مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع.......

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 08:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-26-2022, 03:16 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحضارة التي اكتسحت الأرض!!
    علم الله ما فَتَن المغرورين من شبابنا إلا ما أخذهم من هذه الحضارة، فإن لها في زينتها ورونقها أخذةً كالسحر، فلا يميزون بين خيرها وشرها، ولا يفرقون بين مبادئها وعواقبها، ثم لا يُفتنون منها إلا بما يدعوهم إلى ما يُمِيت ويصدهم عما يُحيي وما يحول بينهم وبين قلوبهم، فليس إلا المتابعة والتقليد، وسأوجز هذا الرأي ما استطعت، وسأجعل كلامي فيه أشبه بلغة النظر: تأتي اللمحة القصيرة على ما تطول العبارة فيه وتمتد.

    إن هذه الحضارة لا تظهر أبدًا على حقيقتها؛ إذ كانت حقيقتها لم تجتمع بعد، وقد أنشأها جيل قريب منا وورَّثها مَن بعده، وترك معها أخلاقه وطباعه، فما برح الناس يشبهون الناس، وإنما صبغت الحياة ولونت ودخلها التمويه والزخرف، والخَطْب في هذا يسير؛ إذ كان الأصل الإنساني لا يزال باقيًا، وأكثره لا يزال سليمًا، وبعض الرؤوس التي اخترعت ما غيَّر الدنيا لا تزال بعد في الدنيا، ولكن الشأن حين تتناسخ الأجيال خلقًا بعد خلق، ويظهر على هذه الأرض الإنسان الميكانيكي الوارث أخلاقه وطباعه من الآلات أكثر مما يرثها من النفوس، فيومئذ لا يكون القول في الحضارة موضع حُسبان وظَنٍّ كما هو الآن.

    وعلى أن الدنيا لا تزال بخير، وعلى أن الحضارة الغربية لم تَعْدُ من الإنسانية موقع الألوان والتحاسين؛ فقد غمر شرها وكثر أذاها، وأخذ أهلها يتدافعونها ويتذممون منها، وألزموها الإثم وألحقوا بها الفساد، وأبكى عقلاءهم وحكماءهم ما جلبت عليهم من الأخانيث والمضاحيك والمهازل والمفاسد وكبائر الإثم والفواحش، ولم يقم خيرها بشرها ولا غطَّت مصالحها على مفاسدها.

    يحمل الإنسان في نفسه نقيضين، هما: عقله وهواه، أو دافعه ووازعه؛ فإذا أطلقهما معًا أفسداه، وإذا قيدهما معًا أفسداه كذلك، ولكن تمام الإنسان ونظامه أن يطلق العقل ويحد الهوى فيصفي بعضه في بعض فإذا هو قد خلص وتحرر؛ وما دامت الأهواء مقيدة في حدودها فليس في العقل إلا محض الخير، فإذا تُركا جميعًا لغاياتهما طمَّ شيء على شيء، ورجعت الحياة صراعًا حيوانيًّا؛ واحتالت العقول لتغيير الوضع الإنساني، وتواضع الناس على الأخلاق البهيمية الفاسدة يدخلونها في آدابهم فلا ينكرونها ولا يردونها ولا يرون الأدب يكون بغيرها أدبًا.

    فالحضارة الغربية أطلقت العقول تجدُّ وتبتدع، أطلقت من ورائها الأهواء تلذ وتستمتع وتشتهي، فضرب الخير بالشر ضربة لم تقتل ولكنها تركت الآثار التي هي سبب القتل؛ إذ لا تزال تمدها مدًّا حتى تنتهي إلى غايتها، وذلك هو السر في أنه كلما تقادمت الأزمنة على هذه الحضارة ضج أهلها وأحسوا عللًا اجتماعية لم تكن فيهم من قبل، ولو قد عمت الحضارة وتغشت أوربا كلها فلم يبقَ في تلك الأرض سواد ريفي أقرب إلى الطبيعة وأشكل بها، ولا يزال في الحياة على إرثه القديم كالسواد الأعظم الذي يعمر قراها ويملأ صميمها في كل مملكة منها، لرأيت أفظع ما ترى العين من بلاد متعادية متنابذة، لما يتنازع أهلها من طلب المنافع الشخصية والتكالب عليها والاستهتار بالشهوات والتناحر على تكاليف حياتهم الثقيلة المملولة المستوخمة، بَيْدَ أنَّ ريف أوربا وقراها وما فيها من نزعة الدين ومن معاني الطبيعة البعيدة عن الحضارة ومن الأخلاق السوية الصحيحة التي لم تُزِغْها المدينة، كل ذلك هو الذي يمسك هذه القارة أن تنهار ويحفظها أن تتحلل، وهو كالبداوة المحضة بإزاء الحضارة في معانيها المستهلكة، فهو بذلك مادة التجديد الإنساني في أوربا، على حين أن هذه المدنية هي مادة التجديد الحيواني بما تصرف إليه الحواس من المتاع واللذة.

    والحواس رُوَّاد القلب، فما أدت إليه أصلحه أو أفسده؛ وأما الشهوات فهي للجنس كله؛ إذ هي غايات طبيعية في تركيب الأجسام، ولذا قام الدين على سنة حكيمة كافلة للمصلحة، وهي إبعاد الشهوات عن المجتمع وجعل للشهوات متنفسا شرعيا يحمي الأمم وجعل درء المفسدة مقدمًا على جلب المصلحة؛ وذلك وإن لم يُؤتِ الناس عقلًا فإن العقل لا يؤتيهم غيره في آداب الحياة، ولكن الحضارة قامت على إطلاق العقل والهوى، فاستباحت الدين في طوائف من الناس وتركته بلا أثر في طوائف أخرى، فكانت تحكيمًا للشهوات في الخلق وتمكينًا لأسبابها في الاجتماع، ومن ثم أخذت تقتلع الأخلاق الإنسانية من أصولها، وما أعرف أكثر مظاهر المدنية إلا أمراضًا مسماة بغير أسمائها، وكلها جميلة سائغة مشرقة؛ لأنها كلها تؤلف حلمًا مريضًا كأحلام الخمر والأفيون.

    المتحضرون والطبيعة
    يحسب هذا الغربي المتحضر أنه قهر الطبيعة وسخَّرها فانتصر عليها، ولا يعلم أن الطبيعة تهزأ به؛ لأن هذا النصر بعينه هو الذي يسلطها عليه فتهزم أخلاقه وتُوهن قوَّته الروحية وتطحن لُبَّه في قشرته وتمكِّن فيه لأعراض الانحلال والسقوط، فهو لا يغير الطبيعة وإن انتصر عليها، وهي تغيره ثم تتركه يسمي نفسه المنتصر، فتضيف إلى حماقاته حماقة الغرور!

    أصبح المتحضر عصبيًّا ثائرًا حساسًا يدلف إلى الجنون بخطى بطيئة لكنها سائرة متحركة، وابتلته المدنية بأمراضها التي لم تكن في أسلافه، كالسرطان وغيره، وضربته الشهوات بحذر الحاسة الروحية وخمولها فأصبح يعمل للغرض الأسمى بوسائل معكوسة لا تؤدي إلا إلى الغرض الأسفل، ورجع كأنه غريب عن الطبيعة الخشنة التي لا بد له من خشونتها ليبقى قويًّا بها وقويًّا فيها وقويًّا عليها، وتغير من كل ذلك تاريخ عقله وأعصابه، فضعف النبوغ الفني وأصبح النمط العالي منه خاصًّا بالتاريخ القديم وحده، مع أنه ليس بين القديم وبين الجديد إلا طبيعةُ هذه الحضارة وأثرُها على العقول، أما الإنسان فهو هو، بَيْدَ أنَّه في الحضارة الأولى المتخشنة كان كالدينار الجديد رزينًا خشنًا، فأصبح في هذه الحضارة الناعمة كالدينار الأملس مسحته الأيدي وأزالت حرشته فهو إلى ضعف وإلى نقص!

    اتخذت الحضارة المرأة الغربية من وسائلها في ترقيق الطباع وإرهاف الملكات، ومع المرأة ما معها من فنون الدعابة والمغازلة والمفاكهة والإغراء وما تحت هذه من الطباع والأخلاق، فإذا العالم المتحضر في صبغة من الأنوثة متى أخذ الدهر مأخذه فيها استحالت من بعدُ صبغةً من الفجور يشمل هذا العالم.

    ويقولون: الجمال والفن! ولا يعلمون أنهما إذا استفاضا وعمَّا جاء منهما الخبال والهوس، وخرج من اجتماع كل ذلك الانحلال والسقوط، كما وقع في التمدن الروماني والحضارة الغربية.

    إني لا أرى أكثر مظاهر هذه الحضارة إلا أسلحة قاتلة تقتل الخير والرحمة في قلوب الناس، فهي ترفع تكاليف الحياة وتزيد فيها وتعسر آمالها، فتنشئ بذلك الفقر المدقع، وتخرج معه الفوضى والاختلال، وتحدث به الأخلاق السافلة كالتلصص والدهاء والخبث والحسد ونحوها، ويزيد العالم كل يوم بأسباب كثيرة تبدعها الحضارة؛ فلا تكون الزيادة إلا عبثًا وشرًّا ومضايقة؛ لأن ما كان يكفي الجماعة ذات العدد أصبح لا يكفي إلا فردًا واحدًا، ويومئذ لا تستقيم الإنسانية إلا بأن يغتذي بعضها من بعض، فيكثر القتل والاستراق والإباحة، ولكن في ألفاظ وتعابير مدنية، والآفة يومئذ أن الإنسانية تكبر والأرض لا تكبر، فتضيق الحياة بأهلها وتزيدها مطامعهم ضيقًا، فيتقرر عندهم نظام التقتيل ويصبح قانونًا عامًّا، وما أرى هذا القانون سينفذ إلا في الأجنة في بطون أمهاتهن، بحيث يكون في كل أسرة ميزان للموت لا يعطي الدنيا من إحدى كفتيه طفلًا حيًّا إلا بعد أن يجتمع في الكفة الأخرى أربعة موتى أو أقل أو أكثر!

