وضعت حكومة الفترة الانتقالية ملف السلام في اعلى اولوياتها وبدأت فوراً بالجلوس للتفاوض الذي انتج سلام جوبا ، وواصلت عملها ممثلة في اعلى قياداتها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان في الجلوس مع رئيس الحركة الشعبية شمالعبدالعزيز الحلو الذي رفض اتفاق جوبا للوصول الى ارضية مشتركة بغرض استكمال مسيرة السلام ، الا ان تعثر المفاوضات وتعنت الحركة واصرارها على فرض رؤيتها دون ان تتنازل عن أي بند ضمن المبادئ الفوق الدستورية وعلى راسها العلمانية التي لا تزال محل جدل هي وما يصاحبها من شروط مثل عطلة الاربعاء وان تصبح اللغة الانجليزية هي اللغة الرسمية ، الى جانب بند حق تقرير المصير ادى كل ذلك الى توقف العملية التفاوضية ، إلا ان ما حدث في المؤتمر الطارئ امس الاول جعل البعض ينظر الى الامر بعين الايجابية في اتجاه سير جلسات التفاوض نحو الاتفاق على صيغة مشتركة بين الحركة والحكومة.
حدث متوقع
حيث اعلن المؤتمر الطارئ للحركة الشعبية شمال الذي انعقد بجوبا اختيار تلفون كوكو ابوجلحه قائداً لها وعزل القائد عبدالعزيز الحلو ، واكد المؤتمرون من خلال المداولات ان الحلو قد فشل في ادارة الحركة عسكرياً وسياسياً ومدنيا وذلك من خلال تتبعهم لمسيرته النضالية الفاشلة في قيادة العمليات العسكرية في اقليم جبال النوبة ودارفور ، واتهم المؤتمرون الحلو في التسبب في مقتل اكثر من ثلاثة الف مقاتل نتيجة سوء تخطيطه للمعارك وعدم استماعه للنصيحة كما فشل في ادارة اثنية النوبة وقسمها وانحاز الى بعضها مما ادى الى القتال بينها واكدوا ان الحلو فشل في توحيد ابناء النوبة وتخلى عن قوات ابناء النوبة في دولة جنوب السودان ، واتهم كوكو كل من(عقار وياسر وعبدالعزيز)بالتسبب في تمزيق الحركة الشعبية وتشتيت كوادرها بالفصل والاحالة الى المعاش والاقصاء اضافة الى سطو الحلو على البرنامج ليخلق الفتنة الكبرى في تاريخ السودان من خلال برنامجه الشيطاني المتطرف الذي تعدى به الحقوق الدينية للأخرين ومايحدث من صراعات دموية بين القبائل الداعمة للحركة الشعبية في جبال النوبة ، وقرر المؤتمر اجراء المصالحات الشاملة بين اعضاء الحركة الذين تم اقصاءهم من قيادة الحركة الشعبية ، هذا الحدث ارجعه عدد من المراقبين الى تعنت الحلو وفرض سيطرته على الحركة وتمسكه برأيه سواء مع اعضاء الحركة او مع المتفاوضين من الحكومة ، فكانت هذه النتيجة المتوقعة مهما طال انتظارها في ظل وجود رافضين لمبدأ ادارة عبدالعزيز الحلو للحركة الشعبية.
اتجاه إيجابي
ويرى بعض المحللين ان عزل الحلو او الانشقاق عنه سيسهم بشكل ايجابي في سير المفاوضات والتوصل لاتفاق يرضي الطرفين ، خاصة وان تنصيب تلفون كوكو تم عبر اداء القسم على المصحف وهذا لديه دلالات كثيرة ، منها مبدأ العلمانية التي يطالب بها الحلو ، هذا ما ذهب اليهالمحلل السياسي محمد علي فزاري في حديثه ل(المواكب) بان الحركة الشعبية شمال دخلت في منعطف خطير ادى الى تحويل الصراع من سياسي الى اثني أيديلوجي وهذا اخطر انواع الصراع وتأثيراته والسبب هو تمترس عبدالعزيز الحلو حول تقرير المصير والعلمانية برغم انه يتخذهم ككروت ضغط ، وهذا الطرف الاخر لانتهاز الفرصة ورفع شعار مختلف وهو اداء القسم على المصحف وهذا دلالة على رفضهم العلمانية ، وقال فزاري ان تأثير ذلك ان منطق القوة لم يعد هو الذي يقود التفاوض ، وفي العصر الحديث لم تعد القوة هي المنطق بل الاجندة الواضحة هي الحكم ، وهذا كله سيحدث ربكة في حركة الحلو التي تعاني من الانقسامات خاصة من الشماليين وكل من يقودون هذا الصراع ، ويعتبر الحلو وشروطه سوف تكون المحصلة صفرية والنتيجة عدمية لأنه بعد توقيع حركات الكفاح المسلح على اتفاق سلام جوبا لم يعد ملف السلام هو الاول بالنسبة للحكومة بل تراجعت للملف الاقتصادي ، وهذا قد يشكل ضغط على عبدالعزيز لتوقيع اتفاق سلام ، ومع مرور الوقت سيخسر كثيراً لذلك عليه ان يسابق الوقت ، خاصة وان شروط علمانية الدولة وتقرير المصير هذا قفز فوق الواقع ان لم تكن قفزة في الظلام ، لان القضايا المصيرية يقررها الشعب وليس الافراد.
إيادٍ خارجية
عبث المخابرات الخارجية وتدخلها في ادارة البلاد عبر نافذين في السلطة او عبر والاعلام اصبح اكثر وضوحاً وكثافة بعد ثورة ديسمبر ، وهذا اثر كثيراً في اداء وعمل وانجازات الحكومة الانتقالية عبر اثارة الصراعات بين مكونات السلطة وخلق الفتن وتأجيج النزاعات في اقاليم البلاد ، هذا ما اشار اليه الامين العام للحزب الوطني الاتحادي الموحد محمد الهادي الذي قال ل(المواكب) ان هذا المؤتمر الطارئ للحركة الشعبية شمال عبارة عن انشقاق جديد للحركة وهو الداء الذي اصاب كل الاحزاب والكيانات السودانية وانتقص منها كثيراً ونأمل ان نشفى منها ، وتنصيب تلفون كوكو كقائد لمجموعة من الحركة هو رجل مناضل وله تاريخه في الكفاح لكن لا اعتقد ان التأثير سوف يكون كبيراً ولكنه قد يحرك العملية التفاوضية مع الحكومة الانتقالية ،وقال الهادي ان السؤال المهم هو لماذا هذا الانشقاق في هذا التوقيت ؟ ومصيبة هذا البلد هي الايادي الخارجية وعبثها بشؤونها الداخلية ، لذلك اذا لم يتنازل الجميع لأجل مصلحة الوطن فإننا لن نستطيع الخروج من هذه المحن وهذه الازمات المعقدة.
صراعات قديمة
الجدير بالذكر انه في العام 2011 بعد استفتاء انفصال جنوب السودان وإعلانه دولة جديدة، أعاد الحلو تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بثوب جديد مختلف عنطبيعة الحركة القديمة وأصبح رئيسا وزعيما لها ، وتولى مالك عقار منصب نائب الرئيس، وياسر عرمان رئاسة الأمانة العامة قبل انقسام الحركة عام 2017 إلى جناحين أحدهما ترأسه الحلو في مناطق جبال النوبة والآخر بزعامة عقار في منطقة النيل الأزرق ، بعدها دار صراع شرس بين الحركة الشعبية في شمال السودان ومجموعات متمردة من جهة وجيش حكومة الخرطوم وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، وحدثت معارك أخفقت الحكومة السودانية على مدار السنوات في حسمها.
وأصبح الحلو وحركته يسيطرون على السلسلة الجبلية التي يبلغ عددها 98 جبلا، تمتد على مساحة 90 كيلو مترا ويصل ارتفاعها إلى 1500 متر، في ولايتي جبال النوبة وجنوب كردفان ، بعدها حدثت التقلبات والمتغيرات السياسية في السودان مع اندلاع الثورة في ديسمبر2018 وسقوط البشير في أبريل 2019م، ومع ذلك لم تتغير الأوضاع في ولاية جنوب كردفان ، وفي 24 مارس2020اتهمت الحركة الشعبية في شمال السودان بقيادة الحلو كل من الجيش وقوات الدعم السريع بحشد قواتهما في الخطوط الخلفية لميدان الصراع ، لكن برعاية دولية وإثيوبية بدأ مشروع جديد لإحلال السلام مع الحركة الشعبية بقيادة الحلو ، وفي سبتمبر 2020 اتفق رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مع عبد العزيز الحلو “مبدئيا” على إجراء مفاوضات غير رسمية حول القضايا الخلافية وأبرزها علمانية الدولة.
بدايات الحلو
في عام 2001 تولى الحلو منصب حاكم المناطق المحررة بجبال النوبة بعدها بدأ في تصنيف قيادات النوبة التي يضمن ولاءهم له ، ثمتولى منصب نائب الوالي في جنوب كردفان وامتد نفوذه داخل الحركة الشعبية وجبال النوبة وأصبح صاحب القرار في كل شئ وهو من يفرض سيطرته وقراره على اعضاء الحركة، بعدها طور الحلو من إستراتيجيته العسكرية ففتح معسكرات التدريب لفرق “الكومولو” وتمكن من تجنيد نحو 18 ألف عنصر، وقام باستجلاب سلاح للجيش الشعبي بكميات ضخمة من الجنوب، وأعاد ترتيب القيادة داخل الجيش الشعبي، وعين عناصر في الوزارات من الكوادر السرية وعلى أساس إثني لضمان تأييد قبائل النوبة ، ويرى بعض المحللين ان عبدالعزيز الحلو انشأ بنك جبال النوبة ليدعم الحراك العسكري في الانفصال اقتصادياً، بعدها أصبح الحلو فعليا هو الراعي الرسمي لحركات جبال النوبة وجنوب كردفان المتمردة بشتى توجهاتها، وأصبح يوفر لهم المأوى والسلاح والدعم والمعسكرات ، ومع الوقت كانت هذه الحركات بمثابة ضغط على حكومة الخرطوم مع تشكيل واقع جديد في السودان ، الان وبعد الانشقاقات التي اصابت الحركة واخرها تلفون كوكو يأمل الكثيرين في ان يدفع ذلك بعملية السلام خاصة بعد اللقاء الذي تم بين الحلو وعبدالواحد والذي اعتبره البعض ايجابياً وقد يصب في اتجاه احلال السلام الشامل في السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير عثمان حمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست