر يقول (الاختلاف بين ظروف الماضي والعصر الحديث أذكر من ذلك الاختلاف الآتي: أولاً: طبيعة الأموال كانت مباشرة من أنعام وزروع وصناعات وأعراض تجارة . وملكيتها كذلك كانت مباشرة . اليوم نشأت واتسعت الشركات المحدودة المسئولية وشركات المساهمة العامة والملكية فيها غير مباشرة لأسهم قيمتها في حركةٍ مستمرة تحددها بورصة الأسهم حسب أداء الشركات المعنية ربحاً وخسارة . ثانياً: مالية الدولة كانت تقوم على الزكاة، والجزية ، والخراج ، والكفارات ، وهي مصادر تتوقف على اختلاف ملة دافعيها . اليوم تقوم مالية الدولة على أساس ضرائب على دافعيها كمواطنين دون اعتبار لاعتقادهم الديني . نعم وجوب دفع الزكاة قائم ولكن هنالك اختلاف واسع بين الأمس واليوم حول الزكاة كما سوف نبين لاحقاً . ثالثاً: نظام الفيء والغنائم يقوم على افتراض الحرب حالة مستمرة. واليوم عبر المواثيق الدولية ومنظمة الأمم المتحدة الافتراض هو أن يكون السلام حالة دائمة . رابعاً: كانت المعاملات المالية بين المقرض والمقترض تقوم على علاقة مباشرة بحيث يفرض المقرض على المقترض شروطه الربوية ، اليوم هذا النوع من المعاملات يتم عبر مؤسسات ائتمان محددة يحكمها القانون الذي يحكم النظام المصرفي. والنظام المصرفي وسيلة لتنظيم الائتمان وللتحكم في حجم الادخار، وفي حجم كمية النقود المتداولة، وهذه الوظائف غير مسبوقة في الماضي . خامساً: كانت النقود معدنية مصكوكة بالذهب والفضة وثابتة القيمة مع الزمن ، أما اليوم فالنقود صارت عملة ورقية متحركة القيمة من ساعةٍ لساعة حسب أسعار تبادل العملات في الأسواق المالية . هذا بدوره يجعل أي قرض اليوم شيئاً مختلف القيمة عنه غداً أو بعد غد ، هذا يعنى أن قيمة المبلغ المقترض اليوم مختلفة تماماً عن قيمة نفس المبلغ بعد شهر أو سنة . هذه ظاهرةٌ جديدة . سادساً: إذا استعرضنا الأحكام المحددة المحرمة كالربا ، والواجبة كالزكاة لوجدنا أن الاختلاف الشامل في ظروف اليوم والأمس يقتضيان اجتهاداً جديداً يطبقها على ضوء مقاصد الشريعة لا على أساس الصيغة القديمة لأن تطبيقها على أساس تلك الصيغة يأتي بنتائج عكسية ويهزم مقاصد الشريعة).
    فاذا كان الاختلاف بين الماضي والحاضر ، يلغي اشياء كثيرة ليس لها وجود اليوم ، فلماذا ذكرها السيد الصادق وهو يعدد الاحكام الدينية ذات المحتوى الاقتصادي؟! وحين تحدث عن الزكاة ذكر ان الاختلاف بين الماضي والحاضر (يقتضيان اجتهاداً جديداً) ولم يقدم لنا هذا الاجتهاد ، فمن ينتظر ان يقدمه له ، وهو المفكر الذي يقدم ورقة يتوقع ان تحدث تجديداً في الفكر الاسلامي؟! والصادق يقول (نظام الفيء والغنائم يقوم على افتراض الحرب حالة مستمرة. واليوم عبر المواثيق الدولية ومنظمة الأمم المتحدة الافتراض هو أن يكون السلام حالة دائمة)!! وما هو رأي الدين؟ وهل يمكن ان نتركه جانباً ونتبع المواثيق الدولية خاصة ، وان الصادق كرر كثيراً بان النصوص القطعية ، لا يتم فيها الاجتهاد ، وانه يحدثنا في نفس هذه الورقة، عن الجهاد مما سنعرض له لاحقاً؟!
    وعبارة الصادق (كانت النقود معدنية مصكوكة بالذهب والفضة وثابتة القيمة مع الزمن ، أما اليوم فالنقود صارت ورقية متحركة القيمة من ساعة لساعة حسب اسعار تبادل العملات في الاسواق المالية) تحتاج الى مراجعة من الناحية الاقتصادية . فالنقود سوى ان كانت معدنية او ورقية ، قيمتها ليست في ذاتها ، وانما قيمتها تداولية أي في مقدار ما توفر من سلع او خدمات ، عندما تتداول في المجتمع . وهذه القيمة ليست ثابتة ، لانها تتاثر بالعرض والطلب للسلع والخدمات ، كما تتأثر من وراء ذلك بالعوامل التي تؤثر في العرض والطلب ، مثل تغيير عادات الناس ، ومن ثم مطالبهم الحياتية ، وتتاثر ايضاً بازدياد وعي العمال ، وارتفاع اجورهم وفوائدهم ، مما يرفع تكلفة الانتاج . كما تتأثر بتكلفة عناصر الانتاج المختلفة ، وخاصة دخول التكنولوجيا المتقدمة . كل هذه العوامل اختلفت في ظل الراسمالية المتطورة ، عما كانت عليه في المجتمعات الاقطاعية ، او البدائية الرعوية ، التي كان فيها تطور المجتمع وئيداً ، وتغير ملامحة الاقتصادية بطيئاً ، ومن هنا ، كانت قيمة النقود شبه ثابتة ، وهو ما يختلف عن واقع حياتنا اليوم ، وهو ما يقصده السيد الصادق ، ولم يوفق اليه .

    (23)

    يفتتح الصادق المهدي ، حديثه عن الربا ، بقوله (الربا محرم شرعاً لأنه يقوم على استغلال صاحب المال لصاحب الحاجة فيفرض عليه زيادة في حجم القرض مقابل الإمهال للسداد بعد فترة زمنية معينة) ، ولكن التشديد على حرمة الربا ، لا ينطلق فقط من استغلال صاحب المال ، لصاحب الحاجة ، بفرض زيادة نظير تاخير السداد ، وانما لان المال في الاساس ، ليس ملك صاحبه ، وانما هو لله . وكان المفترض ان يعطيه للمحتاج ، بلا مقابل ، لا ان يطلب منه ارجاعه ، واذا تأخر في السداد ، يجب ان يمهله حتى يستطيع (وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون) .. فاذا قصر الشخص ، الذي انعم الله عليه بالغنى ، عن كل ذلك وطالب المحتاج ، بان يعطيه اكثر مما اخذ منه ، ليستكثر في الغني ويزيد الفقير فقراً ، وقهراً ، وغلبة ، فان هذا وضع يقوم على الكفر بنعمة الله ، والايذاء لخلقه ، بصورة تستوجب العقوبة القاسية ، والتشديد المنكر ، وهذا ما حدث في الربا .. قال تعالى (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بانهم قالوا انما البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره الى الله ومن عاد فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون)!!
    يقول السيد الصادق (إن فائدة البنوك اليوم آلية مختلفة لأنها:
    • مرتبطة بمؤسسات ائتمان قانونية ومحددة الشروط وغير قابلة للمساومة بين مقرضٍ ومقترض.
    • أموال المصارف اليوم مكونة من أسهم وودائع لجمهور عريض منهم الغني والفقير، بينما القروض تذهب في الغالب لمستثمرين لزيادة حجم الاستثمار لا لحاجة خاصة بهم . وهؤلاء يقدمون مشروعات مجدية اقتصادياً وضمانات تؤكد أنهم من قطاعات المجتمع الأغنى لا الأفقر.
    وسعر الفائدة اليوم – في إطار المؤسسات المالية التقليدية - يقوم بوظائف نقدية ومالية لا غنى عنها إلا إذا وجد بديل مناسب له في أداء هذه الوظائف الهامة والضرورية:
    • إنه يشكل حافزاً للادخار.
    • إنه ينظم حجم المال المتداول ومن ثمَّ ضبط النشاط الاقتصادي تمدداً وإنكماشاً.
    • يعطي مقياساً للمفاضلة بين الاختيارات الاستثمارية المختلفة
    • يعوض عن تدهور قيمة العملة مع الزمن عن طريق التضخم وهبوط سعر تبادل العملة)
    .
    ومع ان هناك فرق بين سعر الفائدة المصرفي الحديث ، وبين الربا المشدد عليه النكير ، بسبب أختلاف المجتمع، وتعقد مشاكله ، بصورة خففت من اثر الاضرار المترتبة على كافة المعاملات المالية ، بالاضافة الى ما اشار اليه السيد الصادق المهدي ، الا ان سعر الفائدة ، هو حجر الزاوية في النظام الرأسمالي ، وأي تعامل به يدعم من النظام الرأسمالي ويقوية . فاذا وضح ان النظام الرأسمالي ، لا يستطيع ان يتجاوز الظلم ، فان اي دعم لهذا النظام بالتعامل معه ، بصيغة سعر الفائدة او غيرها ، يعتبر مفارقة دينية ، في الفهم الدقيق للاسلام ، والذي هو ارفع من الشريعة ، وهو الفهم الذي يطرح الاشتراكية بديلاً عن الراسمالية .. والى ان تجئ الاشتراكية ، فان المطلوب هو اخذ الكفاف من التعامل مع النظم التي تفرض سعر الفائدة ، وحصر الاستفادة منها ، في اطار ما تبرر الضرورة أخذه ، ثم العمل من داخلها ، على انشاء الكيانات التي تتجه نحو الاشتراكية ، مثل الجمعيات التعاونية وبنوك التنمية المحلية والنقابات المهنية .
    ولعل الصادق المهدي ، يتفق معنا في ان الظلم يحدث بنظام سعر الفائدة ، ولذلك يقول (نعم إن سعر الفائدة الزائد عن حد معين يشكل استغلالاً ويضر بالنشاط الاقتصادي نفسه، إنه في هذا الصدد يشبه معاملات أخرى كثيرة ذات طابع استغلالي. قال النبي " الربا ثلاثة وسبعون باباً" ـ أي نوعاً. وقال: "غبن المسترسل" "الذي لا يعرف قيمة الأشياء" ربا. وإشارة لهذا المعنى الواسع للربا وصف ابن عربي ، لجهله أو لغفلته أو لأنه غريب "الفقيه لا الصوفي" كل ربح أو كسب يزيد عن المثل بأنه ربا. هذا معناه أنك إذا ربحت ربحاً فاحشاً من تجارة محتكرة، أو أجرت منزلاً بأجرة باهظة استغلالاً لحاجة المستأجر ، فالمعاملة في الحالين زائدة عن المثل ـ وهذا ربا) . ولما كان الربح الفاحش ، الذي تقوم عليه التجارة الجشعة ، يشبه الربا ، فان الله تبارك وتعالى ، لم ينف ذلك ، حين اعترض المعترضون على تحريم الربا ، بتحليل البيع ، قال تعالى (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بانهم قالوا انما البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره الى الله ومن عاد فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) ..
    ومن هنا ، من كون وضع الزيادة على السعر ، لا يختلف عن سعر الفائدة ، جاء اعتراضنا ، على ما سمي بالبنوك الاسلامية ، التي الغت سعر الفائدة ، واستبدلته بالمرابحة ، التي يفوق فيها الربح الموضوع على السعر، سعر الفائدة ، في البنوك التجارية ، وسجل ذلك النقد المفصل منذ نهاية السبعينات . ولعل ما لحق بتجربة البنوك الاسلامية من فشل ، وما وجه اليها من نقد في مصر ، حيث نشأت ، قد جاء متأخراً كثيراً على نقد الجمهوريين الذين تصدوا لهذه القضية ، حينما كانت الغالبية العظمى ، توافق على هذه البنوك وتتعامل معها [1] .. يقول السيد الصادق (ممارسات المصارف "الإسلامية" المعاصرة لا تمثل بدائل مجدية لسعر الفائدة وهي في الوقت نفسه لاسيما في صيغتي المرابحة والسلم أكثر استغلالاً للمستثمر وانحيازاً لصاحب المال بمراحل من سعر الفائدة وأقل حرصاً على تمويل الأنشطة الاستثمارية الصناعية ، والزراعية ، والتعدينية، والبنية التحتية) .. ان نقد السيد الصادق في هذه الورقة لتجربة البنوك الاسلامية ، لا يمكن ان يمحو حقيقة ان حزب الامة ، قد كان وراء انشاء ودعم البنك الاسلامي لغرب السودان ، في منافسة الحزب الاتحادي الديمقراطي ، الذي كان قد انشأ بنك الشمال الاسلامي!!

    (24)

    وعن الزكاة ، يقول السيد الصادق (الزكاة فريضة إسلامية ، وهي من حيث المبدأ تعني تطهير المال الزائد عن الحاجة . هذا معنى روحي ، وهي توجب نقل المال من مستكفٍ إلى محتاج ، هذا معنى اجتماعي) .. والحق ان الزكاة تعني تطهير النفس ، من الشح ، وتزكيتها بانفاق المال الزائد عن الحاجة . قال تعالى (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ، وذلك لان الشح من ضمن الفواحش التي تستوجب التطهير، قال تعالى في ذلك (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) فالشيطان يعدنا الفقر ، اذا انفقنا ، ويخوفنا عواقب الكرم ، ويأمرنا بعكس ذلك ، وهو البخل الذي عبر عنه هنا بالفحشاء .
    وبقدر ما يستطيع الانسان ، ان ينفق بقدرما تزكت نفسه . ولما كانت الزكاة ذات المقادير، لا تأخذ من المال الا بعد ان يحول عليه الحول ، ويبلغ النصاب ، ثم هي لا تتعدى العشر ، نصف العشر ، او ربع العشر ، فانها لا تكفي لتزكية النفس ، ولكنها انما قبلت من الأمة ، واعتبرت ركناً من اركان الاسلام ، بمحض الفضل الالهي ومراعاة لضعف النفوس ، التي جبلت على الشح .. قال تعالى (واحضرت الانفس الشح وان تحسنوا وتتقوا فان الله كان بما تعملون خبيرا) .. ولو ان الاسلام اصر في تشريعه ، على ان ينفق المسلم اكثر من الزكاة ذات المقادير ، من باب الالزام لا التطوع ، لشق ذلك على الأمة ، ولكرهت الدين نفسه .. قال تعالى (انما الحياة الدنيا لعب ولهو!! وان تؤمنوا ، وتتقوا ، يؤتكم اجوركم ولا يسألكم اموالكم * ان يسالكموها فيحفكم ، تبخلوا ويخرج اضغانكم) .. وحتى الزكاة ذات المقادير ، على قلتها ، كانت أهم اسباب الردة عن الاسلام ، بعد التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الاعلى . فقد قالوا: انا نشهد الا اله الا الله وان محمداً رسول الله ونصلي ونصوم ولكنا لا نتؤتي اموالنا!! فحاربهم ابوبكر رضي الله عنه على منع الزكاة .
    ولما كانت الزكاة ذات المقادير ، تخرج مغالبة للشح ، وتعطى من باب التصدق ، وليس الحق ، فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرجها ، ولم يكن يأكلها ، ولقد منع عنها آل بيته فقال (الصدقة اوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد ولا لآل محمد)!! ومعلوم ان النبي الكريم ، لا يريد ان يجعل آل بيته طبقة خاصة ، فوق الامة، وهو حين منعهم عن الصدقة ، كان يود لو يستطيع منع الأمة كلها منها ، ولكن ذلك لم يكن ممكناً . فدعا الأمة لما هو افضل ، من باب الندب وليس الالزام، فقال (في المال حق غير الزكاة) .. ودعا مرة لدفع مال فاتى ابوبكر وعمر بمال فسال النبي عمر: ما ابقيت لأهلك؟ قال: ابقيت لهم نصف مالي . وسأل ابوبكر فقال: ابقيت لهم الله ورسوله . فقال النبي: الفرق بينكما كالفرق بين قوليكما!! ولقد ظن بعض شراح الحديث ، ان الفرق بينهما هو الفرق بين المال ونصف المال المنفق . ولكن الحقيقة هي ان الفرق هو بين ماترك في البيت ، أي بين الله ورسوله ونصف المال ، وهذا فرق كبير ، لا يكاد يقاس ، بين شخص اعتمد على الله وشخص اعتمد على نصف ماله!! ومع ذلك ، فقد استطاع عمر رضي الله عنه ، ان يتنازل عن نصف ماله ، بدلاً عن ربع العشر ، الذي نصت عليه الزكاة ذات المقادير . واكبر من الفرق بين ابو بكر وعمر ، الفرق بين النبي وابوبكر ، فمع ان ابوبكر رضي الله عنه ، قد انفق كل ماله في ذلك اليوم ، الا انه جمعه قبل ذلك ، ثم استطاع في مناسبة معينة ، ان يتنازل عنه .. أما النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن يدخر رزق اليوم للغد ، لأنه كان يعيش على مستوى الزكاة الاصلية ، وهي انفاق العفو ، حين كانت الأمة ، وفي طليعتها ابوبكر، تعيش في غالب حالها ، على الزكاة الفرعية ، وهي الزكاة ذات المقادير ..
