كانت تمثيليات الإنقلاب العسكري أيام انتفاضة ديسمبر والفترة التي أعقبتها للتخويف من جهة، ولتقوية سلطة اللجنة الأمنية التي كانت تطرح نفسها شريكاً للمدنيين في الحكم من جهة أُخرى. فتضع أمام الجماهير خيارين: إما القبول بها شريكاً أوالإنقلاب العسكري الكامل. وتفضيل خيار المشاركة في الحكم، على علاته، هو المرجح بديهيا. عندما طلب البرهان التفويض من الشعب، كل المعطيات تؤكد أن دعوته للشعب كانت حقيقة. ذلك لأنه كان متأكداً من إفتقاده لسند الجيش. بل أن قواعد الجيش، ابتداءً من الوسط نزولاً للضباط الصغار وضباط الصف والجنود كانت ضده، ماعدا القلة من قيادات الجيش التي تسلقت سلم الولاء للبشير لتصل إلى موقع القيادة. لذلك فقد كان البرهان يحتاج التفويض من الشعب، وكان صادقاً. لذلك ففي تلك الفترة وقواعد الجيش قد إتخذت جانب الجماهير،نسبياً، كان الحديث عن إنقلاب مجرد تخويف ليس له أي سند من الواقع. بل على الأرجح هو تلويح من اللجنة الأمنية بالإنقلاب في حالة إستمرار المطالبة بالسلطة المدنية. الكارثة الآن هي أن الإنقلاب، الذي أُعلن إحباطة، سوى كان وراءه اللجنة الأمنية أو إنقلاب كيزاني كامل، هو أمر وارد ومتوقع. ذلك مع الإنتباه لحقيقة أن الجيش لم يكن تربية الكيزان فقط، بل أن عملية أسلمته قد بدأت منذ توليهم الحكم. فقد شرعوا في تصفية الجيش من كل العناصرغير الكيزانية ورفده بالكيزان، ومنذ البداية. أسرع الكيزان في تأسيس قوات الدفاع الشعبي وإعتمادها كقوة أساسية. ذلك أنهم لم يضمنوا وقوف الجيش لجانبهم، وربما كانوا يخشون إنقالبه على سلطتهم. الشاهد أن إنقلابهم نفسه قد إعتمد خدعة انطلت على الجيش، وذلك بادعائهم أنه إنقلاب قام به ضباط المذكرة المشهورة. بعد ذلك، وعلى مدى ثلاثين عاماً، عمل الكيزان على تغيير ديمغرافية الجيش لمصلحتهم. من المؤكد أن الجيش، بعد المفاصلة، قد انقسم بين كوز شعبي وكوز وطني. ومن البديهي أن الغلبة في الجيش كانت للشعبي، ذلك أنهم في واقع الأمر قد أسلموا الجيش ولم يسعوا للتأييد السياسي. فمن البديهي أن يرث الشعبي الجيش المؤسلم وأن يأخذ العسكريون الإسلاميون، جانب شيخهم. إلى أن وصل حد التباعد بين البشير وقواعد الجيش درجة استعانة البشير بجيش حميدتي. الكارثة الأن هي أن حالة السخط والغبن التي يعاني منها الشعب هي بالضبط، أو ربما أشد وطأة، من الحالة التي بسببها رفع ضباط الجيش مذكرتهم التي تدارى بغطائها إنقلاب الكيزان. ففي الوقت الحالي لن تتكرر التجربة بحذافيرها ولن تتكرر المسرحية نفسها، لكن هنالك مسألة يجب أن تؤخذ في الحسبان، وهي أنه في حالة حدوث أي إنقلاب فإن قواعد الجيش، وبأحسن الفروض، وعلى أكثر التقديرات تفاؤلاً، ستقف في الحياد. فليس هنالك ديمقراطية، وليس هنالك دستور، لتحميهما. ثم أنه ومن المؤكد أن سخط الشعب ينعكس على الجيش ويعتريه. المصيبة تكمن في أن تحييد الجيش يعني الكارثة. لأن تحييد الجيش يترك المجال لحالة واحدة، وهي الإنضباط العسكري. لذلك فإذاما نفذت قيادات من الجيش إنقلاباً سيكون على ضباط الوسط والضباط الصغار الإنصياع للأوامر العسكرية وفقاً لتراتيبية الجيش. هذا ما يجعل نجاح الإنقلاب وارداً، أيا كانت الجهة التي وراءه. كذلك فدرجة رفض الجماهير للإنقلاب ستتأثر بالسخط على النظام القائم، مهما كان أُفق وعيها وادراكها لمعنى الإنقلاب العسكري. وثالثة الأثافي، وفوق كل ذلك وقبله، أنه لا يوجد أي تحالف لقيادة الجماهير ضد الإنقلاب. فالجماهير متفرقة لايمكن أن تنجح في تصديها للإنقلاب. نجح الإنقلاب الذي أُعلن عن إحتوائه أم لم ينجح فكل معطيات الواقع تهيئ الفرصة للإنقلاب العسكري، بل تقدم له الدعوة. الضرورة المقدمة والضاغطة الآن هي تأسيس تحالف ثوري، يقود الجماهير، حده الأدني هو تصفية النظام السابق/الحالي، العدالة الثورية، الإصلاح السياسي والإقتصادي القائم على التنمية الصناعية والزراعية والانفكاك من براثن عصابة اللصوصية الدوليه. نجاة حسين طلحة 21 سبتمبر2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة