الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 06:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-01-2021, 08:15 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب (Re: Osman Musa)


    مشاهد من الأيام الأخيرة لسامي سالم 


    نشر بوساطة عبد الحميد البرنس فيالراكوبة يوم 16 - 09 - 2015 


    عند احدى بوابات المستشفى نفسها، التي سيلفظ فيها بعد أسابيع قليلة آخر أنفاسه، كنت أدخن خلال الوقت الوجيز المخصص للراحة بين ساعات العمل. وأتأمل في أعقاب السجائر المتناثرة هنا وهناك. فإذا بالأرض تنشق بغتة عنه. 
    قال إنه كان قبل يومين 'حايم' في الحي الذي أسكن فيه، وإنه لم يتعرف على شقتي، وإنه كان يهم وقتها بزيارتي. في لقاء سابق، كتب رقمي هاتفي "الجوال والبيت" على غلاف 'لوعة الغياب" للروائي الراحل عبدالرحمن منيف. فقلت له "كنت حتى قبل حضورك الآن أتأمل في هذه الأعقاب من السجائر'. وكان ثمة شيء يشدني إلى مثل هذه الأشياء. قال بسخريته المسالمة تلك "لعلك تفكر في مشروع تجاري بشأن هذه الأعقاب". وضحكنا كغريبين في بلاد بعيدة. لم أشأ أن أذكر له لضيق الوقت (ربما) ما تعلمته في هذا الشأن من بشار الكتبي كحالم كبير: أن تتأمل الأشياء على نحو يخرجها من عاديتها. كان زميلي الفلبيني 'أدوين'، الذي استمع لحديث سامي عن أعقاب السجائر بالإنجليزية، قد انضم إلينا خلال ذلك الوقت القصير المخصص للراحة بين ساعات العمل. ثلاثون دقيقة لوداع أبدي. ويبدو أنه قد أخذ ملاحظة سامي بشأن المشروع التجاري لأعقاب السجائر بجدية شديدة حين صمت غارقا في تأمل داخلي عميق. بعد مرور أسابيع قليلة، سألته: "يا أدوين، هل تذكر ذلك الرجل الذي كنت أتحدث إليه عند بوابة المستشفى. قال: 'نعم أذكره". قلت 'لقد مات يا أدوين". هز أدوين رأسه وصمت غارقا في ما بدا هذه المرة كتأمل داخلي مختلف.
    ثم ما لبثنا، أنا وسامي، أن تركنا "أدوين" أسيرا لتلك التأملات. ولكن أن تحلم بالغنى هو محض وهم كبير في هذه البلاد. وربما تحقق الأمر كضربة حظ عابرة لحواجز "الرق الحديث" المرسومة بدقة كاهن. ولم يكن المال بالنسبة لسامي عهدي به سوى وسيلة لا بد منها أحيانا لصنع بعض وقود الأفراح الصغيرة ك"وجبة لحم". كان جسده وهو ممدد على فراش موته يحكي عن تلك الوقائع والأحداث التي يمكن أن ينطوي عليها التاريخ العريق للفقر أوالمعاناة.
    ودعني إذن سامي.
    وداع لا تلاق بعده.
    ومع ذلك، طلب مني أن نكون على اتصال دائم في 'الأيام القادمة".
    وافقت وذكرت على سبيل التأكيد شيئا ما عن أرقام الهاتف. كان سامي يعمل وقتها في ورديات الليل. وكنت أجمع بين وظيفتين مرهقتين صباح مساء. بعد ذلك، رأيته وهو يستدير متجها ناحية الشرق. كنت أهبط درجات السلم القليلة متجها في صحبة "أدوين" إلى عملي في طابق تحت الأرض من المستشفى. قبل كل ذلك، رأيته فجأة وهو يهرول نحوي, وهو يعبر بالكاد شارع 'الكنزواي' ذا الاتجاهين, تماما كما نعبر الشوارع في بلادنا, وقد علت وجهه إبتسامة, بينما انعكس شيء من شعاع الشمس الغارب على حواف نظارته الطبية المميزة لهيئته تلك. توقف لاهثا قبالتي. وأشار بيده ناحية الشرق. وقال 'كنت في الطريق لزيارة صديق يعمل في تلك الطرمبة ثم لمحتك تقف هنا'. كان ذلك آخر عهدي بسامي...واعيا بالحياة.


    قبل أشهر قليلة, كنت أتسوق على عجل في طابق تحت الأرضي لمجمع تجاري ضخم يدعى "ستي سنتر", وقد أنهيت للتو مهام وظيفتي الأولى عند منتصف ذلك النهار. كان لزاما أن أذهب بعدها إلى البيت قبل البدء في مهام وظيفتي الأخرى في نحو الثالثة ظهرا. كان هناك عمال وموظفون في وقت الراحة ومنفيون أوسياسيون متقاعدون من العالم الثالث ناهيك عن غرباء أضناهم السعي وراء الدولار أوالحنين.
    - 'البرنس.. البرنس"!.
    هكذا, من بين مئات الأصوات وعشرات الألسن التي كانت تشكل الضجة المكتومة داخل المجمع التجاري الضخم منتصف ذلك النهار, يتناهى إلى مسامعي صوت سامي سالم (كعادته) أليفا خفيضا برغم نبرة النداء مستوقفا سائلا على بعد خطوات قليلة مني. سألته لحظة أن استقر وميض التحايا في عتمة الوقت الفاصل بين وظيفتين مرهقتين عن "الحال والأحوال" وكان قد بادرني قبل عام أنه أخذ يعتمد في حياته ما أسماه وقتها ((العيش بالحيلة)). أفكر فيما إذا كانت وسائل سامي سالم من أجل البقاء قد عطبت حينها في عالم شائك بينما أكاد أرى الآن عينيه المتعبتين وهما تبحثان عما تركه ذلك المصطلح على وجهي من أثر. لو أن استطلاعا للرأي جرى في هذه المدينة بين أكثر المستهلكين دراية بشؤون الأسواق لمعرفة ماذا كان يفعل سامي سالم داخل ذلك المجمع لربما لا يتوصل أحدهم لإجابة قريبة من مراميه منتصف ذلك النهار. بالنسبة لي (رغم معرفتي به) إلا أن ما علمته منه وقتها كان مثيرا للدهشة أوالشفقة.
    يا للإنسان مغمورا في كل ذلك البهاء الذي يسبق موته!.


    كانت المحلات داخل المجمع التجاري تغري بالشراء. كل منتج تم عرضه بجاذبية وعناية فائقة: الملابس.. لعب الأطفال.. الأطعمة.. وغير ذلك مما وصلت إليه في حمى المنافسة يد خبراء وعمال مهرة بدوا لي دائما كما لو أن الله خلقهم فقط للقيام بهذه المهمة أو تلك. قال سامي مشيرا بيده إنه أتى 'إلى هنا' لأن 'ذلك المحل' يقدم 'هذه الأيام' تخفيضات في أسعار الأقلام والورق وأشياء أخرى خاصة بمتطلبات 'الكتابة'. ثم دعاني لتفقد المحل المذكور. كما لو أنه يدعوني لرؤية ملاك هبط للتو على الأرض. بل وألح برغبة طفل موضحا أن بوسعي 'الآن' إلقاء نظرة سريعة لن تأخذ من وقتي الكثير. لو لبيت دعوته وقتها ضاربا عرض الحائط بوظيفتي الأخرى لربما رأيته وهو يداعب تلك الأوراق والأقلام والدفاتر البيضاء بكل ذلك الحنان الذي يمكن أن تحدثه أنامل ناقد كبير على مشارف 'الكتابة'.


    بعد مرور تسع سنوات, أوقبل أشهر قليلة, وبينما كنت أهبط من البص رقم 8 في احدى محطات وسط المدينة متجها نحو عملي الآخر قبل غروب شمس ذلك اليوم, بادرني شخص طاعن في السن بالسلام على طريقتنا السودانية. ترددت للحظات لم تكن قصيرة قبل أن أدرك بشيء من الأسى أنني أمام سامي سالم وجها لوجه. كان سامي وقتها يهم بالصعود إلى ذات البص متجها إلى أسرته الصغيرة في جنوب المدينة. يا للسنوات!.
    وقلت "لقد تغيرت كثيرا يا سامي"!
    هكذا، شرعنا في الحديث عند محطة البص كغريبين من بلاد بعيدة. فقال "أنا طبعا السكري والضغط ولكنك لا تزال كما تبدو من صورتك في سودانيزأونلاين". كنت قبلها قد حاولت التخفيف من وطأة ذلك الشعور الغامض بالرثاء موضحا أن الزمن قد ترك أيضا شيئا من آثاره على ملامحي. كان سامي لا يزال يقلب بين يديه "لوعة الغياب" لعبدالرحمن منيف حين أخذ يتحدث فجأة عن مفهوم "الموت" لدى نجيب محفوظ وأمل دنقل وربما جمال حمدان إن لم تخن الذاكرة الآن!.
    في محطة البص نفسها, قال سامي إنه أنهى تأليف سبعة كتب, فكرت بيني وبين نفسي في شح المصادر والمصاعب الأخرى التي قد يكون واجهها ككاتب من خارج سياقه الاجتماعي والثقافي, ناهيك أن عملية إنجاز كتاب واحد فقط مسألة تستنفذ الكثير من الطاقات الداخلية للمرء. أجل, تلك عملية تزداد مشقة ووعورة حين نتحدث عن سامي سالم ككاتب يجمع في آن مابين حدة الذهن وكل ذلك الثراء الإنساني الفريد!.


    قبل أربع سنوات تقريبا, في أمسية شتائية مضيئة بالثلج الأبيض المترامي وراء نوافذ شقتي الزجاجية الواسعة في مدينة "وينبيك', رن جرس الهاتف كأصابع روح غريبة تطرق الباب فجأة, فإذا بصوت سامي سالم يأتي من الطرف الآخر مهنئا بسلامة الوصول إلى كندا. وكان سامي قد سبقني إلى كندا بنحو الخمس سنوات تقريبا, وبدا راغبا في الكلام خلال تلك المحادثة إلى الدرجة التي أنستني فيما يبدو لي الآن أن أسأله كيف تحصل على رقم هاتفي برغم حداثة عهدي بالمكان وقتها, ولعلي أكون قد فعلت (يا عبء الذاكرة وفداحة النسيان)!.
    كان حديث سامي يتجه في أثناء تلك المحادثة إلى تلك المنطقة المشتركة من ذاكرة المنفيين الغرباء: القاهرة. يومها, سألني عن الناس.. الأماكن.. الحركة الثقافية.. وأشياء أخرى لا أذكرها الآن, وقد بدا من شدة الحنين وكأن هذه البلاد قد تكشفت عن وهم كبير, ولا عزاء. ما أحزنني ساعتها أن شخصا ما كان يطالبه على الطرف الآخر بإنهاء المكالمة على نحو خال من اللياقة. اعتذر لي سامي بتهذيبه المعهود موضحا أنه ظل يشغل الهاتف بينما أحد رفقائه يتوقع مكالمة هاتفية ما. قلت له 'لا عليك'. وكان قد وعدني أن يمكث معي قريبا بضعة أيام في محافظة 'منيتوبا' في طريقه من 'ألبرتا' إلى 'أونتاريو', وهو ما لم يحدث
    في المستشفى التي أعمل فيها, والتي رحل منها سامي ذات صباح بدت فيه السحب السوداء الكثيفة قريبة كأذرع تمتد لأخذ عزيز من بين يديك مرة واحدة وإلى الأبد, ظللت ألقي نظرة إلى ما وراء البوابة الزجاجية لتلك الغرفة القريبة من درج الممرضات كلما مررت بقسم العناية القلبية المكثفة, وفي كل مرة أفعل فيها ذلك, كنت أرى الشحوب على وجه أحلام وهي على أبواب الترمل والصغيرين محمد وعمرو ولسان حالهما يعلن عن خيبة أملهما الكبرى في شأن وعد كان قد قطعه لهما والدهما قبل أيام قليلة من سقوطه بالسكتة القلبية: شراء لعبة تدعى "كيربي".






                  

العنوان الكاتب Date
الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-01-21, 10:03 AM
  Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-01-21, 10:44 AM
    Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-01-21, 11:51 AM
      Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-01-21, 01:03 PM
        Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-01-21, 01:10 PM
          Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب عبداللطيف حسن علي09-01-21, 01:23 PM
            Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-01-21, 07:59 PM
              Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-01-21, 08:15 PM
                Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب عبد الحميد البرنس09-01-21, 10:55 PM
                  Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-02-21, 07:22 AM
                    Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب عبداللطيف حسن علي09-02-21, 11:37 AM
                      Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-03-21, 10:16 AM
                        Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب عبد الحميد البرنس09-03-21, 11:04 AM
                          Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب نعمات عماد09-04-21, 06:40 AM
                            Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-04-21, 08:17 AM
                      Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-04-21, 04:06 PM
  Re: الأديب البرنس يفترع لموت الأحباب أدب Osman Musa09-10-21, 03:48 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de