|
|
 Re: قصص من أرض البل (Re: نصر الدين عشر)
|
قصص من أرض البل
عند المعمل - 2/50
سألت صديقي عن معامل لإجراء فحص الكورنا بغرض السفر, فدلني مشكورا على معامل تست بالخرطوم اثنين,
لازالت الكثير من الخطوط الجوية لا تعترف بإفادة جرعتي اللقاح, فلابد من الفحص السلبي للقيام بأي سفرية دولية.
تحركت راجلا من الفندق الذي اقيم فيه بالسوق العربي الى موقف شروني ومن ثم السؤال عن معامل تست,
في رحلة سؤالي عن المعمل توقفت عند الحمامات جنوب الموقف لقضاء الحاجة في زنقة صباحية, فنحن لازلنا في مؤخرة الشعوب,
ندفع لاستخدام الحمامات رغم دفعنا للكثير من الضرائب والجبايات للحكومة الموقرة, أما كان حريا بحكومة الثورة أن تعلن عن مجانية الحمامات؟!!
بعد خروجي من الحمام سألت الرجل القائم على أمرها عن معامل تست, فدلني باتجاه معمل استاك, وقد كنت لتوي راجعا منه,
ذهبت الى معمل استاك لإجراء الفحص, دلني رجل البوليس بالداخل على مكتب صغير لتصوير الجواز ومن ثم الخروج الى البرندة للتسجيل وانتظار الفحص,
ففعلت ووجدت كثير من الشباب ينتظرون الفحص وعندما سألتهم متى تطلع النتيجة فقالوا لي غدا,
وكنت على عجلة من أمري فقلت لهم سوف اذهب الى معمل خاص, فان طائرتي سوف تقلع غدا عند الواحدة صباحا,
هممت بالذهاب فصاح شابا, ياخ ادفع ليهم بطلعو ليك النتيجة في يومها, هكذا أصبح كثير من الناس يفترض فيك فعل الرشوة,
رغم أن الرشوة فعل محرم في الإسلام و جرم يعاقب عليه القانون ولكن كثير من الناس قد استسهل أمرها,
لاسباب عدة اهمها ان كثير من المعاملات يستحيل قضاؤها في الوقت المناسب دون فعل الرشوة.
استشرت الرشوة في عهد النظام البائد بصورة كبيرة, ولكن الشيء المحير فعلا هو ان لا جهود ولا رغبة من حكومة الثورة في القضاء عليها,
ماذا فعل السيد حمدوك رئيس الوزراء للقضاء على الرشوة؟؟!
فلنعد إلى جزار الحمامات حيث يستحيل الولوج إليها دون دفع الرسم المقرر وهو مبلغ خمسين ألف جنيه بالقديم,
عندما اخبرته انني لتوي عائد من معمل استاك دلني على معامل تست, فقال,
امسك الشارع دا عديل الاستوب الاول تخلي والاستوب التاني اول شارع بعده اخد شمالك بتلقى المعمل قدامك,
فقد كان الجزار دقيقا في وصفه ولكنني عند بلوغي الاستوب الاول نظرت إلى شمالي فوجدت لافتة كبيرة مكتوب عليها معمل اكيورسي للتحاليل الطبية,
فتوقفت عندها وقلت في قراراة نفسي كلها معامل ولا يضير شيء السؤال عن الفحص هنا, فدخلت المعمل,
وللامانة المعمل يبدو نظيفا للغاية, يجلس على الاستقبال شاب وشابة بينما بقية المرضى ومرافقيهم يجلسون على صالة الانتظار,
توجهت نحو الاستقبال حيث لا ترحيب ولا سلام ولا ابتسامة, فاليوم سبت وربما سخونة الطقس تنبئ بيوم طويل,
بعد تحيتي له, سألت موظف الاستقبال عن فحص الكورونا لغرض السفر فقال بي ثمانية ألف,
وسألته عن موعد استلام النتيجة فقال غدا, فقلت له هل يوجد فحص مستعجل في نفس اليوم,
أفاد بالإيجاب وقال بخمستاشر ألف, فوافقت على الفور, اخذ مني الجواز ثم طلب مني الانتظار,
فجلست مع المنتظرين في صالة نظيفة وبها مكيف ومرواح تعمل فذكرتني بعهد البنوك السودانية في غابر الأزمان,
وبعد لحظات نده على اسمي ومعه طبيب المعمل,
اخذني طبيب المعمل الى غرفة ضيقة للغاية بها عدد اثنين كرسي وتربيزة بها أدواته لإجراء الفحص,
جلس لبرهة بينما أنا واقف أمامه فلم يطلب مني الجلوس وكنت منتظرا منه ذلك ولكن لم يحدث, فجلست تطوعاً مني,
بدأ طبيب المعمل مرتبكاً بعض الشيء, فبدأ في إجراء العديد من المكالمات لا ادري غرضها,
حتى شككت في أمره بأنه ليس بطبيب معمل, ولكن عندما نظرت الى سلة المهملات رأيت الكثير من الدلائل
التي تشير إلى أن هذه الغرفة فعلا معمل, الكثير من أدوات مسحة الأنف موجودة فعلا بالسلة,
خرج الطبيب لبرهة من الزمن ثم عاد وسألني عن مواعيد الرحلة والجهة التي اود السفر اليها والغرض من السفر,
فتنهد قليلا ثم قال الفحص دا بكلفك خمسة وعشرين الف, فقلت له كيف يعني,
موظف الاستقبال قال لي الفحص العادي بي ثمانية والمستعجل بخمستاشر,
كيف تقول لي بخمسة وعشرين, فغضبت غضبا شديدا من قوله وبدأ الدم يغلي في عروقي وبدأت الدخول في حالة (الشكلة)
وبدأ صوتي يتقطّع, فقد علم الطبيب الموقر بموعد الرحلة على بعد ساعات فلابد لي من الفحص اليوم أو تأجيل الرحلة,
فبدأ في المزايدة الرخيصة والاستغلال الذي ظل سائدا هذه الأيام,
ذمم الناس قد خرجت ولا قانون يردع الناس ويعيدها الى جادة الصواب,
فقلت له ناولني الجواز, فقلت في قرارة نفسي فلتتأجل الرحلة, لن اقبل بهذا الاستغلال الوقح,
لو افقد عملي أو لينزعنّ الفرنجة عني جوازهم الاجنبي او لاعودنّ بائع عطور في ردهات سوق أبو زيد كما كنت,
لن اقوم باجراء هذا الفحص في هذا المعمل, فخرجت مزمجرا من المعمل والشرر يتطاير من عيني,
بعد خروجي سالت احد المارة عن معامل تست فدلني عليها وهي لا تبعد إلا خطوات عن معمل اكيورسي
فقمت بإجراء الفحص المستعجل فكان سعر الفحص فقط تسعة الف جنيه,
أي يقل بي ستة الف جنيه عن فحصهم المستعجل المزعوم, واستلمت النتيجة في نفس اليوم,
ومعامل تست احترافية بصورة كبيرة, فجميع الموظفين والطاقم الطبي يلبسون قناع الوجه كما هو مكتوب عند مدخلهم.
الشاهد في هذه الواقعة هو الجرأة التي وصل إليها الناس,
ففي السابق طبيب المعمل لا علاقة له بالحسابات المالية,
فهو يتعامل بافادة خالص ويقوم بإجراء الفحص ولكن اليوم تداخل حابل المصالح الاقتصادية بنابل المهنة,
فأصبح الطبيب طبيب ومحاسب.
الدولة ليس لديها سلطات على القطاع الخاص إلا في حدود تنظيم العمل ومنح التراخيص والتصاديق اللازمة لإجراء المهنة,
أما أمانة الموظفين والاطباء والمحاسبين و مهنيتهم تقع على إدارة المؤسسة المعنية,
رسالتي الى ادارة معمل اكيورسي للتحاليل الطبية بالخرطوم اتنين, راقبوا اطبائكم ومحاسبيكم, فان بينهم لصوص يعملون معهم.
|
|
 
|
|
|
|
نصر الدين عشر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست