بورتسودان ، الذباب والقاذورات والرطوبة والحر والعقارب والملح
لا اقصد من قريب ولا بعيد الإساءة لمدينة بورتسودان وأهلها الكرام ، ولكنى أورد حقائق فقط قد يوافقنى فيها البعض وقد لا يوافقنى آخرون وهم كثر ، فقد هيأت لى الظروف رؤية مدينة بورتسودان ولمدة ثلاثة أيام فقط طيلة حياتى ، رغم أن لى تجارب ثرية مع المدن والبلدان داخل وخارج السودان ، كان ذلك فى صيف العام 2000 ، أى قبل ستة أعوام بالتمام والكمال ، فأخذت أسرتى فى تجربة فريدة وهى الذهاب إلى السودان عن طريق (الإفراج المؤقت) عبر قيادة سيارتى من جدة إلى الخرطوم ، وكانت بالفعل أحد التجارب الممتعة التى لن انساها ما حييت ، فوصلت صباحاً إلى مدينة سواكن ، وقضيت ليلة (مرهقة) فى أحد فنادق مدينة بورتسودان حيث كان كل همنا الحصول على مكان نستريح فيه من وعثاء السفر ، فوجدنا فندقاً متواضعا ، قضينا جل وقتنا فيه (نائمين) حتى صحونا عند فجر اليوم التالى متوجهين صوب الخرطوم ، ويعتبر ذلك مروراً سريعاً لم يهىء لى تكوين فكرة عن تلكم المدينة لا أريد أن أتحدث عن تفاصيل الرحلة ، إنما سأركز على العودة ، بعد وصولنا إلى بورتسودان وقضائنا زهاء الثلاثة أيام فيها قضيناها فى بيت أحد اقاربنا إضطرارياً بعد أن فشلنا فى اللحاق بالباخرة التى حجزنا فيها العودة ، وقلنا (لعله خير) وقديما قالوا (فى كل تأخير ، خير) أو كما يقول أحد مشايخنا (التاء) زائدة ، إذ أن الأمر كله (خير) ثلاثة أيام (عجاف) رايت فيها (الشقاء) بكل معانيه ، فلم أرى فى حياتى أقذر ولا اقبح من تلكم المدينة ، أولا حر لا يطاق ، ورطوبة تدخل فى عروق ونسمات الجسم ، وذباب فى كل مكان ، أذكر كيف أننا كنا نجلس فى (صالة) بائسة ، نبحث فيها عن نسمة هواء مستحيلة ، وكان لصاحبى وقريبى الذى نزلت فى منزله بنات صغار جميلات ، أصغرهن كانت فى الثانية أو الثالثة من عمرها ، كانت تصيح من شدة (الحر) فقامت أمها بخلع ملابس الصغيرة تماماً ، فجلست فى وسطنا عارية ، وأحضرت أمها طعاما لتطعم الصغيرة ، فكان منظر الذباب محيراً إذ إجتمع فى جسم الصغيرة مثل المنظر الذى شهدناه عبر التلفاز للرجل الذى يعشق النحل فعمل على تجميعه فى كل أنحاء جسده ، فكان منظر الذباب مشابهاً لذلك المنظر الفظيع ، فتعجبت لمدينة يعج فيها الذباب بهذا القدر المهول ، ثم توجهت صوب (المستراح) لأقضى حاجتى وسط كل تلكم القاذورات ، وقبل أن اقضى حاجتى ، فإذا بعقرب يتوسط المكان ، فقتلت العقرب وأنا فى غاية الفجعة خوفاً على أطفالى الصغار الذين سيستخدمون نفس المكان ، فلربما كان للعقرب أيضاً عائلة تنتظر دخول أحدهم للمكان ، فقضيت يومى مهموما ، وقلنا ننتظر الليل لعل الهواء يتنفس قليلا عبر نسمات الليل ، فكان العكس تماماً ، إذ ضاق بنا المكان وضاقت بورتسودان بما رحبت ، فقضيت أسوا ليلة فى حياتى ، خرجت إلى الشارع ليلا فرايت الناس ينامون عراة فى الشوارع بحثاً عن نسمة هواء وسط كل هذا الكم من الذباب الذى لا يتوقف عن الطنين ليلا أو نهارا فى بورتسودان ، فى اليوم التالى قام قريبى بدعوتنا فى أحد الحدائق العامة كنوع من الكرم وليطلف علينا من وطأة المدينة الحارة الرطبة ، فرايت أسوأ حديقة فى حياتى تحفها الغربان ، وتنذر بشؤم رهيب ، فهى مظلمة والناس فيها يحملون سمات غريبة ، ويجلسون جماعات وفرادى فى شكل اشباح ليلية ، وتكاد لا تفرز (المباشر) من (المضيف) من (ماسح الأحذية) قلت لصاحبى ، أرجو أن ألتقى الفنان الذى قال (يا بورتسودان يا جنة) ، فأى جنة يقصد هذا الفنان؟ ، وكيف يمكن لشخص عاقل مكتمل النمو أن يقول كلاماً مثل هذا عن (نار) السودان الموقدة وينعتها بالجنة ، فكيف بفنانكم هذا لو رأى أديس ابابا أو كوالا لامبور فأى كلام يختار ليصفهما بها الماء فى بورتسودان قصة أخرى تستحق أن يؤلف فيها كتب ، فكلمة (مالح) لا توفى هذا (الزيت) الحار المملح الذى يشربه أهل بورتسودان ، وقد كثر فيهم الفشل الكلوى بسبب الماء الفاسد الذى يشربونه فيزدادوا عطشاً إلتقيت بعدها بالكثير من الأخوة (البورتسودانيون) ، فقالوا لى بورتسودان هى فعلا جنة السودان ، ولكنك زرتها فى التوقيت الخاطىء ، فلو زرتها فى شهر أكتوبر أو نوفمبر فإنك لا تستطيع أن تبرحها لشدة جمالها وحلاوة طقسها ، ثم بدأوا يتحدثون عن أمجاد بورتسودان وتاريخها منذ الإستعمار الإنجليزى وكيف أنها كانت وكانت ، وشعرت بالحسرة فى حديثهم على مدينة ضيعها أهلها كعادتنا نحن السودانيون فى تضييع كل شىء ، وذكروا لى مؤخراً أن الوالى الجديد عمل جاهداً لإعادة بورتسودان سيرتها الأولى ونجح فى ذلك نجاحاً كبيراً لم آبه لكلامهم ولم اقتنع فليس من سمع كمن رأى ، ولم أحس بالطمأنينة إلا بعد أن غادرت ميناء المدينة الكئيبة بعد قضاء ثلاثة ايام عجاف ، وقررت من كل أعماقى أن لا أزورها مرة أخرى مهما كان الثمن ، ويا بورتسودانيو المنبر لا تغضبوا منى ، بل حاولوا عمل شىء ولو يسير لإعادة نضار وجمال بورتسودان كسيرتها الأولى تحياتى

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]