كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� (Re: عبد الحميد البرنس)
|
أشكرك كثيراً شاعرنا الكبير المشاء:
ومع أنني أميل هنا إلى مقترحك الأول ربما مع بعض التعديل الطفيف على مستوى الصياعة، إلا أننا في كثير من الأحيان نبحث عن قصور ما في بنية النص دون التركيز على ما أسميه "الحذف الرحيم". خير الكلام ما قلّ ودلّ!
كانت الأسرة استقرت في بيت جَدتي لأمّي المغلق منذ وفاتها قبل نحو ثلاث سنوات، والتي كانت تؤجر بعض الغرف المنفصلة داخل الحوش هنا وهناك والمُلحق بها صالات صغيرة لغرباء عن المدينة بعائلات صغيرة، هرباً "رغم ما قد يصدر عنها أحياناً من قسوة" من وحدة سنواتها الأخيرة التي لا تحتمل. كانت جدتي هذه كما تردد أمّي "طيبة إلى درجة أن يسرق أحدهم اللقمة من داخل فمها دون أن تلاحظ ما يحدث". على أن جدتي هذه نفسها كانت على استعداد أن تدفع بأي مستأجر "إلى بطن أمّه" إذا ما قد عجز يوماً واحداً فقط لا أكثر عن دفع الإيجار الشهري. ولم يكن أي مستأجر من بين هؤلاء يرغب على أي حال في سماع عبارتها المزلزلة تلك للمرة الثانية: "تعلمون أن بيتي هذا ليس ملجأ لأيتام بشوارب". آنذاك قرر والداي هذه الخطوة، خطوة الاستقرار في بيت جدتي هذا، من بعد أن تقدمت أختاي في مدارج التعليم قليلاً وصار لزاماً على الوالدين أن يُلحقا شقيقتيَّ هاتين بالمدارس "الثانوية العامة" في المدينة، على أن يبتعث أبي كما ظلّت أمي تردد في بعض الأمسيات أمام عدد من الجارات ضاحكة "حياة عزوبيته" كمفتش زراعي من "الطبقة الثالثة". على أي حال، خلال إجازاته السنوية، وأحياناً عبر زياراته القصيرة المتباعدة، لم يكن أبي يهتم في كثير أو قليل بالمدينة و"مغرياتها تلك"، اللهم إلا اهتمامه ذاك المتزايد بشيء واحد مثير حد الدهشة، أو التأمّل، أو حتى الحيرة: "التلفاز"!
كان يجلس قبالته منصباً عليه بكلياته، وقد أخذ عليه مجامع نفسه، منذ بدء الإرسال في تمام السادسة مساء، وحتى موعد نهاية "بثه" قبل منتصف الليل بساعة، وإن لم يتوصل أبي إلا بعد مرور وقت طويل وعلى نحو ضبابي إلى وجود ذلك المنطق الذي اتخذ بواسطته التلفاز هيئةَ "الصندوق السحري"، الذي "يبلع العالم كله داخله".
كان يقول بالحكمة الممنوحة لإنسان الريف الذي أخذت تتبلور لديه معرفة معقولة "للأسف، لا يوجد لدينا في المدينة سوى تلفزيونات بعدد أصابع الإنسان الواحد، ولو علم الناس ما في التلفزيون من متعة، لقاتل بعضهم البعض عليه بالفوءوس، أو الحراب. أما العامة الجهلة فلا متنفس لهم غير أفخاذ النساء. مُتع الحياة كثيرة في هذا العالم وعلى رأسها التلفزيون لو يعلمون". لحظة أن يستبد به الحماس أكثر، كان أبي يلجأ إلى نوع من "الهرطقة الدينية الواضحة"، على حد تعبير الحاج محمود، قائلاً: "لا بدّ أن الله سيُدخل مخترع التلفزيون هذا إلى جنة عرضها السماوات والأرض". ما كان يدهش أبي حقاً، ليس فقط زرع بعض الناس داخل "هذا التلفزيون"، بل "لقد قاموا بحشر مدائن هائلة داخله وكذلك مسيرات مليونية تطالب بأشياء مهمة مثل تخفيض أسعار الخبز والبنزين ومعارك تمت في بلاد ما وراء البحار وكل ذلك في حدود شاشته الفضية الصغيرة. يا للعجب"!
كان ذلك يثير غيظ أمّي المنفتحة على العالم المحسوس. وكثيرة هي الألقاب والعبارات التي منحتها "وكالة رويتر المحلية" هنا لأبي. منها "مدمن أفيون الشاشة الفضيّة الذي لا يحادث ضيفاً". وهي الألقاب والعبارات التي تمّ محوها لاحقاً بلقب آخر ظلّ ملتصقاً به حتى الممات: "أبو العطور الحضارية الراقية من دون أي شفقة"!
يتبع:
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الوَضَّاح! | عبد الحميد البرنس | 09-09-21, 09:27 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-10-21, 06:28 AM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | النذير بيرو | 09-10-21, 11:13 AM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | ابو جهينة | 09-10-21, 12:34 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | osama elkhawad | 09-10-21, 04:08 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-10-21, 10:44 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-12-21, 08:42 AM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-12-21, 10:48 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | ابو جهينة | 09-12-21, 10:53 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-14-21, 10:56 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-15-21, 10:54 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-21-21, 10:27 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-24-21, 06:36 AM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-26-21, 10:27 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | ابو جهينة | 09-27-21, 01:06 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-28-21, 09:23 AM |
|
|
|