كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� (Re: ابو جهينة)
|
حياكم الله صديقنا المبدع القدير أبا جهينة. أرجو أن ترى تلك الأمكنة طريقها من قاع المخيخ إلى فضاء النشر والمشاركة. أشكرك كثيراً على الدعم والمساندة لهذا النص، وهو نص أخذت أكتبه على مدار عشرين عاماً أو يزيد. وقد نشر عند مطلع الألفية هذه لأول مرة ضمن مجموعتي الأولى "تداعيات في بلاد بعيدة". لا أكتمك أنني كنت أبحث وقتها عن مشروعية الاعتراف كسارد أو قاص من خلال النصوص القصصية بالغة التكثيف. وكان عليَّ أن أكتب نصاً مطوّلاً كهذا ربما حتى أعكس عمليّاً موقفي أن العزوف عن كتابة النصوص المطوّلة ليس عجزاً بل رؤية مختلفة وغير مجانية.
ما أحزن أمّي، ما أقضَّ مضجعها، ما جعلها تتأمّل طويلاً في جملة أشياء غير متوقعة مثل "خذلان أقرب الأقربين الذي لا يحتمل"، بل دفعها إلى التفكير عميقاً طوال الأيام الثلاثة التي أعقبت ذلك المجلس في وسيلة مثلى للانتقام من جارتها "المُدعية.. فاطمة.. زوجة صلاح بتاع الدكان الرجعي.. صاحب العينين الضيقتين اللتين تشبهان فرج السحلية"، وفي السمو في الوقت نفسه "بوعي هاتين البنتين المنحط كما عتبة عند مدخل سوق للماشيّة مهيأة هكذا للوطء والبصق"؛ أن ما اعتبرته "فضيحة حضارية كبرى" لا تليق أبداً بسمعة "عائلة كريمة" يُعتبر أحد مؤسسيها أول من بنى بيتاً من "الطوب الأحمر" في المدينة وأول من حلف بالطلاق على ركّاب قطار الرابعة صباحاً لتناول وجبة الفطور في مطاعم المحطة الثلاثة على حسابه قبل أن يستأنفوا رحلتهم و"أول من ركب عربة بعد الحاكم العام البريطاني" وأول "مواطن ثري اعتبر أن حمل النقود داخل الجيوب نقيصة لا تليق سوى بالرجرجة والدهماء".. أن ما اعتبرته "فضيحة حضارية كبرى"، ما اعتبرته كذلك إلا لأنّه قد وقع "باختصار شديد" تحت سمع وبصر "هذه الوليّة الداهية كما ثعلب قنّ الدجاج المسماة وكالة رويتر المحلية. أنت تعلم (أيها الزوج) ما يمكن أن يقوم به هذا الراديو الذي يأكل ويشرب ويتنفس بيننا". وهذا أمر، "أمر هذه الفضيحة الحضارية"، قد "لا يُبشّر بالخير بالنسبة لمستقبل زواج البنتين في مدينة بها عدد لا يستهان به "أبداً" من طلاب جامعة الخرطوم الأذكياء، الأذكياء كما لو أنّهم السحرة ذات أنفسهم أيام سيدنا موسى عليه السلام".
أملَتْ أمّي مخاوفها تلك إلى أبي في رسالة بعثت بها عاجلاً، معربة خلالها إلى جانب ذلك عن "عميق أسفي الشديد جداً ثم جداً فجداً لهبوط الذوق الحضاري لأفراد أسرتنا هذه نتيجة النزوح معك يا سيادة المفتش الزراعي الثالث ما بين النجوع والكفور والقرى النائية طبعاً، أو يقيناً الأرياف"، كاشفة بعبارات غامضة كأنها تخشى من وقوع الرسالة في يد "عدو لدود كما جارتنا إيّاها" عن "خططي السرية الدائمة تلك لتدارك ما قد يمكن تداركه في أسرع وقت ممكن وغير ممكن على حد سواء. أنت تعلم ماذا يحدث إذا تعلّق قلب المؤمن بالثُرَيَّا، أيها الزوج".
لا بدّ أن في أعماقها نزعة شكسبيرية ظلت حبيسة لعقود فأفرج عنها مسار "تلك الفضيحة الحضارية"، حين ختمت رسالتها تلك إلى أبي بكلمات جدُّ قاطعة مازالت أحرفها المضغوطة على الورق تتراقص أمام عينيّ حتى هذه اللحظة: "لقد أصبحت الحكاية بالنسبة لوجودنا في المدينة هذه مسألة حياة، أو موت. نكون، أو لا نكون"!!
في سعيها المحموم ذاك لتغيير ملامح الصورة العائلية مرة وإلى الأبد، لم تكتفِ أمّي قطُّ بتقريع وتوبيخ وتأنيب أختيَّ الكبريين على سوء اختيارهن "بفصاحةِ جاهلٍ "لمطربين "شعبيين"، تماماً كما لو أنّ لهما عقل "هاته المرأة التي قدمت لأول مرة من الريف إلى المدينة لمقايضة حفنة من الثلج في مقابل ثلاث زجاجات من السمن والعودة إلى قريتها بالدواب مسيرة ما تبقى من نهار ذلك الصيف من دون أن تضع في الاعتبار ولو للحظة واحدة قابلية الثلج المختزن أسفل متاعها على الذوبان".. لا لم تقنع بكل ذلك وغيره، وقد شرعت هي نفسها في إعلان رأيها ذاك "الشخصي الخاصّ جداً ثم جداً فجداً"، زاعمة بقوة الكذب الممنوحة فقط لسياسي لا ينفك يؤكد أنّه يصلي في المسجد الأقصى كل ليلة وقد كان عليه أن يستميل دائرة واسعة من المتدينيين أن مطربها المفضل لم يكن "في يوم من أيام الله السبعةِ بالتمام والكمال" سوى "مغني الروك إن رول" ذلك "المدعو بين وجهاء القوم في أوربا وأميركا وكندا وحتى سادة اليابان في المشرق الأقصى" باسم الفيس بريسلي. لقد مَثَّلَ هذا الادعاء وحده سبباً كافياً تماماً لتدمير سمعة جارتنا فاطمة كمثقفة "إقليمية"، بالضربة "القاضية"، حتى أخذت تتكوّن لها في الذاكرة الجماعيّة للمدينة صورة أخرى أكثر ما تكون شبهاً بقطعة منسيّة أسفل تراكم طبقات الزمن من حضارة بادت منذ ألف عام. وقد لاحظ البعض تلك الأيام أن التلاعب باللغة غدا الملجأ الأخير لقارئة كتاب "ألف طريقة وطريقة لصناعة الحلوى"، أمام عجزها المتزايد ذاك عن "مواكبة التطورات". من ذلك، ظلّت فاطمة تؤكد في دعاية مضادة، وهي تقلل من شأن المعارف الجديدة لغريمتها، أن أمّي "محدثة النعمة الحضارية" التي هبطت عليها "بين يوم وليلة" لا تستطيع التحدث بطلاقة، إلا في أوساط جمهور "أغلبه من الأميّات، اللائى، وا... أسفاه، لا يعرفن حتى ذلك الفرق الواضح... ما بين البوظة التركية والآيس كريم الألماني".
يتبع:
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الوَضَّاح! | عبد الحميد البرنس | 09-09-21, 09:27 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-10-21, 06:28 AM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | النذير بيرو | 09-10-21, 11:13 AM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | ابو جهينة | 09-10-21, 12:34 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | osama elkhawad | 09-10-21, 04:08 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-10-21, 10:44 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-12-21, 08:42 AM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-12-21, 10:48 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | ابو جهينة | 09-12-21, 10:53 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-14-21, 10:56 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-15-21, 10:54 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-21-21, 10:27 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-24-21, 06:36 AM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-26-21, 10:27 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | ابو جهينة | 09-27-21, 01:06 PM |
Re: مثل نجم أسود في رابعة النهار التقدميّ الو� | عبد الحميد البرنس | 09-28-21, 09:23 AM |
|
|
|