بسم الله الرحمن الرحيم معنى الآية الكريمة : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } سورة الانشقاق القاهرة في : 19/1/2021 كتب / بدر الدين العتاق من الكلمات الفضفاضة في اللغة العربية والتي تتشعب عندها المعاني هي كلمة : ( كتاب ) ومشتقاتها اللغوية والدلالية وهذه المفردة بالتحديد كانت محل مذاهب فكرية كثيرة للغاية واعتمد عليها أغلب أهل التفاسير والشراح عند تناولهم معاني القرآن الكريم وحصرها في معنى ضيق جدا وهو الكلام المكتوب على الورق أو ما شابه يتسع ويضيق المعنى حول هذا الإطار ؛ كذلك من الكلمات الفضفاضة أيضاً في اللغة العربية وبالتحديد في القرآن الكريم كلمة : " أمر " ومشتقاتها اللغوية والدلالية فما يقال عن كلمة: " كتاب" يقال عن كلمة : " أمر" فيقع المعنى على حسب موقعه من الجملة أيُّهما كان ، وموضوع هذه الكلمة هي الكتاب ومشتقاته في أربعة مواضع يهمني أمرها من التوضيح هنا . الموضع الأول قوله تعالى بسورة الانشقاق : { فأمَّا من أوتي كتابه بيمينه } ؛ والموضع الثاني قوله تعالى من نفس السورة : { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره } ؛ والموضع الثالث قوله تعالى بسورة الحاقة : { فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم إقرأوا كتابيه } ، والموضع الرابع قوله تعالى من نفس السورة : { وأما من أوتي كتابه بشماله } محل موضوع المقال . محل الجدل حول دلالة كلمة " كتابيه " في الموضع الثالث لقرينة القراءة من الكتاب إذ يذاع بين الناس أن "كتاب" هنا تفيد الكتاب الورقي ليطالع عليه صاحبه يوم القيامة فيرى أعماله حينها حسنها وقبيحها وهذا خطأ ! والصواب إن شاء الله هو : ليس هناك يوم القيامة كتاباً مقروءا ًولا حاجا ! والكتاب المؤتاه للناس فرادى هو الآن وهنا بين جنبيك تطالعه ولا تكاد تعرفه من شدة ما حالت المعاني بيننا و الحوائل المحيلة للجهالة بلا ريب . معنى آخر : هذه الكلمة مرتبطة بشكل كبير بالمادة السابقة حول الآية الكريمة : { وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } سورة مريم ، والمادة الثانية لمعنى الآية الكريمة : { وإذا الصحف نشرت } سورة التكوير ، فالتراجعا في موضعهما إن شاء الله . يجب أن يفهم وضع القرينة اللغوية والدلالية على كلمة : " أوتي " لمعرفة معنى كلمة "كتاب" فالإتيان هو بطبيعة الحال من الكلمات الفضفاضة أيضاً لكن في إطار محدود وهنا يفيد الغائب القريب من جهة ومن جهة ثانية يكون معنى الإتيان : تصنيفاً بين المفهومين والغرضين للمجموعات الثلاث اليمين والشمال ووراء الظهر . يفيد معنى الإتيان : التمييز والتفريق والتصنيف والتعريف للأفراد والجماعات يوم القيامة للمقامات فيؤتى كل فريق منهما ( يعني : يصنف ويميز ويفرق ويعرف ) مصيرة المحتوم للجنة أو للنار وهذا الحال من الوضع لاحقاً والآن عملياً يسمى " الكتاب " وبغض النظر عن حال أي فريق منهم - من الثلاثة فرق - فهذه المجموعات اليمينية أو الشمالية قرأت كتابها فعلياً وباشرته حركياً بعد أن كان مبهماً لهما ومجهولاً ؛ فعملية القراءة عملية تحقيق موعود الإتيان المصنف لكل مصير محتوم لحال كل فريق وكل هذه الأحوال سماها الله تعالى بــــــ (الكتاب) إذاً الكتاب هنا يعني : الحال ، بدون تفاصيل . أبعد من ذلك قليلاً : الإتيان عطاء ومنحة وتصريف وتعريف وتحقيق للعدالة الإلهية للناس بصورة عملية فوجب على طائفة منهم أن يكونوا من أصحاب اليمين ووجب على أخرى أن يكونوا من أصحاب الشمال كل حسب ما يجد من خيرٍ يراه أو ما يجد من شرٍ يراه ؛ إذاً الإتيان لا يعني بالضرورة أن يكون مرسوماً دستورياً ورقياً بل أصلاً لن يكون هناك ورقاً دستورياً مرسوماً في صفحات كتاب كما نفهمه اليوم وفي الحقيقة ليس غير ما ذكرته أعلاه من صوابٍ إن شاء الله . أبعد من ذلك بكثير : الإتيان وراء الظهر ما هو وكيف يكون ؟ حسناً الإجابة إن شاء الله : ليس هناك أيضاً كتاباً ورقياً مخطوطاً يؤتاه المرء الآن أو يوم القيامة بهذه الكيفية التي يتوهما الناس خلف ظهرانينا أو قل : خلف ظهرك ! . بمعنى أوسع ، كلمة : " وراء " من المعاني المتضادة في اللغة أي التي تحمل معنيين مختلفين وتصرف في الجملة صياغياً حسب المراد من الجملة للمعنى المراد ؛ ومعناها : الخلف والأمام ؛ وفي موضعها من الجملة / أي : من الآية الكريمة / يقول البعض لما سار بين الناس من قديم الزمان وهو من صياغها حسب فهم البعض أنه يؤتى كتابه خلف الظهر لمن يتمنع ويتذاكى ويتحذلق ويأبى تناول كتابه بيمينه أو بشماله فيضع يده خلف ظهره ظاناً بذلك الصنيع أنَّه يغير من محتويات الكتاب السالبة والموجبة للمصير الشمالي ؛ وهذا خطأ ! والصواب أخذها بالمعنى الحقيقي الثاني وهو " الأمام " إذ يبسط للناس أعمالهم أمام أعينهم لا من خلف ظهورهم تصنيفاً وقدراً مقدوراً جزاءاً وفاقاً ؛ فيرونها رأي العين بلسان الحال الجديد إما جنة لذات اليمين وإما ناراً لذات الشمال { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } سورة الحاقة ؛ وهذا العرض المعروض بلسان الواقع الحالي على الناس لا يكون خفية حياء أو خجلاً من البعض أو تقصيراً في العدالة الإلهية - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - فأي إنسان له ما يشغله عن الآخر اليوم وغداً . لنبسط المعنى أكثر : نتعارف نحن في السودان تحديداً على مصطلح "وراء" بأنه "أمام" كأن نقول مثلاً حال كان هناك إثنان أو أكثر وهم على الطريق أو الشارع العام يقصدون مكاناً بعينه / دقق الفهم وأعمِل التفكير في ضرب هذا المثل لتستعين به على فهم المادة بشكل أوسع / فيقول أحدهم للآخر : وراءنا مشواراً طويلاً جداً ! - { ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً } سورة المزمل - ، لاحظ : استعمال " وراء " وهم ينظرون أمامهم ويقدرون طول المشوار نحو المقصد ولا تجد أحدهم يصحح الآخر لغوياً باعتبار أن المعنى المقصود من الكلمة الدلالية هي الأصل في تحقيق حال الفهم والفكر لطول المشوار والاستعمال هنا كما لا يخفى على ذي عينين لا غبار عليه من ناحية سلامة وجودة المفردة اللغوية . قلت : إن المعنى الحقيقي لكلمة : " وراء " من المعاني المتضادة في اللغة العربية التي تحمل معنيين مختلفين في آن واحد فلماذا يكون تحقيقي للمعنى الثاني وهو ( الأمام ) أصيلاً ؟ حسناً ! الإجابة : نحن نعلم كلنا / البشرية جميعها من لدن أول إنسان على سطح الأرض ولآخر إنسان تقوم عليه القيامة بلا استثناء / أن يوم القيامة عملياً وحالاً بلسان التحقيق هو وراءنا بحيث لم نراه بعد من ناحية معنى " وراء" - وراء / الخلف - ؛ وراء ظهرنا لم يتحقق بعد ولم يأت ولكن موعود الله لنا ولكم لا بد آت " وفي ذات الوقت هو أمامنا ( وراء هنا / أمام بحيث مشوارنا الطويل جداً على ظهر الحياة الدنيا نحو يوم القيامة لا بد من تحقيق موعود الله لنا بوصولنا لغاية الدار الثانية - الأخرى / الآخرة - عملياً وحالاً بلسان التحقيق بلا ريب ) من حيث توافق المفردة للمعنيبن : خلف وأمام ؛ فليس في كتاب الله تعالى القرآن الكريم حرفاً ليس في موضعه الصحيح ؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . بقي أن نذكر من تمام الآية الكريمة { ظهره } معنى كلمة : " ظهره " أو قل : " وراء ظهره " هذه الجملة بالتحديد : وراء ظهره . تفيد بما لا يدع مجالاً للشك / أمامنا وخلفنا في آنٍ واحد كما ترى / بأن الغيب ليوم القيامة بلسان الحال الجديد والتصنيف والتعريف للأفراد والجماعات المذكور سابقاً هو من ذروات الغيب التي لا يعلمها إلا الله وحده جل شأنه وتبارك سلطانه ؛ لذا كان إستعمال المفردات اللغوية والدلالية تقع موقع الفهم منها بلسان التحقيق على مدى الزمان وهي كتاباً خلف ظهورنا من مقام الغيب الذي لا نعلمه بحال من الأحوال ؛ قال تعالى بسورة الأعراف : { يسألونك عن الساعة ايان مرساها ؟ قل : إنما علمها عند ربي ! لا يجليها لوقتها إلا هو ! ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة ! يسألونك كأنك حفي عنها ! قل : إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ؛ فأنت ترى الفرق بين المفهومين والغرضين والفريقين لقضية واحدة وهي قضية كتابنا الذي نقرأه اليوم وغداً ولكننا في غفلة منه بلسان الحال إلا من رحم الله . إذا فهمت هذه المادة فقد علمت العلم الذي لا جهل بعده من حقيقة الأمر والمعنى المحقق فيما أختلف عليه البعض وما أثبتناه هو حال كتابنا الذي نقرأه كل يوم ولا نعلمه إلا بغتة لمن غفلت عقولهم وقلوبهم ؛ والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
بدر الدين العتاق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست