شكرا أستاذ ياسر على جلب هذه المناحة التى قل أن يعرف، حتى عدد كبير من النوبيين، عمق جراحاتها وساحق آثارها الهدامة فى كل جانب من جوانب الحياة, فيكفى ما قاله عميد المؤرخين الأفروأميريكيين تشانسلر وليامز "إن أكبر جريمة في تاريخ البشرية لم تكن الاستعمار ولا تجارة الرقيق ولا الهولوكوست ولا قنبلتي هيروشيما ونجازاكي. ولكن بناء سدى اسوان والسد العالي واغراق تلك المنطقة التى تحمل أسرار تاريخ الحضارة البشرية الي الأبد تحت اطنان من الطمي وملايين الأمتار المكعبة من الماء." وقد يسأل البعض لــمــاذا؟ فيجى الرد فى تصريح واحد من أهم مؤرخى الحضارات البشرية البروفيسور ولدوك مدير متحفي برلين وميونخ مؤكدا عظمة وأهمية تاريخ السودان مهد الحضارات البشرية، إذ "إن كل حضارات مصر واليونان وروما بنيت استعارة من التاريخ النوبي الكوشي الذي سبقهم جميعا بما لايقل عن آلاف كثيرة من السنين." فحتى آلهة اليونان و الاولمب موطنهم جبل البركل.
وعلى ذكر كارثة حلفا، أستاذنا ياسر، فهي ليست حلفا وحدها يا صديقى. فلا يعلم الناس عمق جراحات وعذابات النوبيين لما زاد عن القرن ونصف. فقد هجر النوبيون وشردوا منذ عام ١٩٠٢ عام بناء سد اسوان ثم اعيد تهجيرهم عام ١٩١٢ لتعلية السد ومرة أخرى عام ١٩٣٢ وكانت الطامة الكبري عام ١٩٦٤ عند بناء السد العالي. فكان مجموع المدن والقرى التى اغرقت وشرد أهلها وطمس تاريخها وأندثرت قبورها ومسحت من الوجود ٧٩ مدينة وقرية ويعدها بعضهم بإضافة القرى الصغيرة والحلال ب ١١٧. فكانت أقسى كارثة عرقية فى تاريخ البشرية أقسى من مذابح الأرمن والتهجير القسرى الذى مارسه ستالين فى حق الشيشان والأنجوش القوقازيين أو حتى مسار طريق الدموع فى كارثة التهجير القسرى للهنود الحمر التى خلدتها الأشعار واللوحات والروايات والإفلام والمسرحيات.
أستاذ ياسر لقد عرف النوبيون عذابات التهميش والتعدى والظلم أكثر من أى إقليم فى السودان فى مذلة وإسترخاص. فهل كلف إنسان نفسة بمعرفة أعداد النوبيين الذين أغرقوا أو ماتو نتيجة للتهجيروتغير المناخ والأمراض التى لم يعرفوها من قبل فوقعت عليهم كأبوئة جائحية، أو من كانوا ضحايا للمرافعين والذئاب والتماسيح والأصلات؟ هل عرف الناس فى السودان أو حتى فى مصر كم من شاب وطفل وشيخ نهشت الضباع أحشاءهم أو أبتلعتهم الأصلات أو لدغتهم العقارب، وكم فتاة ذهبت لترد النهر لجلب الماء فإلتهمتها التماسيح التى أقض مضجعها أرتفاع الماء فى الجزر التى غمرتها المياه بعد أن كبرت وتضخمت فى عزلتها الآمنة تلك.
لذلك أستاذنا حرارة أغنية البلابل، التى جئت بها مشكورأوعمق أثرها، تفهم فى سياق تلك الخلفية للمأساة المستمرة لقرن ونصف من الزمان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة