|
Re: السودانوية أو الوعي بالخصوصية الثقافية و� (Re: Nasr)
|
في ورقة عجب الفيا تأريخ "علمي" لتطور الوعي بالذات السودانية
ويبدو أن الوعي بالذات قديم متجدد "نشأة مستأنفة" كما قال بن خلدون في سياق آخر متخذا أشكالا شتي في عصور مختلفة
مقتطف من مقال عجب الفيا
Quote: سبقت الإشارة إلى أن الوعي بالخصوصية الثقافية والإثنية للسودان نتاج للفكر السوداني الخالص في معرفته بذاته عبر مختلف مراحل تشكله، وهي معرفة قديمة قِدم التاريخ، |
يهمني هنا التركيز علي "أشكال" بعينها في تطور السودانوية أولها الوعي الذي تطور في أيام الدول المستقلة "دولة الفونج كمثال" وثانيها ذلك الذي تطور في مواجهة المستعمر "المصري - البريطاني " وثالثها صراع الهوية في الدولة السودانية المستقلة
ففي تأريخ عجب الفيا لتطور السودانوية وقفه مهمة عند ود ضيف الله كأول الرواد في هذا السعي
نقتطف
Quote: وتتجلى الروح (السودانوية) أول ما تتجلى في وعي المؤلف بالاسم "السودان" وتقبِّله له اسما علماً على الدولة السودانية الحاضرة وذلك في وقت كانت تعرف فيه هذه الدولة بمملكة سنار وسلطنة الفونج أو السلطنة الزرقاء وكان لفظ "سوداني" يطلق صفةً على ذوي الأصول الأفريقية غير العربية. |
وهدا يعني بوضوح أن السودانوية بدأت أول ما بدأت بقبول إسم السودان ولعمري أن هذا كان عملا متقدما علي عصره إذ لا يزال كثير من السودانيين يستعيرون من إسم السودان ويودون لو أنه تم تغيره، ظنا منهم أن الأسم يشير للون البشرة أو ربما أشارة للعنصر الزنجي والذي هو بالنسبة لهم مكون واحد من مكونات البلاد
علي أن سودانوية ود ضيف كانت أشمل وأعمق من ذلك، تتجاوز حدود الإسم لما هو أهم
Quote: ومن أبرز تجليات الوعي السودانوي المتجاوز عند ود ضيف الله خلو الكتاب من أي نزعة عنصرية أو جهوية ظاهرة. فهو في ترجماته عن شخصيات الكتاب ذات الأصول الأثنية والجهوية المتنوعة لا يميز بين أحد بسبب العنصر أو اللون أو الجهة والموطن المحلي كما أنه ينظر نظرة متساوية للكل المركب من مصادر الثقافة السودانية المتعددة والمتشابكة في غير ما تحيز ظاهر. |
نتستطيع أن نقول أن فكرة ومبدأ "الوحدة في التنوع" قد تجذرت هنا في وعي هذا السودانوي الأصيل وفي وعي طلائع المثقفين التي تناسلت من بعده
وبقدوم المستعمر(المصري الإنجليزي) في أواخر القرن التاسع عشر وتطور صراعات الثقافة والسياسة في السودان كان هناك وعي آخر أشمل وأعمق قيد التكون لدي مثقفي ودعاة السودانوية وعي آخر يري الذات السودانية ك"مستلب" يكافح لإستقلال وعيه وفكره وتقافته عن وعي وفكر وثقافة المستعمر (بكسر العين)
نقتطف
Quote: يبدأ البيان بالنعي على النهضة الأدبية في مصر والشرق العربي كونها انطبعت بطابع التقليد والنقل حيث يعمد الكتاب "إلى تغيير بسيط في الأسماء وتحوير في المعنى والموضوع" ثم ينسب القطعة الأدبية أو القصة لنفسه. "والأدب صورة الحياة ومن العيب أن نضيق بحياتنا فنلتمس تصويرها بأقلام غير أقلامنا وأفهام غير أفهامنا". من هنا يقول البيان "صحت نيتنا أن نوجه هذه الدعوة إلى كل من يهمه خلق أدب محلي، لا يعتمد على الادعاء والترجمة والنقل، بأن يكون طابع النهضة في مصر والشرق العربي، الحرية في الفكرة، والاستقلال في الرأي، والعناية بخلق أدب يحمل مميزاتنا، وتكون له سماته الخاصة كما للأدب الروسي والإنجليزي والفرنسي مثلاً". انتهى. |
التقليد والترجمة المشار إليها هنا هما نتائج طبيعية لإستلاب المستعمر (بفتح العين) في مواجهة ثقافة المستعمر (بكسر العين) فالترجمات من اللغات الأوربية من انجليزية وفرنسية فتحت أذهان مثقفي عصر الإستعمار لآداب شعوب آخري (أكثر تقدما في مضمار الحضارة كما كانوا يقولون) وهذه محمدة بالطبع ولكن أدت لإنبهار بها، وسعي لتقليدها في غير موقع وموطن وهو لعمري لب الإستلاب الثقافي والحضاري (الإستلاب والصراع ضده في أساس الشخصية الخيالية مصطفي سعيد في رواية موسم الهجرة للشمال) فالسعي لمواجهة ثقافة الإستلاب والعمل علي إبداع ثقافة مغايرة أكثر صدقا في التعبير عن الذات، هو تطور خلاق في فكر ووعي المثقفين السودانيين وخطوة عملاقة في طريق إسترداد الذات السودانية في مواجهة الإستعمار الأجنبي وفي أصل بناء حركة تحرر وطني تحررا يشمل في ما يشمل رحيل جنود المستعمر كفاتحة لبناء إقتصاد وثقافة وسياسة "وطنية" ترعي أول ما ترعي مصالح شعوب السودان المختلفة
علي أن الصراع الحقيقي في الثقافة السودانية والذي أخذ في التتابع قبيل الإستقلال (متخذا مشكلة الجنوب والحرب الأهلية كشكل من أشكاله) هو صراع السودانوية ضد الإستعلاء العرقي والثقافي وضد هيمنة الثقافة العربية الإسلامية وتهميش كل الثقافات الأفريقية
وكان كتاب ماكمايكل قد وضع لبنة في مسعي الإستعلاء العروبي الخائب
كما يقول عجب الفيا
Quote: قد بلغ ماكمايكل (والذي يُحتفي عندنا بكتاباته عن أصول قبائل السودان) حدا من الوقاحة أن وصف فيه كثير من قبائل السودان الشمالي صراحة بالانحطاط والوضاعة لمجرد أنه يرى أن "نسبة الدم العربي" فيها أقل من غيرها. |
وأعجب ذلك طبعا منظري ومنافحي الثقافة العربية الإسلامية (أولاد العرب-أولاد البلد) أولئك الذين وجدوا في الجانب المظلم من الثقافة العربية الإسلامية أساسا لإيديولجية للطبقات والنخب الحاكمة .... أيديولوجية تجلت في أبهر ما يكون وفي أسمي درجات تطورها الهابط في المشروع الحضاري الذي تبنته الحركة الإسلامية السودانية وأقامت وفقا له الديكتاتورية الثالثة في تاريخنا الحديث (1989-2019)
دعونا نقتطف من مقال عجب الفيا هذا المقطع المهم عن المجذوب لتبيان أصول إستعلاء بعضا من الزنوج المستعربين علي رصفائهم من الزنوج الأقل إختلاطا وتأثرا بالثقافة العربية ويمضي عجب لتبيان موقف المجدوب ذلك السودانوي الفخيم
Quote: إن موقف المجذوب رد الاعتبار للمكون الأفريقي لم يكن موقفا هروبيا عارضا الغرض منه اشباع رغبات مكبوتة ونزوات عابرة لم تجد لها منفذا في محيطه العربي الإسلامي كما يزعم البعض. فقد عاش المجذوب حياته بكل الصدق مع النفس مما تجده معبراً عنه بدواوين شعره العديدة. وقد أصاب المرحوم الدكتور عبد الله بولا حينما قال: "إن المجذوب انشغل بصدق لا مراء فيه بموضوع اعتبار المكون الزنجي بالذات في مسألة الهوية الثقافية السودانية بل هو أول من جرؤ من أبناء جيله من قبيل أولاد العرب على أن يدعو جهرة لأصول زنجية في جملة تكوينه". (انظر بولا، شجرة نسب القول). |
Quote: وقد قادت نظرة طمبل "السودانوية" المجذوب إلى الالتفات إلى المكون الأفريقي، الإثني والثقافي، في الذات السودانية. وكان أبناء جيله والأجيال السابقة عليهم، يغفلون هذا الجانب في ذواتهم، ويكتفون فقط بالتغني بالانتماء العربي مكوِّناً وحيداً. |
وهكذا صارت أفكار"الوحدة في التنوع" و "ضد الإستلاب والتحرر من الهيمنة الثقافية" و "النضال ضد الإستعلاء العرقي والقومي" ركائز أساسية في "السودانوية"
|
|
|
|
|
|
|
|
|