الشاعر محمد طه القدال :- ———————————- الشاعر الذي اتي وملء قصائده القري . ————————————————— فمثلما يسافر القدال الي القري والي حليوة في عطلة الاسبوع لزيارة الاهل والاسرة والاصدقاء وربما لتلبية دعوة في احياء ليلة شعرية يغادرنا هذه المرة تلبية لنداء الحق الاله الرحمن الرحيم صاحب الودائع الذي لا تضيع ودائعه ! يغادرنا ونحن في أشد الحوجة الي وجوده ليغزر صفوفنا التي اهلكها الطغاة والتي سبوا شبابها وشيبها وكادوا يفنونها ويمحونها من الوجود ! اتي القدال من ريف عامر ووادع وواعد بالفضل وبالمروءة وبالعطاء وبالخيال اتي في زمن الديكتاتوريات وكان ملفتا للانظار بقصائده ذات المفردات والجرس الموسيقي الخلاب .. بهر الناس بقصيدة مسدار ابو السرة لليانكي !! فكانت حديث المدن .. ثم توالت قصائده التي تزخر بالنشيد الذي لم ينضب ولم ينقطع ابدا . وتكمن شاعرية القدال في ارتدائها ذلك السمت الفلكلوري الذي تتدفق منه العذوبة والطعم الباذخ في البناء التشكيلي ذو الايقاع الذي يحتفي بالمديح واختلاط اصوات الدلاليك باصوات النساء ورياح الفصول في تناغم يرتخي كما الظلال وفجأة يصعد نحو حفيف لا يجف ! ومكيدة شعر القدال انه جاء بالقري من كل الريف البعيد واتي بالناس ،اتي بافراح الناس وقدم الرتينة في حفل زفاف وقبل ان تبدأ الرقص ثم اتي بالتاية بت طلحة واتي بالطنابرة واتي بالمزارعين وارجلهم ملطخة بالطين وعراريقهم مشمرة ويتصبب منهم العرق والارجل المعروقة خارج المراكيب وتنحسر عنها السراويل واتي بالطيور ،طيور الماء والطيور المهاجرة اتي بصباح العيد وبهل كل مفردات القري ادوات الزينة من الفدو والشف والزمام والرشمة والمطرق والختم ثم يغوص الي الكاحل لكي يظفر بالحجول والسكسك ثم يدخل شعره في بطون الجوعي لكي يفضح الجوع الذي يخبئه الاغنياء في بطون المساكين ! ويطوف علي البيوت الساكنة التي تقتات الصبر ليلتقي بالاحياء الصامتين وهم في اكفان ما قبل الموت ، الموتي المؤجلين ! القدال القاريء النهم والمثابر علي قراءة شعر درويش والمتنبي وبدر شاكر السياب ومحمد مهدي الجواهري وامرؤ القيس وامل دنقل واحمد عبدالمعطي حجازي والابنودي والبردوني والمجذوب وابوصلاح وخليل فرح وازهري محمد علي ومحمد المكي ابراهيم وسان جون بيرس وكيتس وتي اس اليوت وحميد الذي قاده الي اكتشافه بيت الشعر الذي سمعه في قصيدة جديدة كان يسمعها لاول مرة يقول البيت في قصيدة نورة :- ( نورة شافت في رؤاها طيرة تاكل في جناها حيطة تتمطي وتفلع في قفا الزول البانها ). اخذ القدال يسأل عن الشاعر الذي كتب هذا الشعر حتي اهتدي الي ان الشاعر هو حميد ،قال واين حميد ؟ قيل له في بورتسودان ويعمل في هيئة الموانىء البحرية ،فما كان منه الا وان سافر وتعرف علي حميد وتصادقا بود وصفاء واثمرت صداقتهما الكثير من القصائد ، يقول حميد ان القدال له لغة عامية خاصة به وبالفعل ،فقد انتج القدال لغة خاصة من عاميات لغات قرب الجزيرة واريافها وكاد القدال ان يأتي ببيوت الجالوص وبالكرارق وبالشوارع وبالكنابي الي المدينة كما اتي بالازياء المشرورة علي حبال الغسيل عراريق ناس بلة ودمختار وقنيلات الزينة بت عجب كما ادخل منازل النجوم وعينات مواسم الزراعة ،من نجم النطع والبطين والتريا والدبران والهكعة والهنعة والصراع والنترة والصرفة والجبهة والخيرسان والصرفة والعوا و السماك والغفر والزبنان والاكليل و العقرب والشولة والنعايم والبلدة وسعد رابح وسعد السعود وسعد بلع وسعد الاخبية والفرق المقدم والفرق المؤخر ثم الحوت . ويذكر القدال عينة السماك في قصائده الاخيرة في وصف البروق . يقول الشاعر ود شوراني :- في اخر السماك ود عيني زاد لجليجو والاهو الشتاء وعقبو الخريف بعريجو فاقد لعبة المريود وحالي لهيجو جرحو الفي الضمير غلب الطبيب هليجو والقدال اتي بثقافة كثيفة وعامرة ومتشعبة وندية ارتفعت بالذوق العام وربطت الكثير من اواصر الصلات بين المدن والريف وشجعت الكثير من الشعراء الي فك شفرات اللهجات العامية من خلال جزالة شعر القدال ، والقدال شاعر عميق الثقافة وهو فنان متعدد الغوايات فهو تشكيلي وموسيقي ومنشد ومغني وخطيب ذو حضور له تأثير وترفده كثير من الثقافات في العالم الي جانب الثقافة السودانية التي سحرته وخلبت لبه واحتوته بالكامل ، والقدال انسان عطوف كالريف وبه نقاء وحين يبتسم وكأنه يسمح لك بالنظر في دواخله فلا تجد غير القري والامهات تلك البي حنهن لجني كرفة وقلدة كيف شوق اللبن رجني !! ونتساءل كيف هجر القدال دراسة الطب البشري وانخرط بعد ذلك للعمل في مساعدة العجزة كحقل لصيق باهتمامه وبمحور دراسته ثم تحول لدراسة الادارة لكنه ظل اهتمامه ونشاطه الرئيسي هو انتاج الشعر والغوص في الاهتمام بالثقافة والتوعية والارتباط بالريف اخذ حيزا كبيرا من اهتمامه بالتركيز علي الجانب السياسي اضافة للرافد الثقافي الذي ابتلع القدال وصار هو اللسان والصوت المعبر الذي يعلن موقف الريف ذو الحضور الطاغي في المدينة . حتي لتجد ان القدال قد تخلي عن اللبس الافرنجي واخذ يظهر في زي بلدي وانتقل رويدا رويدا من الجلابية والعمة الي العراقي والصديري والطاقية ثم العراقي والصديري والعمة واخيرا تلفح بالثوب الابيض الانيق وفي يده العصا وينتعل المركوب وكان له سمت الاعيان ونظار الخط الا انه كان كريما وكان شجاعا وكان فارسا حتي عند موته الذي ظل يواجهه مؤخرا كان مسامرا يعزف ويغني ولم تفتر همته ولم ينصرف حبه واقباله علي الحياة . سنفتقد حضوره وسيظل غيابه يؤرقنا ويحزننا وعزاؤنا لاسرته وكل احبابه وسيبقي شعره منارة ساطعة في سماء الثقافة السودانية . له الرحمة والغفران والخلود في عال الفراديس . عبدالواحد وراق
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Yasir Elsharif
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست