رحم الله الامام الصادق المهدى ذكرياتى لثلاثة ايام عمل بالقرب منه

Quote: مَوْت الصَّادِق.. صادِق <إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ> الزمر (30) . للموت رهبة وإحترام، وتوقيرٌ لمقام وأرحام، وله في عُرْف أهل السودان دون الناس كلهم أجمعين أدب مُرْتضى، ونهجٌ مَـتَـبـع، تميزنا به نحن السودانيون عن الأغيار، وقلده من سكن الديار، فكنا وزلنا نختلف في الرأي دون المساس بالأعراض للأغراض، فظلت لذلك اللحمة القبائل والأعراق متماسكة رغم الخلف والصلف إلا ما كان يبتدره غالب العسكر، وهم لا يمثلون إلا حقارة منبتهم، فأغلبهم قد قُـذِف من فرج خضراوات الدمن. ظل الصادق المهدي، رحمه الله عليه، طوال حياته المديدة متمسكًا بطبع النبلاء، لا يشتم الناس، ولا ينتصر لنفسه بأتباعه الكثر وهم على كثرتهم هذه كغثاء السَّيل، وهذا من فضل الله على السودان، والحمدلله! . لم أجد ممن تقاطعت لي معهم سبل السياسة أن أعزر الصادق المهدي (1935م - 2020م)، رحمه الله عليه، فيما يفعله ويقوله ويقره ويسكت عنه، ولكن كلهم أجمعين يعترفون للرجل بدماثة أخلاقه وسلامة سريرته، ظل الرجل يختلِف مع/معه الكل بدءًا من محمد أحمد المحجوب (1908م - 1976م)، وإنتهاءً بأحزاب وتجمعات قوى إعلان الحرية والتغيير، بل من داخل حزبه إختلفوا معه وإنشقوا عنه، وحفظوا له مقامه وأدبه معهم، ومنهم الزعامات التقليدية لحزب الأمة، مثل الدكتور آدم موسى مادبو، ومنهم ابن عمه مبارك الفاضل المهدي الذي كان -ولايزال- كبَنْدول الساعة، ما افتك يتأرجح دَوْمًا يمنة ويسرى، حتى حسبت بأن الرجل مُصاب بالباركنسون! ظل مبارك المهدي، يتأرجح بين ايديولوجيات لا تجتمع البتة، إلا لمصلحته هو فقط، فهو السادن (نميري) وهو المتوالي (الإنقاذ)، وهو العميل (الأمريكان)، وتأرحجه هذا لطبعٍ براغماتي فيه (إنتهازي)، هذا رجل يطول شرحه! ثم انشق عنه -أي عن الصادق المهدي- ابنه الذي من صلبه عبدالرحمن الصادق المهدي، فعمل مستشار -ملوش لزمه- للص القاتل عمر البشير، الذي قَوض حكم ابيه بإنقلاب عسكري في ليلة 30 يونيو 1989م، وقتل لاحِقًا من أهله في دارفور (300) ألف مدني، وبهم أصدرت ضده مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة أمر قبض (مذكرة أوكامبو)، ولاحقته المحكمة ولا تزال تلاحقه حتى شهرنا هذا في يومنا هذا (26 نوفمبر 2020م)، أقول أن الـ300 ألف مدني هم من أهل عبدالرحمن الصادق المهدي، وذلك لأن "مقبولة" الدارفورية، هي والدة عبدالرحمن محمد أحمد المهدي (1885م - 1959م)، وهي -أي مقبولة الدارفورية- جدة الصديق عبدالرحمن محمد أحمد المهدي، والد الصادق الصديق عبدالرحمن محمد أحمد المهدي. وعن انشقاق ابنه عبدالرحمن الصادق المهدي، قال الصادق المهدي مأثورة الشيخ/ فرح ود تكتوك (ولد وعاش في القرن الـ17)، عندما سألوه عن قبيلته وهو من البطاحين، قال: أنا منهم وباري منهم! قال ذلك لإشتهار قبيلة البطاحين حينذاك بالهمبتة (سرقة الإبل). وبخلاف إنشقاق ابنه عبدالرحمن الصادق المهدي، فإن المنشقون عن حزب الأمة القومي كان مرد إنشقاقهم -كُلٍ على حده- لإنفراد الصادق المهدي، رحمه الله عليه، برئاسة الحزب طوال 56 سنة (من نوفمبر 1964م إلى نوفمبر 2020م أي حتى وفاته)، وبتنصيب أهل بيته في المكتب القيادي لحزب الأمة القومي متجاوزًا بذلك الديمقراطية والقياداته التاريخيه للحزب! فكان <كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا...> النحل (92). . ومما يؤخذ على الصادق المهدي، رحمه الله عليه، والتي تُعد من كبائر دنيا السياسة، أنه قَوى نظام الإنقاذ، بتوقيعه لثلاث إتفاقياته معها: 1. إتفاق جنيف مايو عام 1999م، الذي نادي بعده لعقد مؤتمر جامع (نظام/معارضة). 2. إتفاق ما عُرِف بـ"إتفاق نادى اتفاق جيبوتي" في 25 نوفمبر 1999م. 3. إتفاق "التراضي الوطني" في 20 مايو 2008م. . ومن قبل انفض من حوله ساسة كِبار، تواضعوا أن يكون الصادق المهدي، رحمه الله عليه، رئيسًا لهم في معارضتهم ضِد جعفر محمد نميري (1930م - 2009م)، مثل الشريف/ حسين يوسف الهندي (1924م - 1982م)، بعد أن غافلهم الصادق المهدي في لندن وسافر لملاقاة جعفر محمد نميري ببورتسودان في يوليو 1977م، وهو ما عُرِف فيما بعد بـ"مصالحة بورتسودان"، وبعد المصالحة أصبح عضو -ساكت- في الإتحاد الإشتراكي، وهو تجمع حاك نميري فيه إتحاد السادات في مصر، كان الصادق المهدي، رحمه الله عليه، على رأس المعارضة في لندن، كان "رئيس للجبهة الوطنية". . اللَّهُمَّ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ نسألُك أَن تَرَحُّم الصَّادِق الْمَهْدِيّ وتغفِر لَهُ يَا اللَّهُ ياللَّه، وأعزيكِ د. مريم الصادق، وذَوِيه وأحبابه، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ . <الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ> البقرة (150)