أردول يتعهد بجبر الضرر للمتأثرين من أحداث لَقاوة

Quote: كتب برفسور بابوً فضل الله عن ماساة لقاوةً الاخ ................... تحياتي. عرفتك مهتما بقضايا الوطن . وبما أنه قد طفحت في الأسابيع الأخيرة قضية لقاوة وما ظل يتردد في وسائل الإعلام عن الصراع بين المسيرية والنوبة رأيت أن ازودك ببعض المعلومات عن جذور المشكلة. كما تعلم أنه عندما خرج الإنجليز من السودان كانت مديرية كردفان واحدة من مديريات السودان التسع وكانت المديرية مقسمة الى مجالس ريفية ومجالس بلدية. توجد المجالس البلدية في المدن الكبيرة كالابيض والنهود. أما المجالس الريفية فكانت مبنية على أسس قبلية مثل مجلس ريفي حمر ورئآسته في النهود ومجلس ريفي المسيرية ورئاسته في الفولة ومجلس ريفي جنوب الجبال ورئاسته في كادقلي ومجلس ريفي شمال الجبال ورئاسته في الدلنج وهكذا هنالك مجالس للكبابيش والبديرية والجوامعة وبقية القبائل. كانت جبال النوبة تتبع في معظمها الى ريفي شمال الجبال وريفي جنوب الجبال وتمتد من الدلنج شمالا وحتى طروجي وكاو ناروا جنوبا. غير أن هنالك جبال تسمى الجبال الغربية وتشمل جبال كمدة وتلشي وتيما وطبق وأبو جنوك والكاشا والشفر وخارج الغربية جبل الكجورية وهذه كانت تتبع لمجلس ريفي المسيرية في الفولة ولكل جبل سلطان. وقتها كان النوبة يسكنون الجبال وسفوحها والمسيرية لديهم فرقان وقري منتشرة في السهول حيث تقضي الفرقان الصيف في هذه المناطق ويرعون ابقارهم في مراعي هذه السهول ويسقونها من آبار يعيدون حفرها كل صيف لأن جريان الوديان يدفنها في الخريف. كما أن سكان القرى المستقرة من المسيرية يمارسون الزراعة بدرجة أقل من الرعي ويربون ابقارا تسير شمالا في الخريف تحت رعاية بعض أفراد الأسرة. انا ولدت في هذه المناطق في قرية كبيرة تسمى نكري بالقرب من جبل تلشي وهنالك قرى اخرى مثل ام خير والظليط والاغيبش وغيرها. كان النوبة يزرعون في سفوح الجبال وايضا بعضهم يمارس الزراعة في الأراضي الطينية بعيدا عن الجبل وعادة ما يخالطون المسيرية وهنالك تبادل منافع بين المجموعتين. بدأت المشاكل في عام ١٩٨٩ عندما نقلت الحركة الشعبية لتحرير السودان الصراع إلى جنوب كردفان تحت قيادة يوسف كوة. استهدفت الحركة قبائل المسيرية التي كانت تتواجد في السهول وقد تم تهجيرها بعد معارك عديدة كانت الغلبة فيها للحركة الشعبية وسميت هذه المناطق بالاراضي المحررة. وظل هؤلاء النازحون منسيون حتى اليوم. عند بداية دخول الحركة لهذه المناطق كانت الحكومة تنظر للمسألة على أنها نزاع قبلي بين النوبة والمسيرية ولم تدرك الحكومة أن ما يجري في المنطقة هو حركة تمرد الا بعد تهجير المسيرية منها وإطلاق اسم المناطق المحررة عليها. وطوال الفترة من ١٩٨٩ والى الان ظلت هذه المناطق لا يسمح للمسيرية بدخولها مع أن النوبة يستطيعون الدخول والعيش في مناطق المسيرية على أساس أنها تحت سيطرة الحكومة. أما لقاوة فانها تقع خارج سيطرة الحركة وتتبع لولاية غرب كردفان. وقبل انشاء ولاية غرب كردفان كانت المنطقة تسمى مجلس ريفي المسيرية إلذي يضم الفولة والمجلد وبابنوسة ولقاوة وكيلك وبلدات اخرى اصغر. ويسكن لقاوة خليط من السكان من المسيرية وقبائل أخرى كالنوبة والداجو وفلاتة وبرقو إضافة للجعليين والشايقية والدناقلة الذين يعملون بالتجارة. في السنوات الأخيرة بدأت تظهر احتكاكات ونهب للمواشي وقتل بين المجموعتين وان كانت في نطاق محدود نوعا ما مع تزايد وتيرتها عاما بعد أخر. سبق النزاع الاخير في لقاوة نهب لبقر تخص المسيرية في المرحال الرابط بين كادقلي والدلنج في منطقة تسمى الكركراية على الظلط جنوب الدلنج. وقد فزع أحد عشر شابا لاسترجاع البقر لكنهم وقعوا في كمين حيث قتل منهم اثنان وأسر تسعة آخرون اقتيدوا لمعسكر للحركة في جبل جلد ومن هناك رحلوا إلى كاودة حيث قضوا في الأسر قرابة الشهرين ثم أطلق سراحهم بعد وساطة من رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت. نتجت ‌المشكلة الأخيرة في لقاوة اثر محاولة الحركة احتلال لقاوة وضمها لما تسميه الاراضي المحررة (الحركة تنفي تدخلها في النزاع). كان هنالك هجوم على لقاوة من جهة جبل كمدة الطرين القريب من المدينة ومن جبهات اخرى. وقد تمكن المواطنون والقوات النظامية من صد الهجوم مع وقوع خسائر في الأرواح بين الطرفين. وقد تعرضت المدينة لقصف بمدافع الهاون والهاوتزر مما أجبر معظم سكان المدينة على اخلائها (استخدام المدفعية الثقيلة يؤكد أن الحركة تقف وراء النزاع). توجه المسيرية الذين نزحوا من المدينة غربا وجنوبا بطريقة غير منظمة كل يذهب إلى أي قرية أو فريق لديه فيه أهل او معارف. اسرتي بلقاوة كانت من بين النازحين. فحوش المرحوم والدي تسكنه ست أسر جميعهم نزحوا إلى عدة مناطق حول لقاوة. كذلك هنالك الكثير من أقاربي الذين يسكنون في لقاوة وغيرهم من الاهل المسيرية نزحوا كل يذهب في الاتجاه الذي يعتقد أنه سيجد فيه الامان والترحيب. وقد أصبحت المدينة شبه خاوية الا من بعض الشباب الذين يدافعون عنها بجانب القوات النظامية. من الناحية الآخرى فقد احتمى النوبة الموجودن في المدينة بحامية الجيش ومنهم من فر الى جهة الجبل ومنهم من قتل. هنالك خسائر في الأرواح والممتلكات من الطرفين. لاحقا علمت أن النوبة الذين احتموا بالحامية نقلوا الي كادقلي والدلنج بينما تفرق نازحوا المسيرية في القرى والفرقان غرب وجنوب لقاوة بعيدا عن مرمى نيران المدفعية الموجهة من الجبل. للمسيرية نقطة ضعف هي أن نازحيهم لا يتجمعون في معسكرات اللجوء لتقف على أحوالهم منظمات العون الإنساني بل يذوبون وسط اهليهم اينما وجدوا وهذا ما جعل الاضواء لا تسلط على نازحي ١٩٨٩ من المسيرية حتى اليوم مع أن عددهم يصل إلى مئات الأسر بعضهم نزح الى لقاوة وأخرون نزحوا إلى المحفورة ومجموعات تفرقت في مناطق أخرى. ‌بالأمس علمت أن الاحوال بدأت تعود تدريجيا لطبيعتها في لقاوة بعد تدخل القوات النظامية وسيطرتها علي الموقف وان بعض الأسر بدأت تعود لمنازلها. ‌راي الشخصى هو أن الحرب شيء بغيض والجميع فيها خاسر. لكن في غياب العدالة حتى العقلاء قد لا يستطيعون إقناع الآخرين بعدم جدواها. هنالك أسر نزحت منذ أكثر من ثلاثين عاما ظلت منسية لا تستطيع العودة لقراها بل هنالك محاولات حتى لمطاردتها لتهجيرها من المناطق التي نزحت اليها مثل لقاوة بحجة أن المسيرية لا ارض لهم وانما هم مستضافون من قبل النوبة. وهنالك تسجيلات كثيرة حائمة في الواتساب تقول بذلك. ومن المنطق عندما يدعي أحد أن الأرض التي عاش فيها أجدادك مئات السنين ليس لك حق العيش فيها ويقول لك اذهب من حيث جاء اجدادك فانه لم يترك لك خيارا ابدا. مشكلة المسيرية هي أن أغلبهم بدو وغير منظمين وبالتالي غير قادرين على عرض وجهة نظرهم على أجهزة الإعلام والمنظمات الإنسانية. بل عدم الاعتراف بالضعف من طرفهم هو جزء من تكوينهم وارثهم وثقافتهم مما قلل من الوعي بقضاياهم على اهميتها. وقد وظفت الحكومة الغبن الناتج عن الظلم الواقع عليهم واستغلتهم في حروبها لكن بأجندة تخصها هي بعيدا عن مصلحة المسيرية. وقد استخدمت الدولة بعض النفعيين في المؤتمر الوطني من أبناء القبيلة لتحقيق أهدافها مما شوه صورة القبيلة دون تحقيق اي مكاسب لها . ‌اخيرا أؤكد لك أن لا أحد من المسيرية راغب في الحرب وان القبيلة ترنو للسلام العادل وان والأرض تسع الجميع. ففي دراسة اجريتها مع أخرين في ٢٠٠٨ وممولة من معهد التنمية لما وراء البحار (ODI) وضح لنا أن نصيب الفرد من الأرض في جنوب كردفان يفوق العشرين فدانا وبالتالي نصيب الأسرة يفوق المئة فدان والرقم يأخذ بالحسبان جميع السكان بما فيهم غير المزارعين والرعاة من العاملين بالخدمة المدنية والقوات النظامية والتجار والاطفال. إذن الأرض ليست هي المشكلة بل الكراهية وعدم قبول الآخر هو ما تسبب ولا يزال يتسبب في معاناة اهلنا في لقاوة وغرب كردفان من جميع مكونات المجتمع ولدي قناعة أن هذا ينطبق على معظم أن لم يكن على كل المناطق التي تمور بالصراعات الان في السودان. وقطعا إذا أصبحت الحرب هي الخيار الوحيد المتاح للفرد فربما يكون خوضها اسهل من الهجرة إلى السعودية أو مالي أو الاندلس كما يقول بعض اخوتنا من النوبة. وفي هذه الحالة ينطبق على المسيرية مقولة مكره أخاك لا بطل. ‌هنالك خرط وضعها الانجليز توضح بجلاء حدود كل قبيلة وبرغم ذلك لا يوجد مسيري يقول ان هذه الأرض حكر على القبيلة لكن هنالك أعراف وقوانين تنظم استخدام الأرض والمسيرية ليسوا استثناء لكنهم يطالبون بالمعاملة بالمثل. ‌ارجو أن يكون في ما ورد أعلاه بعض الفائدة وبعض الإجابة على كثير من التساؤلات التي قد تدور بخلدك وقطعا بخلد غيرك من المهتمين بقضايا الوطن. ‌لك مودتي اخوك / بابو فضل الله