    ولن يجدوا علاجًا من داء الحضارة إلا بالحمية منها، فيوشك إذا هم تنبهوا إلى ذلك أن يمنعوا الناس من بعض فنون هذه الحضارة بقوة القانون، وأن يفرضوا عليهم بعض الجهل فرضًا يؤخذون به ليبقى تاريخ العالم متصلًا وليجد النوع الإنساني على هذه الأرض من يوحِّده بصفاته وخصائصه؛ فإن الأخلاق في تلك الحضارة قائمة على غير قواعدها؛ إذ لم يكن من سبيل لتغيير البناء الإنساني إلا بتغيير هذه القواعد.

    وأنا أرى أنه لو انتزع من هذه المدنية أكثر حسناتها لذهب في ذلك أكثر سيئاتها؛ إذ كانت الحسنة هي التي تخرج السيئة؛ فالغنى الواسع بإزاء الفقر الأوسع، والرفاهية السَّرِية بإزاء الشيوعية والفوضى وهكذا، ونعيم هذه الحضارة نعيم في أقلِّه وشقاء في أكثره، وهو يفسد من يناله بإضعاف أخلاقه القوية الصالحة، ويفسد من لم ينله بتقوية أخلاقه الضعيفة الفاسدة.

    الحرية والمساواة في الحضارة الجديدة
    ولا يذهبن عنك أن الحضارة تقرر في جميع الناس هذين الأصلين العظيمين: الحرية والمساواة، فينشأ الناشئ عليهما ويترشح لهما في الحياة، حتى إذا شب وانتهى إلى الواقع وجد تلك الحضارة بعينها هي التي تقتلع الأصلين وترمي بهما في وجهه، فليس في الواقع إلا أشراف ووضعاء، وإلا عِلْيَة وسِفْلة، وإلا أفراد معدودون من كل طبقة يراغمون سائر الناس من العمال والمُهَّان والمساكين ونحوهم، كأن أساطين المال والسياسة هم وحدهم أصابع الدنيا تأخذ بهم ما هي آخذة، وبذلك ترجع عقيدة المساواة وإنها لعقيدة الظلم، وتعود فكرة الحرية وهي فكرة الاستعباد، فإذا سواد العالم المتحضر هو الناقم على الحضارة المستريب بها، وهو على سخطه ونقمته مسخر لمعيشته الضيقة المقسومة بالجرام من أيدي أصحاب القناطير، يعطيهم دمه بخبزه، ويشتري موته بعيشه، وذلك كله مما يجعله متربصًا بالفتن، سريعًا فيها إذا وقعت، تابعًا لكل من يدعوه إليها أو يستجيشه عندها، متوثبًا على ما يدري وما لا يدري، كما يقع الآن في كثير من البلدان الآن!

    فالكبير في هذه الحضارة ظالم هو أشبه بمظلوم، والصغير مظلوم وهو أشبه بظالم، وكأن الحقيقة نفسها خرجت من موضعها، فكل شيء حقيقة وكل شيء زور!
    والروح الإنسانية متى أصبحت موتورة ساخطة متبرمة بأسباب مختلفة كأسباب هذه المدنية من سياسية واجتماعية ووطنية، لم تكن روح الحياة ولكن روح القتل وما في حكمه، ومن ثم فلا بد في هذه الحضارة من انفجارات حربية مستمرة، ولا بد لها أن تجد من تقتله ومن تظلمه ومن تستعبده، وإذا تحاجزت الدول وتتاركت زمنًا فإنما يُسَمِّن بعضها بعضًا في مراعي السلم والعيش، وكل أمة عينها على شحم الأخرى!

    لست أنكر أن الحضارة زينة الحياة الدنيا وبهجتها، ولكن آفتها أن غايتها التي تجري إليها إنما هي المتعة واللذة وانتهاب العمر، فهي بذلك تؤتي جميع لذات الحياة لمن أطاق واتسع، كما تؤتي جميع مكارهها لمن حُرم وقُتر عليه؛ وبهذين توجِد ألفًا من السفلة والحشوة وسقاط الناس إذا هي أوجدت واحدًا من أهل الفضل والرحمة والإنسانية، ولا قصد فيها بل هي إسراف من طرفيها لا يألو أن يدفع الناس من حد إلى حد إلى غير حد علوًّا وسفلًا؛ فالنزاع في المادة والنزاع في العاطفة ذاهبان إلى ملتقى واحد، هو سخط الإنسان على الإنسان سخطًا شقيًّا مدنفًا؛ إذ لا أشقى في الاجتماع من ساخط على مَن لا يترضاه، هي حضارة على المجاز إذا توسعنا في العبارة لتعم الناس، فإذا حققنا في صريح هذا المجاز رأينا فيها الذلة والمسكنة والتهلكة بوسائل هي العز والغنى والحياة!
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    "تحت راية القرآن" للرافعي
    ================
    لكل مدنية جانبان: جانب يصح أن نسميه "الجانب المادي"، وجانب يصح أن نسميه "الجانب الروحي".
    ونَعني بالجانب المادي القوة الحسية وما يتبعها وما يُمِدهَا؛ فالتسليح وما إليه قوة مادية، والمخترعات الحديثة — من كهرباء وبواخر وطائرات وغواصات، وما تبعه من استكشافت — قوة مادية، وما اخترع من صنوف الترف — كاستخدام مستجدات التكلونوجيا في شئون الحياة، واستخدام القوى الميكانيكية في تنظيم الأعمال — قوة مادية؛ بل إن الوسائل التي تستخدم لهذه الغاية، كالعلوم الرياضية والطبيعية والكيمياوية والطبية هي أيضًا قوة مادية؛ لأن نتيجتها في الحياة هي هذه المخترعات والمستكشفات التي تزيد في ترف الناس ونعيمهم من الناحية المادية، بل المدارس والجامعات التي تعلم لهذه الغاية هي قوة مادية للدولة.

    والقوة الروحية وهي الإيمان وتوابعه، وهي رسم الَمثَل الأعلى للإنسان، والسعي في الوصول إليه، وهي العمل على إصلاح النوع الإنساني بأكمله من الناحية الفردية ومن الناحية الاجتماعية والسياسية، وهي تعويد الإنسان أن يفكر ويشعر ويعمل لخير الإنسانية، حتى تقرُب من المثل الأعلى لها، وهي أن يخفق قلب الإنسان بحب الناس، وبحب الخير العام لهم جميعًا، وهي أن يوضع من النظم ومن طرق التربية ومن القوانين ومن المعاهدات ما يحقق هذه الغاية أو على الأقل ما يقرب منها، وعلى الجملة هي تغذية الروح بحب الخير للإنسانية.
    وليس يمكن أن تُعَد المدنية مدنية راقية إلا إذا وجد فيها الجانبان، وكانا معًا راقيين، وكانا متوازيين.
    فلننظر — في ضوء هذا القول الجميل — إلى المدنية الحديثة، أهي مدنية صالحة؟ أهي مدنية راقية؟ أهي أمل الإنسانية؟
    الحق — مع الأسف — أنها ليست كذلك.

    لقد نجحت في الجانب المادي نجاحًا فوق ما كان يُنتظر، وفشلت في الجانب الروحي فشلًا أبعد مما كان يُنتظر، فأما الذين يهمهم المنظر وحُسن الشكل والمتعة المادية فقد صفقوا للمدنية الحديثة حتى كلت أيديهم من التصفيق، وبحت أصواتهم من نداء الاستحسان؛ وأما الذين يهمهم من الإنسان روحه لا جسمه، ومن المادية روحها لا مادتها، فنالهم شيء غير قليل من اليأس.

    أما المادية فحدث عنها ولا حرج، لقد حلقت الطيارات في السماء، وغاصت الغواصات في قاع الماء، و انطلقت الأقمار الاصطناعية تعد على الدنيا أنفاسها وأتت التوكلونوجيا بالسحر الحلال، تضغط على زر فتبعث ما شئت من أنوار، وتضغط على زر فتبعث ما شئت من حرارة، وتضغط على زر فتبعث ما شئت من حركة؛ كيف أَعُد والمخترعات لا تحصى عددًا، والعجب منها لا ينتهي أبدًا، حتى ظننا أن العالم احتفظ بأسراره كلها منذ خُلق، ثم باح بها جميعها لرجال المدنية الحديثة، فلم يعد لديه سر، وكل ما في الأمر تصفية حساب الأسرار.

    ولكن لا تخدعنك هذه المظاهر، فالمثل العامي يقول: "لا يعجبنَّك البيت وتزويقه، فساكنه قد جف رقيه"، لا تنظر إلى المكان وانظر إلى السكان.
    هذه مشكلات العمال العاطلين، وهذه الملايين المملينة من البائسين والجياع، وهذه الحروب الطاحنة التي تفتك بشعوب وأمم، وهذه الدول كلها تتسلح لتقذف بأبنائها جميعًا في أتون من نار مساحته الأرض كلها، وهذا وهذه، مما لا يعد من ضروب الشقاء.
    هذا هو القصر السعيد، فأين سكانه السعداء؟ وهذه هي السفينة الجميلة المعدة بكل وسائل الإعداد، فأين بَر السلامة؟!.
    سر هذا الشقاء كله طغيان جانب المادة على جانب الروح، سر هذا كله أن المدنية الحديثة عجزت عن أن تنظر إلى الإنسان كوحدة على الرغم من أنها قربت بطرق المواصلات والمعاملات بين أجزاء العالم.
    لقد قربت في المكان وباعدت بين السكان، تقدمت في علم الجغرافيا ولم تتقدم في علم الاجتماع، استكشفت الجبال والوديان والصحاري والأنهار والبحار، ولم تستكشف قلب الإنسان.
    عملت على وحدة الإنسان جغرافيًّا، وعملت على تفريقه اجتماعيًّا؛ فما أغرب شأنها،.. وما أضعف ذكاءها!
    هذه المدنية التي شرحتها طغت على كل شيء؛ فالأخلاق أساسها هذه المادية، وبرامج التعليم أساسها الوطنية، ومالية الدولة مشلولة بالأغراض الحربية، والآلات المخترعة جعلت أصحاب الأموال والحكومات ينظرون إلى الإنسان نظرهم إلى ترس في آلة، واستغرقت المادة كل تفكير المفكرين، من اقتصاديين وماليين وعلماء وحكوميين؛ ومن اتسع تفكيره لإصلاح روحي أو لإصلاح اجتماعى صدم بميزانية الدولة التي أسست على النظرة المادية، وصدم بالحالة الدولية العامة، كالذي كان في عصبة الأمم؛ فقد خذلت وأصيبت في صميمها؛ لأنها حاولت محاولة بسيطة أن توجه تيار المدنية الحديثة إلى الناحية الروحية، فلما كانت البيئة التي حولها لا تساعدها اختنقت وأصبحت هي الأخرى جسمًا بلا روح؛ ثم أصبح الناس جميعًا وقد فقدوا حريتهم الحقيقية، على الرغم من الطلاء الكاذب من المناداة بالحرية؛ فالحالة الاقتصادية المادية سلبت الناس حريتهم، وجعلتهم يعانون أشد المعاناة في وسائل العيش.

    ولا حرية لهم في التخلص منها؛ وكلما زادت المدنية زادت مطالب الحياة، وتعقدت سبل الحصول عليها، وشعر الناس بضيق من شدة الضغط؛ وهل مع هذا حرية؟ والناس يرون الحرب أزمة المدنية؟ ولكن هذا خطأ؛ فالحرب نتيجة سوء المدنية، ومظهر لحقيقة سوء الحال الاقتصادية والمادية، لا أن الحرب نفسها هي الأزمة؛ فالحرب هي عقرب الساعة التي نراها، ولكن العقارب نفسها ليست إلا مظهرًا للآلات الدقيقة المستورة تحت العقارب، وإذا رفعت العقارب لم يتغير سير الآلات في شيء، وكل ما فقدناه هو المظهر والعلامة.

    لقد أعْلَت المدنية الحديثة شأن العقل وغالت في تقديره، وآمن رجالها بأنه وحده هو الأساس الصالح للحياة، فكان من نتيجة ذلك ازدهار العلم المجرد من الإيمان والأخلاق إلى حد بعيد، وزادهم تحمسًا له ما كان من نتائجه الباهرة في المخترعات والآلات؛ ولكنهم بعد سيرهم الطويل، ونجاحهم الباهر في هذه السبيل، اصطدموا بحقيقة مؤكدة، وهي أن العلم بدون روح الإيمان والأخلاق لم يكن السبيل لإسعاد الإنسان.
    لقد رجحت في المدنية الحديثة كفة المادية، فيجب أن نضع في الكفة الخفيفة روحانية كثيرة حتى تتوازن؛ ولكن ما هذه الروحانية التي نريد وضعها؟
    لو فعلنا ذلك لزالت أكثر شرور المدنية الحديثة من حروب وعطلة وتناحر بين العمال وأرباب الأموال، ولتعاون الشرق والغرب، ولشعر الإنسان بأن أفق تفكيره اتسع، وأفق شعوره اتسع، وشعر أن الأرض كلها وطنه، والناس كلهم إخوانه، ولشاع الحب في جو الأرض، وأصبحنا نستنشقه مع الهواء.
    وما لم نصل إلى هذا الحد فالمدنية مجموعة أكاذيب.
    ==================
    روى الذهبي في كتابه العظيم "سير أعلام النبلاء" في ترجمة سليم بن أيوب الرازي (13/ 265)، ما حكاه سليم عن نفسه: أنه ذهب وهو صغير إلى الملقن (المحفظ) ليحفظه القرآن، فطلب منه أن يقرأ الفاتحة، قال فعجزت لعجمة لساني، فقال لي الملقن: هل لك من أم؟ قلت: نعم. قال فاسألها أن تدعو لك أن يحفظك الله القرآن ويعلمك العلم.. فرجعت إلى أمي فسألتها ذلك.. فدعت لي.
    فيسر الله تعالى له أن يدخل بغداد فيتعلم العربية ويحفظ القرآن والحديث، ويتفقه على علماء الشافعية في العراق، حتى برز وصار إماما، ثم رجع إلى بلاده فجلس يعلم الناس..

    الأبناء هم قرة العيون، وبهجة النفوس.. وهم زينة الحياة، ومنة الإله (المال والبنون زينة الحياة)(الكهف:46)..
    وكلنا يسعى في تربية ولده وصلاحه، ولا تتم لنا سعادة حتى نراهم صالحين مطيعين لربهم نافعين لأنفسهم ودينهم وأوطانهم.

    وإن من أعظم أسباب صلاح الذرية ـ بعد الأخذ بالأسباب المادية ـ كثرة الدعاء لهم والتضرع إلى الله ليصلحهم.

    منهج الأنبياء
    وهذا الدعاء للأبناء هو منهج السادة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، وهم أعلم الناس بطرق التربية الصحيحة، وأحرص الناس على أولادهم وما يصلحهم.. وقد كانوا صلوات الله عليهم يدعون الله لأبنائهم بالصلاح قبل ولادتهم وبعدها.

    هذا إبراهيم عليه السلام يدعو الله ويقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)(الصافات:100).

    وزكريا يدعو بعد أن كبرت سنة وامرأته عاقر: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}(آل عمران:38).
    وهو القائل: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)(مريم:5، 6).
    والوراثة هنا وراثة النبوة والدعوة وليست وراثة المال وحمل الاسم، لأن الأنبياء لا يورثون كما قال صلى الله عليه وسلم: (نحنُ معشرَ الأنبياءِ لا نورَثُ ما ترَكناهُ فهو صدقةٌ) وهو في البداية والنهاية، وأصله في صحيح مسلم قال: (لا نورَثُ ما ترَكناهُ فهو صدقةٌ).

    وامرأة عمران رضي الله عنها لما علمت أنها حملت دعت ربها سبحانه وقالت: (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(آل عمران:35).

    فاستجاب الله دعاءهم، ووهبهم الذرية الطيبة.. فهل توقفوا عن الدعاء لهم؟ لا.

    هذا إبراهيم عليه السلام يدعو لأولاده ويقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)(إبراهيم:35)، ودعا لهم أيضا بقوله: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)(إبراهيم:40).

    ولما وضعهم عند البيت دعا ربه بالدعاء المشهور: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(إبراهيم:37).
    فدعا لهم بصلاح الدين، وسعة الرزق، ومحبة الخلق، وأن يكونوا من الشاكرين.

    وامرأة عمران لما وضعت وخرج المولود أنثى، لم يمنعها ذلك أن تَهَبَها لخدمة بيت المقدس، وأن تدعوَ ربها ليحفظها ويُنبتَها نباتًا حسنًا، بل دَعَتْ بما هو أكبر من ذلك؛ فقالت: (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)(آل عمران:36).
    فكانت ثمرة هذه الأدعية ما تعلمون.

    النبي يعلم أمته
    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو سيد النبيين ـ يعلم أمته هذا الأمر، فيأمرهم بالدعاء لذرياتهم قبل مجيئهم وبعد أن يرزقهم الله إياهم.
    روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَمَا لو أنَّ أحَدَهُمْ يَقولُ حِينَ يَأْتي أهْلَهُ: باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطانَ، وجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا، ثُمَّ قُدِّرَ بيْنَهُما في ذلكَ، أوْ قُضِيَ ولَدٌ؛ لَمْ يَضُرَّهُ شَيطانٌ أبَدًا).

    وكان صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بأن يكثروا من الدعاء لأولادهم، ويعلمهم أن دعوة الوالد لولده مستجابة لا ترد: (ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ: دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ، ودعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المسافِرِ)(البيهقي وحسنه الألباني).

    وكان هو عليه صلوات الله وسلامه يدعو لأحفاده، الحسن والحسين ويعوذهما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.

    سبيل المؤمنين
    والدعاء للأبناء كما أنه منهج الأنبياء الكرام كذلك هو منهج عباد الرحمن؛ فقد وصفهم الله تعالى بذلك فقال: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)(الفرقان:74).
    قال أهل التفسير: "يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله ويعبده ويعمل بطاعته، فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة".
    قال عكرمة: "لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالا، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين".

    وفي سورة الأحقاف حكاية عن المؤمنين قولهم: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(الأحقاف:15).

    الفضيل وابنه
    كان الفضيل بن عياض سيدا من سادات هذه الأمة، وكان كثيرا ما يدعو الله لابنه علي ويقول: "اللهم إني اجتهدت في تربية علي فلم أقدر.. فربه أنت لي".. فما زال يدعو حتى قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: "خير الناس الفضيل بن عياض، وخير منه ابنه علي".
    وقال سفيان بن عيينة: "ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وابنه"..

    فدعوة الوالدين لها دور كبير في صلاح الأولاد، فلنكثر من الدعاء لأبنائنا؛
    فكم من دعوة يسرت عسيرا، وفتحت مغلقا.
    وكم من دعوة ردت شاردا، وقربت بعيدا، وأصلحت فاسدا، وهدت ضالا.
    وكم من دعوة دعا بها أب لابنه فسعد بها الابن، وسعد به أبوه في الدنيا والآخرة.

    فاللهم هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
    ================
    الحياة الزوجية ليست لقاءً عابرا، أو صحبةَ يوم أو يومين، وإنما هي صحبةٌ الأصل فيها الديمومة، فهي شراكة طويلة وحياة ممتدة لسنوات في الغالب طويلة، وإذا لم تكن هذه الحياة مطمئنة سعيدة كانت عبئا على أصحابها وباب هم وغم ونكد، ولذلك أمر الإسلام بكل ما يلزم من أسباب السعادة والهدوء والدعة والاستئناس بين الزوجين خاصة، وأفراد الأسرة عامة .. ومن أهم أسباب السعادة والاطمئنان ما أمر الله تبارك وتعالى به الأزواج من حسن المعاشرة والتلطف قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: 19].

    وإنما خص الله تعالى الرجال بهذا الأمر، وإن كانت النساء أيضا مأمورات به، لأن المرأة هي الطرف الأضعف في هذه الشراكة، وهي الأكثر احتياجا لهذا من الرجل، وأيضا لطبيعتها التكوينية والنفسية فهي أكثر تأثرا به وتفاعلا معه، ثم للمردود الحسن لمن يحسن إليها.. إلى غير ذلك من العواقب المحمودة لحسن العشرة.

    وحسن العشرة باب واسع تندرج تحته تفصيلات كثيرة، ونحن نذكر بعض ذلك ولا يخفى عدم الحصر:
    ا. التلطف والمداعبة:
    كما كان النبي صلوات الله وسلامه عليه، يتلطفُ مع زوجاتِه، ويُحسنُ عشرتَهنَّ، بل كانت له في ذلك لمساتٌ رقيقةٌ، فمن ذلك:
    . أنه كان يختارُ لزوجتِهِ اسمَ تدليلٍ (دلع) تلطفاً وتقربا وتحببا فكان يقول لعائشة : ((يا عائش)).

    . وكان يتعمَّدُ أن يشربَ أو يأكلَ منَ الموضعِ الذي شرِبَتْ زوجتُه منه أو أكلَتْ، فعن عائشة قالت: (كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في، فيشرب.. وأتعرق العِرق، وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في).[رواه مسلم].
    ومعنى أتعرَّق العرق: "يعني آخذ اللحم من العرق بأسناني، وهو عظم أخذ معظم اللحم منه وبقيت عليه بقية، والمراد هنا العظم الذي عليه اللحم".
    والحديث فيه أَرَقُّ وأجمل وأعلى أنواع الملاطفة والمجاملة والتودد والتحبب. فصلى الله عليه وسلم.

    في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك).
    ومعنى الحديث: أنه يؤجر على ما ينفقه في نفقة زوجته..

    وروى البخاري في صحيحه في "باب لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل": عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يَلعَقها أو يُلعِقَها). قال الإمام النووي : "المراد إلعاقُ غيره ممن لا يتقذر ذلك من زوجة وجارية وخادم وولد".

    ب ـ المسابقة والملاعبة
    أخرج أبو داودَ، والنسائيُّ عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضي الله عنها قالت: خرجتُ معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأنا خفيفةُ اللحمِ فنزلْنَا منزلًا فقالَ لأصحابِهِ: (تَقدَّمُوا) ثمَّ قالَ لي: (تعالي حتى أسابِقَكِ فسَابَقَنِي فَسَبقْتُهُ)، ثم خرجتُ معَه في سفرٍ آخرَ، وقد حملتُ اللحمَ فنزلْنَا منزلًا فقالَ لأصحابِه: (تَقدَّمُوا) ثم قال لي: (تعالي أُسَابِقَكِ) فسابَقَنِي فسَبَقَنِي فضربَ بيدِهِ كَتِفِي وقالَ: (هذهِ بتلك).

    ج ـ المؤانسة والمجالسة:
    وذلك بأن يفرغ كل من الزوجين من وقته ليجلس مع الآخر، فيتحدثان أو يعملان عملا مشتركا، ويستمع كل منهما للآخر، كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل مع زوجاته..
    فقد روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه).

    ومن أشهر شيء في ذلك حديث أم زرع الطويل الذي قصته عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم فجلس يسمع من غير ضجر، ويستمتع من غير ملل، حتى علق عليها في آخر الحديث ليدل على اهتمامه بسماعها وكلامها، واستمتاعه بذلك وعدم السآمة.. فاختار أحسن الأزواج وشبه نفسه به وقال: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلق).

    ومنه ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يضَعُ رأسَهُ في حِجري وأنا حائضٌ ويقرأُ القرآنَ)[ابن ماجه].
    وفي الحديثِ: حُسْنُ عِشْرةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومُراعاتُه لأحوالِ زوجاتِه، وكريم شمائله وأخلاقه.

    د ـ المدح والإطراء:
    المدح إكسير الحياة الزوجية، والمرأة تحب أن تسمع كلام الإطراء والثناء، ويسعدها أن يتغزل بها زوجها، وكذا الرجل، والأذن تعشق قبل العين أحيانا...
    وقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أروع مثال: فكان يمتدح عائشة ويقول: (فضل عائشةَ على النساء ِكفضل الثريدِ على سائر الطعام)[متفق عليه].

    وروى البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: (يا عائشُ! هذا جبريل يقرئك السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته...).

    وسأَلَته يوما: (يا رسول الله من من أزواجك في الجنة؟ قال: أما إنك منهن؟)[رواه الحاكم وصححه].
    وروى البيهقي في دلائل النبوة، وأبو نعيم في حلية الأولياء عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله وكنت أغزل، قالت: فنظرت إليه، فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نورا، قالت: فبَهِتُّ، فنظر إلي فقال: ما لك بهت؟ فقلت: يا رسول الله نظرت إليك فجعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نورا، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بقوله بشعره. قال: وما يقول يا عائشة أبو كبير الهذلي؟ قلت: يقول هذين البيتين:
    ومبرأٌ من كلِّ غُبَّرِ حيضةٍ .. .. وفســادِ مرضعةٍ وداءٍ مُغْيِلِ
    وإذا نظرتَ إلى أَسِرَّةِ وجههِ .. برقَتْ كبرقِ العارضِ المتهّللِ
    قالت: فوضع صلى الله عليه وسلم ما كان بيده وقام إلي وقبل ما بين عيني وقال: جزاك الله خيرا يا عائشة ما سررتِ مني كسروري منك)[الحلية: 2/46].

    هـ ـ إظهار المحبة
    وإذا كان بعض الرجال يأنف أو يستحي من ذكر ذلك، فقد كان أكرم الناس يفعله ويعلنه:
    جاء في الصحيح أن عمرو بن العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: (أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قال أبوها)[البخاري].

    وقد كان هذا مشهورا بين الصحابة رضوان الله إليهم، حتى كانوا (يتحرون بهداياهم يوم عائشة. يبتغون بذلك مرضاة رسول الله)[رواه مسلم].

    وجاءته فاطمة ابنته يوما فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة... فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى. قال: فأحبي هذه)[رواه مسلم].

    فصلوات الله وسلامه عليه، ما مر على ظهر الأرض أفضل ولا أكرم ولا أكمل ولا أحسن معاشرة لزوجه وأهله منه كيف لا وهو القائل: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)(رواه الترمذي وابن ماجه).
    فعلى المسلمين أن يتعلموا من نبيهم ويأتسوا به {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(الأحزاب:21).
    copied






                  

العنوان الكاتب Date
مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع....... سيف اليزل برعي البدوي07-16-22, 04:05 PM
  Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-17-22, 12:53 PM
    Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-18-22, 12:28 PM
      Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-19-22, 05:14 PM
        Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-20-22, 11:36 AM
          Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... جمال الباقر07-20-22, 01:20 PM
            Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-21-22, 06:13 PM
              Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-22-22, 11:17 AM
                Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-23-22, 02:33 PM
                  Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-24-22, 01:21 PM
                    Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-26-22, 03:16 PM
                      Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-28-22, 03:16 AM
                        Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-29-22, 01:05 AM
                          Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-30-22, 02:37 PM
                            Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي07-31-22, 03:57 PM
                              Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي08-01-22, 12:42 PM
                                Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي08-02-22, 06:48 PM
                                  Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي08-04-22, 11:29 PM
                                    Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي08-07-22, 00:19 AM
                                      Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي08-09-22, 02:39 AM
                                        Re: مقالات متنوعة و مفيدة للأسرة و المجتمع...... سيف اليزل برعي البدوي08-27-22, 11:25 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de