    ورغم ان الصادق المهدي ، لا يعرف غير الزكاة ذات المقادير ، الا انه حتى في هذه ، تائه بين اختلافات الفقهاء، فهو يقول (اختلفوا حول المزكي بين مضيقين وموسعين .... واختلفوا حول قسمة الزكاة بين المواضع المختلفة ... واختلفوا حول جواز نقل الزكاة ولزوم صرفها في محل المال المزكي ... وقال بعضهم: المصارف الثمانية باقية كما هي . وقال آخرون: بل سقط سهم المؤلفة قلوبهم ... واختلفوا هل يصرف من الزكاة لغير المسلم؟ .... واختلفوا حول هل يخرج المزكي الزكاة للدولة؟ .... واختلفوا هل على المال الخاص التزام سوى الزكاة؟ ...)!! ولعل حضور ورشة العمل ، لا يحتاجون من يذكرهم باختلافات الفقهاء ، التي لا نهاية لها ، بقدرما يحتاجون الى ترجيح رأي على الآخر ، باعتباره اجتهاد جديد ، او رفض كل الآراء القديمة ، وطرح مفهوم جديد للزكاة ، يتناسب مع الواقع الجديد ، وهذا ما قصر عنه الصادق المهدي ، في ورقته هذه ، قصوراً مزرياً!!
    وعن تجربة تطبيق الزكاة ، في عهد النميري ، يقول الصادق (نظام جعفر نميري الذي طبق قانوناً للزكاة (1983ـ 1985م) ضمن ما سماه تطبيق الشريعة _ طبق الزكاة كضريبة مباشرة على كل المواطنين وسماها زكاة للمسلمين، ونفس الجباية سماها ضريبة تكافل اجتماعي لغير المسلمين. وبموجب هذه الضريبة المباشرة أُلغيت الضرائب المباشرة وغير المباشرة على المواطنين وخوّل القانون لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في أمر الزكاة جبايةً وصرفاً خرجت عن الضوابط الشرعية المعروفة. لقد كان قصد النظام في ذلك الوقت زيادة إيرادات الدولة للقضاء على عجز الميزانية وتصور أن التوسع في جباية الضريبة باسم الزكاة والتكافل الاجتماعي كفيل بتحقيق التوازن في ميزانية الدولة إذ قُدمت له تقديرات خيالية عن حجم الجباية باسم الزكاة فسارع في إصدار قانون بذلك. كانت التجربة غير ملتزمة بالضوابط الشرعية وفاشلة في تحقيق أهدافها الوضعية كوسيلة أفضل للجباية).
    وعن تطبيق الزكاة ،على عهد الجبهة الحالي ، يقول الصادق (أما في النظام الحالي (1989- حتى الآن) فقد طبق القانون الزكاة على المسلمين وحدهم ولكنه توسع في الزكاة بحيث فرضها على كل المعاملات المالية، والتجارية ، والاستثمارية والتبادلية، دون استثناء كأنها دمغة على كل المعاملات الاقتصادية. هذا الإجراء غير مصحوب بأية ضوابط تتعلق بحولان الحول ، ولا أية ضوابط تتعلق بالمسح الاجتماعي المطلوب ليدفعها المستكفي . إنها جباية عامة على المعاملات الاقتصادية دون إشارة لحالة المُزكي، ولا لبراءته من دين ولا لحولان الحول. هذا من ناحية الجباية ، أما من ناحية الصرف فقد تحكمت فيه أولويات سياسية لا حاجة المحتاجين . أوجب القانون هذه الجباية الواسعة باسم الزكاة على المسلمين ولم يفرض القانون على غير المسلمين أية جباية سوى جباية الضرائب العامة على كل المواطنين . فالعدول عن الجزية في السودان - باعتبار أن العلاقة تقوم على عهد المواطنة لا على عهد الذمة - أدى إلى إعفاء غير المسلمين عن أية جباية سوى الضرائب العامة . هذه الظروف أدت إلى ازدواجية العبء الضريبي على المسلم فصار المسلم في السودان باسم تطبيق الشريعة يتحمل جباية مضاعفة، لذلك صار كثير من المسلمين يجرون كثيراً من المعاملات والصفقات بأسماء أصدقاء أو أعوان غير مسلمين تجنباً لازدواجية العبء الضريبى باسم الزكاة . إن الزكاة كما تمارس في السودان تهزم مقاصد الشريعة وتشوه الزكاة، فالسودانيون قبل هذا التقنين كانوا يؤدون زكواتهم بإخراجها مباشرةً لمستحقيها أو عن طريق مشايخهم . ومع أن ذلك الوضع كان محتاجاً لإصلاح وتقنين، فإن التقنين البديل الذي أدخله النظام أسوا مما كان عليه الحال وأبعد من مقاصد الشريعة).
    ومعلوم ان مفكري نميري ، الذين اغروه بتطبيق القوانين التي اسموها اسلامية ، هم اعضاء الجبهة الاسلامية ، الحاكمة اليوم ، في شقيها الوطني والشعبي ، وان تطبيقهم الفاشل في الماضي والحاضر ، اعتمد على الغاء الضرائب ، واستبدالها بالزكاة ، بحجة ان الضرائب لم ترد في الشريعة . ولقد اهمل ذلك التطبيق ، اختلاف الواقع عن العهد الذي كانت فيه الزكاة ذات فعالية ، في الدولة البسيطة ، التي ليس فيها وزارات ، ومؤسسات تنفق عليها الدولة ، دون عائد مادي منها .. كما جهل دور الضرائب ، كجزء اساسي في النظام الراسمالي ، يستهدف السيطرة على تدفق النقد ، وتوجيه مسار الحركة الماليه في المجتمع .
    ولم يكن السيد الصادق ، افضل حالاً ، بل ان مفكري الجبهة ، قد كانوا عبر تاريخهم ، محط اعجابه . فقد اتفق معهم في حكومته بعد الانتفاضة ، واخذ يتدارس معهم وضع قوانين اسلامية بديله ، فهل كان يتوقع ان يقدموا له رأياً في امر الزكاة ، غير الرأي الذي قدموه لنميري وساقه الى الفشل؟! ان الواقع يقول بانهم لم يكن لديهم فهم افضل ، بدليل ما طبقوا الآن ، فهل عرف السيد الصادق ، بعد كل هذه التجارب ، انه كان لشدة خيبته ، يراهن دائماً ، على الجواد الخاسر؟!

    عمر القراي
    -نواصل-

    [1] - راجع كتاب "بنك فيصل الاسلامي" للاخوان الجمهوريين .
                  

العنوان الكاتب Date
د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla08-31-04, 06:33 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد تاج السر حسن09-01-04, 03:13 AM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد degna09-01-04, 06:32 AM
      Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد saif massad ali09-01-04, 08:21 AM
        Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد محمد حسن العمدة09-01-04, 09:03 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-01-04, 06:06 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-06-04, 10:11 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla09-28-04, 10:15 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla10-25-04, 10:46 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-07-04, 07:24 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Fadel Alhillo12-08-04, 07:09 PM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد عبداللطيف خليل محمد على12-08-04, 11:25 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-13-04, 05:41 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد Omer Abdalla12-13-04, 05:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de