كيف يمكن لتطوير السياحة تعزيز فرص العمل للشباب وحماية تاريخ السودان الغني
يعتبر تاريخ السودان وتراثه من بين الأعظم على مستوى العالم أجمع ولكن، ونسبة لغياب الاهتمام به وتجاهله بدأ الكثير من هذا التراث في التداعي والاندثار وهو بحاجة ماسة وعاجلة للاهتمام به. قد يكون الحل في قطاع السياحة وعمل الشباب. هنالك الآلاف من الشباب يقبلون في الجامعات كل سنة ولكن بغير وظائف متاحة في سوق العمل لاستيعابهم جميعاً، وهو ما يفاقم البطالة سنوياً. من الواضح أن هاتين القضيتين يحتاجان لسياسة تفصّل تفصيلاً لهما وتفكيراً جديداً لحلهما معاً. للسودان إمكانيات هائلة لتقديمها في سوق السياحة، ويمكنني القول بكل ثقة أن تنوع الأنشطة والجمال الطبيعي يشكل مزيجاً متفرداً وجاذباً. فعلى سبيل المثال فإن محبي تسلق الجبال يبحثون عن مواقع جديدة أكثر اثارة ويمكن للسلاسل الشرقية والغربية لجبل مرة توفير ذلك. ولقد شاهدت بنفسي جمال دربات وسوني وفكري سليمان على ارتفاعات 3200 م تقريباً فوق سطح البحر، دائمة الخضرة وبها الكثير من الشلالات المائية. وشاهدت أيضاً جبال أركويت على ارتفاع حوالي 11000 قدم ومناخها يتميّز بالبرودة ويمكن أن تجتذب محبي مشاهدة الطيور. ويمكن استخدام وسواحل البحر الأحمر الممتدة لأكثر من 800 كلم في منافسات القوارب، والتزلج المائي، واصطياد الأسماك في الأعماق، والغطس الذي يعد البحر الأحمر من أفضل المواقع المحببة لعشاق الغطس على مستوى العالم. يمكن لكل هذه الأنشطة أن تسهم بالمليارات من العملات الصعبة في إيرادات الحكومة، وأن تخلق الوظائف وتضع السودان في مقدمة دول السياحة على مستوى العالم. للسودان مصدر غير مطروق للحصول على المليارات من العملات الصعبة يمكن أن يخلق الوظائف وينتشل العديدين من براثن الفقر. غير أنه، ولتحقيق هذه الإيرادات يحتاج قطاع السياحة للإصلاح الشامل. أدت جائحة كوفيد-19 إلى حدوث مصاعب اقتصادية هائلة وفقد العديد من الناس بسببها سبل كسب عيشهم. ستبدأ السياحة في العودة للمشهد من جديد بعد بدء عمليات التحصين على مستوى العالم. غير أننا لابد أن ننتبه إلى أن أي دولة، سواء كانت مشهورة بالسياحة أم لا، لابد لها لأن تبدأ من جديد ما لم تكن البنى التحتية للسياحة قائمة ولديها سياسات سياحية راسخة. ليس كافياً اهتمام علماء الآثار الغربيين بالآثار والمواقع أو اكتشافهم للمزيد منها. ملاك هذا الإرث هم الشعب السوداني، وهذا النوع من العمل يتطلب الرغبة والصبر ويمكن للآثار أن تجلب الكثير من المنافع إن تم صونها والحفاظ عليها للسواح الدوليين وللمنطقة، والأهم للدولة نفسها. وهذا يمنح فرصة كبيرة للقطاع الخاص للعمل مع الأكاديميين وعلماء الآثار لدعم هذه العملية التي يمكن أن تكون مثمرة لهم جميعاً على المدى البعيد. إذا أراد السودان أن يصبح منطقة جذب سياحي لابد من صون وحماية المواقع الآثارية التي اندثرت أو كادت. وأعتقد أن الاندثار حدث بسبب أن المجتمعات التي تعيش حول هذه المواقع لم تحس بأهميتها وثانياً بسبب انعدام المعرفة بالأهمية التاريخية لها. يمكن لوزارة السياحة (لم تظهر هذه الوزارة في التشكيل الوزاري الجديد)، ومصلحة السياحة والحياة البرية ووزارة التربية والتعليم أن تعالج ذلك بتوعية الناس بأهمية التاريخ والحضارة، والأهم من ذلك وضع حصة التاريخ والحضارة قبل حصة التربية الإسلامية نفسها في المنهج المدرسي وترتيب زيارات مدرسية لهذه المواقع الأثرية. إن مسؤولية الحفاظ على الكنوز الوطنية مسؤولية الجميع ولابد للمجتمعات أن جزءً من هذه العملية، وهذا ما يخلق الملكية المجتمعية وبالتالي الصون والحماية. الشباب السوداني ذكي وواضح وخلاق، ولكن وكما نرى في العديد من بقاع العالم إذا لم توجه طاقاتهم وقدراتهم نحو شيء إيجابي فمن السهل التغرير بهم. أنا على ثقة تامة إن الشباب لو منحوا المساحة والمسؤولية عن تطوير السياحة فإنهم سيبدعون. وبما أن إفريقيا قد وقعت على اتفاقية التجارة الحرة فإن هنالك أيضاً إمكانية لاستخدام قدراتهم الإبداعية في دفع الديبلوماسية والتواصل بالسفارات. غير أن هذا يعتمد على شرط أساسي وهو إحداث إصلاحات تعليمية في التعليم الثانوي بحيث يمنح الطلاب خيارات تشمل دورات فنية/مهنية قصيرة يمكن أن تلبي احتياجات سوق العمل وتساعدهم في تفادي الجامعة كعنق زجاجة في الحصول على العمل. إذا انطلق قطاع السياحة فإن قطاع الضيافة سيحتاج لموظفين يجيدون اللغات، ولموظفي فنادق، ولسباكين، ولفنيي تكييف، ولمرشدين سياحيين، ولمنظمين على سبيل المثال لا الحصر. أعتقد أن الأمر يحتاج إلى عقد مؤتمر رفيع المستوى يجمع كل أصحاب المصلحة لمناقشة الوضع الراهن للسياحة تعقبه ورقة عمل تحدد مستوى التعاون بين مختلف الوزارات والقطاع الخاص والأكاديميين والولاة والمحليات. إمكانية تحوّل السودان لقبلة سياحية كبيرة جداً ويجب عدم تجاهلها. وبما أن السودان يخطو للأمام فإنني أعتقد أن الشباب يمكن أن يلعبوا دوراً كبيراً في استعادة كبرياء تراث هذه الأرض عن طريق توظيف إبداعهم ومعرفتهم بالشبكة العنكبوتية في تنظيم أنفسهم لإحداث ثورة. ويمكن لإبداعهم مع حكمة الكبار والمثقفين الذين يفهمون التاريخ والبلاد أن يعيدوا تشكيل السودان كقبلة سياحية.
موسي إد مواطن دانماركي يعيش في السودان
العنوان
الكاتب
Date
كيف يمكن لتطوير السياحة تعزيز فرص العمل للشباب وحماية تاريخ السودان الغني:دانماركي يعيش في السودان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
بكرى ابوبكر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست